الدعم السريع يستثمر في “لوثة” عداء قحت للكيزان (2-2)

 


 

 

البرهان يصدر قرارا بالعفو عن كل من يضع السلاح من "الدعم السريع"

من بين أشد الوجوه نكراً لاعتقال الإسلاميين أنس عمر القيادي بـ"المؤتمر الوطني"، والجزولي محمد علي رئيس حزب "دولة القانون"، بواسطة قوات "الدعم السريع"، الأسبوع الماضي، هو مباركة نفر كثير من خصومهم في قوى الحرية والتغيير (قحت) لهذا التقييد الجزافي لحريتهما. ولو أرادت "الدعم السريع" اعتقالاً لإسلاميين لا جناية عليه منهم، أو بواكٍ عليهم، لما انتخب سوى أنس والجزولي. فكلاهما مبغوض في دوائر "قحت" التي تتمنى فيهم يوماً كهذا. ووجدت هذه الدوائر في اعترافات المعتقلين بدورهما والحركة الإسلامية، غض النظر عن طرائق حصول "الدعم السريع" على هذه الاعترافات من أهلها، في إشعال الحرب تأكيداً لعقيدتها أن الإسلاميين قاب قوسين من استعادة مملكتهم.
ومهما قلنا عن اضطرار أنس والجزولي إلى اعترافات فرطا فيها نوعاً ما، إلا أن شماتة دوائر مؤثرة من "قحت" فيهما باب في اللؤم وفساد الرأي كبير. فسموا اعتقالهما بواسطة "الدعم السريع" (صيد الأرانب) الذي لن يقتصر عليهما، بل سيشمل الإسلاميين كابراً عن كابر. فنادى منادٍ منهم حين سمع باعتقال أنس "الحمد لله يا رب باقي الكيزان"، وسموا الاعترافات "كب رز"، وهي عبارة عن اندلاق خفايا الرجل اندلاقاً. فقالوا إن الإسلاميين تجرسوا ولم يصمدوا صمود بلال بن رباح "أحد أحد". وعادت هذه الدوائر بالإسلاميين إلى ممارساتهم في التعذيب بما عرف بـ"بيوت الأشباح" خلال دولتهم. وقالوا لهم ذوقوا ما كنتم تذيقونه خصومكم وأنتم في سدة الحكم. وبلغ هؤلاء بشماتتهم حد الهذر الخطر. فقال أحدهم إن مفتي الإسلاميين أفتى لهم بارتداء النقاب للهرب خارج الخرطوم. وعلق: "صرتم نسوان مرة واحدة" في ذكورية قد يستنكرها نفس الزول في موضع آخر. واستباحت هذه الدوائر الإسلاميين لـ"الدعم السريع" تفعل بهم ما شاءت متى شاءت. فحيا أحدهم "شفع الجنجويد" الذين مرغوا بأنفهم في التراب.
وبلغت استباحة الإسلاميين لـ"الدعم السريع" حدود العبث. فأنس، بقول الصحافية صباح محمد الحسن، ضحية الإسلاميين قبل أن يكون ضحية "الدعم السريع"، فهو ضحية صراع بين أجنحة إسلامية. فقرأت بياناً للمؤتمر الوطني قالت به إنه جانح للسلم في وجه تيارات أخرى من دعاة الحرب. ورأت في هذا الصراع بين دعاة السلام ودعاة الحرب في الجيش مصداقاً لقول حميدتي من أول يوم في الحرب، وهو أن معركته مع بعض الإسلاميين وليس جميعهم. وزادت بأن من قبض أنس وسلمه لـ"الدعم السريع" حرم الأخير من تصوير مشهد اعتقاله لعرضه على العالمين في حملته لصيد الأرانب.
يستغرب المرء كيف يسوغ دعاة للديمقراطية والمدنية في "قحت" هذا التعدي على حرية مواطنين لم توجه لأي منهما تهمة سبقت اعتقاله، أو حتى بعد اعتقاله. ويزداد الأمر غرابة أن تجيز هذه الدوائر الاعتقال لميليشيات لا مكان لها في إعراب الدولة، ولا تفويض لها من قانون للحجر على حرية مواطن، واصطناع تهم له، لا لأنها شرعية، بل لغرض الترويج لعقيدة "الدعم السريع" في أن الجيش هو الذي اعتدي عليه في هذه الحرب، وأن الإسلاميين من دفعه دفعاً لها، بل وتزداد الغرابة أن تستبيح هذه الدوائر من "قحت" حرمة الجسد لـ"الدعم السريع"، الذي شق شباب ثورة ديسمبر 2018 حلوقهم هتافاً لتصفيته لأنه ليست من "ميليشيات بتبني دولة".
بدا لي أن خصومة دوائر من "قحت" للإسلاميين "الكيزان" تتخذ الآن شكل لوثة عداء حتى قال قائلهم في المدح بما يشبه الذم إن "الكوزنة" موهبة مثل الشعر والرسم والتلحين ليست بوسع كل أحد. وامتنع على هذه الدوائر جراء هذه اللوثة أن تنفذ إلى تحليل واقعي لهذه الحرب. فجعلت منتهى همها "الكيزان". فحملتهم جريرة الحرب التي يريدون بها استعادة حكمهم الذي لم يلقوا منه الأمرين فحسب، بل أسقطوه بكلفة عالية أيضاً. وصارت "قحت"، أرادت أو لم ترد، في حلف مع "الدعم السريع". وأحسنت "الدعم السريع" الاستثمار في هذه اللوثة. ومن خرائد هذا الاستثمار اعتقال أنس والجزولي وانتزاع الاعترافات منهم بدور "الكيزان" في إشعال الحرب وتخريب الفترة الانتقالية.
وغاب عن هذه الدوائر المنزلق الخطر الذي تقودهم إليهم لوثة عدائهم لـ"الكيزان". فهم بهذه اللوثة في غفلة عن "الدعم السريع" الذي يطلب الحكم الآن بغير هوادة وقد ينالها في واحد من مخرجات هذه الحرب، في حين أن طلب "الكيزان" الحكم دونه خرط القتاد. فهم قوة أفرغتها ثلاثة عقود من الحكم والثورة عليها من أي طاقة ولو رديفة في الحكم. وقال عادل عبد العاطي من هذه الدوائر في هذا المعنى إن الإسلاميين صاروا "مجرد حلاقيم كبيرة بلا قوة". وبدا أن "قحت" وحدها التي لم تقتنع بعد أنها هي التي استكملت بثورتها إفراغ الإسلاميين من أي مروءة لحكم لاحق إلا ضجيجاً طلباً للثأر يغطون به حرج نكسة مشروعهم.
إذا استباحت دوائر من "قحت" الإسلاميين لـ"الدعم السريع" يجازيهم على سيئاتهم بحقها كما رأينا، فلا بد أن هناك شيئاً مرتبكاً جداً في دعوتها للحرية. فبدا أن الديمقراطية عندها لا تزال مطلباً لم تتنزل ثقافة فيها بعد.

IbrahimA@missouri.edu

 

آراء