الرئيس البشير والشيخ الترابي ومعركة صفين ؟

 


 

ثروت قاسم
8 September, 2013

 


Facebook.com/tharwat.gasim
Tharwat20042004@yahoo.com


1-   تداعيات الإنذار المصري ؟

كما ذكرنا في مقالة سابقة ، في يوم الاحد   18    أغسطس 2013      ،  زار   السيد نبيل فهمى  وزير الخارجية المصري   الخرطوم ، ليذكر الخرطوم  بأن القاهرة سوف تتعامل  معها ، فيما يخص المعارضة في البلدين ،   وفق مبدأ ( المعاملة بالمثل )   ، والبادي أظلم .

رفع الرئيس البشير قفاز التحدي المصري ، إن شئت فقل  ( الإنذار المصري )  المغتغت  ، وبدأ  الإعتكاف لبلورة إستراتيجية شاملة للمصالحة الوطنية ، وإعادة هيكلة حكومة الخرطوم   بسياسات جديدة (  إستراتيجيات وليس حق اليوم باليوم وردود الأفعال ) ، ووجوه جديدة ( وليس وجوه قديمة في وظائف جديدة ) بالتشاور مع قادة المعارضة وزعمائها ...  لمواجهة التحدي المصري !

أيقن الرئيس البشير إن الخطوة الأولى في مسيرة الألف ميل  التصالحية  ، تبدأ بتوحيد الحركة الإسلامية بدمج حزب المؤتمر الوطني وحزب المؤتمر الشعبي وعودة المياه الى مجاريها قبل يوم الأحد 12 ديسمبر 1999  ... يوم المفاصلة الشهيرة داخل الحركة الإسلامية السودانية ؟ وبعدها يتم التنسيق بين الحركة الإسلامية وهي موحدة  وقوية ، وبقية قوى المعارضة  كلهم جميعاً ، وبالأخص حزب الأمة .

أيقن الرئيس البشير  إنه بعد التنسيق بين الحركة الإسلامية الموحدة  والأقوى وحزب الأمة وحزب مولانا الميرغني ، سوف يكون من السهل التوصل إلى  تسوية سياسية  شاملة لكل فصائل المعارضة المتبقية ... المدنية والحاملة السلاح ؟

إختمرت الفكرة في رأس الرئيس البشير ، وشعر براحة نفسية ودفقة إطمئنان تملأ جوانحه .
وتلفن الرئيس البشير للشيخ الترابي .

2 -  يوم الزيارة ؟

شكر الرئيس البشير الشيخ الترابي على إعترافه  ( يوم الأحد 4 أغسطس 2013) بأن الرئيس البشير غير مسؤول عن مفاصلة رمضان 1999. وطلب الأذن بزيارته في منزله لصلاة الفجر  خلفه  يوم الأربعاء 21 أغسطس 2013.
وافق الشيخ مسروراً !

وبدأت العجلة في الدوران !

في فجر يوم الأربعاء 21 أغسطس 2013 أجتمع الرجلان لدراسة مشروع توحيد حزبي المؤتمر الوطني والشعبي في حزب واحد بأسم جديد وقيادة جديدة  وهيكلة جديدة وسياسات جديدة !

حدث ذلك رغم توكيدات الشعبي بأنه لن يفاوض الوطني ثنائياً  حتى يلج الجمل في سم الخياط ؟ ولكن ماذا تقول في متلازمة (  إلى السجن حبيساً  وإلى القصر رئيساً ) المتكررة  ؟

3-  عامل صفين ؟

يوجد تيار قوي في المؤتمر الشعبي وكذلك في المؤتمر الوطني ضد المصالحة . يذكر الأستاذ كمال عمر من المؤتمر الشعبي الجميع بما حدث في موقعة صفين ، وخطة المؤتمر الوطني لبلع  وإستئصال الشعبي .

موقعة صفين  ( على نهر الفرات في سوريا ) هي المعركة التي وقعت بين جيش الإمام علي بن أبي طالب ( كرم الله وجه ) وجيش سيدنا معاوية بن أبي سفيان سنة 37 هـ.

عندما استلم  الأمام علي  الحكم ,  رفض سيدنا  معاوية    مبايعته   خليفة للمسلمين .  فأصدر الإمام على  أمراً  بعزل سيدنا معاوية  عن إمارة الشام .  لكن سيدنا  معاوية رفض. فانطلق  الإمام علي من الكوفة في العراق يريد قتال أهل الشام ، وحدثت موقعة صفين بين الجيشين .


كانت معركة صفين توشك على هزيمة سيدنا معاوية فأشار  عمرو بن العاص  ( من جيش سيدنا معاوية ) برفع الجنود للمصاحف على  أسنة الرماح طالبين تحكيم كتاب الله  ، فإن قبل الأمام علي  ، نجا جيش سيدنا معاوية من هزيمة محققة .  وإن  رفض الأمام على ، وقبل أخرون من جيشه الإحتكام لكتاب الله  ،  وجد جيش سيدنا معاوية  فى اختلافهم  ( إستراحة محارب )  ، وفركشة لصفوفهم .

نجح عمرو بن العاص في تمرير  ( خدعته ) على جيش الإمام علي  ، وتم عقد مصالحة بين القائدين بعد المفاصلة  .

فى جلسة الصلح  صاح أحدهم من جماعة سيدنا معاوية  :

( يا على، إننا لا نريد بقتلك إلا وجه الله) !

فرد الإمام على  بالآيتين 103 و104 في سورة الكهف :

( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) !

وهكذا  يقول الأستاذ كمال عمر إن جلاوزة المؤتمر الوطني  يقتلون  ويفسدون في الأرض ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً ، بينما هم  الأخسرون أعمالاً!

صارت معركة صفين ومكيدة عمرو بن العاص مثلاً يُضرب لمن يدعو للمصالحة جهراً ، ويُضمر السؤ والخديعة  سراً ؟
بالرغم من عامل ( صفين ) وعزوف الأغلبية في الحزبين عن المصالحة بعد مفاصلة رمضان 1999 ، فإن هنالك  عدة  عوامل   جديدة  (  ربما )  تساعد في قبول الشيخ الترابي  وصقوره لمبدأ المصالحة  ، وتوحيد الحركة الإسلامية .

نختزل بعض هذه العوامل  التي (  ربما  ) أدت  لتوحيد الحركة الإسلامية  في النقاط أدناه :

4 – عامل دولة قطر ؟ 

بعد  تدمير  الحصن الإسلامي الأول   المتجسد في نكبة (  جماعة الأخوان ) في مصر ، وهزيمة قطر المدوية علي أيادي السعودية والأمارات ، شعر أمير قطر السابق بأهمية تقوية الحصن  الإسلامي الثاني في السودان ، حتى لا ينفرط عقد المسبحة الإسلامية  العالمية ، وتتفرق أيدي سبأ  .

أيقن أمير قطر السابق إن تقوية الحصن الإسلامي في السودان تبدأ بتوحيد الحركة الإسلامية السودانية في جسم واحد  ، وبدمج حزب المؤتمر الوطني وحزب المؤتمر الشعبي في حزب واحد متحد وقوي لمجابهة تحديات مرحلة ما بعد مرسي .

يحلو لأمير قطر السابق  ترديد العبارة :

14  سنة كفاية يا أخوانا على المفاصلة التي طالت وإستطالت !

تلفن أمير قطر السابق ومطولاً مع الشيخ الترابي والرئيس البشير ، اللذين إتفقا على بدء الحوار بينهما ( راس ) للإتفاق على الخطوط العريضة لمشروع الدمج .

الشيخ الترابي رجل براجماتي لا يحمل قشة مرة لأي من كان  ( حتى للأستاذ علي عثمان الذي بناه بيديه ) ، وأتفق مع طرح أمير قطر السابق بان مواجهة تحديات ما بعد مرحلة مرسي تبدأ بالتوحد حسب متلازمة :

تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا  ...
وإذا  افترقن تكسرت أحادا ...

في هذا السياق  ، تذكر الشيخ الأية 92 في سورة  الانبياء :

إن هذه أمتكم أمة واحدة ....

والاية 11 في سورة التوبة  :

فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ !

وقد تاب زعماء الوطني ؟

عزم  الشيخ الترابي على  الحوار على مبدأ  توحيد الحزبين وتوكل على الله .

5- عامل دول الخليج ؟

أيقن الرئيس البشير وكذلك الشيخ الترابي أن قد رُفعت الأقلام وجفت الصحف فيما يتعلق بموقف السعودية  المعادي بل المحارب  لحركات الإسلام السياسي ، التي يصنفها أمراء بني سعود  كحركات إرهابية يجب إستئصالها وتدميرها . سقطت الأقنعة بعد تأييد السعودية المطلق والغير محدود لانقلاب السيسي ، ودعوتها الواضحة لاستئصال ( جماعة الأخوان الإرهابية ) . كما  إن موقف السعودية المعادي لتوجه حكومة الخرطوم الإسلاموي قد ظهر وكشرت السعودية عن أنيابها ، وهي طويلة ومدببة ولا طاقة لحكومة الخرطوم بها ! ظهر موقف السعودية  السلبي في حادثة طائرة الرئيس البشير التي كان يمكن للسعودية تجاوز الإجراءات البيروقراطية  والسماح بدخولها الأجواء السعودية إذا كانت العلاقة بين المملكة  والسودان عادية . ولكنها للأسف غير عادية ، إذ تنظر السعودية بقلق بالغ لعلاقة حكومة الخرطوم  الحميمة بإيران ؛ وتنظر بريبة وتوجس وتخوف من نظام الخرطوم الإسلامي  بعد زوال سلطة ( الأخوان ) في مصر ؟

موقف السعودية ومن ورائها دول الخليج الأخرى  ( باستثناء قطر ) ، وهي تحدر لحكومة الخرطوم  ( في الضلمة والنور طافي ) يقذف بالخوف في قلبي الرئيس البشير والشيخ الترابي  لعدة أسباب ليس أقلها الخوف من نقص  تحويلات المغتربين من السعودية التي تتجاوز حاجز الربع مليار دولار شهرياً .

ومن ثم رغبة الرئيس والشيخ في التوحيد لمجابهة التحديات الجديدة القادمة من دول الخليج ، والتي ربما قذفت بحكومة الخرطوم ومعها المؤتمر الشعبي إلى التوج البراني وأتت بعقار والحلو وصحبهم الكرام .

6- عامل الرئيس سلفاكير ؟

بعد لقائهما  ( الخرطوم – الثلاثاء 3 سبتمبر 2013 )   شعر الشيخ الترابي بجدية  الرئيس سلفاكير في المصالحة الحقيقية مع  حكومة الخرطوم ، ووقف دعمه للجبهة الثورية  ، مما يقوي شوكة الوطني ويضعف موقف الشعبي  ، بعد تحييد  جوبا . وأيقن الشيخ  إن في التأني في التوحيد الندامة ، وفي العجلة السلامة ، خصوصاً وإن حكومة الرئيس سلفاكير الجديدة حكومة وفاق وطني ومصالحة بإمتياز ، مع وجود صديقه جيمس واني كنائب لرئيس الجمهورية .

7-    هل الوطني (  ود موية )   ؟ 

+ أيقن الشيخ الترابي  إن  الأنذار المصري موجه للمؤتمر الشعبي أكثر منه للوطني ، ببساطة لأن الوطني  ( ود موية ) وسوف يبيع ( الجماعة )  في مصر  بدراهم معدودة في سبيل الإحتفاظ بزيرو مشاكل مع القاهرة وبالتالي الإحتفاظ  بالسلطة  في الخرطوم . خصوصاً وقد نظم المؤتمر الشعبي مظاهرة الدعم ( لجماعة الأخوان ) في الخرطوم ، وأدان قادته قمع  حكومة السيسي لقادة الأخوان .

8 -  دعوات الإصلاح ؟ 

يمر المؤتمر الوطني وكذلك المؤتمر الشعبي بمطبات هوائية شديدة الإرتجاج ، حيث إشتدت مؤخراً دعوات الإصلاح ، وعلت نبرة الإختلاف والخلاف  في داخل كل قيادة من قيادتي  الحزبين من جانب وبين قيادتي الحزبين من الجانب المقابل . توحيد الحزبين ( وتلقائياً الحركة الإسلامية )  في حزب واحد ، بأسم جديد  ، وبسياسات جديدة ، وهياكل جديدة ، وقيادات جديدة تستوعب الأصوات الإصلاحية الشابة وتودع شاكرة الحرس القديم ...هكذا توحيد سوف يفتح صفحة جديدة في مسار الحركة الإسلامية السياسية ، ويضخ دماء حارة في شرايينها المتكلسة ، ويعيدها سيرتها الأولى قوية ومتحفزة ومستعدة لمجابهة التحديات  ، وتحويل هكذا  تحديات  إلى فرص لمصلحة السودان اولاً والحركة الإسلامية ثانياً  .

قبل أن ندخل في تفاصيل  حوارات  الشيخ الترابي مع الرئيس البشير  حول توحيد الحزبين ، حيث يلبد الشيطان  في إركان التفاصيل ،  دعنا نبدأ القصة من طقطق  ، لنضعها في إطارها  العام  لتكتمل وتتضح  الصورة  ، ونرى الغابة من الأشجار .

9 -  مفاصلة يوم الأحد 12 ديسمبر 1999 ؟

كان يوم الأحد 12 ديسمبر 1999 يوماً مشهوداً في تاريخ السودان الحديث . ففي ذلك اليوم حدثت المفاصلة الشهيرة داخل الحركة الإسلامية السودانية ...تم إعلان حالة الطوارئ ، وحل المجلس التشريعي القومي ، وإزاحة الشيخ حسن الترابي وصحبه من حزب  المؤتمر الوطني والحكومة .

وكون  الشيخ الترابي  فيما بعد  حزب المؤتمر الشعبي  كحزب معارض .

دعنا نستعرض في تسلسل تاريخي قصة القشة الأسطورية التي قصمت ظهر الحركة الإسلامية في يوم الأحد 12 ديسمبر 1999 ، وأدت إلى تقسيم حزب المؤتمر الوطني إلى حزبين متعارضين ...  الوطني والشعبي ؟

نواصل ...

 

آراء