الدِّين وأزمة نظام السودان
لن نستجيب لما تروجه الدولة ، من شغلنا بخلاف بعض إخوان السودان مع التشيُّع الإسلامي ، ولن نذهب أكثر من التندُر على عبارة ( الأمن الفكري ) التي تروج لها المقولة الرسمية ، أو ما يدّعيه الناطق باسم الثقافة في سفارة السودان بلندن : دكتور خالد المبارك ، الذي كان يقول إن الدولة تتابع وتترصد دور الثقافة الإيرانية منذ سنوات !! ، أو لمقولة الداعية الإنقاذي : دكتور "عصام أحمد البشير " حين صعد المنبر في قصر المسجد " الرئاسي " بمنطقة " كافوري" ،يلقي خطبة طويلة عن خروج الشيعة من الإسلام إلى العقائد الضالة يوم الجمعة 5 سبتمبر 2014 م !. كأننا نسمع عن المذهب الشيعي الإثناء عشري أول مرة ، أو أنه ظهر في العصر الذي أطلّ علينا ، وننتظر منه أن يدلنا على الطريق القويم !.
(1)
في برنامج " نقطة حوار " في الإذاعة البريطانية الموجهة للناطقين بالعربية ، تم تناول موضوع إغلاق المراكز الثقافية الإيرانية من قبل الحكومة السودانية ، ولكن قليلاً تحدث في السابق عن إغلاق مركز الخاتم عدلان ومركز الباحث : دكتور حيدر إبراهيم ، هما داران للثقافة والدراسات السودانية ، التي لم تمس عقائد الناس في السودان ، ولم تسبُ الصحابة ، بل ومصادرة ممتلكاتها بلا أية قوانين ، بل سلطات مفتوحة لا سقف لها منحتها الدولة " الإنقاذية " للأمن !. ومن هنا فأن الرباط الغريب بين عبارة ( الأمن الفكري ) ومصدرها يجعلنا نتحسس أن جهاز الأمن المُخصص للسودانيين وإذلال المرأة خاصة ، قد بدأ ينظر في مهددات المذهب الشيعي الآن، بعد أن نام ( 25 ) عاماً نومة أهل الكهف ! ، ونحن نعلم أن بينه وبين ( الفكر ) ، آياً كان ،بيدٌ دونها بيدُ.
(2)
سأل سائل : إن كان التشيّع من العقائد الفاسدة ، لِمَ صبرت عليه دولة الإخوان المسلمين السنية (25) عاماً ، أهو فهم بطيء أو صبر على هبة الدعم العسكري الإيراني؟، أليس هم الذين أقاموا مصنع الخرطوم الذي هدمته " إسرائيل " ؟ومصانع السلاح السودانية الأخرىالتي أقامتها " إيران " في السودان وتقصف بها الطائرات جبال النوبة وكردفان والنيل الأزرق ودارفور .ونعجب اشد العجب من مشاركاتوزارة " الدفاع بالنظر " في معرض دبي السنوي وعرض التسليح الحربي السوداني من طائرات الهليكوبتر للتدريب والطائرات بدون طيار من الصناعة الإيرانية التي تم تنفيذها في السودان . في بلدٍ تقدم التكنولوجيا الحربية للبيع ، في حين يحرس عاصمتها " حميدتي " . ألا تستحي وزارة " الدفاع بالنظر " من تجريب " نعمة الجهالة " بالاستذكاء علينا ؟! .
أذكر في سنوات " الإنقاذ " الأولى ، زار " رفسنجاني " السودان وكان في ذلك الزمان رئيس الجمهورية الإيرانية ، وتم توزيع هدية جمهورية إيران الإسلامية في المصالح الحكومية في السودان والجامعات ، وحظيت إدارتنا بصندوق الهدايا . وعندما فتحنا الجائزة ، كانت المصاحف عينها التي أمر بطباعتها الراحل ملك المملكة العربية السعودية ، وهي من ضمن عدد (2) مليون نسخة مجانية سنوية توزع على أنحاء العالم !. ألم يتعرف قادة الإخوان المسلمين على أن الهدية لا تُهدى ولا تُباع ، في ذلك الزمان المُبكر من العلاقات المتنامية مع إيران !؟.
نعرف منذ زمن قديم أن وزارة الشؤون الدينية ، هي المصطلح للرعاية الرسمية لشؤون الدين الإسلامي لا غير ، قبل التوجهات الإسلامية في القوانين منذ 1983 ، ولا تُعنى بشؤون دين آخر من الأديان .
(3)
ليس من السهل إقناع كثيرين بتعديل توجهات حلف الإخوان بالسودان مع دولة إيران ، وليس من السهل خداع الدول العربية السنية ، التي نلتقي معها في الكثير أن إخوان السودان أعادوا النظر في الفكر الشيعي !، وقد عهدنا منهم أنهم يقولون ما لا يفعلون . أليس انقلابهم عام 1989 ، ادّعوا أن الجيش السوداني قام به ، في حين ألبسوا طلاب الجبهة القومية ملابس الجنود ليحرسوا الجسور !!.
عندما اختبأ دكتور الترابي وراء المؤتمر الشعبي الإسلامي، أول سنوات الإنقاذ ، الذي كانت تموله دولة " الإنقاذ " . وكان يهدف إلى تجميع أهل القِبلة . كان يرغب أن يجمع الشيعة وأهل السنة في وعاء واحد سماه " أهل القِبلة " . كان يريد توحيد العقائد التي تفرقت منذ أكثر من (1400 ) عاماً ، وكان يرى في السودان بؤرة توحيد ! ، وهي ذات السلطة التي فرقت أهل السودان وفصلت الجنوب آخر المطاف ، تفرِق وهي تريد أن توحِد !!! .
عامة أهل السودان يعرفون ما يجهله الإخوان المسلمين ، بعد أن ثَقُلَّ على أفهامهم . أننا نعرف مصطلحات " الحرية الفكرية " و " الحرية الدينية " وهي التي لا يعرفها الإخوان . فقد تدربوا على وسيلة التلقين وأن هناك الحقيقة المطلقة ، وهم أصحابها !. وهي مواعين المعرفة من قبل عصر النهضة . جاء الإخوان المسلمين بالأمن والتنظيم الحديدي والتنظيم العسكري المالي ، وهي ذات السبيل الموروث منذ " حسن البنا" ، الشيخ الأول للجماعة ، فهم لا يعرفون سبيلاً للفكر ، فأذهانهم صحارى جرداء من الحرية والفكر والنقد . تلك قيود التعاليم الآسنة ، التي أرهبت الذهن المتفتح والنهج الخلاق عن الانطلاق .
نسأل أين " جماعة علماء الإخوان " ، أليسوا هم الذين أوقفهم التنظيم ليكونوا منارات علم وفتوى ، وما عرفنا لهم سوى النقل من الإنترنيت بلا بصيرة . لا يهبُّون إلا عندما يناديهم مُنادي " الإخوان المسلمين " : حيا على الإفتاء !!!.
(4)
لن يشغلنا جهاز أمن الإخوان المسلمين في السودان بقضية الشيعة والتشيُع الإثني عشري. و هي التي دعمت حركة الإخوان المسلمين في السودان وحمتها إيران الشيعية من السقوط . كل مصانع الأسلحة الظاهرة والمختبئة الباطنة هي صناعة إيرانية صرف جاءت مع خبرائها . كلنا نعرف ما آل لمصنع منطقة " أبو آدم " الذي احتمى بالمدنيين في المنطقة السكنية ، وذاق الأهالي الطيبين في الخرطوم ويلات دك المصنع ليلاً بواسطة إسرائيل واغتيال الخبراء الإيرانيين الأجانب !. وتم تصوير الحدث بفيديو الجواسيس الأرضيين الذين يمرحون في عاصمة السودان ، دون أن يعرف بهم جيش الأمن الجرار البديل الذي عيَّن (7000) جندي إضافي وألبسهم لباس الجيش وقدم صفوفهم يشقون العاصمة نهاراً ، لا يخيفون ذباباً . حلت الطامة الكبرى ولاذ دول الجوار بالصمت على غزوة إسرائيل !. كأن السودان وسلطته يقطنون كوكباً آخر !. وصرح قادة لإخوان السودان " سنرد في الوقت المناسب " !!.
(5)
لنقل للداعية الإنقاذي التي يتصدر خطابة الارتجال في منبر مسجد القصر بكافوري:منْ الذي لا يعرف أن مصادر الأحاديث عند الشيعة الإثني عشريين هي مصادر السيدة فاطمة بنت النبي وعلي وابنه الحسن ثم الحسين وأبنائه انتهاء بالعسكري ، الذي يسمونه بالغائب؟ !. وحدهم الإخوان المسلمين لا يعلمون ، لجهالتهم . وأقاموا مصانع للسلاح بديلاً للمشاريع الصناعية والزراعية والغذائية في وطن تذيل الدول الفقيرة في العالم بعد حكم عسكري دام (25) عاماً ، ملئوا الدنيا بطنين الذباب الحضاري !.
أيمكن لدولة احتكرت الدين ومراجعه السنية واختارت ما تشاء لتفرضه على الناس ، أهمها مراجع طاعة أولي الأمر وجباية الزكاة ، التي تبيح لهم ضم المرتبات الشهرية لعام كامل ، لتبلغ النصاب وتُجبى منها الزكاة!!. لا حرية للدين السني الذي يتفاخرون به الآن . ونعلم أن الحرية بجميع أشكالها لا تناسب تنظيم الإخوان المسلمين المحلي والدولي وليست من أبجديات معارفهم . كلهم تكفيريون استنوا تكفير الآخر وقتله ، وبدأت مسيرة الاغتيال بالمسلمين من أهل السنة ، وهو تاريخ قديم منذ " حسن البنا " .
(6)
إن هي الآن إلا معركة داخلية بين أقطاب الإخوان المسلمين الذين يسيطرون على المؤتمر الوطني ويوهمون الناس بأنه تجمع وطنيين ، والجميع يعلم أنهم زبد يطوف حول عصبة الإخوان المسلمين الحاكمة . تواجه انشقاقاتها وحواراتها بين بعضها البعض وصراعاتهم الأمنية ، ولا مكان للآخر . هؤلاء لا يملكون أدوات إدارة مدرسة أولية دعك من دولة مترامية الأطراف ، ففاقد الشيء لا يعطيه : لا إدارة ولا اقتصاد ولا دين ولا إعلام ولا طب ولا صيدلة ولا هندسة ولا تخطيط ولا سياسة ولا اجتماع ولا علوم ولا زراعة ولا طب بيطري ....الخ . الوزراء كانوا يزورون بيروت على سبيل المثال ويسافر معهم مترجمون !!.فكيف يتم تعيين وزراء لا يعرفون الدولة العربية من الأجنبية ؟!!!!.
بعض الذين يعيشون في عالم السياسة المنخفضة السقف ، يظنون بالإخوان المسلمين خيراً ، وهم في الفساد عمّقوا الحفر وهدموا دولة المؤسسات على ما فيها من نقائص ، وصارت الدولة السودانية في قاع أمم العالم ، أكثرهم فساداً وفقراً وتخريباً واقلهم تمديناً وحضارة .
عبد الله الشقليني
5 سبتمبر 2014
abdallashiglini@hotmail.com