الزكام السياسي. هارون والحلو وقصة علي عثمان … بقلم: ضياء الدين بلال
2 May, 2010
diaabilal@hotmail.com
الاتفاق كان على مَاء صافية، في اللقاء الأول بينهما اتفق والي ولاية جنوب كردفان أحمد هارون ونائبه عبد العزيز الحلو، أن يجنبا ولا يتهما (الزكام السياسي) في حال اشتعال نوبات العطاس بين الخرطوم وجوبا..!
الرجلان يدركان أنّهما يديران منطقة جهازها التنفسي شديد الحساسية وسريع الاستثارة، ومن ذلك الاتفاق أصبحت ولاية جنوب كردفان تُدار بشراكة ذكية، كل طرف يَتَجنّب الضغط على مناطق (الوجع) في جسد الآخر..!
بِدعوةٍ كريمةٍ من مولانا أحمد هارون كُنت قبل أيام شاهداً على مُناقشة ساخنة وموضوعية في مبنى حكومة الولاية بين كل القوى السياسية هناك، بحضور وزير الداخلية ومفوضية الانتخابات وممثلين للبعثة الأممية..!
النقاش كان حول تقييم الإنتخابات الجزئية التي تمّت بالولاية والترتيب للتكميلية المقبلة.. مستوى النقاش كَانَ بالغ الروعة من حيث الموضوعية والصراحة، كل مشارك قدم ملاحظاته دون تجميل أو مقدمات اعتذارية، القوى السياسية بجنوب كردفان كانت تتابع العملية الانتخابية بحرصٍ واهتمامٍ فَاقَ مَثيلاتها في كل السودان، نعم تلاحظ ذلك من خلال المعلومات التفصيلية التي تقدم، والمفوضية العليا بالولاية لا تحصن نفسها بشبكة من التبريرات والأعذار، تعترف بالأخطاء وتقر بالقصور وتعد بالمعالجات..!
الملاحظة المهمة جداً، أنك في الخرطوم وجوبا لا تجد الشريكين يجلسان مع بقية القوى السياسية تحت سقفٍ واحدٍ، بل كل طرف يسعى للانفراد بتلك القوى للضغط على الآخر، لكن بجنوب كردفان الأمر مُختلف تماماً، الجميع على قاعدة واحدة وتحت سقف مشترك..!
أفضل تفسير لخلو الانتخابات في كل السودان من العنف هو ما قدمه أستاذ الأجيال محجوب محمد صالح في كلمته بالزميلة «الأيام» حين رد اللا عنف للمساحة التي سمحت للجميع بإخراج الهواء الساخن من صدورهم دون حجر أو منع، فلم يعودوا بحاجة للتعبير عن أنفسهم بالذخائر والعصى..!
حرية الرأي والتعبير هي التي تحمي المجتمعات من العنف والحكومات من الثورات، المناقشات التي كُنت شاهداً عليها بكادوقلي كانت بمثابة عملية إطفاء استباقية لشرارات تبحث عن مخازن البارود، فلا تجد سوى مستودعات الغبائن لتحيلها إلى رمادٍ..!
التحول الديمقراطي هو أن تكون جميع المصابيح مضاءة حتى لا يستطيع أحد أن يختبئ في الظلام أو يدعي حجماً ووزناً لا تقر به قياسات البصر، وأن يقول كل شخص رأيه دون أن يكون عليه تسديد فواتير ذلك من قوته أو حريته..!
الشراكة الذكية الموجودة بجنوب كردفان أولى بها الخرطوم وجوبا..
واهمٌ من يظن أن في صراعات الشريكين ومآلات انفصال الجنوب عن الشمال خيراً مرتجى..!
الأستاذ علي عثمان في زيارته الأخيرة لمصر أدار معنا ونحن مجموعة من الصحافيين حواراً مطولاً عن قضية الانفصال.. كان الرجل مُشفقاً على وحدة السودان، وأثناء حديثه شبه انفصال الجنوب بصخرة عاتكة بنت عبد المطلب ورؤيتها المنامية لصخرة تَتَدحرج من أعلى الجبل نحو مكة، فما سلم بيت بمكة من حجارتها المتناثرة، فكانت غزوة بدر وملك الموت يطرق كل الأبواب..!
حَمَى اللّه هذا الوطن العزيز من صخرة عاتكة التي إذا تدحرجت وتناثرت حجارتها فلن تسلم منها الجنينة ولا بورتسودان..!