الذكرى المئوية لثورة 1924 (6)

 


 

 

دور الطلاب في ثورة 1924
1
كانت نشأة الحركة الطلابية الحديثة في ارتباط لا انفصام له مع نهوض الحركة الوطنية التي انبلج فجرها بقيام نادى الخريجين، وتكوين حمعية الاتحاد السوداني، وجمعية اللواء الأبيض، وانفجار ثورة 1924، نلحظ ذلك في الآتي:
- الدور البارز لاشتراك الطلاب في ثورة 1924 كما في انضمام بعض الطلاب لعضوية اللواء الأبيض.
- الاشتراك في المظاهرات التي ساهم فيها طلاب كلية غردون والمدرسة الحربية.
- هذا فضلا أن الرموز البارزة لقادة ثورة 1924 كانوا من خريجي كلية غردون أو المدرسة الحربية مثل : عرفات محمد عبد الله ، علي عبد اللطيف ، خليل فرح ، زين العابدين عبد التام، عبيد حاج الأمين . الخ.
يؤكد ذلك ماورد في كتاب محمد عمر بشير تاريخ الحركة الوطنية : " أنه في عينة مكونة من 104 من عضوية اللواء الأبيض كانت تضم 4 من الطلاب".
- كذلك نشير لمظاهرات 25 /6/ 1924 في أمدرمان ومظاهرات 26 /6/1924 في الخرطوم التي اشترك فيها الطلاب من كلية غردون.
- ونشير أيضا الي مظاهرة طلبة الكلية الحربية في الخرطوم 8 /أغسطس/ 1924 والتي كانت من نتائجها اعتقال أحد عشر فردا من قادة طلاب المدرسة الحربية، وأُحتجز الباقون في منازلهم وحددت إقامة كل منهم"، ( محمد عمر بشير، تاريخ الحركة الوطنية مرجع سابق ، ص 106- 108 ).
في 18 أغسطس 1924 تم نقل طلاب المدرسة الحربية من الثكنات الي الحاميات أو الي ماوراء الاسلاك الشائكة، وفي 20 /9/ 1924 تمت الموافقة على الأحكام الصادرة ضد خمسة من طلاب مدرسة ضباط الصف بالسجن لمدة خمس سنوات لكل منهم.
وبعد خروج الجيش المصري من السودان كتب الشاعر محمد ود الرضي قصيدته المشهورة :
ياحليل الجيش الرحل
لو قريب اصبح في زحل
كان الشاعر محمد ود الرضي مساندا لثورة 1924 بقيادة اللواء الأبيض ، ولمظاهرات طلبة الكلية الحربية، وأعتقل وعٌذب بسبب القصيدة التي غناها الفنان سرور في حفلاته الذي اُعتقل ايضا بسببها.
( للمزيد من التفاصيل: راجع تاج السر عثمان ، اسهام ود الرضي في الحركة الوطنية وتجديد الأغنية السودانية، صحيفة الراكوبة ، 2 / 5 / 2015).

كان المتعلمون من خريجي كلية غردون المحركين لثورة 1924، بالتالي بذل الاستعمار كل جهده لاسكات صوت المتعلمين والطلاب بعد ثورة 1924. وساد ارهاب شديد، وتم التنكيل بقادة ثورة 1924 من مدنيين وعسكريين، وأُعدم الضباط الذين قادوا المعركة ضد قوات الجيش الانجليزي عند كوبري النيل الأزرق، أُعدموا رميا بالرصاص في الساحة التي تقع غرب مدينة بري ، و تم سجن البعض الآخر، ثم نُقل قادة جمعية اللواء الأبيض على عبد اللطيف وعبيد حاج الأمين ورفاقهما الي سجن واو في بحر الغزال لتنكل بهم الأمراض هناك، ومات عبيد حاج الأمين متأثرا باصابته بالحمى السوداء، وتأثرت أعصاب على عيد اللطيف لفرط ما لاقى من قسوة.
2
تعرض الطلاب مع قادة ثورة 1924 بعد انحسار الثورة للقمع والسجن والفصل من الكلية، وتم اغلاق المدرسة الحربية وكلية غردون بعد أحداث الثورة.
رغم حالة الارهاب داخل الكلية والارهاب العام الذي ساد البلاد بعد فشل ثورة 1924 ، نرى أن طلاب كلية غردون يكسرون حاجز الارهاب والخوف ويعبرون عن استمرار واتقاد جذوة الثورة والوطنية السودانية وسط الخريجين واستمرت مقاومتهم..
رغم القمع والارهاب ومحاصرة الطلاب ثقافيا بالمناهج العقيمة في كلية غردون، الا أن بعض الطلاب استطاعوا أن يكسروا حاجز العزلة، واستطاعوا أن ينهلوا من الثقافة الغربية، والادب العربي والتراث الإسلامي. كما استطاع بعض الطلاب الهروب الي مصر لمواصلة تعليمهم الجامعي، واسهم بعض الطلاب في الجمعيات الأدبية والفكرية، والأنشطة الرياضية والثقافية التي كانت تدور داخل الكلية وخارجها ، وساهموا في النشاط الثقافي والمسرحي خارج محيط الكلية في الأندية الثقافية والرياضية وأندية الخريجين، وفي النشاط الثقافي والمسرحي والخيري وبناء المدارس الذي كان يقيمه مؤتمر الخريجين ، بالتالي وضعوا الأساس المتين للتفاعل بين الطلاب والمجتمع.
3
كان التعليم محدودا في تلك الفترة، ويصف محمد أحمد المحجوب نظام التعليم في تلك الفترة بقوله: " لم يكن التعليم على حد تعبير المسؤولين يومذاك سوى أداة لاعداد المادة البشرية الكافية لتدوير دولاب العمل في مصالح الحكومة، ولقد اهتم بالكم ، ولم يدخل الكيف في حسابه ، ودائرة المحرمات اتسعت حتى شملت كل شئ، فقراءة الكتب لا ينظر اليها بالرضا، وقراءة الصحف محرمة" ( أنظر محمد احمد المحجوب وعبد الحليم محمد : موت دنيا ، دار جامعة الخرطوم للنشر، الطبعة الثانية، بدون تاريخ).
وعن المناهج التي كانت تُدرس في كلية غردون يقول معاوية محمد نور:
" منهج التدريس في كلية غردون غريب في رأيه ، فليس هناك مجال للعلوم الطبيعية أو التاريخ الحديث والاداب ، وانما معظمه تمرين على الآلة الكاتبة ،او على شؤون الهندسة العملية والمحاسبة.
كانت كلية غردون يسودها جو خانق من الارهاب والكبت فعلى سبيل المثال:
- كان محرما على الطالب عندما يُسأل عن جنسيته ليدون في سجلات الكلية أن يذكر بأنه (سوداني)، فتلك جريمة نكراءعقابها قد يمتد الي الحرمان من الدراسة بعد الضرب المبرح، اذ عليه أن يسجل في الجنسية اسم قبيلته (شايقي، جعلى ، دنقلاوى. الخ).
- كان محرما على الطالب لبس الجزمة في رجليه، بل عليه أن يتتعل الحذاء الوطني ( المركوب)أو الجزمة الكشف.
- في الترام ( التراموى) لا يُسمح للطالب في الركوب درجة أولى، بل عليه أن يركب درجة ثانية، والطالب الذي يُرى جالسا في الدرجة الأولى يُعافب عقابا بدنيا صارما.
- كان الطعام في الداخليات رديئا. ( للمزيد من التفاصيل عن رداءة الطعام راجع: حسن نجيلة ، ملامح من المجتمع السوداني ، الجزء الثاني ، ص 87).
- كانت العقوبات تشمل الجلد ( بالتيلة)حبل معروف ، يقوم بها صول ضخم يسمي فضل. كما كان العقاب أيضا يشمل آداء بعض الأعمال الشاقة في الكلية بين فترة الغداء والالعاب الرياضية في الساعة الرابعة، ومن هذه الأعمال أن يقوم االطلة المُعاقبون بحمل الأوساخ والحجارة من طرقات الداخلية أو الكلية، أن يعبدوا هذه الطرق بجر (درداقة) ضخمة كانت تُرى في الطرقات، وكان الطلبة المُعاقبون يؤدون بدون هذه العربات في جر هذه الدرداقة الضخمة، فتراهم يتصبب منهم المياه في النهار القائط أو البرد القارس يقومون بهذا العمل الشاق تحت الحراسة المشددة، لا فرق بينهم وبين السجناء" ( حسن نحيلة، المرجع السابق، ص 78- 79).
وهذا الجو الارهابي هو الذي مهد لاضراب 1929، واضراب 1931، واضراب 1929 كان محدودا، وكان بسبب رفض طلبة السنة الثانية محاسبين ذكر أسماء قبائلهم عندما دخل عليهم أحد ضباط الكلية، وسألهم ، واصر كل طالب أن يذكر أنه (سوداني)، رافضا الانتماء لقبيلته كما كان يحدث سنويا، وتمكن كبير الضباط الاستاذ صالح عبد العظيم من احتواء الموقف، وسجل اسم قبيلة كل طالب من كشف العام الماضى، ولم يرفع الموضوع لعميد الكلية.
أما اضراب 1931 فقد كان اضرابا شاملا وحول قضية محددة شملت كل الخريجين، وهى تخفيض مرتب الخريج من 8 جنيهات الي 5 جنية و500 مليم، ونفذ الطلبة اضرابهم يتنظيم دقيق وكفاءة عالية.
( للمزيد من التفاصيل عن دقة تنفيذ الاضراب، راجع حديث مكى المنا رئيس لجنة الطلبة التي نفذت ذلك الاضراب في حسن نجيلة المرجع السابق الجزء الثاني ، ص 81 وما بعدها، اللجنة التي قادت الاضراب كانت مكونة من 60 عضوا ).
كما تضامن الخريجون بالمال والمساعدات والأفكار مع الطلاب.
كان الاضراب معلما بارزا في نضال حركة الطلاب والخريجين ضد الاستعمار، ولأول مرة بعد هزيمة ثورة 1924 يُفاجأ الاستعمار بأن جذوة الوطنية ما زالت متقدة في نفوس الطلاب والمتعلمين.
نواصل

alsirbabo@yahoo.co.uk

 

آراء