الذكري التاسعة والعشرون لانقلاب الحركة الاسلاموية السودانية

 


 

 

 

لا لدنيا قد عملنا نحن للدين فِداء..أو تُرق منا الدماء..أو تُرق كل الدماء.
شعار ظل يردده الجهاديون السودانيون بفم ولغ من دماء

في صبيحة الجمعة الثلاثون من يونيو ١٩٨٩ تلا قائد الانقلاب العميد عمر حسن احمد البشير البيان الاول بمقر منظمة الدعوة الإسلامية وقد جاء في متن البيان ان هدف استيلاء الجبهة الإسلامية القومية علي السلطة هو الوضع العسكري الحرج في جنوب السودان حينما تلقت القوات المسلحة هزائم متلاحقة من قبل قوات الجيش الشعبي لتحرير السودان، بيد ان الهدف الحقيقي في واقع الامر هو قطع الطريق امام بدء خطوات تنفيذ اتفاقية ( الميرغني –قرنق) عام ١٩٨٨ والتي اشارت في محتواها الي انعقاد موتمر دستوري وإلغاء قوانين الشريعة الإسلامية وإلغاء اتفاقية الدفاع المشترك بين السودان – مصر – ليبيا .ومهما يكن من شيء فقد تصاعدت وتيرة الحرب بشكل لا مثيل له عندما أعلن قادة الانقلاب حرباً جهادية ضد الشعوب السودانية في الجنوب وجبال النوبة والنيل الأزرق، وعند اشتداد أوار الحرب قاتلت بالوكالة، كل من مليشات الدفاع الشعبي وقوات المراحل التي كونت في عهد حكومة الصادق المهدي ١٩٨٦. ومما يجدر ذكره ان ماسمي زوراً وبهتاناً بمجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني وقتئذ، قد حاول إضفاء القومية علي تكوينه بهدف ترميز تضليلي عندما ضم من بينه ثلاث ضباط جنوبيين هم،العميد دومنيك كاسيانو،العقيد بيويوكوان دينق والعقيد مارتن ملوال اروب، بيد ان الامر الذي لم يتضح ليلتئذ لأولئك الضباط الجنوبيون الثلاث هو ان أيديولوجيا الجبهة الإسلامية القومية ( الموتمر الوطني) كانت ترتكز في جوهرها علي العنصرية والجهوية والقبلية التي ظلت متأصلة ومتجزرة فيها بشكل يبعث السخرية والاشمئزاز، كما انها تحمل اجندة الثقافة الاسلاموعروبية التي قسمت الشعب السوداني وما برحت تقسمه الي الافارقة السود العبيد ضد العرب الاشراف تارةً ، وتارةً ثانيةً الي أولاد الغرب ( الغرابة ) ضد أولاد البلد أي أولاد ( العرب). ولعل هذا النهج الجائر هو الذي قاد في نهاية المطاف الي انفصال جنوب السودان. وعلي ايً فان الجبهة الإسلامية القومية ( الموتمر الوطني) ما انفكت تمارس القمع والاضطهاد باعتباره الوسيلة الوحيدة التي يمكن ان يؤطد أركان حكمها لأطول فترة ممكنة ،وقد انتهجت سياسة الأرض المحروقة التي قادت الي حروب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في العديد من مناطق السودان ، جبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور،فضلاً عن اطماعها التوسعية حيث توغلت الي داخل أراض جنوب السودان فاحتلت حقول نفطية في فانطو ٢٠١٢ وحقول ( كيج) في منطقة أبيي٢٠١١. وصفوة القول ان السنوات التسعة والعشرين التي جثم وتربع فيها نظام الحركة الاسلاموية السودانية الشائة علي صدر الشعب السوداني قد شهدت قمة الانحطاط المعرفي والأخلاقي الذي كان اشبه بحقب قرون الوسطي حيث ارتكبت جرائم بوحشية ليس لها مثيل، من تنكيل وسحل وقتل وإعدام خارج نطاق القضاء، وتعذيب في بيوت الاشباح لابناء وبنات الشعب السوداني المناضلين الشرفاء ، كما انتشرت في وسط المجتمع السوداني الأسطورة والخرافة والشعوذة التي تقول ان من يقتل حرب الجنوب يكون من نصيبه بنات حور الجنة،وعلي ضوئها أقيمت أعراس الشهيد،وبطبيعة الحال انطلت تلك الأسطورة والخرافة علي عقل بعض الغوغائيين والدهماء بمن فيهم ابن خال الرئيس الطيب مصطفي الذي لقي مصرعه في حرب الجنوب، اذ لم تصعد روحه الي السماء لملاقاة بنات الحور كما توهم الإسلامويون الملتحيون ،وانما تقاسمت لحمه ذئاب الخلاء ونسور الجو الجارحة، وقد كان ذلك هو سر كراهية وحقد الطيب مصطفي للجنوبيين. وعطفاً علي ما سبق الإشارة اليه فقد ساهمت صحيفة الطيب مصطفي العنصرية الانتباهة ( كنجورا) وقتها في نشر الحقد والفتنة والكراهية مما تسبب في ارتكاب مزابح ضد الجنوبيين في الخرطوم عقب استشهاد المفكر الثائر الدكتور جون قرنق ٢٠٠٥. ومما يثير الفضول ان الطيب مصطفي لم يقف عند هذا الحد بل دعته حقده وكراهيته لذبح ثور اسود تعبيراً عن فرحته بانفصال جنوب السودان، ومن تصاريف الدهر فقد أصابه ندم كندامة الكسعي في الآونة الأخيرة حيث كتب مقالاً في صحيفة الراكوبة الالكترونية يتوسل فيه لابن اخته عمر البشير قائلاً : اخي الرئيس هذا الطوفان ،(لقد تنكر علينا القريب والبعيد فالخيار الوحيد بعدما ضاقت بنا السبل لخروج من مازق هذا الوضع الخانق الذي ربما سيطيح بحكمك، هو ان تذهب الي دول الخليج لتتسول من اجل الحصول علي العملة الأجنبية ( الدولار الأمريكي) او تقوم بنهب وسرقة بترول جنوب السودان وهي احدي الحيل والألاعيب القذرة التي بدأت جلياً للعيان في اتفاقية الخرطوم للسلام التي وقعت بين أطراف الصراع في جنوب السودان في ٢٧ يونيو ٢٠١٨. حيث تحول الرئيس عمر البشير من وسيط الي طرف ثالث في الاتفاق وذلك لاستحواذ علي نفط جنوب السودان وذلك في محاولة يائسة لإنقاذ اقتصاده المتهالك. وصفوة القول ان ان اقتلاع واجتثاث الحركة الاسلاموية السودانية من جزورها في السودان من قبل الشعب السوداني المناضل هو اكثر أهمية الان من أي وقت مضي ،وصدق شهيد الفكر الحر الأستاذ محمود محمد طه في نبوءته عام ١٩٧٨: من الأفضل للشعب السوداني ان يمر بتجربة حكم جماعة الاخوان المسلمين ،اذ لا شك انها سوف تكون تجربة مفيدة للغاية ،فهي تكشف لابناء هذا الشعب مدي زيف شعارات هذه الجماعة التي سوف تسيطر علي السودان سياسياً واقتصادياً ولو بالوسائل العسكرية، وسوف يذيقون الشعب الامرين ، وسوف يدخلون البلاد في فتنة تحيل نهارها الي ليل، وسوف تنتهي هذه الفتنة فيما بينهم وسوف يقتلعون من ارض السودان اقتلاعا.ً

 


macharkoal@gmail.com
//////////////

 

آراء