الدراما ودورها في النهضة ومعالجة السياسة

 


 

 

شاهدت سهرة الليلة بالليل" في قناة (النيل الأزرق) و التي قدمتها المذيعة المميزة انجود حبيب و استضافت فيها أثنين من أعمدة الدراما في السودان، الأستاذ الرشيد أحمد عيسى نقيب الدراميين السودانيين، و الأستاذ الناقد الدرامي السر السيد مدير إدارة الدراما في تلفزيون السودان، و تطرق الحديث عن الدراما السودانية و إشكالياتها و العقبات التي تعترض طريق تطورها، إلي جانب تاريخ الدراما و دور الدولة في دعم العمل الدرامي من خلال المؤسسات الإعلامية أو من خلال وزارة الإعلام و الثقافة و غيرها. و الدراما ليست هي أداة للتسلية و الفرفشة، أنما تعتبر واحدة من أهم أدوات الوعي في المجتمع، و الدراما تعالج مشاكل أجتماعية و سياسية من خلال تقديم الظاهرة كعقدة درامية و تقوم بنقدها من خلال التناول الدرامي. و الدراما في السودان مرت بمنعرجات كثيرة كان فيها الصعود و الهبوط، و للأسف لعبت السياسة دورا كبيرا في عدم ترقية العمل الدرامي و عدم الاهتمام به، لذلك كانت الدراما تصعد عندم يكون السياسي الذي يعين في وزارة الإعلام و الثقافة مؤمنا بدور الثقافة و الفنون في النهضة، و يتراجع دورها عندما تصبح الوزارة ترضية لبعض الشخصيات أو الأحزاب و يعين فيها وزير ليس له علاقة بالفنون.
قال الرشيد أحمد عيسى نقيب الدراميين السودانيين" أن الدراما تفتقد للمعايير المهنية المطلوبة رغم اتساع رقعة الإنتاج عبر القنوات و السوشيال ميديا" و أضاف قائلا "أن الدولة ظلت تتبنى الإنتاج الدرامي منذ نشأة التلفزيون في بداية الستينات و حتى وقت قريب مع اختلاف شكل التمويل بين فترة و أخرى بحسب رؤية التنظيم السياسي الحاكم للدراما في كل العالم الدراما مسؤولية الدولة" هذا صحيح أن الدولة يجب أن تكون هي الراعي الأول للدراما و تربط دور الدراما بالنهضة الاقتصادية في البلاد، خاصة أن الدراما بتلعب دورا مهما في العملية التثقيفية و الوعي المجتمعي في أي مجتمع إذا وجدت الدعم المطلوب من قبل الدولة.
و إذا نظرنا إلي الجارة مصر و دور الدراما خاصة في السينما و المسلسلات أصبحت داعم مهم للدخل القومي و يرجع ذلك إلي دور طلعت حرب في ثلاثينيات القرن الماضي و الذي أطلق عليه لقب أبو النهضة الاقتصادية في مصر ربط نمو الاقتصاد بنمو دور الفن و الثقافة في مصر، و كان يعتقد أن الثقافة باعتبارها أداة استنارية تلعب دورا مهما في عملية إنتاج الأفكار الجديدة التي تساعد على النهضة الاقتصادية، لذلك أنشأ شركة ترقية التمثيل العربي و أقام لها مسرح الأذبكية الذي تحول إلي ( المسرح القومي المصري) هذه الخطوة هي التي ساعدت في تطوير الدراما في مصر، و دفعت طلعت حرب أن يؤسس شركة مصر للتمثيل و السينما ( استوديو مصر) الذي تم افتتاحه في أكتوبر 1934م و قبل إكمال استوديو مصر بعثت مصر عددا من العاملين في مجال المسرح و السينما إلي دول أوروبا و خاصة إلي المانيا و فرنسا و إيطاليا لدراسة الإخراج و التصوير منهم أحمد بدرخان و موريس كساب و محمد عبد العظيم و حسن مراد و نيازي مصطفى و غيرهم . كان طلعت حرب مؤمن أن الثقافة و الفنون و خاصة الدارما تلعب دورا مهما في عملية الوعي الشعبي و تثقيفه إلي جانب أنها سوف تصبح إيراد داعم لميزانية الدولة. هل لنا في السودان نخب سياسية مؤمنة بدور الفن في ترقية الوعي و المساهمة في عملية النهضة.
في اللقاء قال السر السيد مدير قسم الدراما في تلفزيون السودان "أن القناة السودانية منذ تأسيسها ظلت تعتمد الدراما ضمن خارطتها لكنها ظلت تتارجح بين فترة و أخرى حتى ظهرت شركات الإنتاج مثل السعد و الصواف و أنهار و شكلت أذرع للدراما، لا تجد رؤية إستراتيجية للدراما خاصة ما بعد الثورة و الإنتاج الحالي ظاهرة صحية مفيدة لأنها تفرز مواهب و أفكار" أن الدراما مرت بأطوار متأرجحة و لكن لعب و الدارمة التلفزيونية دورا صاعدا في منتصف ستينيات و سبعينيات القرن الماضي، من خلال الفرق المسرحية المتعددة و فتح باب التلفزيون للفرق لكي تؤدي أعمالها، و دعم التلفزيون الفرق المسرحية، و كان السودانيين خاصة في المدن حيث توفر الكهرباء و التلفزيونات أن يشاهدوا الأعمال التي كانت تعرض خاصة في شهر رمضان. لكن تراجعت بعد ذلك لانقطاع الدعم المالي المطلوب، و هذا يرجع لعقليات النخب السياسية في البلاد، التي لم تستطيع أن تربط النهضة الاقتصادية بنهضة الثقافية و رعاية كل ضروب الفنون. يذكرنا بقول الأديب الانجليزي شكسبير الذي كتب أروع المسرحيات " أعطيني مسرحا أعطيك شعبا عظيما" و هناك الفيلسوف و المفكر الفرنسي فولتير الذي بدأ حياته كاتب مسرحي و قصصي ثم أصبح من أهم كتاب الاستنارة في أوروبا و من المساهمين الحقيقيين في نهضة أوروبا الاقتصادية و الثقافية و هو القائل " أختلف معك في الرآي لكن أموت في سبيل أن تقول رأيك" هاتان المقولتان تبينا أن للثقافة دور كبير في عملية الاستنارة التي حدثت في أوروبا و هي التي تأسست على قواعدها النهضة الاقتصادية.
قال نقيب الدراميين السودانيين "أن أكبر مشاكل الدراما في السودان هي الكتابة و الأخراج و ليس الممثل كما يعتقد أغلبية الناس" و أضاف قائلا " لدينا الآن تصور للإرتقاء بالدراما من خلال تدريب الشباب و تطوير الأفكار بهدف الوصول إلي مهنية عالية الجودة و الأداءإلي جانب المحتوى" هذا القول يؤكد أن فكرة تطوير العمل الدرامي و تأسيسه على أسس صحيحة لكي يلعب الدور المنوط به، فكرة مكتملة في عقل نقيب الدراميين، و معلوم أن الأفكار وحدها هي التي تسهم في عملية التغيير، و تطوير المؤسسات و الإرتقاء بالفنون. و مشكلة الشخصية السودانية و خاصة السياسية عندما تخاطبه عن الفنون لا يعترف بأنه يجهل دورها في عملية التغيير و الوعي. لذلك عندما تكون هناك شخصيات تصل لقمة العمل النقابي و اتحادات الفنانين بمختلف أنواعهم يملكون مشروعا لعملية تطوير الفنون لكي تلعب دورا مهما صنوا للسياسة في عملية البناء و النهضة، تستطيع أن تقنع السلطة أن تدعم المشروع و حتى التفكير معع أصحاب الفكرة لكيفية الدعم و البحث معهم لإرسال مجموعات تتدرب في عدد من الدول، و هي أيضا تعود لوعي وزير الخارجية الذي يستطيع البحث معه لإيجاد منح من عدد من الدول المتقدمة في دراسات الفنون و استخدام ألياتها.
و في تجارب الشعوب في الارتقاء بالفنون و لعب دور مهم في دعم الميزانية العامة للدولة، نجد أن هناك شخصيات درامية استطاع من خلال مبادراتها أن تصنع صروحا للعمل الفني. تبرز التجرية السورية التي ظهر النشاط الدرامي بعيدا عن مؤسسات الدولة من خلال مسارح الآقاليم، حتى تمت الدعوة لتأسيس (نقابة الفنانين السوريين) التي لعبت دورا مهما في تطوير العمل الدرامي ، و عندما تأسس التلفزيون السوري جعلته يخصص ميزانية من أجل دعم العمل الدرامي، و ستينيات القرن الماضي بدأت تظهر الدراما السورية الاجتماعية، و لكن تطور العمل الدرامي التلفزيوني عندما استفادت النقابة لعلاقة الدولة السورية مع دولة الأمارات التي تبنت دعم الدراما السورية ثم لحقت بها دول الخليج الأخرى.
و يجب ألتنبيه لمسألة مهمة جدا: هناك فرق كبير جدا أن تكون الدراما ناقدة للسياسة مستفيدة من مساحة الحرية المتوفرة، التي تدعم عملية الإبداع ، و بين تسيس الدراما لكي تحاول أن تدعم جانب سياسي على الأخرى. لآن تجارب العمل النقابي في السودان محكوم بشعارات سياسية دائما تدمر و لا تنهض بأي عمل. أن اللقاء الذي فتحته قناة النيل الأزرق للبحث في قضية الدراما و كيفية تطويرها لتلعب دورا مها في عملية الوعي، مسألة متوقعة من القناة التي كانت رائدة في دعم الفنون بكل افرعها. تحية للأستاذين الرشيد أحمد عيسى و السر السيد اللذان استطاعا أن يبينا مشاكل الدراما و التحديات التي توجهها و تصورهم للارتقاء بالعمل الدرامي. نسأل الله حسن التوفيق.

 

zainsalih@hotmail.com

 

آراء