الدعم السريع واهانة الاسرى هل نجرؤ على تنظيف الجرح كاملا!

 


 

رشا عوض
23 May, 2024

 

رشا عوض

اذلال الاسرى والعبث بكرامتهم وتوثيق ذلك امام الكاميرات ( قول باع، الصفع والركل والشتم فضلا عن الجرائم البشعة التي تتم داخل معتقلات استخبارات الدعم السريع ) كل ذلك هو جريمة حرب وفعل يفتقر الى المروءة تماما اذ ليس في اهانة الاسير اي بطولة فهو شخص اعزل منزوع السلاح، ولذلك فان ما نشهده من اهانات للاسرى مدان بلا مواربة!
ملف الاسرى في حروب السودان منذ حرب الجنوب قبل الانفصال، مرورا بحروب جبال النوبة ودارفور وجنوب النيل الازرق وصولا الى حرب ١٥ ابريل ٢٠٢٣ اللعينة التي نتمناها اخر حروبنا ، هو ملف حافل بمشاهد مروعة ومخجلة من القتل والتعذيب تقف شاهدا على فساد منظومتنا العسكرية: جيش ودعم سريع وامن واستخبارات.
كانت اكبر صفعة لمهنية وقومية الجيش السوداني عندما سلم زعيم الحركة الشعبية جون قرنق اسرى الجيش السوداني للصليب الاحمر بعد توقيع اتفاقية نيفاشا فيما فشل الجيش في ان يسلم اسيرا واحدا في حرب استمرت لثلاثة وعشرين عاما! لانه ببساطة كان يقتل الاسرى! وكانت منهجيته في التعامل مع الاسرى هي مقولة احمد هارون التي نقلها التلفزيون الرسمي: ( اكلو ني ما تجيبو حي وما تعمل لينا عبء اداري)
وقد رأينا كيف كان التعامل مع اسرى حركة العدل والمساواة بعد عملية الذراع الطويل وبعضهم دون الثامنة عشرة!
" خور اب عفن" في جنوب كردفان يشهد على القتل والتعذيب الذي تعرض له مئات او الاف المواطنين ليس فقط من الاسرى بل مجرد المشتبه في تعاونهم مع الحركة الشعبية!
وفي هذه الحرب رأينا الاسرى يتم ذبحهم وسلخهم ونزع احشائهم بعد قتلهم ورأينا رؤوس المدنيين تقطع ويتم التلويح بها وكل ذلك بواسطة منسوبي الجيش!
طبعا سيتكالب البلابسة على هذا البوست مرددين محفوظاتهم: انتم لا تدينون الدعم السريع الا بشرط ان يكون ذلك مقرونا بادانة الجيش!
وردي هو : نعم بالحيييييل! فانا لست ممن ترهبهم ابواق الضلال والنفاق الكيزاني فيخضعون لابتزازها، ولست من خفاف العقول الذين تنطلي عليهم اباطيل المثقفين النافعين الذين يحاولون اغراقنا في شبر ماء المفاضلة بين الجيش والدعم السريع عبر تضخيم الفرق بينهما لصالح الجيش على اسس واهية لا تصمد امام اي نقاش عقلاني! منها على سبيل المثال هذا جيش نظامي عمره مائة عام وفي الحفاظ عليه حفاظ على الدولة الى اخر الترهات!
اهم معيار لتقييم الجيش من وجهة نظري هو نوع علاقته بالمواطنين ومدى احترامه لمدنية وديمقراطية الدولة ، جيوش النازية والفاشية كانت اكثر نظامية بما لا يقاس من جيشنا فهل هي جديرة بالاحترام؟ وبالمناسبة معايير النظام والنظامية لو اختزلناها في وجود سيستم قيادي و اداري صارم فان عصابات المافيا لها نصيب وافر من الدقة في التنظيم فهل المافيا مؤسسة خيرة!
بعيدا عن ذلك كله فان نظامية الجيش تبددت وتم نسفها نسفا تحت معاول الهدم الكيزاني لدرجة ان قيادات بمستوى رئيس هيئة الاركان في الجيش تخضع لتحقيقات ابلة سناء نيابة عن حزب سياسي ارعن! اما الحفاظ على الدولة فلا ادري كيف حافظ جيشنا الهمام على الدولة ؟ حتى لو بصمنا بالعشرة على سردية الكيزان ومثقفيهم النافعين بان الخطر الماحق على الدولة السودانية هو الدعم السريع فهذا يعني ضمنا ان الجيش اكثر تهديدا للدولة لانه هو المصنع الذي انتج الدعم السريع! الم يخرج من رحمه! الم يؤدي الخلل البنيوي في الجيش الى فشله في حسم الحروب الاهلية فتحول الى مصنع لانتاج المليشيات وحتى اثناء هذه الحرب ما زال الجيش يتوكأ على المليشيات ومنها البراء بن مالك ومليشيات مالك عقار وجبريل ومناوي وتمبور وفرفور وقنبور والحبل على الجرار! فما هو المنطق في الاعتماد على جيش كهذا في تخليص البلاد من المليشيات ؟!
ان مسؤولية الكاتب كما افهمها هي اضاءة كل الزوايا المعتمة في الشأن العام ، لا تسليط الضوء بصورة انتقائية على زوايا بعينها والتعامي عن اخرى ! فحتى يكون الناس على بصيرة من امرهم يجب اضاءة الملعب كاملا!
اعاهدكم قرائي وقارئاتي انني لن اكتب انصاف الحقائق لان انصاف الحقائق في سياقات معينة تكون من اسوأ واخطر الاكاذيب!
ولن نخرج من ازمتنا هذه اذا رسمنا خارطة طريقنا نحو المستقبل بانصاف الحقائق!
عنوان ازمتنا الوطنية هو فساد المنظومة العسكرية والامنية باكملها ، تلك المنظومة التي مارست القتل والتعذيب والاذلال ضد المواطن السوداني، واستنزفت الثروة القومية وعندما ضربها فيروس الكيزان تضاعفت وحشيتها اضعافا مضاعفة كما اصبحت بطبيعتها البنيوية مهددا وخطرا ماحقا على وجود الدولة السودانية.

 

آراء