الذين يبحثون عن الفيل .. ليصطادوه !

 


 

 



على الرغم من أنه من المبكر الجزم بأن السلام سيتحقق في دولة جنوب السودان بعد الاتفاقية الأخيرة، فإن الفريق سلفاكير وحكومته قرروا أن يعبّروا عن تقديرهم للدور الذي لعبته حكومة السودان في الوصول إلى الاتفاقية الأخيرة للسلام في جنوب السودان، وآثروا أن يكون شكرهم في شكل مبادرة لدولة جنوب السودان، بأن تلعب دور الوسيط بين حكومة السودان وحملة السلاح المناوئين لها.

وفكرة أن يتوسط الجنوب ليعالج الخلافات بين الحكومة السودانية ومسلحي دارفور كانت قد عرضتها الجبهة الشعبية - المشاركة في حكم السودان قبل الانفصال - خلال الفترة الانتقالية حين كان السودان موحداً «2005 - 2011م»، ولكن الحزب الشريك - المؤتمر الوطني - رفض العرض، ربما لكي لا تباهي الحركة الشعبية بأنها نجحت في إحداث مصالحة بين جهات شمالية متحاربة، ولكن هذه المرة حظيت مبادرة جوبا بقبول فوري من المؤتمر الوطني، رغم أن العرض أوسع مدى من العرض السابق، لأنه يشمل إضافة لدارفور منطقتي جبال النوبة والنيل الأزرق، وللحركة الشعبية الجنوبية نفوذ تاريخي ورفقة سلاح مع حملة السلاح في هاتين الولايتين، وبالتالي لها لديهما كلمة مسموعة، ويعتقد المؤتمر الوطني أن حملة السلاح سوف يستجيبون لوساطة حكومة الجنوب.

الواضح أن متغيرات جديدة قد طرأت على الموقف، وحدثت تطورات تصبّ كلها في مصلحة السلام، وتضغط على الجانبين لتقديم التنازلات المطلوبة، خاصة وأن السلاح قد صمت في معظم هذه المواقع، وظل كل طرف يعلن وقف إطلاق نار من جانب واحد، ويجدده متى ما انتهى أجله، وأصبح الواقع على الأرض مهيأً لسلام مستدام متى تم الاتفاق على الحل السياسي.

والمراقب للوضع السياسي يرى إرهاصات نشاط خلف الكواليس، ومحادثات معلنة وغير معلنة، في إطار بحث عن صيغة تكون مقبولة لأطراف سياسية كثيرة، لإحداث مصالحة تقود لمشاركة حملة السلاح وبعض الأحزاب المعارضة في الانتخابات المقبلة في إطار تسوية سياسية تفاوضية،

وقد أعلن الصادق المهدي عن عودته قريباً، وعن انخراطه بُعيد عودته في حوار تم الاتفاق عليه مع المؤتمر الوطني، ورهن موقفه من انتخابات «عشرين عشرين» بنتائج هذه المحادثات، فإذا لبت مطالبه شارك في الانتخابات، وإن لم يصل الحوار إلى نتائج مرضية بالنسبة له، ظل على موقفه المعارض، والمؤتمر السوداني بات جاهزاً للمشاركة في الانتخابات، إذا توفرت لها الاستحقاقات المقنعة لهم، والحركات المسلحة كلها ترهن مشاركتها بالوصول إلى اتفاق سياسي أمني، وهي رحبت بمبادرة الرئيس سلفاكير ودولة الجنوب، بل هناك قادة منهم يتواجدون الآن في جوبا، ويديرون محادثات وراء الكواليس.

يبدو للمراقب أن ثمة قوى معارضة باتت مستعدة للانخراط في عملية تسوية سياسية، إذا ما توفرت شروط معينة يطرحونها، ويبدو أن كل مكونات نداء السودان باتت قريبة من هذا الموقف، متى أحدثت محادثاتهم مع المؤتمر الوطني اختراقاً. المتفائلون منهم يعتقدون أن داخل المؤتمر الوطني تياراً يجنح للمصالحة ولتقديم تنازلات، وأن هذا المعسكر هو الأكثر إحساساً داخل الحزب الحاكم بعظم التحديات التي تواجه الحزب، وهي تحديات ذات طابع سياسي واقتصادي، وأن هياكل الحزب الحاكم باتت غير قادرة على تحمل هذه الأعباء، وقد تنهار تحت ضغوطها، وأن أي حل قد يحتاج إلى تضحيات كبيرة لن تتحقق إلا تحت جبهة داخلية موحدة، وأن الوصول لجبهة داخلية موحدة يعني تصفية دولة الحزب الواحد، لصالح دولة الوطن مهما كانت التنازلات المطلوبة.

لكن المعارضين لهذا الرأي داخل قوى نداء السودان، يقولون إنه حتى وإن صح وجود معسكر داخل الحزب الحاكم يؤمن بهذا الرأي، فهو معسكر ضعيف وغير مؤثر، وإن القوى المسيطرة ما زالت عند رأيها بالانفراد بالسلطة مهما كان الثمن، وهي تريد فقط أن تحصل على تابعين يلتحقون تحت مظلتها، ولذلك يعتقد هؤلاء أن أية محادثات مقبلة مع المؤتمر الوطني ستصل إلى طريق مسدود لأنها مجرد تجريب للمجرب، ونتيجة ذلك معروفة، والسيد الصادق المهدي نفسه فاوض مرات عديدة، بل وأعلن في أعقاب بعض تلك المفاوضات، أنه خرج ليصطاد «فأراً» فاصطاد «فيلاً»، ولكنه بعد قليل تلفت، فلم يجد أثراً لذلك الفيل الذي تخيله.
////////////////

 

آراء