الردة مستحيلة

 


 

 

الأستفتاء الشعبي الواسع النطاق الذي اقيم يوم مولد سيّد الأكرمين الموافق لذكرى ثورة اكتوبر المجيدة، كان نقطة فاصلة بين مؤيدي الحكم المدني وسدنة الدكتاتوريات الشمولية والعسكرية منذ فجر الاستقلال، ورسالة واضحة للمحاور الاقليمية والمجتمع الدولي أن هذا الشعب العظيم لن تهزمه الاجندات الخارجية، وهذا بالضرورة ان يكون سبباً كافياً لهذه المحاور الاقليمية لأن تحدث اانقلاباً مشؤوماً بواسطة عملاءها، الذين يهمهم الكرسي ونهب ثروات الوطن ليس غير، دون الاكتراث لطموح الشباب الطامح والناشد للحرية والسلام والعدالة، وكما هي حال الغول الرأسمالي العالمي ومساعديه وخادميه الاقليميين، لن يهدأ له بال حتى يُركّع هذا الشعب الأبي الكريم، فكما للشعوب بنوها الوطنيون الشرفاء كذلك لها من الابناء الخائنين ما يجعلها عرضة للأطماع والتآمر، فبعد أن انفتحت النوافذ الاقتصادية المغلقة عالمياً بفضل الجهد المحسوس والمشهود والملموس لرئيس وزراء الثورة، اعمى الحسد اعين وقلوب الماكرين الخادمين للاجندات الوافدة، الذين لا يقيمون وزناً لرفاه الوطن، وهم العقبة الكؤود القاعدة بالبلاد طيلة هذه السنين العجاف المذيقة للناس مرارة المعاناة وذل العوز وجحيم الفاقة.
الوقوف ضد ارادة الشعب السوداني ثمنه الانتحار على قارعة طريق الثورة المجيدة الممهورة بدماء الاطهار الانقياء، المسنودة بسواعد الاوفياء ممن وطأت اقدامهم هذا التراب العزيز، فالجموع الهادرة والسيول الكاسحة التي تدافعت يوم ذكرى الثورة الاكتوبرية العريقة، لا يقف في وجهها اليائسين والفاشلين الرامين بآخر ورقة من اوراق التوت الساترة لعوراتهم، وعلى الفاعلين الاقليميين والجيران أن يعوا ويعلموا أن هذا الشعب المتكاتف والملتف حول نفسه، من الاستحالة بمكان أن يقارن أو يشبّه بشعوب اخرى راضخة تواطأت حكوماتهم مع الذي يوفر لهم لقمة العيش وجرعة الدواء، وسوف تصطدم الأماني العذبة لكل من يحاول أن ينحى بشعبنا السوداني منحى هذا الاتجاه، بصخرة الصمود والعزم الأكيد لهذا لشعب العزيز، الذي صنع اعظم ثورة وقدمها هدية لشعوب العالم قبل اكثر من نصف قرن من الزمان، في ذلك الوقت الذي لم تقم فيه قائمة بعض دول الاقليم، التي لم يكن لها وجود في حيّز البلدان المذكورة بين قوائم الأمم وجمعياتها، وتحتفظ الذاكرة الوطنية للأمة السودانية بارث ثوري أنيق ضارب بجذوره في عمق التاريخ الانساني.
لقد اقسم الشباب والشيوخ والكنداكات والميارم على أن لا رجعة عن مشروع تحقيق الدولة والحكومة المدنية، وتعاهدوا وتواثقوا على أن لا نكوص عن اهداف ثورة ديسمبر المجيدة المشهود لها كونياً بالتميز والادهاش، وشارعها الذي لا يخون هو رهن اشارة الثوران والفيضان، والاكتساح والمسح الكامل للساعين لتعطيل مشروعه الوطني، وقد وضعت هذه الفعاليات الثورية خارطة طريقها منذ اليوم الأول لاسقاط الدكتاتور، وها هي الآن قد خرجت وتدافعت بعد سماع خبر الانقلاب العسكري على الحكم المدني، وانخرطت في الشارع للدفاع عن مشروعها الكبير، فالردة عن هذا المشروع الوطني مستحيلة، مهما حاول فلول النظام البائد الالتفاف حوله لن يستطيعوا (تتريس) الطرقات، او قفلها أمام هذه السيول الجماهيرية والشعبية التلقائية الجارفة، فقد قام مناصرو النظام البائد باختبار واستفتاء هذه الجماهير فاستفتتهم يوم الحادي والعشرين من اكتوبر الجاري، وجاءت النتيجة صادمة لكل الذين ظلّوا يحدثون انفسهم بعودة عصر الظلام، فمن يريد أن يسبر غور هذه الأمة عليه اعادة قراءة تاريخها اكثر من مرّة.
فاليوم هو يوم مفصلي في مسيرة ورحلة الدولة السودانية الحديثة، وهو الفجر والصباح الجديد المحدد لاكتمال مهرجان النصر الكبير، والتحول المحوري لامساك الشعب بمقود حكومته التي ظلت مختطفة بأيدي العسكر وبعض المدنيين والحزبيين والحركيين المتواطئين لمدى عقود، فقد جاء الوقت المناسب لأن تتمايز الصفوف وتختبر الارادة الوطنية للمتحدثين عن مستقبل هذه الأمة المجيدة، وبين الخونة المتاجرين بشرفها وعزتها وكرامتها في الاسواق الدولية والمهرجانات المحلية، فالاحتقان السياسي بين مكونات الحكم وضيق وشظف العيش الذي يعانيه المواطن، لا يعني بأي حال من الاحول أن هذه الجموع قد يئست، او استيئست ورغبت في عودة الحكم العسكري الدكتاتوري المقيت، فالحراك المجتمعي القائم هذه الايام هو دفع تلقائي لا يجب أن يوظف نحو التماهي مع المصالح الشخصية، ولا أن يُجّير لصالح الاجندات الحزبية الضيّقة، فالمواطنون الذين ضحّوا ومازالوا يضحون بفلذات اكبادهم من أجل الوطن الذي تتحقق فيه الحرية والسلام والعدالة، يعلنون أن لا ردة ولا نكوص ولا رجوع ولا حنث بقسم الثورة المجيدة.

اسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com
25 اكتوبر 2021

 

آراء