الرئيس البشير والدكتور الترابي ..الفراق الصعب والعودة المستحيلة … بقلم: سارة عيسي
سارة عيسى
12 March, 2009
12 March, 2009
ذُهل الناس عندما خرج الترابي من سجنه ، وصُعقوا أيضاً عندما تمسك الترابي بنفس بمواقفه التي أدخلته السجن ، أنه لا حصانة لأحد مهما كبر منصبه ، والحصانة غير مقبولة دينياً أو قانونياً ، إذاً لماذا خرج الرجل وقد وعدت الإنقاذ بأنها سوف تقطع أوصال من يؤيدون المحكمة الدولية ؟؟ فالترابي لم يؤيد المحكمة الدولية وكفى بل طلب من الرئيس البشير بأن يسلم نفسه للعدالة ، وهناك من يقول أن اخوان قطر ربما توسطوا لإطلاق الدكتور حسن عبد الله الترابي ، وهناك من يقول أيضاً أن حكومة الإنقاذ قد أمنت الجبهة الداخلية ولم تعد تخشى تصريحات الدكتور الترابي وحتى لو غرد خارج السرب ، لكنني لن أتفق مع الزعمين ، فالأمر ليس كذلك ، هذا الخروج يقودنا لتاريخ المفاصلة الشهيرة بين تيار الرئيس البشير وتيار الدكتور حسن عبد الله الترابي ، فعندما تم إقصاء الدكتور علي الحاج محمد وترفيع السيد/علي عثمان محمد طه بدأت الأزمة ، فالدكتور الترابي بالنسبة لجمهور الإسلاميين في السودان يُعتبر قومياً على العكس من تيار الرئيس البشير الذي نزح بالسلطة نحو الشمال ، و في مهرجانات الصخب التي شاهدناها في الفضائية السودان عادةً ما يظهر الرئيس البشير وهو محاط بوزير دفاعه عبد الرحيم حسين ، و وزير مخابراته الفريق أول صلاح عبد الله قوش ، ومساعده الدكتور نافع علي نافع ، هذا المظهر يجرد حكومة الإنقاذ من الشكل القومي ، ولن يغيب عن ناظرينا أن الحراس الشخصيين الذين رافقوا الرئيس البشير في كل جولاته وهو يحي جمع الغاضبين لا يوجد شئ ينفي أنهم من طينة محددة ، أي كما قالت الراحلة بنازير بوتو أن القيصر بدا يتوجس خيفةً من حراسه ، هذه الصورة تقابلها صورة مغايرة رسمها الدكتور حسن عبد الله الترابي لنفسه ، أنه يمثل جمهور المهمشين داخل الحركة الإسلامية ، فقد كان الدكتور الترابي واثقاً من حل أزمة دارفور ، هذه الأزمة التي أصبحت مثار إهتمام العالم أكد الدكتور الترابي أن حلها لن يستغرق سوى ثواني معدودة ، وقد وصف الدكتور خليل إبراهيم بأنه سوداني قومي وإسلامي ولذلك نقل ثورته إلي الخرطوم ، لذلك يجب أن نحلل خطوة إطلاق سراح الدكتور الترابي بسبب تغلغل جماعته داخل المؤسسات الأمنية وبالذات الجيش السوداني الذي وقف محايداً عندما أجتاح الدكتور خليل إبراهيم الخرطوم ، شعرة معاوية لم تنقطع بين الرئيس البشير والدكتور الترابي ، فلا زال الأخير يملك العديد من الملفات القديمة التي يمكن أن تضر الطرفين إذا خرجت للعلن ، فالترابي يعتبر نفسه نظيفاً من محاولة إغتيال الرئيس المصري محمد حسني مبارك ، فهو يتهم جناح البشير بأنه هو الذي دبر هذه العملية ، لذلك عندما يصرح الدكتور الترابي أن الرئيس البشير مدان وعليه تسليم نفسه للعدالة ليس علينا تصديق أن الدكتور الترابي أصبح شجاعاً وقوالاً للحق في ليل التذلل والنفاق ، فقد أُرتكبت العديد من الجرائم في عهد الود والوصال ، وهناك من يدفعني للجزم أن شعب جنوب السودان قد تعرض لأصناف من العذاب الذي ناله أهل دارفور ، لكن بسبب ضعف وسائل الإعلام في ذلك الزمن طُمرت هذه الفظائع في بئر عميقة ، فواقع الحال يقول أن الدكتور يتحدث بقوة الملفات التي كان ممسكاً بها في فترة تأسيسه للنظام ، فجناح البشير يخاف من أن تبوح شهرزاد الترابي بكل ما تعرفه عن أسرار الإنقاذ القديمة ، وقد أخطأ من يظن أن جناح الدبابين يقف الآن مع الرئيس البشير ، فالدكتور ناجي عبد الله والذي أكد الدكتور بشير آدم رحمة أنه لا زال من الموقوفين ويُعتبر الدكتور ناجي عبد الله أحد أئمة الدبابين ، وقد خاض كل المعارك الشهيرة ضد الحركة الشعبية في جنوب السودان وقد أُصيب في رجله لكنه تعالج في الأردن على نفقة الدولة ، وهو رفيق المرحوم علي عبد الفتاح ، وبقاء الدكتور ناجي عبد الله مع جناح الترابي يؤكد بجلاء أن جماعة الدبابين ليست موحدة خلف الرئيس البشير ، كما أنها لم تحارب نيابةً عن النظام في حربه ضد أهل دارفور ، ولذلك أستعانت الإنقاذ بالمجموعات الجهوية المحلية .
وقد مضى مقالي بعيداً عن الحديث عن الممثل الأممي السابق السيد/يان رونك والذي كتبت الإنقاذ عباراته بماء الذهب وأحتفت بها في كل الصحف المحلية ، ربما يملك السيد/برونك أسباباً شخصية جعلته ينتقد المحقق الدولي مورينو أوكامبو ، ربما بسبب الشهرة التي نالها الأخير ، أو أن السيد/برونك أنتابته حمى التهميش فأراد أن يعود للأضواء من جديد ، وكلنا نذكر الضجة التي صاحبت طرده من السودان حيث تحدث عن خسارة الجيش السوداني للحرب ، أنذاك لم يكن رأيه مقبولاً بالنسبة لحكومة الإنقاذ فطردته من البلاد شر طردة ، لكن حكومة الإنقاذ أكتشفت الآن حجم الخطأ الذي وقعت فيه ، يان برونك كان قادراً على إخراج الرئيس البشير من أزمته الحالية لأنه وضع قطار السلام قبل قطار المحكمة الدولية ، كما أنه كان قادراً على فرض تصوراته على جميع الأطراف ، الآن فرحوا لإنتقاده لأكامبو حيث لا ينفع الفرح ، وقد يتباكون عليه حيث لا ينفع البكاء .
سارة عيسي
sara_issa_1@yahoo.com