السر دوليب

 


 

عبد الله علقم
9 September, 2020

 


(كلام عابر)

في النصف الأول من سنوات الستين من القرن الميلادي الماضي كنت أستغل القطار من القضارف لودمدني لغرض الدراسة في مدرسة حنتوب الثانوية وكان القطار يغادر محطة القضارف في السادسة صباحا، ولكن في سنوات لاحقة تغيرت مواعيد المغادرة للسابعة مساء. عندما يغادر القطار القضارف مبكرا في السادسة صباحا كان يتوقف عصرا لحوالي خمس دقائق في محطة صغيرة،أقرب للسندة بلغة السكة حديد آنذاك،اسمها كساب الدوليب القريبة من سنار المدينة(مكوار).
في كل مرة اطالع اللوحة الكبيرة القائمة في المحطة واقرأ "كساب الدوليب" المكتوبة بالعربية والانجليزية،وهي لوحة يوجد مثلها في كل محطة سكة حديد،في كل مرة يقفز إلى ذهني اسم الشاعر السر دوليب فأنا لم أسمع من قبل بكلمة دوليب إلا مقرونة بالسر دوليب.كلمات الدوليب وكساب الدوليب لها رنين خاص في الأذن وفي الذاكرة. تتراقص امام عيني وأنا في كساب الدوليب. كلمات السر دوليب مفعمة بالحب والشجن و تثير الخواطر والذكريات وتبعث للوجود ذكرىات حب ينسجه الخيال في كل مرة. السر دوليب أسم متفرد له إيقاع جاذب جميل. لم تكن آنذاك "أشواق" محمد ميرغني وحسن بابكر قد ظهرت بعد للوجود ولكن كان هناك "قلبي فاكرك" و"ريدتنا ومحبتنا" و"مالي والهوى" و"ما بصدقكم"وغيرها من الشوامخ تشارك كلها في ذلك الثراء الوجداني الذي منحه الشاعر لابناء وطنه بسخاء لا ينقطع. مرت سنين عديدة لم أستغل فيها ذلك القطار وأترجل منه لبضع دقائق في محطة كساب الدوليب،تزامنت هذه الدقائق في مرة من المرات مع أغنية قلبي فاكرك من راديو ام درمان. أعقبت ذلك سنوات الشر والشريرين فاختفى القطار على طول الخط من هيا إلى سنار مرورا بكسلا والقضارف وكساب الدوليب واختفى مع القطار جزء كبير من الذاكرة والتاريخ.
لم تربطني به علاقة شخصية ولم أسعد برؤيته رأي العين،ربما لقلة حظي، ولكن ذلك لم ينتقص شيئا من الرباط الوجداني المتين الذي كان يشدني إليه على مر السنين، ففي البدء كانت الكلمة.
رحيل رمز من رموز الجمال والتنوير في زمن شديد القبح يضيف لتراكم الأحزان والمحن.
ألف رحمة ونور على الشاعر العظيم المبدع تاج السر محمد المهدي دوليب.
(عبدالله علقم)

abdullahi.algam@gmail.com

 

آراء