الدكتورحسن الترابى قبيل زيارته لمصر لأول مرة منذ 23 عاما

 


 

 

الدكتورحسن الترابى قبيل زيارته لمصر غدا لأول مرة منذ 23 عاما لـ(الأهرام)

أنصح  إخواننا فى مصر بتجنب خطايا تجربة الحكم الإسلامى فى السودان والإتعاظ بها

التوجس والعداء ضد مصرانتهى عهدهما ..والحرية ستؤسس لعلاقات جديدة غير زائفة بين البلدين

رياح التغيير التى تجتاح المنطقة ستصل لامحالة إلى السودان .وقد تنفجر قبلها الأوضاع فى دارفور وجنوب كردفان


أجرى الحوار فى جوبا

أسماء الحسينى-محمود النوبى

يصل إلى القاهرة غدا الأربعاء الدكتور حسن الترابى رئيس حزب المؤتمر الشعبى السودانى المعارض والزعيم والمفكر الإسلامى المعروف ،فى زيارة هى الأولى له منذ 23 عاما ناصب خلالها السلطة فى مصر وناصبته هى أيضا العداء .و يعتزم الترابى خلال زيارته إجراء حوار واسع مع القوى السياسية والشعبية المصرية .والترابى هوأول سياسي إسلامي تصل حركته للحكم في العالم العربي والعالم الإسلامى السنى ، وهو نفسه من يجنى حصاد أخطاء التجربة الإسلامية المريرة فى السودان ,و من يراجع تجربته الآن ،ويقدم إعتذارا ضمنيا عن دوره فيها ،محاولا التبرؤ من كثير من عثراتها ،بدعوى أنه لم يكن المهيمن على السلطة فيها .ولم يكتف بذلك بل هو يوجه النصح لإخوانه من الإسلاميين فى العالم العربى وسواهم من أجل الإتعاظ بتجربته فى السودان،بعد أن أكتشف دروسا كثيرة  ،من بينها أن الإنقلاب على حكم ديمقراطى أمر لايمكن تبريره مهما كانت الأسباب ،وأنه الأجدى لأى حركة إسلامية راشدة الدخول فى دولة المواطنة ، وقد التقت "الأهرام " الترابى فى جوبا عاصمة دولة جنوب السودان خلال مشاركته فى إحتفالات الإستقلال قبيل زيارته لمصر،فكان الحوار التالى :


-ستزور مصر للمرة الأولى منذ 23 عاما ...ماهو الهدف من زيارتك ؟

=نريد أن نتعرف على الشعب المصرى فى تجلياته الجديدة بعد الثورة ،فالواقع أن مصر والسودان أصبحا اليوم فى عالم متغير بعد التطورات والأحداث الأخيرة فى كليهما ،كما يجتاح التغيير المنطقة العربية كلها شرقا وغربا فى ليبيا وتونس وسوريا واليمن وغيرها .

-الزيارة للشعب المصرى أم للإسلاميين فى مصر ؟

=فى آخر زيارة رسمية لى لمصر قبل 23 عاما زرت والتقيت كل فئات المجتمع المصرى من أحزاب وهيئات ونقابات وصحف وأساتذة ،وسأفعل ذلك الآن ،سأحاول أن أرى البيت المصرى من الداخل ،وسأزور أيضا ميدان التحرير رمز الثورة .

-وسيكون للإسلاميين نصيبهم فى برنامج زيارتك ؟

=نعم ،لكن حتى الإسلاميين فى مصر ليسوا فئة واحدة،فمن بينهم إخوان وسلفيون وآخرون ،فكبت وقهر النظام السابق كان يوحد الناس ،والخطر الآن أن يتفرقوا .

-ترى أن الظروف فى مصر الآن تفرض تحديات مختلفة ؟

=أصبحت هناك الآن مصر جديدة بعد الثورة ،الحريات أتت لمصر وأتت معها تحديات وإبتلاءات جديدة ،والسودان الآن أيضا تغير وتقطع وانفصل جنوبه .

-ماهى الرسالة التى تود توجيهها إلى الإسلاميين فى مصر وأنت زعيم أول حركة إسلامية تحكم فى العالم السنى ؟

=هناك حاجة للتجديد وهناك فرق بين الثبات والجمود ...ولكننى إذا انتقدت بعض الناس يظنون أننى أحمل عليهم .

-لكن هذا لن يمنعك من نقل خلاصة تجربتكم فى الحكم إليهم ؟

=نعم سأسعى لنقل تجربة حكمنا الإسلامى فى السودان إلى إخواننا فى مصر ،وكذلك فى تونس ،وخاصة الأجيال الجديدة منهم ،وقد التقيت التونسيين خلال زيارتى لتركيا مؤخرا .

-ماذا ستقول لهم على وجه التحديد خلال الزيارة وكنت فى السابق شديد ودائم الإنتقاد لهم ولأطروحاتهم  ؟

=لا أحب أن أتكلم كثيرا فى ذلك قبل زيارتى ،حتى لايظن الناس أننى جئت معلما ،لكننى سأكلمهم عن الخطايا التى ارتكبت خلال تجربة حكمنا الإسلامى فى السودان حتى يتعظوا بها ،وليتقوا الشرور التى وقعنا فيها،واعترفنا بها واعتذرنا عنها .

-ماهى أكبر الأخطاء التى يقع فيها الإسلاميون من وجهة نظرك ؟

= منذ  وقت مبكر حاولت الدعوة الإسلامية الإحياء الروحى للإسلام ،لكنها لم تسعى بنفس الدرجة للإحياء الفكرى ،لذا كانت إندفاعاتنا هوجاء فى حالات كثيرة ،والإبتلاءات الحديثة تفرض علينا تجديد فكرنا الدينى لنواكب الظروف والأحوال ولكن ذلك لم يحدث .

-ماذا كان ينقصهم من إجتهاد ؟

=منذ عشرين عاما تقدم الإسلاميون فى العالم العربى ،وكانوا بحاجة إلى إجتهاد كبير ،وخاصة فى قضية التعامل مع غير المسلم ،ومع قضية المرأة ،وقد ذهب المسلمون إلى الدول غير المسلمة بنفس الأمراض التى يعانون منها فى بلدانهم .

-وماهى أكبر أخطاء حركتكم فى السودان ؟
=لم نكن ندرك فتنة السلطة، وكنا نظن أن فلانا أمينا لمجرد أنه من إخواننا ، لكن فتنة السلطة تثير نوازع البشر ،وهذا الأمر لم نكن نقدره ،ومثل خطرا كبيرا على تجربتنا ،وسنقدم خلاصة وعظة تجربتنا لإخواننا فى مصر ليستفيدوا منها .

-هل ترى أن الإسلاميين يتقدمون اليوم نحو السلطة فى أكثر من بلد عربى ؟

=نعم الحكم الإسلامى قادم فى العالم العربى ،لكن لا أستطيع أن أقول أن ذلك سيكون بنسبة 100% ،لكن ما أحب أن أؤكده أن حكما إسلاميا بدون أخلاق لا فائدة فيه .

-وماذا عن الغرب هل تغيرت مواقفه المعارضة لوصول الإسلاميين للسلطة ؟

=الآن تغيرت نظرة الغرب للإسلاميين فى العالم العربى ،وهم يتقدمون بعد ثورات الشعوب ليكونوا المرشحين للتقدم للحكم فى مصر واليمن وليبيا وغيرها .

-ولماذا تغير رأيه ؟

=ربما رأى الغرب أنه لابد أن يكون واقعيا وأن يتعامل مع القوى الإسلامية الصاعدة ،بعد أن ظلوا يدعمون الحكام المستبدين فى منطقتنا ،الذين كانوا أبعد مايكونون عن قيم الغرب الديمقراطية .

-وكيف رأيت الثورة المصرية ؟

=أرى أن الثورة المصرية سيكون مردودها عظيما على مصر ،وأنها ستفتح أبوابا كثيرة أمام المصريين فى التعليم والأخلاق والتاريخ ،وستطلق طاقاتهم المكبوتة ،بعد أن كان لاتظهر إلا بعبقرى واحد هو الرئيس .

-تقصد الرئيس السابق حسنى مبارك ؟

=أنا أتحدث عن نظام حكم ،ولا أتحدث عن أفراد .
-لماذا كنتم فى عداء دائم مع نظام مبارك ؟
= النظام السابق فى مصر كانت لديه مشكلة داخلية مع الإخوان والإسلاميين الآخرين فى مصر ،وقد انعكست على تعامله مع تجربتنا الإسلامية فى السودان ،ومثله الغرب وضع أسامة بن لادن والخمينى والترابى فى خانة واحدة ، دون أن تكون لديه القدرة على التمييز بين إسلامى وآخر .

-وهل سيكون للثورات فى المنطقة العربية تأثيرا فى صياغة علاقات جديدة بين شعوب المنطقة ؟

=العلاقات مع الشعوب هى الحاكمة ،وهى التى تبنى للمستقبل ،أما الأنظمة الديكتاتورية فهى لاتصلح لإقامة علاقة سوية بين الشعوب ،ولننظر إلى الأوربيين الذين توحدوا بعد كل الحروب الدموية بينهم ،وأعتقد أن الثورات العربية ستطهر الدول العربية وتزيد التقارب بينها .

-وهل سيكون للثورة المصرية تأثير على الأوضاع فى السودان ؟

=الثورة المصرية هى ثورة ناضجة ،وستكون لصالح الأمة العربية والإسلامية كلها ،فمصر هى الأكثر تأثيرا فى المنطقة ، وأعتقد أن الثورة المصرية سيكون لها تأثير على الشعب السودانى ،وقد ثار من قبل فى إنتفاضتى 1964 و1985 .

-لكن يبدو الحكم فى السودان سعيدا بالتغيير فى مصر ؟

=النظام السودانى يحاول الآن أن يسترضى الثورة المصرية .

-هل نتوقع أن تفتح زيارتك لمصر بابا لمراجعة نوع من التوجس والعداء فى السودان تجاه مصر بفعل تراكمات تاريخية وتيارات سياسية ؟

=التوجس والعداء ضد مصر فى السودان مضى عهدهما وكانا مرتبطين  بأمور تاريخية ،ففترة حكم محمد على التى تضرر منها السودانيون كانت تنسب للشعب المصرى وهو لاشأن له بها ،ومثلها باقى الحقب الإستعمارية التى مرت على السودان .

-العلاقات المصرية السودانية رغم الضجيج الكبير حولها لاتحقق إختراقا كبيرا لصالح الشعبين ؟

=إذا تفتحت آفاق العلاقات بين الشعبين ستتطور أسرع مما يتوقع ،ويجب ألا ننسى الدور التاريخى الذى لعبته مصر فى منطقتها كلها ،بل وفى قارتها الأفريقية ،وقد كانت البلد الذى يأوى كل الثوار الأفارقة ،وكذلك أزهرها الشريف كان قبلة للمسلمين من كل أنحاء العالم .

-كيف تسير الأوضاع داخل دولتى السودان بعد إستقلال دولة الجنوب وبين بعضهما البعض ؟
=حكم عسكرى فى دولتى السودان الشمالى والجنوبى شقاء لملايين من أبناء الشعب السودانى ...وسنجتهد لنعمل كشعوب نموذجا ومثالا جديدا ،وقد يعود البلدين ليتوحدا يوما ،وسنفعل نفس الشىء مع مصر ،والحرية ستؤسس تلقائيا لعلاقات على أسس متينة غير زائفة بين البلدين،وليس الأشكال الصورية والعلاقات الوهمية أمثال التكامل وبرلمان وادى النيل وغيرها من الأشكال التى لاتستفيد منها الشعوب شيئا ،والعلاقات بين مصر والسودان مهمة وتاريخية بعد الإسلام وقبله .

-هل ترى هذه العلاقات مرهونة بتغيير الأوضاع فى السودان ؟
=نعم ،لابد أن ينصلح حال السودان ،وسوف يصلح حاله إذا ما تحققت إرادة شعبه ،وكان حكمه معبرا عن هذه الإرادة ،وإذا تحقق ذلك فإن علاقاته ستصلح مع دولة جنوب السودان ومع كل دول جواره ،وكل منطقته .

-هل تحل الخلافات داخل دولة الشمال ؟

=حكام السودان الحاليين لايريدون شريكا فى سلطتهم ،وهذا مايجلب المشكلات .

-        القضايا العالقة بين دولتى الشمال والجنوب ..هل أنت متفائل بشأن تسويتها ؟

-        =ستتوقف علاقة دولة السودان الشمالى بدولة الجنوب على تطور نظام الحكم بدولة الشمال ،ومن المؤكد أن الواقع بين الدولتين يختلف عن التقسيم الذى تم ،حيث ستبقى العلاقات حية بين شعبى البلدين ،وسنعمل كقوى وأحزاب فى الشمال على تطوير علاقاتنا بالدولة الجديدة .

-وكيف سيكون وضع المسلمين بدولة الجنوب ؟

=وضع المسلمين فى الجنوب حرج ،وسيظل متوقفا على العلاقات بين دولة الجنوب والدول العربية ،وماإذا كان العرب سيأتون بإستثماراتهم أم لا .

-هل سيكون السودان إستثناء فى ثورات الربيع العربى التى تجتاح المنطقة ؟
= رياح التغيير التى اجتاحت المنطقة ستصل السودان لامحالة ،ولن يستطيع النظام الحاكم فى السودان من سد الأبواب أمام هذه الريح العاتية أو إيقافها،وقد تنفجر الأوضاع فى جنوب كردفان ودارفور إذا لم نسارع بتغيير النظام فى الخرطوم .

-مازلت رغم خروجك من السلطة وإنتقالك لصفوف المعارضة منذ أكثر من عشر سنوات تتعرض لإنتقادات من معارضين ؟
=نحن أكثر الناس تضحية وأكثرهم تعرضا للسجن ،لقد أصبحنا من كثرة ما تعرضنا له من إعتقالات  متخصصيى سجون ،ولم يتعرض لمثل مانتعرض له من تقييد وتضييق وملاحقات أى حزب سودانى آخر ممن لازالوا يوجهون لنا الإنتقادات ،لا الأمة أو الشيوعى .

-ولماذا السجال بينكم وبين حزب الأمة مؤخرا ؟

=إتفقنا كأحزاب معارضة فى إطار قوى الإجماع الوطنى أوتجمع جوبا على ضرورة إسقاط النظام ،وقررنا ذلك فى إجتماع بدار حزب الأمة ،ثم إذا بزعيم الحزب الصادق المهدى يبدأ خلافا لما اتفقنا عليه حوارا مع النظام ،وهذا الأمر يضعف المعارضة .

-ألا يضعفكم ذلك الخلاف كمعارضة ؟
=من الخير للمعارضة فى السودان أن تلتقى على ماتتفق عليه وهو مطالبتها بالحرية ،وأن تعمل من أجل تحقيقه .

-هل تخشى من تكرار السيناريو الليبى فى السودان ؟
=من الخير للسودان أن يكون هناك نظاما ديمقراطيا يطرح صيغة واسعة لحكم البلد تسع كل الناس لتجنيب السودان المخاطر .

-هل تتوقع أن يتم تشديد قبضة السلطة فى الشمال بعد إستقلال الجنوب ؟

=كانت هناك قوة جنوبية تصارع النظام فى الشمال وتقينا بعض قبضته ،أما الآن فسيضغط علينا بكلتا يديه .

-وقعت الخرطوم إتفاق سلام بالدوحة مؤخرا اعتبرته نهائيا لحل أزمة الإقليم ...هل يعد هذا الإتفاق كافيا من وجهة نظرك ؟

=يظنون أنهم أنجزوا شيئا فى الدوحة ،ونحن نعلم الحقائق كلها ،والمؤكد أن أى حل بالقوة لن يجدى .

 

آراء