الذبح تحت شجر المانجو!
ضياء الدين بلال
2 May, 2013
2 May, 2013
diaabilalr@gmail.com
ربما كان يمكن أن أتشكك في الروايات التي تتحدث عن محاكمات ميدانية أقامتها الحركة الشعبية لبعض المواطنين بأب كرشولا ترتب عليها ذبحهم، باعتبار الروايات جزءاً من الدعاية الحربية.
لكن ما استمعت له من شهادات داخل معسكر نازحي أب كرشولا من المواطنين الذين كان بعضهم شهود عيان أكد لي صحة الروايات.
أثناء وجودنا داخل المعسكر وبعض الشباب في حالة هائج في وجه وزير الدفاع الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين، محتجين على ما اعتبروه إهمالاً لأب كرشولا واهتمام زايد بما حدث لأم روابة، كنا نفاجأ بأصوات البكاء تتعالى داخل المعسكر والنساء الثكلى يلتحمن بالأرض والأطفال تغرق عيونهم في وحل الذهول، وحين نتساءل ماذا حدث؟ تأتي الإجابات على طبيعتها بلا مكياج ولا منتاج (نعم، جاءهم الآن خبر ذبح أحد أفراد الأسرة تحت إحدى شجيرات المنقة بأب كرشولا).
في منطقة صغيرة يتلعثم الكثيرون في نطق اسمها يذبحون المواطنين البسطاء تحت أشجار المنقة، إذن ماذا سيفعلون غداً حينما يتمكنون من دخول المدن الكبرى، سيذبحون مخالفيهم على الأسفلت!
يقولون إنهم ثائرون ضد الظلم والقهر والتهميش وضعف التنمية والخدمات.
والمنطق البسيط والوجدان السليم يفرضان ألا يكون الثائر ضد الظلم والقهر ظالماً وقاهراً، كيف تثور على أشياء وأنت تفعل أسوأ منها..!
كيف ترفع شعارات التهميش وتطالب برفع شأن سكان الأطراف وتحسين أوضاعهم المعيشية وتكون أنت المتسبب في تحويلهم لنازحين ومشردين في أطراف المدن وداخل المعسكرات؟!
كيف تحتج على ضعف التنمية، وأنت تخرب المشاريع وتقطع الطرق وتهدم المباني وتهدر المعاني؟!
كيف تطالب بزيادة الخدمات وأنت تحرق محطات الكهرباء وتجفف المياه في المواسير لتسلم الصغار والنساء إلى العطش والظلام؟.
الثائر كائن شديد الحساسية تجاه الظلم والعدوان، لا يقبل الظلم ولا يمارسه، دماء أهله عليه عزيزة ودموعهم غالية، الثائر يقاوم الظلام بإنارة الشموع لا بإطفائها.
إذا كان الثائر يحمل ذات جينات الظالم ويستخدم نفس أدواته في البطش بالآخر فما ذنب المواطن البسيط ليكون في الحالتين ضائعاً، حكامه والقادمون بعدهم يحملون ذات جرثومة المرض.
الشعارات الثورية والنضالية ليست قفازات بلاستكية نؤدي بها المهام القذرة ونسفك بها دماء المخالفين ثم نأتي لنغسلها بالديتول وماء الورد.
لا يمكننا تعلم الطب في جزارة المدينة، ولا تعلم كرة القدم بالتدريب على لعبة البنق بونق، ولا أن نسافر إلى مدينة ونحن نحمل تذاكر مدينة أخرى، وعلى ذلك قس، لا يمكننا تعلم الديمقراطية وقبول الآخر ونحن نمارس ديكتاتورية الذبح تحت ظلال أشجار المانجو!
الذين يصلون إلى السلطة بالبنادق سيحكمون بإرادتها ومن قبل قالها عقار:
(لن نهز الشجرة ليأكل ثمارها آخرون)!
والذين سيدخلون القصر الجمهوري البيضاوي بالسلاح سيخرجون به، بعد أن تفسد كيكة السلطة بتدافع الأيدي الملوثة بالدماء!
لن يصبح الغد في هذا الوطن أفضل من اليوم والأمس إلا إذا تعافى من جرثومة المرض الفتاك الذي حقنت به شرائين السياسة.
(الوصول إلى السلطة بالانقلاب والبقاء بالقوة وفي المقابل مقاومة ذلك بالعمل المسلح والذبح تحت شجيرات المانجو)!
المؤتمر الوطني لن يستطيع الحفاظ على سلطته بقوة السلاح في بلد أصبح يصطاد فيه الطير بالكلاشنكوف!
والحركات المسلحة لن تنال مرادها على طريقة إفريقيا الوسطى الزحف من الأطراف نحو المركز، فالجغرافيا لن تعينها والتاريخ لن ينحاز لها.
الوضع الأمثل للخروج من الدائرة الشريرة أن يقدم المؤتمر الوطني تنازلات اختيارية كافية لمصلحة العمل السياسي السلمي، في مقابل تنازل حاملي السلاح عن مشروعهم المعبأ بالبارود!