الدكتور هانيبال أبو سن
سارة عيسى
28 February, 2013
28 February, 2013
لا أخشى شيئاً إذا قلت انني من المعجبين بشخصية الدكتور هانيبال التي مثلها انتوني هوبكنز في فلم هانيبال ليكتر ، أضفت شخصية الممثل انتوني هوبكنز المزيد من التشويق والشعور بالخوف ، فهو كان يتحدث بلغة هادئة ، هدوء مخيف وفيه زيادة في الثقة بالنفس ، وهانيبال كما جاء في الرواية أو الفلم كان جراحاً ماهراً ، لكن العالم الباطني لهذا الطبيب وطفولة ممزقة جعلته يستخدم الطب في تنفيذ الجرائم وتصفية حساباته مع الآخرين ، كان الدكتور هانيبال يملك حججاً قوية وردود وتبريرات لكل ما أقترفته يده من جرائم ، فهو يمكن أن يقتل عازف لأنه لم ترق له الموسيقى ، أو أن يقتل نادلاً في مطعم لأنه قدم له الحساء في أنية من البلاستيك ، الدكتور هانيبال كان ثورة في الذوق العام فهو يحب الأنيات الفضية ويستخدم عطراً نفاذاً يتم تركيبه له بطريقة خاصة ، لكن هذا لا يمنع أن يكون الدكتور هانيبال جراحاً وقديراً في مجال عمله ، ولو استغل الدكتور هانيبال الفرصة وأستقر في السودان لتغيرت شخصيته وطباعه ، ولو تهيئت له الفرصة وعمل في مستشفى الزيتونة ربما تكون صورة الدكتور هانيبال قد تغيرت للأبد ، فسعة علمه ومهارته تكفران عن كل جرائمه ، سوف يجد أنه يعيش في مجتمع لا يابه للسادية والتلذذ بعذابات الأخرين ومن المحتمل أن يقدم على الإنتحار بسبب الألم الذي يمر به المرضى في السودان ، ربما كنا نراه في برنامج حديث الأطباء وهو يبرر جرائمه بصورة مهذبة ، ولماذا لا يكون الدكتور هانيبال محقاً عندما قتل موسيقياً لأنه لم يتقن اللحن ، نحتاج للدكتور هانيبال لينقذنا من ما يحدث في ساحتنا الموسيقية من غثاء وفوضى، وهناك فرصة عمل له بمستشفى الشرطة بعد أن دشنت الإنقاذ مشروعها الحضاري الثاني ، بدأ هذا المستشفى في تنفيذ عقوبة القطع من خلاف ، وعدم وجود التأمين الطبي لا يمنع المشرعين من ضرورة إجراء هذه العملية ، فهي بالمجان وتتكفل الدولة بتوفير المخدر والجراح والشاش والمضادات الحيوية لحين خروج المعطوب من غرفة العمليات ، وهناك منظمة إسلامية وخيرية تقدم له أطراف صناعية للمبتور بسعر التكلفة لكن لا شأن لها بعائلته وأطفاله ، سألت أحدهم لماذا أسعار الكلى البشرية في جمهورية الصين الشعبية رخيصة ؟؟ قال لي أن الصين طبقت مشروعاً حضارياً وهو أنها تبيع كلى المحكوم عليهم بالإعدام وهم كثر ، هذا الترتيب خلق وفرة في سوق الكلى وبذلك تكون الحكومة الصينية قد اصطادت عصفورين بحجر واحد ، فهي تنظف البلد من المجرمين ، وفي نفس الوقت أنها توفر قطع غيار بشرية بسعر التكلفة لكافة المرضى. وليس من المستبعد أن يشهد السودان بسبب الظروف الحالية طفرة في هذا المجال ، وقد قرأنا عن قصة من هذا القبيل لكن وسائل الإعلام دفنت الخبر عندما علمت انها سوف تدخل عش الدبابير لو تقصت عن الواقعة.
نعود لمستشفى الزيتونة ، هذا المستشفى الذي وجد شهرة منقطعة النظير ، ليس السبب لأنه مالكه هو وزير الصحة وصاحب أكبر إستثمار في مجال الطب ودراسته ، بل السبب أن الجنرال صلاح قوش عندما تدهورت صحته في السجن كان رافضاً الذهاب إليه والتعالج فيه ، بل أنه أعتبر أن الحكومة تريد تصفيته عندما ارسلته لهذا المستشفى ، فهذا المستشفى أشبه بغرفة الإعدام السريعة ويملك فيه الأطباء مهارة عالية في تبرير الأخطاء ، بل بعضهم يكتب في الصحف ويشرح الوضع الصحي للمريض مع أنه بهذا يعتدي على خصوصية المريض وأخلاق مهنة الطب ، فلا احد منا يريد أن يعرف الناس وضعه الصحي في صحيفتي الإنتباهة أو السوداني واللتان وجدتا في بؤس الناس ومعاناتهم ما يسد الفراغ الذي خلفه رحيل الحركة الشعبية عن المشهد السياسي ، فهذه هي الصحف المحببة لأطباء الزيتونة ، فكلما يسقط مريض على أياديهم نجدهم يهرعون لصحيفة الإنتباهة ويسردون تبريرات طبية تحتاج لجمهور على درجة عالية من الثقافة حتى يعرف موضوعيتها .
قصة المريضة أو الحاجة زينة تُعتبر من القصص المحزنة في شأن الطب السوداني ، الحاجة زينة أحسبها عند الله شهيدة ولها الرحمة والمغفرة والثواب على صبرها الذي لم أرى له مثيلاً ، فهي ماتت أكثر مرة ، لكن هذا لا يمنع من القول أن الحاجة زينة مات مقتولة بسبب تراكم الاخطاء الطبية ، أنه الجشع والغرور ، فهناك من الأطباء من يقول : أنا أحي وأميت ، لن أخوض كثيراً في تفاصيل هذه التراجيديا بل يكفي ما عانته عائلتها من حزن وشقاء ، الحاجة زينة ليست مثل السيد رئيس الجمهورية والذي كلما ابتلاه الله بعارض مرضي خفيف يطير للخارج ويتعالج في احسن مستشفيات المملكة العربية السعودية ، لن تدس هيئة علماء السودان أنفها في هذا الموضوع ، فهذا قضاء وقدر والغلطة على المرحوم كما يقول بوليس الحركة .
sara issa [sara_issa_1@yahoo.com]