الديمقراطية الرقمية “الالكترونية ” كآلية للديمقراطية المباشرة وتفعيل الاراده الشعبيه للامه

 


 

 

د. صبرى محمد خليل / أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه فى جامعه الخرطوم

Sabri.m.khalil@gmail.com

تعريف مفهوم الديموقراطية الرقمية(Digital Democracy)او الالكترونية" Electronic democracy " : هى استخدام تقنيات المعلومات والاتصال – وأهمها الانترنت- في العمل السياسي الديموقراطي.( ويكيبيديا، الموسوعة الحرة / مصطلح : ديمقراطية إلكترونية)
تعدد مصطلحات المفهوم : وقد استخدمت مصطلحات متعددة للدلالة على المفهوم، فبالاضافة الى المصطلحين السابقين" الديموقراطية الرقمية والديموقراطيه الالكترونية" استخدمت مصطلحات: كالديمقراطية السايبرانيه ، و الديموقراطية الافتراضية ، والديمقراطية عن بعد...
تعدد مجالات مفهوم الديمقراطية الرقمية "الالكترونية " : وتشمل الديمقراطية الإلكترونية الكثير من الأنشطة ومنها- على سبيل المثال لا الحصر- : المبادرة الإلكترونية، التصويت الإلكتروني، الاستشارة الإلكترونية، تقديم الالتماسات الإلكترونية، الحملات الإلكترونية، الاقتراع الإلكتروني البرلمان الإلكتروني، التشريعات الإلكترونية، العدالة الإلكترونية، الوساطة الإلكترونية، الانتخابات الإلكترونية، الاستفتاء الإلكتروني ...
آليه للديمقراطية المباشرة: والديمقراطية الرقمية هى شكل من أشكال الديمقراطية المباشرة Direct democracy ) )، يستخدم شبكة الإنترنت وتقنيات اتصال الاخرى. وهى صيغه من صيغ الديموقراطيه/ يمارس فيها الشعب السلطة بشكل مباشر، بدون نواب ينوبون عنه ، خلافا للديمقراطية غير المباشرة (التمثيلية) ، التي ظهرت تاريخيا في مرحلة تاريخية لاحقة، ومن أشكالها الديمقراطية الليبرالية ، التي بدأت في القرن السابع عشر ، وما تزال قائمة حتى اليوم في المجتمعات الغربية. وهنا يجب الاشاره الى ان الديمقراطية المباشرة تواجهه صعوبة في التطبيق في المجتمعات الكبيرة، لذا يتم تطبيقها غالبا في المجتمعات الصغيرة، لكن لديها تطبيقات سياسية معاصرة ، يمكن تطبيقها في المجتمعات الكبيرة ومنها:
أولا:الاستفتاء : يمكن المواطنين من رفض أي قانون أو تشريع غير مرغوب فيه.
ثانيا: الاستدعاء : يوفر إمكانية إقالة أي مسئول رسمي "حكومي" قبل انتهاء ولايته, حيث يعتبر المسئولون عملاء تنفيذيين، أو ممثلين مباشرين "مفوضين" ملتزمين بإرادة الشعب.
ثالثا: المبادرة: تسمح باقتراح مشاريع قوانين تقدمها الجماهير .
نقاط ضعف الديمقراطية الرقمية " الالكترونية":وقد اشار الخبراء الى العديد من نقاط الضعف فى الديموقراطيه الرقميه،والتى يجب معالجتها حتى تتمكن من القيام بدورها .
تقنيات المعلومات والاتصال سلاح ذو حدين : يمكن استخدام تقنيات المعلومات والاتصالات فى النشاط السياسى الديمقراطي وغير الديمقراطي، إذ يمكن للتقنيات الرقمية أن تسهل كلًا من تبرير الاستبداد وتزييف الاراده الشعبيه ، والمشاركة الديمقراطية والتعبير عن الاراده الشعبيه . كما يمكن استخدامها فى نشر الافكار والاراء المعوقه للديموقراطية، كالافكار والاراء العنصرية والمتطرفة ، وغيرها من الافكار والاراء التى تحث على العنف والتخريب والتمييز والكراهية ...
وجود عقبات أمام تكوين الحكومة الإلكترونية: ومن هذه العقبات : عدم وجود الإرادة السياسية و ضعف الإمكانيات الاقتصادية و التقنية ..
التأثير السلبي لمشكلة التخلف الديمقراطي: وتمثل هذه المشكله في ضعف التقاليد الديمقراطية فى الدول الناميه، نتيجة لعوامل متفاعلة: خارجية "كالاستعمار والتبعيه" وداخلية "كالاستبداد" .
التاثير السلبي تدنى الوعى الشعبى: ومن مظاهرتدنى الوعى الشعبى انتشار الأمية " الكتابية والالكترونيه" ، وشيوع أنماط التفكير الخرافي" اللا العلمى " الاسطورى"اللاعقلاني".
فرض قيود علي الانترنت او حجبه: حيث تقوم النظم السياسية الاستبدادية بفرض قيود على الانترنت او حتى حجبه ، بهدف الحيلولة دون استخدامه للتعبير عن الاراده الشعبيه للامه.
الديموقراطيه الرقميه وتفعيل الاراده الشعبيه لامه التكوين "الامه العربيه المسلمه بشعوبها المتعدده" :
الاستخلاف وتفعيل الاراده الشعبيه للامه : اثبت المنظور السياسي الإسلامي الاراده الشعبية للامه، لأنه اسند اليها السلطة ( المقيدة) " والتى عبر عنها القران يمصطلح الامر" ، بعد إسناده السيادة (السلطة المطلقة) "والتى عبر عنها القران بمصطلح الحاكميه " لله تعالى - وذلك بموجب الاستخلاف العام ﴿ وأمرهم شورى بينهم) . أما الحاكم فهو فى هذاغ المنظور السياسى نائب ووكيل عن االامه ، لها حق تعيينه ومراقبته وعزله اذا جار- بالاساليب السلمية - يقول أبو يعلي (الخليفة وكيل للمسلمين ) (المارودي، الأحكام السلطانية، ص 7 ). بناء على ما سبق فان غاية الاستخلاف تفعيل الاراده الشعبية للامه، أما غاية ثنائيه " الاستكبار- الاستضعاف" فهى إلغائها– وهو ما يؤدى إلى تعطيلها وليس إلغائها " لأنها غير قابله للإلغاء" –
انماط - مراحل تفعيل وتعطيل الاراده الشعبية للامه:
أولا: في مرحله الاستخلاف العام الأول للامه : تضمنت هذه المرحلة أنماط " مراحل" تفعيل و تعطيل الاراده الشعبية للامه التالية :
ا/ التعطيل الاستبدادي"الداخلي ": تمثل فى عدم الالتزام – بدرجات متفاوتة – بقيمه الشورى، التي كانت متحققة في مرحلتي الاستخلاف الاصلى " النبوي والراشدي".
ب/ التعطيل الغزوى "الخارجي" : تمثل في تعرض الأمة لغزوات خارجية متتالية ( الغزو المغولي – التتري ، الغزوالصليبى، الاستعمار القديم …) .
ج/ التفعيل الزعامي : تمثل في نجاح الاراده الشعبية للامه في تحقيق أهدافها، والتي تضمنت نجاحها في مقاومة وهزيمة الغزوات الخارجية المتتالية ، من خلال توحدها حول بعض المواقف المعبرة عن ارادة الامه لبعض حكامها ، ومنها المواقف المقاومة للعدوان الخارجي على الأمة ، والتى بسببها حولتهم ذاكرتها الى زعماء تاريخيين ورموز تاريخية للمقاومه لها – دون إنكار ما شاب عهودهم من سلبيات- وتمثل اخر مظهر لهذا النمط " المرحلة " فى توحدها حول المواقف الوطنيه والقوميه لجمال عبد الناصر" رحمه الله تعالى " ، باعتباره قائد حركة التحرر العربى، من الاستعمار القديم " البريطانى، الفرنسى، الايطالى..." ، والجديد " الامبريالي - الامريكي " ، و الاستيطاني " الصهيوني". فالحديث عن الأخير ليس كشخص او حاكم سابق لمصر، لكن كرمز تاريخي للمقاومه ، ملك للامه العربية المسلمه بشعوبها المتعددة ، وليس ملك لحزب معين .
ثانيا: فى مرحله الاستخلاف العام الثاني للامه :
مرحله التعطيل الارتدادي للاراده الشعبيه للامه على المستوى الرسمي: وهي مرحله الانتهاء "الفعلي" للاستخلاف العام الأول للامه . ولكنها تضمنت مؤشرات لبداية الاستخلاف العام الثاني للامه . وهي المرحلة التي بدأت بالارتداد " السياسى" للرئيس محمد أنور السادات، بعد توليه السلطة فى مصر1970 ، عن المواقف الوطنيه والقوميه لسلفه "جمال عبد الناصر " ، والتى حققت خطوات كبيره، تجاه أهداف الاراده الشعبية للامه، فى الحرية والعدالة الاجتماعية والوحدة – رغم ما شاب عهده من سلبيات - وهو الارتداد السياسى الذى تم بدعم من الغرب الرأسمالي- الاستعماري، بقياده الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيونى … ثم تبنى العديد من الأنظمة العربية نفس المواقف لاحقا ... وفى هذه المرحلة تعطلت الاراده الشعبية للامه على المستوى السياسي ، وتردى النظام السياسي العربي من التجزئة " الشعوبية " إلى التفتيت" الطائفي "، فضلا عن انزلاق بعض أجزائه نحو الفوضى لاحقا .
مرحله تفعيل الاراده الشعبيه للامه على المستوى الشعبي: غير أن هذا التعطيل "الارتدادي" للاراده الشعبية للامه على المستوى الرسمي ، أدى إلى تفعيلها على مستوى آخر ، هو مستواها الشعبي .
الديموقراطيه الرقميه والمساهمه فى انتقال الاراده الشعبيه للامه الى نمط التفعيل الجماهيرى: فضلا عن انه - اى التعطيل "الارتدادي" - قد مهد الطريق أمام انتقال الاراده الشعبية للامه من نمط التفعيل الزعامي - المشار اليه اعلاه - الى نمط تفعيل آخر هو نمط التفعيل الجماهيري ، والذي دعمه تطور وسائل الإعلام والاتصال ، والمتضمن لظهور الخاصية التفاعلية للإعلام . وهذا يعنى الديمقراطية الرقمية "الالكترونية " قد ساهمت فى هذا الانتقال .
مرحلتين: وتشمل هذه المرحلة مرحلتين هما:
ا/ مرحله التفعيل التلقائي: وفيها أخذت حركة الاراده الشعبيه للامه شكل رد فعل عاطفي " انفعالي"، ضد مظاهر تردي النظام السياسي "الرسمي" العربي ، ومحاولات تطبيق المشاريع التي تهدف إلى – أو يلزم منها – إلغاء الإرادة الشعبية العربية " كمشروع الشرق الأوسط الجديد الامبريالي - الصهيوني" ..وقد حققت الاراده الشعبية للامه في هذه المرحلة العديد من الانتصارات الجماهيريه، بدون ان يدعمها او يمثلها نظام سياسى عربى معين . ويتمثل الامتداد الطبيعى لها فى المسار الأصلي للموجات الكمية لثورة الشباب العربي، والتى تتضمن:
الموجة الاولى: وتتمثل في سلسلة الانتفاضات الشعبية العربية شبه المتزامنة ، التي قامت منذ اوائل العقد الثانى من القرن الحالى، والتى كان طليعتها الشباب ، وكانت أداه الإعلام بها والتعبئة فيها الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي فيه ، والتي نجحت فى إسقاط عدد من الأنظمة الاستبدادية ، بأساليب سلمية في بعض الدول العربية، قبل أن تنجح النظم والقوى" العالمية والإقليمية والمحلية" ، التي تتعارض مصالحها مع غايات الاراده الشعبية العربي ،في تحويل مسارها في دول عربية أخرى،إلى صراع طائفي مسلح بغرض تشويه صورتها ومن ثم منع انتشارها الى دول اخرى، من خلال اساليب متعددة أهمها أسلوب الإسقاط العنيف.
الموجة الثانية: وتتمثل فى الحراك الشعبي السلمي الحالى في العديد من الدول العربية -والذي طليعته الشباب أيضا- ، والذى استخدم ايضا مواقع التواصل الاجتماعى فى الانترنت ، و نجح ايضا فى إسقاط العديد من الانظمة بأسلوب سلمى. وهى الموجة التى تعمل ذات النظم والقوى على إجهاضها وافراغها من مضمونها، من خلال العديد من الأساليب ، أهمها أسلوب "الهبوط الناعم" ، والذي يتضمن :إجراء تغيير شكلى يشمل تغيير الأشخاص ، دون اى تغيير حقيقى السياسات الاقتصاديه والسياسيه والاجتماعيه... التى تتعارض مع غايات الاراده الشعبيه للامة فى الحرية والعدالة الاجتماعية والوحدة ...
ب/ مرحله التفعيل القصدي: إن تردى النظام السياسي العربي نحو مزيد من التجزئة "التفتيت"، يزيد من احتمال انزلاقه نحو الفوضى – وخاصة أجزائه التي تتصف بضعف الروابط الوطنية والقومية ، لشيوع الطائفية أو القبلية أو العشائرية فيها – وهذا ما يقتضى ضرورة انتقال الاراده الشعبية للامه، إلى مرحله جديدة من مراحل تفعيلها، وهي المرحلة القصدية ، والتي يجب ان تتجاوز فيها حركتها شكل رد الفعل العاطفي- التلقائي/ المؤقت- إلى شكل فعل عقلاني- مستمر – منظم / مؤسساتي ، يهدف إلى تحقيق ما هو ممكن من خطوات ، تجاه أهداف الارادة الشعبية للامه ، بأساليب سلمية - وهي بذلك ستتضمن الموجه الكيفية لثورة الشباب العربي – وهذه المرحلة ستمثل مرحله تحقيق الاستخلاف العام الثانى للامه .
الديمقراطية الرقمية والمساهمة فى ارتقاء الاراده الشعبيه للامه الى مرحله التفعيل القصدي : ويمكن للديمقراطية الرقمية "الالكترونية " ان تساهم فى هذا الارتقاء للاراده الشعبيه للامه ، من خلال توظيف تطور وسائل الإعلام والاتصال ، والمتضمن لظهور الخاصية التفاعلية للإعلام ، فى ترقية الوعي الشعبي ، وإتاحة الفرصة للاراده الشعبية للامه للتعبير عن ذاتها ، و محاربة محاولات توظيفه فى تعطيل الاراده الشعبية للامه، من خلال الانحطاط بالوعي الشعبي ، و تزييف الاراده الشعبية للامه .
الموقع الرسمي للدكتور/ صبري محمد خليل خيري | دراسات ومقالات https://drsabrikhalil.wordpress.com

 

آراء