تقديم كتاب: السودان بعيون غربية، ج12، لمؤلفه البروفيسور بدرالدين حامد الهاشمي

 


 

 

 

تقديم
كتاب: السودان بعيون غربية، ج12، لمؤلفه البروفيسور بدرالدين حامد الهاشمي، دار المصورات للنشر، الخرطوم، 2021

بقلم دكتور عبد الله الفكي البشير

يُمثل هذا الكتاب الجزء الثاني عشر من مشروع ترجمة كتابات الغربيين عن السودان، خرج إلينا في سلسلة جاءت موسومة بـ: السودان بعيون غربية. يصب المشروع في توثيق تاريخ السودان، وتمحور حول ترجمة الكتابات في الحقبة الاستعمارية مما جاء بأقلام مجموعات الحكم الاستعماري، خلال القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين الميلاديين، وترجمة لما كتبه المتخصصون في شؤون السودان، عن دراسات الاستعمار ودولة ما بعد الاستعمار، إلى جانب كتابات بعض الرحالة والمحبين للسودان. نهض بهذا المشروع البروفيسور بدرالدين حامد الهاشمي، أستاذ علوم الأدوية، بدوافع كان قد بيَّنها، قائلاً: "لتعلقي وشغفي الشديدين بتاريخ السودان، خاصة في عهود التركية السابقة [1821- 1885] والمهدية [1885- 1898] والحكم الثنائي"، البريطاني المصري (1898- 1956). استهل الهاشمي مشروعه في بداية تسعينات القرن الماضي، فترجم ونشر عشرات المقالات، كما ترجم كتاب كلايف تومسون عن ثورة أكتوبر السودانية 1964، وثلاث روايات للروائية ليلى أبو العلا، قبل أن تتبلور عنده الرؤية لإصدار هذه السلسلة. ومع حلول العقد الأول من هذا القرن، تعتقت الفكرة في ذهنه، وتبلورت عنده الرؤية، فشرع في الإعداد لإصدار هذه السلسلة، فأصدر الجزء الأول منها عام 2012، ولايزال عمله فيها مستمراً. كانت الكتابات التي ترجمها إلى اللغة العربية، كلها مكتوبة باللغة الإنجليزية، وجُلها بأقلام غربية، أغلبه بريطاني. بحثت تلك الكتابات مجالات عديدة من شؤون الحياة السودانية، من بينها: التاريخ والاقتصاد والأدب والعلوم السياسية والطب والصحة والأنثوغرافيا والجغرافيا وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا، وغيرها. كما صدرت ترجمته لرواية: الطليعي الأسود، لإدوارد عطية، في يناير 2019.
ظل بدرالدين حامد الهاشمي يقوم بجمع تلك الكتابات، كما أخبرنا في مقدمته، من خلال ما يقع عليه أثناء اطلاعه في المصادر والمراجع عن السودان، أو بالسعي والتنقيب في بطون الكتب والدوريات القديمة، كما كان بعض أصدقائه من شركاء الهم يزودونه بما يقفون عليه. مثلت مجلة Sudan Notes and Records السودان في رسائل ومدونات، أحد أهم مصادر مشروعه. وهي دورية أنشأها المسؤولون البريطانيون في الإدارة الاستعمارية في السودان، صدر العدد الأول منها عام 1918، واستمرت في الصدور باللغة الإنجليزية، بعد خروج البريطانيين من السودان عام 1956، وزادت الأقلام السودانية فيها. كانت معظم كتابات البريطانيين في المجلة تدور حول التاريخ والأنثروبولوجيا. حرص الهاشمي في اختيار موضوعاته، على أن يغرف من المصادر الأولية، وينتقي الرصين من الكتابات. لم يكتف في ترجماته على إتقان الترجمة وسلامة اللغة والحرص على سلاسة النص، فحسب؛ وإنما عمد إلى تقديم المعلومات التوضيحية عن الموضوع المُتَرجَم، والتعريف بالكاتب، إلى جانب التحقيق في النص، وإضافة الإشارات المعينة للقارئ والباحث. أشتمل المشروع على ترجمات متنوعة يجد القراء فيها الترجمة لمقدمة كتاب، أو مقتطفات متفرقة من كتاب أو تلخيص فصل من كتاب، أو عرض لكتاب، أو مذكرات أو ورقة علمية، أو ترجمة لمقال أو طرف منه، أو ترجمة لرسالة. لخص الهاشمي الهدف الرئيس من مشروعه، قائلاً: "هو الإسهام بقدر المستطاع في جهد التنوير الثقافي، وتسليط الأضواء الكاشفة على جوانب من تاريخ بلادنا"، إلى جانب "اطلاع القراء (خاصة السودانيين) على جانب من تاريخ بلادهم مما قد يكون حالت بينهم وبينه حواجز اللغة أو عسر الحصول على المراجع". وأضاف بأنه يأمل كقارئ وكاتب غير متخصص وكهاو لتاريخ السودان، أن يلفت نظر القارئ لوجهات النظر الغربية.
وفي تقديري أن هذا المشروع اتسم بالجد والإتقان والاستمرار، وهو عمل جبار وفريد، وبحكم أنه عمل فردي، فهو غير مسبوق في السودان. فقد تعرَّض بدرالدين حامد الهاشمي في هذه السلسلة بأجزائها الاثني عشر، لنحو ثلاثمائة وخمسين كاتباً غربياً. تناول هؤلاء الكُتاب نحو ثلاثمائة وثلاثين موضوعاً، يتصل جُلها بالحقبة الاستعمارية في السودان، وعبَّر بعضها عن المناخ الاستعماري أيام التكالب الأوروبي على أفريقيا، ودار بعضها الآخر حول دراسات الاستعمار. وبهذا فإن هذا المشروع هو بمثابة استعادة للذاكرة الاستعمارية، ولا سبيل لاستكمال الاستقلال؛ إلا ب هذه الذاكرة والعمل على نقدها وتفكيكها، فالإرث الاستعماري، في تقديري، هو أحد أهم أسباب القعود في السودان.

استعادة الذاكرة الاستعمارية والحاجة لاستكمال الاستقلال

إن مشروع الترجمة الذي ظل يعمل فيه البروفيسور بدرالدين حامد الهاشمي، منذ تسعينات القرن الماضي، ولا يزال، وقد تمحور حول ترجمة التركة الاستعمارية، يمثل، في تقديري، أكبر إسهام فردي في السودان يصب في استعادة الذاكرة الاستعمارية. وبهذا، فهو يمثل كذلك، أقوى دعوة عملية لاستنهاض المثقفين السودانيين لتفكيك المعرفة الاستعماريةColonial Knowledge من أجل استكمال الاستقلال. ويقيني، أن هذا المشروع لم يجد مكانته العلمية التي يستحقها، ولن يكتسب أهميته وقيمته في أعلى تجلياتها، إلا بفتح ملف الذاكرة الاستعمارية للدراسة، من أجل تفكيك المعرفة الاستعمارية وكنس ما ترتب عليها. وهو الأمر الذي لم يجد اهتماماً يذكر في السودان، في حين فرغت الكثير من الدول التي خضعت للاستعمار، من محو آثاره. فقد وضعت تلك الدول دراسة المعرفة الاستعمارية من أولويات مراكزها البحثية ومؤسساتها الأكاديمية. ثم قامت تلك المؤسسات بجعل برامج دراسات الاستعمار، أحد معطيات بيئتها البحثية وجزءاً من مناهجها الدراسية. لابد من الإشارة هنا إلى أن عبدالله علي إبراهيم يُعد، حسب اطلاعي، من أوائل الذين دشَّنوا هذا النوع من الدراسات في السودان، مستخدمين منهج مدرسة ما بعد الاستعمار في دراساتهم. فقد وصف عبدالله الاستعمار بأنه "مشروع ثقافي بعيد المدي"، ودعا للإحاطة به، قائلاً: "إن الإحاطة بالاستعمار كإرث ثقافي متين يلزم في حربه البأس الفكري الشديد" . وأورد كذلك عبدالله في كتابه: ... ومنصور خالد، (2018)، قول إدوارد سعيد (1935- 2003) في كتاب: الاستشراق، بإن المعرفة الاستعمارية هي منصة للغزو والإدارة لا شغفاً بمطلق المعرفة. وأضاف عبدالله بأن سعيد، قال: إنه من الخطأ البليغ أن نستعين بالأرشيف الاستعماري وحده بغير استصحاب للأرشيف المحلي مما سماه القراءة الكونتربونتال في لغة الموسيقى.
لا جدال في أن المعرفة الاستعمارية تسربت إلى حياة وفكر وعقول الشعوب التي خضعت للاستعمار، بل وظلت تلك المعرفة تفعل فعلها في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتشكيل الأحزاب، وصناعة القادة، ومن ثم بقيت تتحكم في تسيير البلدان ومساراتها. فخروج المستعمر من الأرض، لا يعني الاستقلال كما يقول الأستاذ محمود محمد طه الذي تحدث عن هذا المعنى، قائلاً: "نحن حتى الآن مستقلون سياسياً، مستعمرون فكرياً"، وليس لدينا سوى الثقافة الغربية، وهي الثقافة التي تستعمرنا، فقد "أخرجنا مستعمرينا من أرضنا، وهي لا تزال تستعمر عقولنا" . يتجلى الإرث الاستعماري في العديد من المجالات في السودان، ولا يزال حاضراً وبقوة. كان عبدالرحمن عبدالله (1933- ؟؟؟) قد تناول في كتابه: السودان الوحدة أم التمزق، آثار الاستعمار وتمكنها من الحياة السودانية، فكتب مشيراً إلى حديث آخر سكرتير إداري للسودان وهو جيمس روبرتسون (1899- 1989) في مذكراته، وقوله: إنهم كحكام "شجعوا على التنافس المحموم بين الطائفتين الدينيتين وزعيميهما وهي سياسة يعترف بآثارها السلبية على السياسة السودانية" . هذا الحديث، مقرونا بالطبع مع معطيات أخرى، يعين على تفسير الصراع العنيف بين طائفتي "الختمية" و "الأنصار" وبين زعيميهما، وبين المثقفين وهم يسعون لاسترضاء الزعيمين، منذ قيام مؤتمر الخريجين، وحتى أصبح ذلك الصراع والتنافس المحموم، فيما بعد، ثنائية تتسم بها الممارسة السياسية السودانية. وتحدث عبدالرحمن عبدالله عن تمكن آثار الاستعمار في الحياة السودانية مشيراً لحديث بازل ديفيدسون (1910-2014) الذي قال: إنه في أغلب الحالات في المستعمرات "فإن التعليم كان من أجل تثبيت الأمر الواقع، والأمر الواقع الاستعماري على وجه التحديد" وأن نفوذ من احتلوا المواقع استمر "لأن المكاتب التي جلسوا عليها، هي نفسها المكاتب القديمة، وكذلك الملفات التي يعملون عليها، فقد تغيّر الحكام ولم تتغير مؤسسات الحكومة الكولونيالية" . وتحدث محمد عمر بشير (1926-1993) عن مخلفات التعليم الاستعماري، قائلاً: "والتعليم الذي حظي به المتعلمون لم يستطع أن يطور ملكاتهم النقدية. إذ خَلَّفَ اتجاهاً عقلياً يبلغ في دركه الأسفل الحسد. وفي أحسن صوره إحساساً بالانحراف صوب السفسطة والرومانسية" . وهذا ما عبَّر عنه جيمس روبرتسون، قائلاً: "إن النظرة للسودانيين المتعلمين كانت ملأى بالشك، ولم يكن يسمح لهم بالتعبير عن أفكارهم، كما لم يهيأوا لمهام مستقبلية" . وهذا ما أكده عثمان سيد أحمد إسماعيل البيلي (1930- 2011) عندما تحدث عن آثار التعليم الاستعماري وخطورة الجرعات المعرفية التي تشربها مثقفو الدول المستعمَرة، ولم يستثن بني جيله، حيث قال إنهم تشربوا معرفة "علمتهم الجدل ومنعتهم العمل" . ولعل الشغف بالجدل وقلة العمل عند المثقفين السودانيين أمر واضح، ولا يزال حاضراً، وقد توراثته الأجيال منذ جيل طلائع المتعلمين الذي تعلم وتربى في مدارس الاستعمار.

الحر هو من يعمل

ظل بدرالدين حامد الهاشمي إلى جانب تخصصه في علوم الأدوية والسموم، بعد حصوله على درجة الدكتوراه من جامعة إدنبرة ببريطانيا، عام 1981، وعمله في التدريس بجامعة الخرطوم، وليبيا والخليج، وحاليا بكلية الطب بجامعة السلطان قابوس بسلطنة عمان، ونيله لدرجة الأستاذية، وإسهاماته المنشوره في مجال علوم الأدوية، وإشرافه على الطلاب والمتدربين في مجاله، ظل يعمل في مشروعه هذا، بجد واستمرار نادر المثيل. وظل يستتبع العلم بالعمل، وفي هذا يقول الأستاذ محمود محمد طه: "أي علم لا يستتبع العمل فهو علم ناقص" . ظل الهاشمي يعمل باستمرار ويحرص على استتباع علمه بالعمل. وبهذا فإن الهاشمي يسهم، في تقديري، بتقديم نقد عملي للتركة الاستعمارية التي أورثت الجدال ومنعت العمل، فمبدأ العمل المستمر الذي تبناه الهاشمي يمثل تحرراً من تلك التربية الاستعمارية التي نشأ عليها طلائع المتعلمين. لعل سمة قلة العمل والكسل عند المثقفين السودانيين، أمر لا جدال فيه. كان محمد عشري الصديق (1908-1972) قد نبه لذلك باكراً، وعبَّر مذكراً بالواجبات ومتسائلاً عن أسباب التكاسل. فقد كتب في عشرينات القرن الماضي، قائلاً: "لا يزال كثير مما يجب أن يُعمل لم يبدأ فيه حتى الآن، فعلى من تقع تبعة هذا التكاسل؟" . وهذا ما يؤكد أن العلة موروثة، وتعود في جذورها إلى التعليم الاستعماري.
هنا لابد من الإشارة إلى أن هناك مبادرات وإسهامات مقدرة في ترجمة التركة الاستعمارية في السودان، منها، على سبيل المثال، لا الحصر، ترجمة جمال محمد أحمد (1915-1986) لكتاب: إفريقيا تحت أضواء جديدة (1961) الذي وضعه بازل ديفدسن، وصدر في طبعته الأولى عام 1959. كذلك استل مصطفى عابدين الخانجي من مذكرات جيمس روبرتسون: Transition in Africa: From Direct Rule to Independence الجزء المتعلق بالسودان وترجمه تحت عنوان: السودان من الحكم البريطاني المباشر إلى فجر الاستقلال، ونشرته دار الجيل ببيروت عام 1996. كان بدرالدين حامد الهاشمي قد ترجم طرفاً من مذكرات جيمس روبرتسون، تحت عنوان: "من مذكرات سير جيمس روبرتسون"، وضمّنها الجزء السابع من هذه السلسلة. هناك كذلك إسهامات ومبادرات محمود صالح عثمان صالح (1939- 2014)، منها تحريره لسلسلة الوثائق البريطانية عن السودان (1940- 1956)، التي اطَّلع على ترجمتها نخبة من الأكاديميين والمترجمين السودانيين، وصدرت عام 2012. جاءت السلسلة في اثني عشر مجلداً، وهي عبارة عن وثائق منتقاه، تشرح كيف حكم السودان خلال السبع عشرة سنة قبل استقلاله عام 1956. كما ترجم محمود كتاب: السودان، لمؤلفه السير هارولد مكمايكل (1882- 1969)، وصدر الكتاب في نسخته الإنجليزية عام 1954، وفي نسخته المعربة عام 2006. أيضاً ترجم محمود كتاب: كيف أُعد السودان الحديث: حياة ومراسلات دوقلاس نيوبولد عضو الجهاز الإداري السياسي السوداني، الذي وضعه ك. د. د. هندرسون، وصدر عام 1953. صدرت النسخة المعربة منه في ثلاثة مجلدات عام 2009. كما ترجم سيد محمد علي ديدان كتاب: تاريخ العرب في السودان (بما فيهم الشعوب التي سبقتهم وسكان دارفور)، وصدرت الترجمة في كتابين عام 2012. وظهرت كذلك في العام 2012 ترجمة سيف الدين عبد الحميد لكتاب: قبائل شمال ووسط كردفان، الذي أعده هارولد مكمايكل. أيضاً أشار عبدالسلام نور الدين في تقديمه للجزء الثالث من هذه السلسلة إلى بعض الأسماء من المترجمين السوادانيين، منهم: صلاح الدين عثمان هاشم (1922- 1988) الذي ترجم كتاب المستشرق الروسي أغناطيوس كراتشوفسكي (1883- 1951)، تاريخ الأدب الجغرافي العربي، وهناك ترجمات قام بها تاج السر الحسن (1930 -2013)، وجيلي عبدالرحمن (1931 -1990)، وعبدالرحيم أبو ذكرى (1944- 1989)، وعلى المك (1934-1992)، وعبدالخالق محجوب (1927 -1971)، والجنيد علي عمر (1924- 1980)، وهنري رياض (1927- 1995)، ومحمد علي جادين (1942- 2016)، وغيرهم مما يصعب رصده في هذه المساحة الضيقة.
تميز إسهام بدرالدين حامد الهاشمي بالاستمرارية وبالتنوع، ويكفي أنه تعرّض، كما وردت الإشارة آنفاً، إلى نحو ثلاثمائة وخمسين كاتباً غربياً. إن هذا الكم من الكُتاب مقروناً بجحم الوثائق البريطانية عن السودان، وكتابات الغربيين الآخرين، يؤكد بأننا في حاجة ملحة في السودان لضرورة العمل على تفكيك الذاكرة الاستعمارية التي أصبحت ضمن ذواكر أخرى تتفاعل في ثنايا السيرورة التاريخية. وبهذه المناسبة فإنني أجدد الدعوة، التي سبق وأن أطلقتها في مارس عام 2012، وأعدت اطلاقها في يوليو عام 2017، وفي سبتمبر 2018 ، للمؤسسات الأكاديمية ومراكز الدراسات في السودان، إلى ضرورة العمل على تبني عقد مؤتمرات عن المعرفة الاستعمارية، بهدف الفحص والتمحيص والكشف عن مراميها وأبعادها والتفكيك لمفاهيمها والدراسة لآثارها الاجتماعية والثقافية والفكرية والسياسية. إلى جانب التذكير بضرورة توجيه الطلاب في الدراسات الأكاديمية إلى دراسة المعرفة الاستعمارية في أبعادها المختلفة.

هذا الكتاب

لم يخرج هذا الكتاب، وهو الجزء الثاني عشر، من النهج والخط الذي رسمه البروفيسور بدرالدين حامد الهاشمي لسلسلة ترجماته. تمحور الكتاب حول الموضوعات نفسها، فقدم ترجمة لواحد وثلاثين موضوعاً. كان كل كُتاب هذه الموضوعات من الغربيين، عدا موضوعين، الأول مقدمة كتبها منصور خالد للطبعة الثانية من كتاب: مباني سواكن المرجانية، الذي ألفه جان – بيير قرينلو، أول رئيس للقسم العالي للفنون في المعهد الفني (حالياً كلية الفنون الجميلة والتطبيقية بجامعة السودان للعلوم والتكنلوجيا). صدر كتاب قرينلو في طبعته الأولى عام 1976، وفي طبعة الثانية عام 1995. والموضوع الثاني هو عرض لكتاب أعدته عالمة الآثار والباحثة في جامعة كمبردج البريطانية، شادية طه، بعنوان: التعلق بتراث مهجور: دراسة حالة سواكن في السودان. أعدَّ العرض جون قيبلن ونشره عام 2013.
اشتمل هذا الكتاب على إحدى وثلاثين مساهمة، تمحورت إحدى عشر منها حول: الإسلام في السودان، وأمتد إطارها الزمني من عصر الفونج وحتى اليوم. فغطت قضايا مختلفة منها، الفونج والمهدية والأسلمة وحركة الإخوان المسلمين وأثنوجرافيا الدولة الإسلامية السودانية، وغيرها. كذلك كانت هناك سبع مساهمات تمحورت حول سواكن، فتناولت تاريخها، وتراثها، وقصة الخيول في الجيش المصري وعمليات سواكن، وقصة الحياة المنزلية فيها، ومبانيها المرجانية، إلى جانب وصف سواكن الذي تضمنه هنري سيسيل جاكسون في كتابه: عثمان دقنة. أيضاً اشتمل هذا الكتاب على إسهامات متنوعة جاءت عن أبحاث البحرية الأمريكية بالسودان، والاستكشاف البيولوجي لدارفور، وسلطنة المساليت، والمهاجرون اليمنيون، ومن تاريخ الملاريا في مناطق دنقلا، والتعليم الاستعماري والوطنية، وتعليم الكبار، وتاريخ القابلات في السودان، والسياسات البريطانية وختان الإناث، وتاريخ العرب في السودان. كما تضمن الكتاب أغلب ما جاء في مذكرات دونالد هولي (1921– 2008): ريح صحراوية وعاصفة استوائية، عن السودان. أيضاً قدم هذا الكتاب مقالاً كتبه فريدريك كوكس وجاء بعنوان: "ملاحظات منزينجر عن السودان (أمريكا المصغرة في أفريقيا)، 1871". تناول المقال ملاحظات وفيرنير منزينجر (1832 – 1875) عن السودان، وهو رحالة ومستكشف وإداري سويسري الجنسية. وقد نشر كوكس مقاله عام 1953.
أما أحدث موضوعات هذا الكتاب، فهو عرض قدمته كارولاين فلور – لوبان، لكتاب: الخرطوم بالليل: الأزياء وسياسات الجسد في السودان إبان عهد الاستعمار. كان الكتاب من تأليف الدكتورة الأمريكية غريس ماري براون، الأستاذة بجامعة كنساس، (2017). ونشرت كارولين فلور – لوبان عرضها في العام 2018. وذكر الهاشمي بأن المؤلفة أهتمت بالدور التاريخي والريادي للحركة النسوية السودانية فأشارت إلى فاطمة أحمد إبراهيم، وأشارت إلى قيام الاتحاد النسائي السوداني ومجلته "صوت المرأة". وكانت المؤلفة تنظر لهؤلاء النسوة بحسبانهن رائدات ثقافيات أكثر من كونهن في حركة سياسية نسوية feminist ووطنية أيضاً. كما ذكرت (الجماعة الإسلامية الإصلاحية) الإخوان الجمهوريون، وأشارت إلى الأخوات الجمهوريات اللائي كن يقمن بنشاط دعوي لحركتهن وهن محميات بلبس الثوب الأبيض، الذي يكسبهن احتراماً وسط الناس.
حضر بعض الكُتاب في هذا الكتاب بأكثر من مساهمة، ومن هؤلاء البروفيسور الأمريكي جون فولJohn O. Voll أستاذ التاريخ الإسلامي، الذي نشر مقالاً عام 1971 بعنوان: "البريطانيون والعلماء والاسلام الشعبي في بَوَاكِير عهد السودان الإنجليزي– المصري". كما كانت هناك ترجمة لمقتطفات متفرقة من فصل بعنوان: "الأسلمة في السودان: تقويم نقدي" للبروفسيورة الأمريكية كارولاين فلو، وكان الفصل جزءاً من كتاب قام بتحريره البروفيسور جون فول وجاء بعنوان: السودان: الدولة والمجتمع في أزمة، ونشر عام 1991. قد يكون من المفيد الإشارة إلى أن البروفيسور جون فول، قبل نيله درجة الدكتوراه من جامعة هارفارد عام 1969، عن الطريقة الختمية، كان قد زار الأستاذ محمود محمد طه وطرح عليه عدة أسئلة، وجاءت الإجابات على الأسئلة في 17 يوليو 1963. تمحورت الأسئلة حول الطرق الصوفية، والطريقة الختمية، والسيد علي الميرغني، وعن دعم الأحزاب السياسية في السودان لقيام دولة إسلامية، وغيرها من الأسئلة؟ . كذلك حضرت في هذ الكتاب الدكتورة يهوديت رونين الأستاذة في جامعة بار إيلان الإسرائيلية، بمقالين، الأول بعنوان: "بين المهدية وحركة الإخوان المسلمين: الاستمرارية والتغيير في الراديكالية الإسلامية في السودان" نُشر عام 2007. والمقال الثاني بعنوان: "ظهور وسقوط حسن الترابي: فصل فريد في تاريخ السودان السياسي" نشر عام 2014. وسجل البروفيسور بيتر هولت (1918 – 2006) حضوراً في هذا الكتاب بعملين، الأول مقال طويل عن "عائلات الأولياء الصالحين والإسلام في السودان"، أما العمل الثاني فهو كتاب كان قد قام بنقله إلى الإنجليزية، وقامت الدكتورة الأمريكية هيذر شاركي الأستاذة بجامعة بنسلفانيا بتقديم عرض له تحت عنوان: "سودان الأنيال الثلاثة: ترجمة بيتر هولت لمخطوطة (كاتب الشونة)". وقد ظلت هيذر شاركي حاضرة في أجزاء مختلفة من هذه السلسلة من خلال إسهامات عديدة، منها، على سبيل المثال، عرض لكتاب البروفيسور جانيس بودي: تمدين النساء: جهود البريطانيين في السودان في عهد الاستعمار، (2007)، وقد نُشر العرض بعنوان: "السياسات البريطانية تجاه ختان الإناث في السودان"، عام 2008. كذلك استدعى هذا الكتاب هنري سيسيل جاكسون مرتين.
نلاحظ في هذا الكتاب، كما هو الحال في أجزاء السلسلة الأخرى، أن الغربيين الذين قاموا بمراجعة أو عرض بعض كتابات الغربيين في الحقبة الاستعمارية عن السودان، كانوا هم أنفسهم من أكثر المساهمين في مجال دراسات الاستعمار عن السودان، سواء بإعداد الدراسات أو بعرض مساهمات زملاؤهم في مجال دراسات الاستعمار عن السودان.

دراسات الاستعمار عن السودان والحلقة المفقودة في إسهامات بعض الغربيين

لا جدال في أن الأكاديميين الغربيين هم من استهل دراسات الاستعمار عن السودان. ولا جدال أيضاً في أنهم الأكثر إنتاجاً من السودانيين الذين ليس ليهم إسهاماً يذكر، سوى القليل جداً. فقد ظل الغربيون ينشرون باستمرار دراساتهم عن السياسة الاستعمارية تجاه التعليم، والمرأة، والتاريخ، والهوية، واللغة، والعرق، وإنشاء المدن، ومقاومة الاستعمار، وتشكل الايدولوجية الإسلامية... إلخ. لقد ضمَّن الهاشمي في سلسلته هذه، العديد من إسهامات الغربيين. إن الحلقة المفقودة في الكثير من إسهامات الغربيين بشأن دراسات الاستعمار عن السودان، حسب إطلاعي وبناء على النموذج الذي سنتعرَّض له، تتمثل في ضعف انفتاحها على الأرشيف القومي السوداني المكتوب باللغة العربية، لاسيما الإرشيف الصحفي. كما أن تأخر السودانيين في دراسة الإرث الاستعماري، سواء باللغة العربية أو الإنجليزية، إلى جانب ما تعانيه دراساتهم من ضعف الانفتاح على الأرشيف القومي السوداني، كما لاحظنا وأشرنا إلى ذلك في دراستنا: صاحب الفهم الجديد للإسلام محمود محمد طه والمثقفون: قراءة في المواقف وتزوير التاريخ ، ألقى بظلاله سلباً على إسهامات الغربيين. من المهم التأكيد على أن الغربيين المعنيين هنا، هم أولئك المتخصصون أو أصحاب الإسهام في دراسات الاستعمار عن السودان. وغني عن القول أن الكثير منهم يتقن اللغة العربية، ويجيد التعاطي مع المصادر المكتوبة باللغة العربية، كما تبين دراساتهم. وعلى الرغم من ظهور الإشارات للأرشيف الصحفي وللمصادر السودانية المكتوبة باللغة العربية، في منشوراتهم عن دراسات الاستعمار، إلا أننا لم نجد أثراً لذلك في دراساتهم التي تناولت ثورة رفاعة التي أندلعت يوم الجمعة 20 سبتمبر 1946 بقيادة الأستاذ محمود محمد طه، والتي ارتبطت بقضية الخفاض الفرعوني. لقد اعتمد الغربيون في مصادر دراستهم لثورة رفاعة/ الخفاض الفرعوني، على تقارير الإدارة الاستعمارية، أو دراسات معيبة أعدها بعض السودانيين ، كما وردت الإشارة آنفاً، لذلك كان من الطبيعي أن يصفوا ما حدث في رفاعة بالشغب وليس ثورة. كذلك لم ترد أيّ إشارة للبيانات التي أصدرها الأستاذ محمود محمد طه، خلال عامي 1945- 1946، ومقالاته وأحاديثه اللاحقة. والنماذج من دراسات الغربيين التي تعبّر عن ذلك كثيرة، ولكنني أقف هنا على نموذج واحد من نماذج دراسات الاستعمار، لأقدم إشارات موجزة يمكن من خلالها التأكيد على صحة ما ذهبنا إليه، مع التذكير بحاجتنا للتحرير من الثقافة الاستعمارية.

نحو التحرير من الثقافة الاستعمارية

إن النموذج الذي سأقف عليه هنا، بإيجاز شديد، مع الوعد بإعداد دراسة عنه لاحقاً، هو كتاب البروفيسور جينس بودي: تمدين النساء: جهود الصليبيين البريطانيين في السودان في عهد الاستعمار، (2007) Civilizing Women: British Crusades in Colonial Sudan. ولعل اختياري لهذا الكتاب كنموذج لتسليط الضوء على ما ورد فيه بشأن ثورة رفاعة، يعود لاهتمامي الخاص بالموضوع، كما أنه يؤكد حاجتنا للتحرير من الثقافة الاستعمارية، لا سيما في موضوع ثورة رفاعة، إلى جانب أن ما تعرض له الكتاب عن ثورة رفاعة قد وردت إليه الإشارة بصورة متواترة في هذه السلسلة. فقد استعرضت هيذر شاركي الكتاب بعنوان: "British Policies towards Female Circumcision in Sudan، ونُشر العرض في العدد (49) من مجلة التاريخ الأفريقي The Journal of African History عام 2008. وجاء العرض ضمن هذا الكتاب، تحت عنوان: "السياسات البريطانية تجاه ختان الإناث في السودان". كما سبق لبدرالدين حامد الهاشمي أن قام بترجمة جزء مما ورد في كتاب بودي عن ثورة رفاعة، ونشره بعنوان: "تمدين نساء السودان: ختان بنت رفاعة الذي أثار الأستاذ [محمود محمد طه]"، في صحيفة الأحداث، 13 أغسطس 2009، الخرطوم، كما ضمَّنه الجزء الأول من هذه السلسلة. إن كتاب بودي يُعد من الكتب الهامة والأشهر في مجاله. تكوّن الكتاب من ثلاثة أجزاء، جاءت في اثني عشر فصلاً، إلى جانب المقدمات والفهارس وقائمة المصادر والمراجع، ويقع في (402) صفحة.
خصصت جينس بودي في كتابها محوراً بعنوان: "رفاعة"، تناولت فيه ثورة رفاعة، ضمن الفصل الحادي عشر، الذي أفردته لقانون الخفاض الفرعوني. نظرت جينس بودي إلى ثورة رفاعة باعتبارها، أعمال شغب، وأن الأستاذ محمود محمد طه سُجن لقيادته تلك الأعمال. فقد كتبت في صدر دراستها، قائلة: "محمود محمد طه: قائد الحزب الجمهوري السوداني، سجن لقيادته أعمال شغب ضد قانون ختان الفرعون عام 1946" . كان شأن بودي في دراستها شأن كل الدراسات التي نشرها الغربيون عن ثورة رفاعة، مما وقفت عليه، خالية من الإشارة إلى الأرشيف المحلي الذي تضمن وقائع الأحداث وأخبار الثورة. فقد خلت الدراسة من البيانات التي عبرَّ فيها الحزب الجمهوري عن موقفه الرافض لقانون الخفاض الفرعوني بسبب صدوره من المجلس الاستشاري لشمال السودان، الذي أنشأته الإدارة الاستعمارية عام 1944، وجعلت عمله قاصراً على المديريات الشمالية. وكان الأستاذ محمود، فور قيام المجلس، قد أعلن بأن هذا المجلس ما هو إلا فصل مبكر لجنوب السودان، فدعا لمقاومته والمقاطعة لأي قرار يصدر عنه حتى لا تكتسب أي نوع من الشرعية . كما خلت الدراسة من أهم بيان أصدره الأستاذ محمود وحدد فيه موقفه من عادة الخفاض الفرعوني والقانون، وهو "بيان الحزب الجمهوري عن مشروع قانون الخفاض الفرعوني" ، الذي صدر يوم 10 ديسمبر 1945. كما بيَّن الأستاذ محمود في العديد من البيانات والمقالات والمحاضرات واللقاءات الصحفية التي أجريت معه، بأن الخفاض الفرعوني كعادة متأصلة ومتجذره في السودان لا تحارب بالقانون والبوليس وإنما تحارب بالتعليم وتثقيف المرأة وتنمية الوعي . الأمر الذي لا نجد له أثراً في دراسة جينس بودي. لقد أستندت بودي في ما أوردته عن ثورة رفاعة في دراستها، على تقارير الإدارة الاستعمارية، ولم ترد إشارة واحدة للأرشيف المحلي، سوى إشارات جاءت ضمن تلك التقارير. الأمر الذي يجعلنا نتسأل كيف يمكن أن تستقيم دراسة ماحدث في رفاعة عام 1946 دون الاطلاع على المصادر المحلية؟ وكيف يمكن دراسة موقف الأستاذ محمود من قانون الخفاض الفرعوني دون أن نقف على بياناته وآرائه أوانئذ؟ إن اعتماد جينس بودي على تقارير الإدارة الاستعمارية في دراستها لما حدث في رفاعة، أضاع عليها الفرصة للنظر في ما حدث كثورة، وليس شغباً.

قبل الختام

لا شك أن البروفيسور بدرالدين حامد الهاشمي قد فتح للأكاديميا السودانية من خلال هذه السلسلة، منجماً معرفياً، يتكشف مع كل يوم قيمته، وضخامة حجم ما يتطلبه من عمل. وإن كان هناك ثمة ملاحظة على هذه السلسلة بأجزائها المختلفة، فهي ملاحظة تتصل بالمنهج المتبع في تبويب الموضوعات. فلقد أبرزت السلسلة أن الكتابات التي وردت في كل جزء من أجزائها، تستمد وحدتها العضوية من كونها كتبت عن السودان، وأن كُتابها غربيون، إلى جانب أنها مكتوبة باللغة الإنجليزية. هذا صحيح، ولكنه، في تقديري، غير كافي، كما أنه لا يُعبر عن الفحص الدقيق لكتابات الغربيين. فالكتابات التي وردت في هذه السلسلة وجاءت بأقلام الغربيين ممن كانوا ضمن طاقم الإدارة الاستعمارية أو من صانعي أو منفذي السياسات الاستعمارية، مثل هارولد مكمايكل، ودوغلاس نيوبولد، وجيمس روبرتسون، وبازل ديفدسون، وهنري سيسيل جاكسون، وسيقمار هيلليسون... إلخ، تختلف كلية عن كتابات الغربيين التي جاءت في إطار دراسات الاستعمار، مثل كتابات مارتن وليم دالي، وجبريل واربورج، وهيذر شاركي، وجينس بودي، كينيث ج. بيركنز، ونوح سلمون، وإلينيا فيزاديني، ويلو بيريدج... إلخ. وبالطبع هذان النوعان يختلفان كذلك عن كتابات السودانيين باللغة الإنجليزية، والتي وردت في هذه السلسلة، مثل كتابات عبد المنعم خليفة خوجلي، وشادية طه، ومنصور خالد، وغيرهم. ولهذا، وحتى يتمكن الباحثون من المزيد من الفحص لكتابات الغربيين، فإنني أقترح على الهاشمي أن يواصل جهده المقدر ويُعمل بصره الثاقب بإعادة تصنيف موضوعات السلسلة في الطبعة الثانية مما نشر في كتبها المختلفة، وكذلك في الكتب القادمة، إما من خلال تخصيص كل كتاب لأحد الأنواع الثلاثة من الكتابات المشار إليها أعلاه، وإضافة عنوان فرعي إلى جانب العنوان الرئيس: السودان بعيون غربية، ليعبر العنوان الفرعي عن المحتوي وفقاً للتصنيف، أو اعتماد التبويب الداخلي لكل كتاب من السلسلة، بحيث يشتمل الكتاب على ثلاثة أبواب، ليكون الباب الأول مثلاً: كتابات طاقم الإدارة الاستعمارية أو من عملوا في الحقبة الاستعمارية، والباب الثاني: كتابات الغربيين عن دراسات الاستعمار، والباب الثالث: كتابات السودانيين. ويمكن للتصنيف أن يذهب إلى أدق من ذلك.
ختاماً، أود أن أتقدم بخالص شكري وعميق تقديري للبروفيسور بدرالدين حامد الهاشمي، على تشريفه لي بطلبه مني كتابة هذا التقديم، الذي أتاح لي الفرصة للتعلم والتأمل والاستمتاع. كما منحني فرصة التعبير عن صادق امتناني للهاشمي لما يبذله من جهد علمي متصل في الترجمة والتوثيق لتاريخ السودان، خاصة وأنني قد استفدت كثيراً من ترجماته في بعض مما نشرت من دراسات، وقد ثبت ذلك في قائمة المصادر والمراجع. أيضاً، أتاح لي هذا التقديم أن أعبّر عن احترامي الوافر لهذا المشروع، فهو مشروع ضخم وجاد ومحل مفخرة واعتزاز. فعندما عكفت على كتابة هذا التقديم، وجدت نفسي كتبت أكثر مما ورد هنا، ثم اختصرت، وبرغم الاختصار جاء هذا التقديم مطولاً وكأنه تقديم للسلسلة كلها وليس لكتاب منها، ولذا فإنني أستميح القراء عذراً على هذه الإطالة، فالمشروع يستحق. ولهذا حرى بنا أن نحتفي به وبصاحبه، كون الشراكة في الاحتفاء، إعلان عن التقدير واعتراف بالفضل، وإعلاء لقيمة العمل، وتداعي للبناء الجماعي. فالتهنئة للبروفسيور بدرالدين حامد الهاشمي على هذا الإنجاز العظيم، الذي يليق بالسودان، البلد العريق الأصيل، الذي تقوم دعائمه على إرث حضاري عميق الجذور، وتجارب إنسانية متراكمة موغلة في القدم، ولا شىء يحتاجه منا سوى العمل والعمل ثم العمل. والتهنئة له، كذلك، على هذا العمل الدؤوب المستمر الذي يليق بواجب المثقف الحر وبالعلماء وبدورهم، حيث العلم المستتبع بالعمل، كما يقول الأستاذ محمود محمد طه، فالمعارف، كما يقول أيضاً، إن لم تتحول إلى سلوك فلا قيمة ولا معنى لها.


عبدالله الفكي البشير
مدينة كالجاري، ألبرتا، كندا
الجمعة 25 يناير 2019

ثبت المصادر والمراجع

عبدالرحمن عبدالله، السودان: الوحدة أم التمزق، ترجمة الفاتح التجاني، ط1، رياض الريس للكتب والنشر، 2002، بيروت.
عبدالله الفكي البشير، "إسهامات عبدالله علي إبراهيم في تفكيك المعرفة الاستعمارية: ثورة رفاعة نموذجا"، صحيفة سودانايل الإليكترونية، استرجاع بتاريخ 24 يناير 2019، الرابط: www.sudanile.com/100374
عبدالله الفكي البشير، "الذكرى الـ 70 لإطلاق سراح الأستاذ محمود محمد طه قائد ثورة رفاعة من سجن الاستعمار"، 21 سبتمبر 2018، موقع الفكرة الجمهورية على الإنترنت، الرابط: www.alfikra.org/files/bnxnz4ajmy.pdf
عبدالله الفكي البشير، "المعرفة الاستعمارية وإرث السودان السياسي قراءة في إسهامات البروفيسور عثمان النقدية، ندوة: جهود أ. د. عثمان البيلي العلمية وعطاءاته الإنسانية، كلية الدراسات الإسلامية في قطر، مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، الدوحة، الاثنين 26 مارس 2012.
عبدالله الفكي البشير، صاحب الفهم الجديد للإسلام محمود محمد طه والمثقفون: قراءة في المواقف وتزوير التاريخ، رؤية للنشر، القاهرة، 2013.
عبدالله علي إبراهيم، بخت الرضا: التعليم والاستعمار، دار عزة للنشر، 2010.
محمد عشري الصديق، آراء وخواطر، وزارة الإعلام والشؤون الاجتماعية، الخرطوم، 1969.
محمد عمر بشير، تاريخ الحركة الوطنية في السودان (1900- 1969)، ترجمة هنري رياض وآخرون، الدار السودانية للكتب، الخرطوم، بدون تاريخ نشر، ص 143- 165
محمود محمد طه، "A letter to Mr. John Voll"، من موقع الفكرة الجمهورية على الإنترنت، الرابط: www.alfikra.org/talk_page_view_e.php?talk_id=7&page_id=1
محمود محمد طه، "تعالوا إلى كلمة سواء: الإسلام رسالتان [12-15]"، صحيفة أنباء السودان، 1 أبريل 1962.
محمود محمد طه، الدعوة الإسلامية الجديدة، ط1، أم درمان، 1974.

المراجع باللغة الإنجليزية

Janice Boddy, Civilizing Women: British Crusades in Colonial Sudan, Princeton University Press, Princeton and Oxford, 2007.

abdallaelbashir@gmail.com
///////////////////

 

آراء