الذكاء الاصطناعي نهاية التعليم وبداية المجهول

 


 

 

انتابتني مشاعر مختلطة يغلب عليها خوف غريزي وآخر دفاعي واعي مما أنتجته شركة Open AI المختصة بمجال الذكاء الاصطناعي.
فقد أطلقت الشركة برنامج للدردشة اسمته Chat gpt لم يزل في طور التجريب Prototype يعتمد على الذكاء الاصطناعي يمكن من خلاله التواصل مع الحواسيب والهواتف الذكية والطلب إليها أن تكتب مقالاً علمياً أو أدبياً أو فكرياً أو فلسفياً أو حتى المساهمة برأي طبي.
مصدر خوفي الغريزي نبع بشكل أساسي - وقد يشاطرني فيه الكثير - أن العالم دخل بهذا البرنامج الحاسوبي لمناطق ظلت حكراَ على البشر وهي التفكير وانتاج المعرفة، وربما يمتد تأثيره ليبطل دهشة الملائكة عند ذلك المشهد الذي حيَر فيه آدم مجتمع الملائكة عند بدء الخليقة في القصة التي أوردها القرآن الكريم. فقد كانت تلك هي خصيصة آدم ونسله ونوعه ومناط تفضيله على سائر المخلوقات ومبعث خلافته للأرض، بمَن فيهم الملائكة المتمثلة في إعمال العقل والعلم... فبظهور هذا البرنامج الإلكتروني الذي يستطيع أن يُنبئ ليس فقط بالأسماء، وإنما الدخول في قضايا فكرية معقدة وينتقل بسلاسة وسرعة فائقة بين الأنساق المعرفية المختلفة فذلك ما قد يعصف بثوابت مستقرة دينياً وتاريخياً. ستدخل البشرية حتماً في جدال أخلاقي وديني مع نفسها الي أمد ليس بالقصير. وقد تحتاج فيه لعلم اجتماع ما بعد الذكاء الاصطناعي. وسيبث رعباً مركباً حول الأفق الذي ربما يتجه إليه البشر منذ تدشين هذا البرنامج فصاعداً.(اشترك في البرنامج أكثر من خمسة مليون مشترك في غضون ايام قليلة)
كان مبعث خوفي الدفاعي الواعي عن المهنة التي أمتنهنا والتي ظلت حكراً على أرفع العقول وهي مهنة تعتمد صناعة المعرفة وهي التعليم خاصة الجامعي وما فوق الجامعي. فالبرنامج الذي أُطلِق عليه إسم Chat gpt يمكنه كتابة مقال علمي في مختلف الموضوعات - لا أستطيع في حالة عجزي المفضوح أمام هذه التقنية أن أقول للأسف - لكنه بالفعل سيدخل في نطاق الأسف إذ سيمكن البرنامج الطالب أو الدارس ولن أقول الباحث من الحصول على مقالة علمية " أصيلة" في غضون ثوانِ معدودةِ، ويبرزها أمامه كأنها إنتاجه الخاص دون أن يدخله في متاهات إنتهاك حقوق الملكية الفكرية Palgiarism... كما يمكن أن تكون المقالة أو البحث العلمي متحكم فيها، بمعنى أن تكون شديدة التعقيد أو شديدة التبسيط أو بين هذي وتلك (حسب الطلب). والميزة التي تفرقه عما ظل ينتجه محرك البحث قوقل Google أن الأخير يقدم للطالب منتوج فكري سابق لأناس كتبوا في المجال قيد البحث ويعرضها عليه، وهنا يبرز الأسف بوجه حقيقي كالح إذ ستكون عملية المعرفة عملياً Spoon feeding ولن تتميز بتلك الميزة التي تسم البحث وهو ما نسميه ب (البحث المُضني) في أمهات الكتب و المراجع والغوص في الوثائق التي يعمل فيها الباحث عقله مقاربةً ومقارنةً ونقداً وتحليلاً وهنا عند هذه النقطة يتبدى بداية نهاية العقل البشري المنتج للمعرفة. فتنتفي هنالك عن الإنسان صفة (العالم بأسماء الأشياء) ليطل من وراء هذا المشهد المثير مَن يفسد فيها ويسفك الدماء. ومِن ثم تدخل البشرية لعالم مجهول قد لا تدركه الأبصار في حالة العجز المفضوح المختلط بأنواع شتى من الخوف.
د.محمد عبد الحميد

 

آراء