الذين سعوا إلى رمي الرسول الكريم بالغش والتزوير (1)
12 May, 2010
salimahmed1821@yahoo.fr
الذئاب
قطعان الذئاب الشرسة مصدر فزع كبير في أعماق غابات وبراري وجبال أوروبا وكندا وأميريكا. ذئاب بيضاء رمادية أو سوداء جميلة المظهر، لكنها شرسة وخطرة. صحيح أن الإنسان خلال عقود طويلة من العمل الدؤوب قد تمكن إلى حد كبير من إبعاد قطعان الذئاب عن المناطق المأهولة وأجبرها على النزوح إلى مناطق نائية في عمق الغابات والجبال، لكن يبقى الخطر قائما. فبرغم الرقابة المستمرة، إلا أن قطعان الذئاب تتكاثر ثم تتجمع بين فينة وأخرى وتهاجم الإنسان وأنعامه وتقطع الطرق! مشكلة الإنسان أنه لا يعرف على وجه الدقة متى تتجمع قطعان الذئاب وتنحدر من بطون الغابات والجبال لتهاجمه. والمشكلة الثانية أن الذئاب يندر أن تهاجم منفردة، فهي تهاجم في مجموعات. كما يتسم هجوم الذئاب بالتنظيم الجيد والمباغتة، فهو هجوم مبني على خطة محكمة. طبعا لا تتشاور الذئاب في وضع الخطة كما يفعل البشر، لكنها خطة تقوم على الانتخاب أو الانتقاء الطبيعي. ففي صيدها العادي في عمق الغابات، يتابع قطيع الذئاب الفريسة، سواء كانت ظبيا أو مجموعة غزلان أو حتى أنسانا، متابعة دقيقة عن بعد مدروس. وفي لحظة معينة تعرفها الذئاب وحدها، يباغت قطيع الذائب الفريسة بفيلق هجومي من الأمام، ومجموعتان تهاجمان عن الشمال وعن اليمين ورابعة من الخلف. ثم هناك فريق احتياطي من الذئاب يتابع لاستكمال الهجوم الذي يتم عادة على شكل موجات متلاحقة وسريعة. لذلك نادرا ما تنجو الفريسة التي لو نجحت في صد هجوم المجموعة الأمامية تعجز عن صد هجمات الأنياب الحادة التي تنهشها من الاتجاهات كافة، فتخور قواها وتسقط. وبمجرد أن تسقط الفريسة، يشرع قطيع الذئاب في تمزيق لحمها إربا والتهامه حارا وداميا قبل أن تلفظ الفريسة أنفاسها ويتوقف نبضها! لذلك درج الناس على مشاهدة الذئاب وقد سال دم الفريسة من أنيابها وغطي أفواهها وأنوفها.
صناعة تخويف الشعوب
مشهد أنياب الذئب الحادة التي تقطر دما حرك خيال الإنسان لنسج أساطير مصاصي الدماء وارتباط الأسطورة بالذئب، وتجسيد مصاص الدماء في صورة ذئب بشري يكون بالنهار شخصا عاديا، وينقلب إلى ذئب بالليل. والأسطورة ليست عملا اعتباطيا، والهدف منها هنا تخويف المجتمع من المخاطر في ارتياد الغابات والمناطق المعزولة ليلا. والحال لا يختلف حول أساطير دراكولا الذي ينهض من تابوته ليلا ويغرس أنيابه كما الذئب في رقبة الضحية، فهي أيضا تحذر المجتمع من ارتياد المقابر ليلا لما قد يكتنفها من مخاطر ومجرمين ولصوص يتخذونها أوكارا. هذه هي صناعة الوهم أو "صناعة التخويف" لها إيجابية محدودة، لكن لها سلبيات خطيرة عندما تضرب مجتمعات بأكملها وتشرنقها في عقدة الخوف. تصور مصاص دماء واحد، أو بعاتي واحد، حتى لو كان حقيقة، يخيف مدينة أو ضاحية بأكملها. فبمجرد أن يهبط المساء، يهرول الرجال إلى بيوتهم وتجمع النساء الأطفال ويغلق الجميع أبوابهم بإحكام! تصور ماذا يكون مصير دراكولا أو البعاتي لو خرجت المدينة أو الضاحية كلها لمواجهته؟ لابد أنه مقتول أو لاذ بالفرار! والمفارقة أنك لا تجد بين الناس من رأى هذا الدراكولا أو ذاك البعاتي بعين اليقين، إن هي إلا "سمعنا" وأن هي إلا صناعة الوهم والتخويف الاجتماعي. وهذا بالضبط ما تفعله الحكومات الدكتاتورية!
الدكتاتوريات بارعة في صناعة التخويف، ترتدي أنيابا اصطناعية أو تلتحف بثوب أبيض كما البعاتي وتطلق أصوات غريبة وتسطير على الشعب. الحكومات الدكتاتورية تدرك ضآلة قوتها في مقابل قوة المجتمع الهائلة. والحكومة الدكتاتورية تعرف تماما أنها لا تمتلك القوة العسكرية الفعلية التي تمكنها من فرض نفسها على المجتمع بالقوة، اللهم إلا أن تضع جنديا مقابل كل مواطن، وهذا ولا في الأحلام! لذلك تلجأ الحكومات الدكتاتورية إلى صناعة التخويف، أو ممارسة الإرهاب الاجتماعي، بتحريك غريزة الخوف في نفس كل فرد، فيصبح الخوف منتشرا كما الحميات. ولأن الحكومة الدكتاتورية خائفة بطبعها وتكوينها، فإنها تغذي إرهابها للمجتمعات باستعراض مستمر للقوة، وبالفتك بمواطن أو بمجموعة مواطنين، ثم تضخيمها للخبر ونشره على أوسع نطاق مثل الفظائع التي ارتكبتها الحكومة السودانية داخل ما أسمته "بيوت الأشباح" .. لاحظ التسمية ومقاصدها .. السودانية لخصوا الإرهاب الاجتماعي في مثل رائع: "دُق القُراف خَلّي الجمل يخاف" ! .. لكن الشعوب "دق القراف" إلى الأبد. فقد درجت الشعوب وعلى مسار التاريخ على تجميع قواها فتنقشع غشاوات التخويف والإرهاب ومعها ينقشع الحكم الدكتاتوري. وعندما يزول الحكم الدكتاتوري يكاد الشعب أن يضحك على نفسه عندما يكتشف أن الحكومة الدكتاتورية لم يكن لديها من القوة الفعلية ما يمكنها من فرض نفسها ولو لأسبوع واحد! وقد سبق لي أن كتبت كثيرا على مدى سنوات حول أهمية استئصال عقدة الخوف التي غرستها الجماعة التي استولت على حكم السودان. سنعود إلى هذا الجانب، فهو جزء هام من ضالتنا في هذا السياق.
المزارع مربي قطعان الضأن والماعز والأبقار في أوروبا وبراري كندا وأميريكا له سجالات وكفر وفر لا ينتهي مع قطعان الذئاب. ففي الليالي الشتوية تتدثر غابات أوروبا وكندا وأميريكا بمعاطفها الثلجية وتلتحف البراري ملاءات الثلج البيضاء، فتختبئ الفرائس والطيور في مكامنها تقتات من مخزونها الشحمي وأثل قليل من لحاء الأشجار في انتظار براعم الربيع. حتى السمك يصبح ماؤه غورا تحت سماكة أسطح الأنهار والبحيرات المتجمدة. وهنا يعصف الجوع بالذئاب حتى تغني للقمر! ويدفع الجوع أنوف الذئاب المرهفة إلى حيث حظائر الإنسان، هناك حيث ترقد الأنعام من قطعان الضأن والأغنام والأبقار والديوك المسمّنة. وتضرب جموع الذئاب التي ضربها الجوع ضربتها السريعة وتعود من حيث أتت خلف أستار الليل إلى بطون الغابات كما في حرب العصابات. وعندما يخرج المزارع على نبيح كلابه شاهرا بندقيته يجد فقط آثار معركة قد انتهت للتو! نصف شاة .. وأخريات في النزع الأخير واختطاف بعض الديوك. وبعد أيام غير معروفة العدد تعاود الذئاب مباغتاها الليلية بعد أن يشعر المزارعون والرعاة بزوال الخطر ويخلدون إلى الطمأنينة ..
ومنذ قرون بعيدة عمل المزارعون والرعاة على كبح غزوات الذئاب بوسائل شتى. في بادئ الأمر قام المزارعون بإحكام بناء الحظائر، لكن قطعان الذئاب كانت تخترق استحكامات الحظائر خاصة في أواخر الليالي الشتوية وقبل طلوع الفجر .. الوقت الذي يغط فيه معظم البشر في "أعمق نومة" .. نفس مواعيد تنفيذ الانقلابات العسكرية! حظائر المزارعين والرعاة برغم تقويتها، ظلت في هشاشة زرائب هكس باشا في غابة شيكان. فالمهاجم دائما هو الذي يحدد التوقيت ويعرف بالضبط المنطقة الرخوة التي ينفذ منها. والذئاب هنا هي التي تحدد توقيت الهجوم ومكان الاقتحام! علينا أن نستذكر هذه النقطة لأنها مهمة للغاية في هذا السياق. بعد فشل تمتين الحظائر لجأ الرعاة والمزارعون إلى القيام بدوريات ليلية تجوب تخوم مدينتهم الصغيرة وحظائر الأنعام. لكن هذه الوسيلة سرعان ما فقدت فاعليتها بسبب مشاغل الحياة التي تجعل في غير الممكن الاستمرار في عمل الدوريات إلى الأبد. وبانهيار تشكيلات الأطواف الليلية، تعود قطعان الذئاب تباغت من جديد وهي أكثر تنظيما وقوة وفتكا. ما العمل؟
مرارة الفشل المزجاة بالخسائر في الأنعام والرغبة في وضع حد لغارات الذئاب، فتّقت أذهان المزارعين والرعاة على استبدال خطط "الدفاع الدفاعي" بخطة "الهجوم الدفاعي" .. مهاجمة جيوش الذئاب في وجارها وأوكارها وعقر دارها! كان الفلاحون والرعاة ينتظمون في مجموعات مسلحة، تماما كما تفعل الذئاب! ويتوغلون في الغابات تصحبهم كلابهم فيهاجمون تجمعات الذئاب على حين غرة .. ولا بأس أن يعود الرعاة والمزارعون بعد كل غزوة بخنزيرين بريين أو ظبي سيء الحظ لصناعة "البودان" واللحم المدخّن وبعض الطيور لوجبة شتوية بعد دردشة يجترون خلالها تفاصيل الغزوة وترتيبات الغزوة القادمة، ثم نوما هانئا .. فالذئاب أضحت بعيدة الآن. ويبدو حقا أن الهجوم خير وسائل الدفاع. فقد تصدعت جموع الذئاب وتفرقت أيدي سبأ وانكفأت إلى بطون الغابات وصعدت إلى أعالي الجبال فأصبحت قريبة من القمر! لكن، وإلى اليوم، كلما غفل الرعاة أو تقاعسوا عن خطة الهجوم الدفاعي تجمعت الذئاب وهاجمت أنعامهم في عقر حظائرها! ..
الحكمة الأولى هي أن الذئاب تتجمع من جديد وتعاود الهجمات بمجر أن يتراخى الإنسان. والحكمة الثانية: لابد من المرابطة المستمرة والمداومة على الهجوم الدفاعي حتى تظل قطعان الذئاب بعيدة .. وكذا الحال مع بعض القطعان البشرية التي ما إن تغفل عنها داهمك وأكلت خيرك وطردتك واستوطنت روحك وبيتك ووظيفتك وجسدك كما الملاريا في السودان .. (وكذبت قناة الجزيرة عندما قالت أن الملاريا قد تراجعت في السودان .. إلا إذا كانت كلمة الملاريا هي الاسم الحركي للحرية والديموقراطية والأمانة، فهذه قد انحسرت فعلا إلى ما فوق الصلب والترائب ..) ..
الضباع .. ونحن
قد تكون قطعان الذئاب قليلة أو مختلفة نوعا في أدغالنا وسهولنا الأفريقية. لكن عندنا قطعان الضباع التي تهاجم جماعيا مثل الذئاب، والتي كانت تفتك بأهلنا الأفارقة وأنعامهم. والأفريقي برغم ربقة التخلف والتبعية التي دبغته داخل لونه الأبنوسي، إلا أنه سبق الأوروبي في إتباع تكتيك الهجوم الدفاعي بعد أن عجزت حظائره المتواضعة عن صد غزوات الضباع الجماعية. فقد جرّد الإنسان الأفريقي منذ عهود بعيدة غزوات هجوم دفاعي منتظمة على معاقل تجمعات الضباع والكواسر في الأدغال المحيطة بمساكنه ومراعيه. كذلك تعلّم الأفريقي أنه بمجرد أن يغفل عن المداومة، تتسور جموع الضباع حدبات القرى وتفتك بالأنعام وأحيانا البشر .. حتى الثعالب تشارك في الغزوات إذا نامت عنها نواطير الأفريقي. وإذا كانت غزوات الأفريقي الدفاعية غير مبررة في نظر الأوروبي جواب الأدغال صاحب جمعيات الرفق بالحيوان قبل الإنسان، فقد تغافل هؤلاء عن الغزوات المنظمة التي يشنها المزارع الأوروبي والكندي والروسي والأميريكي على معاقل تجمعات الذئاب فيحصيها عددا ويقتلها بددا. فالأفريقي لا يملك "أسلحة الدمار الشامل" والفتك الجماعي مثل الأوروبي، ولا يعمل على استئصال الحيوان، هدفه الأساسي إبعاد الضواري والكواسر عن تخومه وأهله وأنعامه. وعلى ذكر الإبادة، لابد أن نذكر بالأسى حملات الإبادة التي تتعرض لها الأفيال الأفريقية بسبب تجارة العاج التي بدأها وروج لها التجار الأوروبيون والعرب واستخدموا فيها الأفارقة مثلما تستخدم المخابرات الدولية سذج المسلمين بأحزمة ناسفة للأبرياء تحت يافطة تنظيم القاعدة الذي ضُرِبَ في البنتاغون. إبادة أفيالنا لا نكتفي باستنكارها، بل وقفنا ضدها إلى جانب الجمعيات الأوروبية لحماية الحيوان. فالفيل الذي يكاد ينقرض هو المزارع الأول للغابات، وهو الذي يحفظ تنوعها عندما ينقل البذور في روثه عشرات الأميال بين مناطق الغابات. وبعد أن ينقرض الفيل تموت الغابة الأفريقية ويقل الأوكسجين ويرتفع ثاني أكسيد الكربون والتلوث ونسبة الملوحة في التربة وتشح الأمطار الاستوائية وتضمر الأنهار وتتصحر أقاليم السافنا وتنقرض باقي حيواناتها وتموت مواشيها وتجف مراعيها ولا يزرع أهلها السمسم ولا الدخن وتذهب "جمهورية جنوب السودان المستقلة" في خبر كان لتلحق بمثلث حمدي الذي تحول إلى خط "مستقيم" .. وكل ذلك بسبب فيل!
الضباع تهاجم في تشكيلات جماعية، إلا أنها تسلك سلوكا خسيسا بالتطفل على فرائس الضواري كالأسود والفهود والنمور. كما تلتهم قطعان الضباع الجيف من فضلات الضواري. ومن طبائع قطعان الضباع أنها لا تنتظر حتى تشبع الضواري، بل تصر الضباع بضحكاتها الهيتسيرية ولعابها السائل على تناوش الأسود والنمور من مكان قريب ومن كل الاتجاهات لكي تضطر الضواري ترك الفريسة التي تعبت وكدّت في صيدها! وكثيرا ما تنجح قطعان الضباع لأنها لا تمل ولا تكل عن محاولات الاستيلاء على صيد غيرها! الأسود تتبرم من مضايقات وتطفل الضباع. وللأسود طريقتها الخاصة في إقصاء جماعات الضباع المتطفلة ولو إلى حين، حيث يقوم الأسد، وليس اللبؤة، بمطاردة "زعيم الضباع" ولا يتركه حتى يقتله مهما طالت المطاردة. وبذلك ترتاح الأسود لفترة قد تطول إلى حين تنتخب الضباع "قائدا" جديدا لمجموعتها! وألاحظ أن عائلة الأسود تنتهج أسلوب تكتيك الهجوم الدفاعي الذي أخذه عنها الرعاة في أوروبا وأفريقيا، وتتفوق الأسود أنها تتخلص من ضبع واحد هو "الزعيم" فيصبح القطيع مقطوع الرأس بما يغنيها عن ملاحقة كل قطيع الضباع، خلافا للإنسان الذي يطارد القطيع كله! .. ولكم في الحيوان حكمة فاتبّعوها يا أولي الألباب! " فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ" سورة المائدة.
وعلى ذكر الأسود، فإن عائلة الأسود تتعاون في وضع خطة محكمة في الصيد، لكن يقوم بعملية التنفيذ والإمساك بالطريدة وخنقها أسد واحد، هو اللبؤة دائما، بينما يكتفي الأسد في الغالب بمهام حراسة الأسرة والأكل والمضاجعة الصعبة! أما إذا كانت الفريسة جاموسا ضخما، ينشب أسد أو أسدان آخران مخالبهما ويغرسان أنيابهما في ظهر ومؤخرة الفريسة وإسقاطها أرضا، ومن ثم تنجز اللبؤة باقي مهمتها في الإطباق بأنيابها على القصبة الهوائية للفريسة وخنقها. لكن أنثى الأسد لا تبدأ بالأكل أبدا مهما كانت جائعة قبل استدعاء الأشبال وباقي العائلة الكريمة إلى المأدبة .. وهكذا "تطبخ" حواء الأسد للزوج والعيال ويلتف شمل الأسرة حول المائدة "الممدودة" أرضا .. ويبدو أن إعداد المائدة و"تقطيع اللحم" هي أيضا مهام أنثوية عند هذا الفصيل النبيل من الضواري! الأم والمرأة السودانية النبيلة تفعل ذلك .. لكنها لم تعد تجد لحما .. فاللحم تستهلكه وتصدّره ضواري البشر الطفيلي في السودان .. تموت الأُسد في السودان جوعا .. وأنثى الانومفلس أقصد الطفيلي السوداني تغني مع المغني الأسود الأميريكي راى تشارلس: So much meat but no potatoes "يوجد لحم كثير لكن لا توجد بطاطس ..!" مساكين أهلنا السود في أميريكا، يتحسرون على البطاطس حتى لو توافر اللحم! أما الأسرة السودانية فلا لحم ولا بطاطس ولا بواكي لها .. ورئيس الحكومة يبحث لهم عن شوربة "ماغي" نسبة لعدم توافر موية الفول ! .. هذا هو التمكين على أصوله، تمكين الجوع والمسغبة .. تهليل تكبير تزوير!
الطفيليون الجدد .. حمولة أطنان من الودق!
أنا شخصيا لا أستنكر مطلقا هجمات الذئاب والضباع الجائعة من أجل قوتها وإطعام صغارها. فالجوع كافر! وقد قالها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب "إني لأعجب لرجل لا يجد قوت يومه ولا يخرج شاهرا سيفه" أو كما قال عمر بن الخطاب نصا في المعنى أن كان هو القائل. كذلك لا ينبغي أن نستنكر خسّة الضباع وتطفلها على صيد الضواري والكواسر وأكلها الجيف لأن قدرتها على الصيد محدودة. وإذا جاز تفسيري فإن الله سبحانه وتعالى قد حد من قدرتها حتى تقوم، الضباع، بعمل جليل ضمن دورة الحياة في تنقية البيئة من التلوث وانتشار الأمراض بأكلها الجيف وبقايا الفرائس. فمن بعد الضباع يأتي نوع من النسور، أو ما يسمى الرخم، فتلتهم البقايا وتنقي العظام عن عوالق اللحم. والتماسيح تقوم بتنظيف الأنهار العذبة من مئات آلاف جثث الحيوانات التي تغرق أثناء عبور القطعان البريّة للأنهار. والكواسر والضواري كلها تقوم بمهمة التوازن وحفظ البيئة لأن تكاثر الحيوانات البرية آكلة العشب قد يؤدي إلى تعرية الغطاء النباتي.
ثم أن الذئاب والضباع هي في النهاية حيوانات والجوع عندها هو الجوع واللحم هو اللحم سواء كان لحم غزال أو جاموس، أو لحم ضأن كالذي يسمع به العامة في السودان، أو كان لحم إنسان مكتنز باللحوم والشحوم مثل الطبقات الطفيلية التي نشأت في السودان والتهمت الأخضر ولم تترك اليابس ولا حليب الأطفال فترهلت كما الخنازير جاهزة لصنع مقانق "البدان" .. طفيليون ماركة "مراقب تزوير" حمولة 150 كيلو من صافي الشحم مزدوج الإطارات كالذي اعتدى على المصورة الصحافية في أم درمان، ذلك الذي ضاقت كنزته عن اكتناز انبعاجاته وانتفخ صدره بحليب الإحن والضغائن .. فمن لي بضباع وذئاب لها أنياب حداد وقواطع شداد غلاظ تنظف بيئة المجتمعات السودانية من هذا وهؤلاء .. تلتهمهم ولا تخرجهم؟
الحكمة الثالثة هي أن قطعان الضباع تتجمع وتنقض متي غفل عنها الإنسان. والحكمة الرابعة هي ضرورة الرقابة الدائمة والهجوم الدفاعي المستمر الذي يحول دون تجمع الضباع الحيوانية منها والبشرية. والحكمة الخامسة أن بيئتنا السياسية في السودان تعج بجموع الضباع البشرية التي تتجمع وتنقض وتستعمر وتأكل الأخضر وأطفال المايقوما .. وقد فعلوا بعد أن ترك رماة الحدق أماكنهم .. فكانت أُحُدْ السودان المستمرة إلى يوم الناس هذا.
ضباع السياسة .. لا دين لا خلق
قد يقول قائل لماذا أسوق الحكايات وأضرب الأمثال بالذئاب والضباع في المعطى السياسي؟ ويقول المولى عزّ وجلْ في سورة البقرة " إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ" وبالذكر الحكيم نقتدي هاديا. فمن الناس من ينتظمون في جماعة ويحيكون الخطط ويتوزعون الأدوار لا لشيء إلا لاستملاك حقوق الغير وتوريث المجتمعات مرارات الظلم والقهر والغبن. تخيل أو تخيلي أن رجلا كريما أقام على أرض له بستانا وغرس فيه أصنافا من شتلات أشجار الفاكهة وتعهدها بالرعاية والسقيا حتى تسامقت أشجاره وطرحت ثمرا لم تظلم منه شيئا. وعند يوم حصاده جاء الرجل تتقافز من حوله الآمال السعيدة. لكن تفاجئه عند باب بستانه مجموعة مسلحة يصوبون أسلحتهم إلى صدره ورأسه ويمنعونه من دخول بستانه، ويقولون له لم يعد لديك من بستان. يقول لهم الرجل هذا بستاني، فينهالون عليه ضربا مبرحا، ينكلون به ويعذبونه تعذيبا. يقول لهم سوف ألجأ إلى القانون والقضاء، فيقولون له يا لك من وقح .. نحن القانون ونحن القضاء ونحن الشرطة .. نحن الحكومة نحيي ونميت!
إذا كنت في مكان هذا الرجل لابد أنك تشعر بمرارة الظلم وهول الكارثة التي باغتتك .. بستانك يحتله غيرك عنوة، وثمار جهدك وغرسك يحصده غيرك، ونالك ما نالك من الضرب والتعذيب. فماذا أنت فاعل؟ وقبل أن تفعل فإن ما فعلته الجماعة المسلحة في تعريف كل القوانين الوضعية اسمه جريمة منظمة .. تخطيط وتنفيذ وقتل واستيلاء على حقوق الغير بقوة السلاح. لذلك حددت القوانين الوضعية لهذه الجريمة عقوبة رادعة، تأتي شدتها مباشرة بعد عقوبة جريمة القتل العمد. فهي جريمة مركبة، وتفرز وتحرض على جرائم أخرى من سلب واستلاب وترويع للمجتمع. لذلك شدد المشرع في العقوبة لردع الجناة وردع من يفكرون في ارتكاب الجريمة المنظمة والاستيلاء على ممتلكات الغير بالقهر وقوة السلاح. أما في تعريف الشرائع السماوية كافة فإن ما قام به هؤلاء اسمه ظلم وطغيان وحرب على المجتمع. وقد حدد المشرع لهذه الجريمة عقوبة "حد الحرابة" أي القطع من خلاف. "إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" المائدة. ومحاربة الله ورسوله والسعي بالفساد في الأرض هي الاستيلاء على حقوق الناس بالقوة ظلما وبغيا، وفي ذلك حرب لقيم العدل. وعندما يختفي العدل يستشري الظلم الذي هو الفساد في الأرض. فالظلم والطغيان في الرسالات السماوية نقيض العدل الذي هو صفة واسم من أسماء الله. لذلك جاءت الرسالات السماوية كافة حربا على الظلم والطغيان والبغي والعدوان. ولمن يؤمن بالقرآن الكريم، فإن معظم آياته الكريمة تعلن مقت الله للظالمين والطغاة الذين يستولون على حقوق الناس بالقوة وينشئون الدكتاتوريات، وقد أرسل الله الرسل تترى لتدمير عروش الظلم والدكتاتوريات ورد الحقوق إلى المجتمعات، فالله هو الديموقراطي الأعظم. لقد وردت كلمة "ظلم" ومشتقاتها حوالي 124 مرة في القرآن الكريم، أي بمعدل نسبي يزيد عن مرة واحدة في كل سورة. بل جعل الله الشرك رديفا للظلم "وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ" سورة لقمان. والظلم والاستيلاء على حقوق الغير هو عمل من عند الإنسان وليس إرادة ربانية مع علم الله المسبق به "فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ" المائدة. لذلك يكذب كل ظالم مغتصب لحقوق الناس بالقوة عندما يزعم أنه فعل ذلك بإرادة الله أو تعاليمه، أو يزعم أنه اغتصب وظلم وسفك الدماء لإعلاء كلمة الله، فالله لم يتخذ الظلم وسيلة لإعلاء كلمته. فالظلم كما قلت نقيض لكلمة الله وهي العدل، وبالتالي لن يكون الظلم وسيلة لنشر العدل، ويتنزه الله عن الوقوع في مثل هذا التناقض ولا في غيره. فالظلم والعدل لا يجتمعان في قلب واحد، فإما عادل يقيم العدل على نفسه، أو ظالم يظلم ما عداه. والظالم إذا ادعى الإيمان فهو كذاب منافق مهما رفع عصاه وزعق بجلالات التهليل والتكبير "وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ" سورة البقرة
وجدنا في عالم الحيوان أن الضباع تنتظم في مجموعات وتهاجم لتطعم نفسها تدفعها غريزتا الجوع والبقاء، ومن ثم تحفظ نسلها لتؤدي دورها المرسوم في دورة الحياة. والضباع على خستها لا تفتك بضباع من جنسها ولا تأكل لحم بعضها. والضباع "الأصلية" حيوانات أصيلة فتك بها الجوع تأكل وتهرب فلا تبقى ولا تحتل الحظائر والقرى ولا تعذب ولا تحتكر أو تتاجر في إخفاء السلع الضرورية، بل تولي هاربة بعد أن تشبع أو تخطف شاة أو ديكا. في النهاية كل ما تقوم به قطعان الضباع والذئاب وسائر الضواري والحيوانات هو خير كالمطر وإن بدت لنا بعض جوانبه غير ذلك.
والإنسان كما الحيوان ينظم نفسه في جماعات لتنفيذ عمل اتفقت عليه الجماعة البشرية المعنية. ومن حيث أن الإنسان يتميز على الحيوان بالعقل الذي يعطيه حرية ومسؤولية الإرادة والفعل والتصرف، فإن العمل الجماعي البشري المنظم ينقسم إلى نوعين: إما أن يكون عمل خير جماعي سواء كان زراعة أو صناعة أو غيره، أو يكون عمل شر جماعي بتوليف عصابة لارتكاب الجريمة المنظمة واغتصاب حقوق المجتمعات بالمكر والسلاح والقتل والترويع. والجريمة المنظمة ترتكبها عادة عصابة منظمة، مثل عصابات آل كابوني في أميريكا وإيطاليا، وهي عصابات كانت تتاجر في الاغتيالات والخمور والمخدرات والجنس والتزوير والقمار وغسيل الأموال. والسياسة لا تبعد عن قسمة الخير والشر. فإما أن تنشئ مجموعة بشرية تكوينا أو حزبا سياسيا وتطرح برنامجها وتنافس به البرامج السياسية الأخرى للفوز برضا الشعب فيكون الخير قد انطوى في المصلحة العامة. أو أن تنشئ الجماعة البشرية خلية هدفها الوصول إلى الحكم بأي وسيلة ممكنة بما في ذلك استخدام السلاح والعنف ضد المجتمعات. ومن غير شك أن أي عمل يناقض الخير هو شر، والشر جريمة. والاستيلاء على الحكم بقوة السلاح يصنف بأنه "جريمة سياسية مسلحة" وهي جريمة محرمة في نظر الشرائع الإلهية والدين لأنها محقت حق الناس في الحرية والاختيار الذي كفله لهم الله، وهذا ظلم يأباه الله لأن الحرية هي أعظم هبات الله للإنسان. إنها الحرية التي كرّم الله بها الإنسان دون سائر مخلوقاته، وقد منح الله الإنسان العقل خصيصا لممارسة هبة الحرية. وبديهي أيضا أن الاستيلاء على الحرية والحقوق جريمة في نظر كل القوانين الوضعية. ثم هي "جريمة جنائية مسلحة منظمة" في نظر الشرائع السماوية والوضعية نظرا لما يستتبعها من جرائم قتل وإبادة جماعية وتعذيب وسطو مسلح على أموال وممتلكات وحقوق الغير، إلى غير ذلك من الظلم ومئات الجرائم التي لا تعد ولا تحصى التي نجدها ماثلة في السودان وفي جميع الأقطار التي سطت فيها مجموعة مسلحة على السلطة. والجرائم التي تستتبع جريمة الاستيلاء بالسلاح على الحكم هي جرائم تحدث تلقائيا وحتما لأن الاستيلاء على السلطة لا يكون هدفا في حد ذاته، بل هو وسيلة لتحقيق الأهداف الخاصة للجماعة. وأهداف الجماعة التي ارتكبت الجريمة المسلحة المنظمة وسطت على الحكم هي بالتأكيد أهداف مادية على الأرض وليست عبادة بين الجماعة وربها! .. دور العبادة هي المساجد والفلوات والمغارات وليست وزارات المالية والبترول والقصر الجمهوري! وبما أن الجماعة التي ارتكبت جريمة السطو على الحكم تملك قوة السلاح، فإنها تستخدم ذات السلاح في ارتكاب جرائم الاستيلاء على ممتلكات وحقوق الغير. وفي سياق منطق البديهيات هذا، لابد أن تصطدم الجماعة المسلحة بأصحاب الحقوق فتقع الجرائم التي ذكرنا .. تماما مثلما حدث لصاحب البستان الذي سقناه مثلا.
وعندما نضاهي هذه المعطيات على أرض الواقع السوداني، نجد من الثوابت والبراهين ما يغني عن القول أن الحكومة السودانية الراهنة هي نتاج عمل منظم جرى الترتيب له ولم يكن عملا اعتباطيا أو وليد ظروف فجائية. وأن الجماعة قامت بارتكاب جريمة السطو على الحق المجتمعي العام، الانقلاب العسكري، فخالفت شرائع الله وسننه واغتصبت حقوق أمة بأكملها وسطت بالسلاح على الأموال والممتلكات وسفكت الدماء وظلمت وزادت ظلمها كذبا وتزويرا، بما يجعل جريمتها ذات بعد اجتماعي وإنساني خطير يقع بين الإبادة الاجتماعية وبين حظائر التمييز العرقي. وفوق ذلك كذبت الجماعة في حق الذات الإلهية بقولهم هي لله.
"جماعة" الجبهة السياسية الإسلامية كانت ولا تزال تدرك أنها لن تصل إلى حكم السودان عن طريق الآلية الديموقراطية، أي طريق آلية الخير الذي أشرت إليها. واليقين القاطع أن الجماعة المستولية فشلت في ذلك أيما فشل في انتخابات الزيف والسرقة التي أجرتها الشهر الماضي. وكما هو معروف، فإن تيارات الدين السياسي في العالم قد وضعت السلطة هدفا ينبغي الوصول إليه بكل الوسائل، وهي بالضرورة وسائل غير مشروعة لأنها غير نابعة من إرادة الشعب التي هي من إرادة الله في الأرض، فهي بالتالي وسائل تخالف سنن الله في الكون وتخالف الفطرة السليمة التي جبل الله عليها الناس وتخالف ما تواثقت عليه البشرية من وسائل سلمية ديموقراطية نابعة من سنن الله. فالديموقراطية حق كفله الله للعباد وليست رجسا من عمل الشيطان، بل ما عداها هو الرجس وهمزات الشياطين التي تدعو إلى الظلم والكذب وارتكاب الجرائم في حق المجتمعات. ومن هذا الفهم الجمعي الباطني ظلت الجبهة الإسلامية في السودان، باختلاف مسمياتها، تخطط وتدبر على مدى نصف قرن من أجل الاستيلاء على الحكم وبالتالي الاستيلاء على حقوق المجتمعات السودانية. وجماعة الدين السياسي في السودان هي فصيل من جماعة الدين السياسي في العالم وتجد منها كل العون. وهي جماعات لا تتورع عن ارتكاب أي جريمة للوصول إلى الحكم مثل المجازر التي ارتكبتها في الجزائر وقتل جماعي لأطفال المدارس. وفي السودان تكاملت أركان الجريمة ضد المجتمع عندما طافت جماعة "الجبهة" بليل بالانقلاب العسكري وما استتبعه إلى اليوم من ظلم وجرائم مركبة من أجل تحقيق المصالح الخاصة للحماعة. ويتضح تحقيق المنافع الشخصية للفئة المستولية بشكل جلي فاضح في حقيقتين، أولا الغنى الفاحش الذي حققه أفراد الجماعة من أموال اقترفوها ومساكن قصور ومقصورات في القصور، وثانيا في الغلاء الفاحش الذي ضرب الغالبية الساحقة المسحوقة من الشعب وتردي قطاعات الخدمات والتعليم والعلاج بسبب إهمالهم المتعمد للقطاع العام، حيث تحولت كل هذه القطاعات إلى تجارة في أيدي الجماعة. كذلك تعمدت الجماعة المستولية تدمير الطبقة الوسطى من خلال خطط ممنهجة لم تكن في حسبان الشيطان نفسه ..
لقد سبق أن قدمت أكثر من بحث مسنود بالآيات القرآنية والسنة المطهرة أبنت فيها مجانفة هذه الحكومة لقواعد الدين بدء من مخالفة الانقلاب العسكري للدين إلى ما يستتبع الانقلاب العسكري من جرائم ونهب مسلح تمارسه الجماعة الحاكمة في وضح النهار. وأقول هنا بصورة قاطعة أن هذه الجماعة ليست حزبا سياسيا كما سوف نشرح ذلك لاحقا، بل هي خلية سطو مسلح سطت على الحكم وارتكبت ما ارتكبت من فظائع بتخطيط مسبق. الخطوة الأولى كانت الاستيلاء على الحكم، والخطوة الثانية توجيه ضربات قاصمة وقاتلة لقوى الوعي الاجتماعي وإرهاب المجتمعات السودانية. ويشهد شاهد من أهل الحكومة هو الدكتور الطيب زين العابدين وهو يقول في ذلك: (وكان أن سمعنا العجب العجاب بأنّ هناك من يتعبّد الله سبحانه وتعالى بالتجسس على الناس واعتقالهم وتعذيبهم وقتلهم وفصلهم من أعمالهم وبتزوير الانتخابات ونهب المال العام) باسم الله العدل اللطيف شرعنت هذه الفئة لنفسها الظلم واغتصاب الحقوق والسرقة والتضليل والغش والتزوير وجعلته أمرا جهاديا دينيا. ومع ذلك يخرج علينا الكذبة من علماء "دين الحكومة" ويقول في إعلانات مدفوعة الأجر أن الاغتصاب والانقلاب والاستيلاء على حقوق الناس يبررها إعلاء كلمة الله .. ثم أين هي كلمة الله التي تم إعلاؤها؟ نعم تم إعلاء العمائر وارتفعت الأرصدة وارتفعت معدلات الظلم والمسغبة، ونعم نرى العالة يتطاولون في البنيان والمناصب بلا كفاءة .. وكلمة الله يا هؤلاء ليست عمارة، وإن كانت عمارة فليست من نوع عماراتكم التي تأسست على جرف هارٍ من فواحش الظلم الظاهر والاتجار في أفحش أنواع الربا. ومرة عاشرة ندعو علماء "دين الحكومة" أن يحضروا إلى هنا لنقض ما ذكرنا.
الحكمة السادسة هي: أن هذه الحكومة ليست من الدين في شيء ولا من الإيمان في شيء. بل سعت إلى توظيف الدين خادما يغسل بلاط مصالحها ويغسل صحون طفيلييها الملطخة بدهون السحت. حتى الصلاة خلفهم لا تجوز .. كيف يصلي المؤمن خلف من غش وقتل وكذب وظلم وأكل السحت والربا؟ أم أن الخوف منهم قد فاق الخشية من الله؟ " وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" البقرة
المماطلة اللزجة
واليوم كل مواطن سوداني مغدور به إما في دمه أو ماله أو عرضه أو عمله أو جاره بالقربى أو جاره بالجنب أو أهله أو صديقه. الجماعة المستحكمة اليوم في السودان غدرت بك وبي وبنا جميعنا عدا القلة القليلة أعضاء الفئة الباغية المنتظمة على الظلم. وعلينا أن نعترف أن التراث الاجتماعي السوداني المتسامح حجب عن المجتمعات السودانية أن تعي أن الجماعة المسلحة قد تصل إلى هذا الدرك من العنف المبيّت. ومع كل ذلك حاولنا وحاولت فئات كثيرة من المجتمع السوداني التوصل مع هذه الجماعة إلى الحد الأدنى من الحقوق السياسية والاجتماعية، فلا ضر ولا ضرار. كان المحور الأساسي للمحاولات هو قيام انتخابات تحظى بالحد الأدنى من الحرية حتى لو فازت فيها الجماعة المستولية. حتى الأحزاب السياسية التقليدية حاولت ذلك وبشتى الطرق. وفي كل مرة تبدي الجماعة المستولية ليونة أمام كل محاولة. وبمجرد أن تجنح الأطراف إلى حوار جاد وسلمي، تنقلب الجماعة على عقبيها وتستغل المحاولة السلمية من أجل كسب المزيد من الوقت والتمادي في الحكم الظالم وكأن الناس أغبياء. كنا نعرف ذلك ونبهنا في أكثر من مقال ومقام أن الجماعة المستولية تستدرج الناس إلى مرحلة التصويت بدون الحد الأدنى من الحريات. عشرون عاما ويزيد عملت هذه الجماعة على تذويب كل المحاولات الصادقة في سائل لزج تفرزه ثم تمتص المحاولة مع إفرازها من المماطلات اللزجة. لذلك أكتب هذا السياق تحت وطأة اليأس التام من إمكانية التوصل إلى الحد الأدنى من أي قاسم مشترك يمكن أن يرى الناس من خلاله بصيص ضوء في نهاية النفق. واليوم أدركت القوى الاجتماعية السودانية والسياسية الدولية استحالة التوصل إلى أي اتفاق مع الجماعة المسيطرة. حتى معالم الحكومة قد زالت ولم تعد إلا جماعة حاكمة بالقهر والإرهاب الاجتماعي. والمفارقة أن الجماعة نفسها أضحت تنطلق أو بالأحرى تنزلق بسرعة وبلا كابح نحو الارتطام بنهاية نفقها الذي حفرته وسدت منافذه على غيرها من الداخل ونسيت نفسها داخل النفق!
لا يستحون ..
السودانيون والعلم أجمع شرقه وغربه يعلم أن المسماة بالانتخابات التي جرت لم تكن تزويرا، بل كانت عملية غش وسرقة جنائية كبرى. فمن الخطأ بمكان أن نسمي ما حدث تزويرا. والمجتمعات السودانية كانت تدرك ذلك سلفا، لذلك أحجمت عن المشاركة في مهزلة الانتخابات. وأعضاء الجماعة المستولية يعرفون حق المعرفة أنهم قاموا بعمليات سرقة وغش وتدليس لا سابق لها في تاريخ السودان. ومع كل ذلك فشل رئيس الحكومة في الحصول على الحد الأدنى الذي يجعل منه رئيسا مزورا. ومع ذلك تنصب الجماعة وفي وضح النهار سرادق الأفراح وتبادل التهنئات بالفوز! ويخرج رئيس الجماعة وبطانته يهللون ويكبرون، ويضعون أيديهم على المصاحف لأداء القسم! هذه فعلا ظاهرة غير مسبوقة في عدم الحياء من النفس ومن الغير، ظاهرة تستحق التأمل والتشريح. أي إنسان سوي سوف يستحي أن يخرج على الناس ناهيك أن يزعم أنه "فاز" وأي طفل صغير يستطيع أن يمد أصبعه ويقول انظروا إلى ملكنا المزور! ومع ذلك لا يستحون، يخرجون يهللون ويكبرون بلا مزعة حياء, إن أول ما تؤكده ظاهرة عدم الحياء من النفس ومن الآخرين هو أن هذه الجماعة ليست حزبا سياسيا، بل هي جماعة فعلت كل ذنب عظيم من أجل الاستيلاء على الحكم، وتفعل كل شيء من أجل الاستمرار فيه .. أي شيء قد يخطر على بالك .. أي شيء .. نعم حتى ذلك .. وإذا لم تستحي فافعل ما شئت. ألا يكفي أنهم كذبوا باسم الله؟
عام 93 .. أقذر عملية نصب واحتيال .. !
ملايين ملفات الظلم، لكننا نمسك بأول ملف صغير يقابلنا، هو ملف ما جري في جامعة الخرطوم عام 1993. البعض يسمون ما حدث آنذاك تزويرا، لكن الواقع أنه كان جريمة نصب واحتيال وسرقة منظمة ينبغي أن يحاكم من ارتكبوها وحرضوا عليها تحت طائلة القوانين الجنائية. سوف نأتي على التفاصيل الكاملة لهذا الملف بشهادة الشهود ومن بينهم من كان ينتمي إلى هذه الحكومة وشارك في تلك العملية. في هذا الملف لم تتورع جماعة الحكومة عن المضي إلى أقصى درجات الفسق عندما حاولوا وصم الرسول الكريم محمد بن عبد الله بالسرقة والنصب والاحتيال فقط من أجل تبرير جريمتهم. سوف أترك الشهود يدلون بشهاداتهم دون تدخل في نص شهاداتهم ..
ونواصل
سالم أحمد سالم
باريس 12 مايو 2010