السعودية … تجاوز لعنة الخطوط الملونة … بقلم: أبوذر علي الأمين ياسين

 


 

 

Abuthar Ali [abuzzzar@yahoo.com]

لقد أخرج الله موسى من بيت فرعون، ولم يكن هدف خروج موسى انهاء الفرعون، بل اعادة الحياة التي قتلها واعتصر قلبها الفرعون، وإن كان مسار الاحداث قد قضى على الفرعون فإنها النهاية لكل من يخشي الحياة بشروطها التي خلقها بها الله رب العالمين، ومن غالب الدين غلبه. تلكم هي الدلالة التي تشير إليها بقوة افتتاح جامعة الملك عبدالله. قد يبهر الناس وتشغلهم في تلك الجامعة اتاحة الاختلاط فيها والسماح للنساء بقيادة السيارات، برغم من أنها قضايا في كل العالم لا تشغل بال أحد لهذا الحد كونها من البداهات والمعتادات الراتبة واليومية، لكنها في السعودية حدث جلل وربما أكبر من ذلك. وقد توصف خطوة الملك عبدالله بأنها خطوة ثورية في دولة تتقاذفها أمواج من الرجعية عاتية فكأنها تنور نوح لا ينجو منه إلا الرجعيين. وقد تثير فيك خطوة منع (قوات) الامر بالمعروف والنهي عن المنكر دخول تلك الجامعة موجات من الاندهاش ذات آفاق لاحدود لها تخضع حتى المعروف والمنكر لاعادة التعريف بحسب كسب المجتمع وتطورات القضايا والتفاعلات فيه. كل ذلك مثير مثير لكن الأمر اكبر وأكبر مما تري.

تستحق خطوة الملك عبدالله وجامعته الجديدة وصف (اعادة الحياة) للإنسان السعودي الذي سيحيي الدولة السعودية. فخلال تاريخ طويل ظل الموت هو سيد الحياة في ذلك المجتمع وتلك الدولة. موت (أحمر) بلون الدم لكنه يلازم كل حركاتك وسكناتك في السعودية وإن كنت وافداً أو مهاجراً فيها. موت لم تحييه حتى (شعائر الحج) أو تثير فيه الانتباه عاما بعد عام. ذلك أن السعودية ظلت تقدم للعالم وتحافظ على نموذج (المجتمع المقبرة)!!؟. مجتمع مقسم بأغلظ آيات المفاصلة والانقسام، فيه للنساء حياة لا رجال فيها، وفيه للرجال حياة لا نساء فيها. وبات هذا الوضع حاكم وبقوة حتى على مستوى بيت الزوجية التي تحولت ضمنه المحبة والسكينة والمودة إلى مجرد علاقة اشباع غريزة الجنس وفي حدوها فاستحالت كما الأكل والشراب والاخراج، ضرورة جسدية صرفة لا حياة فيها ولا فضيلة ولا تكامل بين ثنائيات (ذكر وانثى). هكذا حياة لا تعرف الآخر إلا لاغراض (قضاء الحاجة) فماتت كل أشكال التعدد، وباتت روح الدين أقوى أدوات تحويل قيم الحياة وتحدياتها إلى خادم للحواس والشهوات وحصرتها في بعدها (الحيواني) بل هي أقل من ذلك.

وبرغم من أن السعودية عند المسلمين أرض الحرمين الشريفين حيث عاش رسول الله (ص) وأطلق الدين الجديد منها وكانت منارة التغيير الاكبر والاوسع على مستوى العالم، إلا أنها ظلت النموذج الفريد لقتل الدين وقبر التدين، باصرار لايملك مثله ومقداره حتى ابليس وكل قبيل الشيطان. فأصبح الدين جملة شروط ثابته لا تعترف با لتغيير في (الحياة الدنيا). دولة (ممحاة) أتت على كل سنن رسول الله (ص) فمحتها عن حياة الناس ولم تثر فيها سنن الله التي خلق بها الدنيا سوى الشهوات التي وصفها القرآن اذا اتخذها الانسان هادٍ له فهو (كالانعام بل أضل). وقدمت نموذج من التدين احالت الدين الى قائمة للحلال وأخرى للحرام. لا يجوز تغييرها ولا تطويرها بل كل ذلك انما هو تعدي على الدين ليس في عرف دولة السعودية وقيادتها فحسب، بل وفي عرف المجتمع شاء أم أبي.

الغريب أن الحج الذي تقف له السعودية كل جهدها وطاقتها وكوادرها، لا يثير ويجدد حق المراجعة للوضع الذي يتمسك به السعوديون حكاماً وشعبا!!؟. ففي الحج تتكسر كل خطوط الحظر السعودي (وألوانها) ووفقاً لشروط دينية صارمة ترتبط بشعيرة الحج. حيث الاختلاط سمة أساسية، في كل مراحل الحج وحيثياته، بل حتى الصلاة لا صفوف فيها مخصصة للرجال والنساء فحيثما وجدت نفسك فصل. ففي الحرم المكي ستصلي ما حرصت وعلى جنبيك أو احدها أمرأة، وربما امامك وخلفك. وبحرم الله على كل ذات خمار او برقع كشف وجهها، وفي الطواف تدافع مثل تدافع الحياة، فيه الرجال والنساء بلا حواجز أو أي شكل من أشكال النظام التي تُفصل وفقاً له مسارات للرجال وأخرى للنساء، وكذلك الامر في كل شعائر الحج. لكن السعودية الدولة ظلت تهتهم فقط وتحرص على رصد التقارير والاحداث التي يموت فيها الناس لتطوير الخدمات وتحسنها كثيراً فقط وفقاً لهذا البعد. لكنها لم تهتم ابداً للنظر للحج ومقارنة ذلك باحوال المجتمع الذي كرست له وجعلت منه وبجدارة (مجتمع القبر). الحج هنا يبدو مثل جامعة الملك الجديدة عزلة مجيدة لحركة جديدة، ولكن كونها تأتي خارج اطار الحج فهي تمثل نقلة جديدة وبشرى بالعودة إلى مجتمع آدم الذي خلقه الله وانزله ارضه ليعمرها وفقاً لقواعد الفطرة التي ترتكز على ثنائي الانسان الشيطان، والايمان والكفر بالله، وتجعل من النسبية قاعدة اًصيلة لهذه الدنيا فيها حتى الايمان درجات فقط تصبح مؤمناً وتمسي كافراً، ويكون ايمانك اقل درجة من شخص آخر أو أكثر، وبين رحى الايمان والكفر تجتهد فيكون لك عند الله الغفور الرحيم مكانة وجزاء.

بعض الدول تجعل من الألوان زموزاً للتكميم والتعتيم ومصادرة الحريات!، فتحول حياة الناس فيها إلى ( ألوان) من العيش النكد التي لا ترسم إلا لوحات تنشر الموت في شرايين الخيال والابداع الانساني وتحيله بدلاً من تطوير الحياة وفك اشكالاتها إلى أداة تبشر بالموت وتعيد احياءه كلما انعتق منه أمل وبدأ في ملامسة وملاطفة الألوان التي تعييد إحياء سنة الله ورسوله (إن الله جميل يحب الجمال).

ظلت السعودية رمزاً (صامداً) في دنيا خطوط الحظر الملونة، التي تجعل لكل محظور لون حتى تيبست فيها كل الشرايين عن ضخ الحياة وانسدت فيها الاوردة عن إعادة الأمل لقلب وقف عن النبض اذ تكاثر عليه تلوين  المحظورات (بالاحمر القاني) الذي تحول من لون للحياة النابضة الى لون للموت الذي سرى في الآفاق فاندلق على كل شئ ملغياً كل ألوان الله التي جمل بها عالمه ودنيا الناس. ولما لم يجد الاحمرار مساحات جديدة ينبسط عليها إلغاءاً وقد اتملاءت الدنيا محظورات (حمراء) إندفع يأخذ حتى أرواح الناس قتلاً وتفجيراً. وهكذا صارت ألوان الله لوناً واحداً هو الموت المفعم بالحياة الميته والتي تحث على الموات.

عاشت السعودية حياة لا توجد على كوكب دين الله الذي فطر عليه الانسان وجعله نموذجاً فريداً للتحدي والتعدي حتى على الله الذي خلقه (من شاء فاليؤمن ومن شاء فاليكفر)، مشيئة مطلقة على آفاق لم يرسم لها الله حدوداً أمام الانسان، عكس ما هو الحال مع سائر مخلوقاته، فالارض والسماء خيرتا أن تأتيا لله طوعاً أو كرها فاختارتا أن تأتيا طائعتان.

وتبقى عبرة خطوة الملك عبدالله وجامعته هي لحظة العودة إلى جادة الدين والدنيا، ذلك أننا عرفنا يقيناً أن التدين لم يكن يوماً نمطاً أو لون واحد. لا على مستوى الجماعات ولا الأفراد، عرفنا ذلك حتى في حياة الرسول عليه افصل الصلوات وفي أثنائها وبعدها. ففي حياة الرسول ظل التقدير والاحترام وحفظ الحقوق سارٍ حتى لمن اختار البقاء على يهوديته أو مسيحيته وحتى شركه. بل لم يجعل رسول الله بمسجدة حائطاً حاجزاً أو ساتر بين الرجال والنساء، بل كان يشجع حتى مشاركتهم في الحروب حيث لا ضوابط أو شروط تجعل للنساء عند الحرب حظوة تجبنهم زخم العراك ومخاطر التدافع والقتال، بل كانت النساء تخوض غمار الحرب مع الرجال وبينهم. بل تجد وبحياة الرسول (ص)أن للقرآن -الكتاب الواحد- سبع قراءات وعلى ذلك قس. وعلى عهد عمر بن الخطاب كانت النساء يجادلنه وهو أمير المؤمنين وخطيب (الجمعة)، لكن عالم الاسلام اليوم جعل من خطبة الجمعة وخطيبها أبرز (خط أحمر) لا يجوز مقاطعته ناهيك عن الاختلاف معه ومحاججته أُثناء الخطبة.

يستحق الملك عبدالله على جامعته هذه الكثير من الثناء من الله والناس. فاذا كان الحج رغم كونه من اركان الاسلام وأكثر الشعائر التي يهتم بها المسلمين وتهتم لها المملكة، ورغم حجم الذين يشاركون فيه كل عام من كل فج من بقاع الدنيا، ورغم ذلك لا تأثير له على ايقاع المجتمع السعودي الذي يرفض كل ما يحدث ضمن الحج ويحاجج على ذلك وفقاً لخلفية دينية مفتعله، فأن لله جنوداً وجامعات تعيد للناس انسانيتهم وتدفع بهم نحو الحياة وتوازناتها، فمجتمع لوط لم يحيق به الدمار إلا بعدما دمر نفسه واصر على تبديل قاعدة فطرة الله بأن يكون الرجال موضوع شهوة الرجال دون النساء. إن الاخلال بقوانين الله لا تنتج إلا الفساد والافساد. فهل لنا أن نأمل أن تعاد الالوان لخبازيها فيعيدوا لها وبها الحياة في دنيا الناس؟، وهل لنا أن نأمل وعلى نموذج الملك عبدالله أن تتحول (زفراتنا الحرى) الى (عبر حرى)؟، وأن نستعيد لنا وللأخرين والناس أجمعين قواعد الله وسسنه، أن السعي في الدينا بشروطها وقواعدها هي مناط القبول والتتميم من الله وليس العكس فالدعاء لا  يستجاب إلا اذا سعيت وحققت شروطه المادية وفقاً لقوانين الله في الارض والتدافع بين الناس.

 

 

 

\\\\\\\\\\\\\\\\\

 

 

 

آراء