الرد على تشاد.. حالة ارتباك..! … بقلم: ضياء الدين بلال
24 May, 2009
الغرابة التي نقلها الخبر لقراء الزميلة (السوداني) مصدرها في الأساس.. كيف لدولة كاملة السيادة تتعرّض لهجوم من دولة أخرى، فاذا بالدولة المعتدى عليها تبلغ دولة ثالثة رسمياً بأنها - أي الدولة المعتدى عليها - تحتفظ بحقها في الرد...!
ذلك ما نقلته الزميلة (السوداني) عن سفير السودان بفرنسا سليمان محمد مصطفى أنه أجرى اتصالات مع مسؤولي الحكومة الفرنسية أبلغهم فيها بالاعتداءات التشادية على السودان وما يترتّب على ذلك من انتهاك للقانون الدولي، الامر الذي سيترتب عليه احتفاظ السودان (بحق الرد)..!
بكل تأكيد.. الغرابة والدهشة تستحق أكثر من علامة تعجب وحزمة من علامات الاستفهام.. ذلك حينما يتم البحث عن (الهدف) الذي يقصد اليه ذلك البلاغ.. فمن المؤكد ان سعادة السفير لا يريد أن يخبر الدولة الفرنسية بما جرى، لأنها تعلم دقائق التفاصيل، وذلك بشهادة الحكومة السودانية التي قالت أمس الأول إن فرنسا قامت بمد الجيش التشادي بالصور والخرائط، وبالقطع السفير السوداني لا يريد ان يشرح للحكومة الفرنسية التكييف القانوني للهجوم التشادي على السودان في مضابط القانون الدولي..!
طريقة الإبلاغ والمفردات التي استخدمت من قبل السفير تعطي انطباعاً مباشراً بأن الحكومة السودانية راغبة في أخذ الإذن من فرنسا للرد على الهجوم التشادي..!
لكن من الواضح للجميع ان الوجود الفرنسي بتشاد تحت المظلة الأوروبية - أو العكس صحيح - هو الذي يتحكم بصورة حاسمة في تحديد موازين القوى في تلك الجغرافيا المضطربة.. الأرقام تقول إن القوات الاوروبية بتشاد (3700) جندي منها (2100) قوات فرنسية.فمن السذاجة تصور أن مثل هذا الإبلاغ كافٍ تماماً لإلزام فرنسا جانب الحياد.. فرنسا تدرك هشاشة وضعف نظام إدريس ديبي وانه لن يصمد في وجه أي هجوم منظم يشن عليه من معارضيه أو من جيرانه.. فهي تريد حمايته - لكن بطريقتها الخاصة - لذا جعلت من حماية النازحين واللاجئين مظلة لمشروع حماية نظام ادريس ديبي.
في المرات الثلاث التي تحركت فيها قوات المعارضة التشادية لإسقاط ديبي كان التدخل الفرنسي هو طوق النجاة الأخير لنظام إنجمينا.لفرنسا حسابات متعددة في منطقة التماس (السوداني - التشادي) من أهم بنودها عدم وصول نظام موالٍ للخرطوم الى قصر الحكم بإنجمينا، خاصةً بعد تعقيد علاقة الخرطوم مع الدول الكبرى عقب صدور قرار المحكمة الجنائية بتوقيف الرئيس عمر البشير، الذي جاءت بدايته فرنسية، بنقل ملف دارفور من مجلس الأمن إلى المحكمة الجنائية، والآن القرار يجد الإسناد والدعم والرغبة الفرنسية في تنفيذه، متقدمة على الجميع.
بعد كل ذلك.. من حقنا أن نسأل: بأي وجه ظن سعادة السفير أو خارجيته بأن باريس من الممكن أن تتعاون مع الخرطوم - ولو بالصمت والتزام الحياد - ضد نظام الحكم القائم في إنجمينا..!
من مصلحة الحكومة أن تراجع ردود فعلها الإعلامية على الهجوم التشادي حتى تدرك ما وقعت فيه من أخطاء.. فتصريحات اليوم الأول كانت تتوعد برد دبلوماسي وعسكري «عاجل».. ولكن تصريحات اليوم الثاني جاءت تحذر من مخطط يستهدف استدراجها للحرب..!وفي مرة تتهم فرنسا بدعم تشاد بالمعلومات والخرائط، وفي اتجاه مناقض تتكرم الدبلوماسية السودانية بتمليك فرنسا تفاصيل ما حدث (لوضعها في الصورة)..!
على الحكومة أن تخرج من الإطار لتنظر للصورة في أبعادها المتعددة، فبكل تأكيد سيكون خيارها الخروج من دائرة الخطوط المتقاطعة والخطط المتناقضة.. بأسرع ما تيسّر!