الدكتاتور الصغير
عبد الله الشقليني
23 March, 2013
23 March, 2013
abdallashiglini@hotmail.com
(لا تسافر الى صحراء القلب بحثاً عن العواطف النبيلة ،فلن تجد في الصحراء غير الوحشة.)
(1)
لا أعرف اليوم ولا التاريخ ولا الساعة . ولا الزمان الذي يجرؤ أن يُكْتَب عن الدكتاتور الصغير أكثر من كل المنتظرين المفاجأة ، حين يلملم التاريخ أوراقه في ملف أصفرٍ صغير متهرئ ، يحكي سيرة أوجعت الكثيرين والكثيرات ويتّمت الأطفال بلا مُبرر مُقْنِع . لم أعرف للسلطان كرسياً يستعذب الجالس عليه نِعمة أن يكون الآمر الناهي ، وهو لا يدري كم سيصبح من بعد دهرٍ نَما وخطوبِ . إن الأسى أكبر من وصفه باللغة المكتوبة ، إلا أن يتيسر أن تبصره عياناً وتتحسس ما حلَّ برُكام البشر حين يصبحون بضاعة ميتة بسببه ، بعدما كانوا بشراً تجري عروق الحياة في أوصالهم ، فتتعرّف على الدكتاتور الصغير ، كعقرب صغيرة سوداء خرجت من فتحات الأرض الصخرية ، تحمل من سمّ زعاف ، تعيش على الضحايا ، و لن ينسى لدغتها مُصاب .
(2)
حلم ليلة صيف حارق :
أغمضت الزوجة الثانية عينيها ، ولم تكن تدري أن الوقت قد أزف ، وكانت تحلم أن لن تحن إلا ساعة التكريم والحفاوة ، فجاءت ساعة الحقيقة المُرّة تنطق أبلغ من كل الذي يُقال . كُسِفَتْ شمس الهيبة وأفُل نجمها ، فَتُرُوسِ التاريخ ماضية في مسيرها ، وعجلاتها التي تئن ، يحسبُها السعيد تمرُ سريعاً ويعيشها المعذبُ يرقب دقائقها البطيئة واحدة إثر أخرى.
قالت لنفسها : " لو الحياة خاتماً ماسياً في أصبعي ، لما نزعته قط " .
(3)
أيكون محروماً ممن يبكي عليه إن حانت لحظات الفراق الأبدي ؟. أهنالك من دعاء يمكِّنه أن يعبر بكَ خطواط الصراط سعيداً بالعبور السلس ؟. ربما هي جراحٌ أفلتت من المقرّبين إليه حين يموت ، ورغم الفأل ،لا أظن ذلك سيحدث إلا نادراً . فللكلب مثله صويحبات وشركاء وليمة ، ستدمُع أعينهم من أجل فراق العزّ الذي كانوا فيه، لا حزناً عليه . فقد جلسوا بسببه في وَكرة غنى السُحت. لا يهم السبيل ، فسبيل الأولين هو سبيل الآخرين على أية حال ، وخاتمة المطاف غير التي يبدأ بها المرء حياته . وأن الموت ساوى ويساوي بين الفقراء والأغنياء ، ولكن الحقيقة الصارخة أن الموت ليس المُنتهى ، وتقول بذلك كل الديانات ، قديمها وحديثها .
(4)
احتار القرين الذي بجسده التصق:
قال : ليتني قد طلّقت هذا الجسد ، ليس من منفعة أن أُلازمه طول حياتي . ربطتني به صورة مموهة بين الأنا والأنا العُليا والسُفلى ، وانزلقتُ من التاريخ ومن كهوف الديانات القديمة ، والمتجددة . وعرفت أني أخ الشيطان منذ الأزل . وعرّفوني أن من النار سِمتي وبنيتي ، ومن الضغينة ضفائر خُصل الشعر الذي يجرجر أذياله من وراء كتفي . قليلون قالوا "بيتي العقل الباطن " ففيه جنتي ومُتعتي. الآن ماذا أفعل مع هذا الكائن الصغير وعجائبه الكبيرة ؟. أمراضه أعيت كل طبيب ، والموت لا يعرف طريقاً له حتى تاريخه . فالحياة بؤرة كل مُشتكٍ من أذاه ، أو متجنباً محاسنه التي يقولون عنها في الصحافة المبذولة في الطرقات . فالكلمة التي تخرج من قلبه قبل لسانه ، مغموسة في دم العرقية والثقافة المنخفضة السقف ،في لغته ساعة الغضب وساعة الصفاء. منها أخذتْ شجاعتها أن تتبدى دون أن تستحي وخرجت من فمه ريانة باللؤم ، كأن صاحِبها من نسل النبيين ، أو كأنه من أرومة لا تحمل عرقاً دساساً !!.
(5)
يقولون عادة " عندما لا تكون هنالك أخبار جديدة ، فإن الأمر سار دون شك " . ولكن عندنا أن خبر السوء يمتد مع الزمان ، يستطيل عمراً ، ويكتسي عظمه لحماً ، ويفقأ العيون الناظرة . جلس القرين متعجباً من أمر نفسه ومن أمر الدكتاتور الصغير الذي كُتبتْ عليه صُحبته . فعندما كان الدكتاتور صبياً كان شقياً ، وكانت روحه مشاغبة ، لا ترضى بأي شيء . وحين كان " القرين " لصيقاً به قبل أن يعتلي السلطة وأمرها قال : " أجد نفسي روحاً هائمة ، لا أثر لها فيمن حولها من بشر " . الآن تراكم العمل المديد ، وتراكمت الخبرة ، وآخر ما قاسى هو في حياته " اتخاذ قرار " ، لأنه يبصم على القرارات الكبيرة والصغيرة التي يصنعها له الآخرون ، ثم يقرءون له عنها في الصحافة الصديقة .
(6)
كانوا يقولون عنه أنه صبور ، يمُد حبال صبره إلى المنتهى ، لكنهم لم يتعرفوا عليه كما ينبغي . كان يأخذ ولا يعطي ، وينتظر طويلاً حتى يظُن أنه سيضحك آخر المطاف كثيراً . وتلك ميّزة البُخل الذي له ما بعده . لا يغضب من الذين يتحدثون باسمه ، أو يتخذون قرارات كثيرة إنابة عنه ، كأنه صانع الحكمة ، أو هو الناقة المأمورة التي وقفت حين جاءت الصدفة به إلى كُرسي السلطة. هنا يتذكر ماضٍ لم يكن فيه شيئاً مذكوراً بين أقرانه . وحان اليوم الذي يتعيّن أن يتعرّف أقرانه على قوّته وجبروته . لن ينسى الذين سَخِروا منه في مُدبر أيامهم كيف حاله الآن. كالجمل يحتمل الأذى ويصبر إلى أن يحين موعد الانتقام . ميزته أنه لا يقرأ ، بل يستمع للوشاية بشغف ويحني أذنيه للنميمة ويتخذها حقيقة مقدسة !.
(7)
كيف يا تُرى تكون النهاية : سرطان أم سكتة دماغية مثل كل المتقدمين في العمر أم هي غير ذلك "عِقاب دنيوي فضائحي" تتحدث عنه الصحافة الأجنبية قبل غيرها ويصبح " رجل التايمز" بلا مُنازع ؟! ، فمن لم يمُت بالسيف ،مات بغيره .
قال لي صديق :
( إن السلطة هي بيت الخَراب .من الخير إنْ لم يحدث من حولي تدافُع يجعلني أجلس في كرسي السُّلطة وصولجان الحكم ، لأن القيود على صاحب السلطان كثيرة ، والزّلات أكثر والأخطاء عظيمة . لأنك تحت ظلال السلطة الواحدة تنمو مشاعر القرار الجائر وتسود ، والسير على جموع الناس كالنمل تدهسها حوافر الأحصنة ،تغدو عادة يومية . وربما كان الذين يستنفعون وهم تحت ظلال السلطة أكثر مكراً ليجعلوا الحاكم هو مصدر السلطات التي بها ينفذون أغراضهم ، لذا كنت سأختار أن أكون في الظل ، على أن أكون حاكماً جائراً .)
عبد الله الشقليني
13/3/2013
///////////////