السعودية عارية … تواجه نفسها وأمريكا وإيران

 


 

حسين التهامي
11 January, 2016

 

kingobeidah@gmail.com

    منذ احداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١م  بدا ان منطقتنا تعيش حالة  غير مسبوقة من السيولة اذ ان الولايات المتحدة الامريكية - واقصد هنا الدولة العميقة وليس الادارة الامريكية والاخيرة طارئة ومتغيرة كما نعرف حسب نتائج الانتخابات كل ٤ سنوات - توصلت الى قناعة راسخة بان النسخة الوهابية مِن الاسلام السياسي والتى يمثل تنظيم القاعدة قمة تمظهراتها قد أصبحت خطرا حقيقيا ينبغي ليس مواجهته فحسب بل والقضاء عليه باجتثاثه من جذوره فى المملكة العربية السعودية . وكنت فى مقال نشر فى صحيفة رأى اليوم فى مايو من العام الماضي قد كتبت  ( ورغم  محاولة كلا من الطرفين السعودى والامريكى ابقاء مظاهر الخلاف بينهما حبيسة جدران غرف الاجتماعات فى الرياض وواشنطون دى سى الا انه من الواضح ان هناك عددا من الملفات الشائكة بينهما وهى : سعى إدارة الرئيس الأمريكى باراك اوباما لمعالجة موضوع  الاتفاق النووى الايرانى وصعود التنظيمات الاسلامية المتطرفة وعلى رأسها الدولة الاسلامية وتداعيات ومآلات الربيع العربى والمستقبل الغامض لسوق النفط العالمي . والأخير هو بطاقة ضغط  فى جيب الولايات المتحدة الامريكية التى تحررت من الاعتماد الكلى على مصادر النفط فى الشرق الأوسط والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص وهو وضع تحكم طوال عقود طويلة فى دينامية فضاء العلاقات بين البلدين منذ اللقاء التاريخي قبل ٧٠ عاما  بين الملك السعودى الراحل عبد العزيز والرئيس الأمريكى الراحل ايضا  فرانكلين روزفلت ووضع أساس علاقة قامت على تبادل الامن والحماية مقابل النفط.
    وفى اعتقادى ان التحول الجذرى فى العلاقة بين البلدين وقع بعد احداث ١١ سبتمبر إذ  ان الولايات المتحدة الامريكية والغرب عموما بدأ فى النظر الى المملكة العربية السعودية باعتبارها حاضنة للارهاب ومصنعا ضخما للأفكار المتطرفة المناهضة ليس للحكومات فى أوروبا والولايات المتحدة الامريكية بل وما كان يصفه الرئيس الأمريكى الأسبق بوش  باسلوبنا فى الحياة اى مجمل القيم التى تشكل المفهوم الغربى وكاد ان يقول الاسلام فى مقابل المسيحية .
    وأضفت فى مقال اخر نشر فى رأى اليوم ايضا  فى نفس الشهر والسنة بعنوان (السعودية تنتظر انتخابات ٢٠١٦م الامريكية ... هل المشكلة  فى اوباما ام أمريكا؟)
     -تصلح حكمة  سياسية ونصيحة تنسب الى رجل الدولة البريطاني  ونستون تشرشل لتكون  شفرة حل  وفهما ادق ومدخلا للتأمل والبحث عند تناول الأزمة التى بدأت سحبها وعواصفها المدمرة  تغطى سماء منطقة الخليج العربى وهى تقول :( لا يوجد في السياسة  عداواتٌ دائمة ولا صَدَاقاتٌ دائمة ). ولا ريب ايضا ان بعضا من جذور  المواجهة فى المنطقة مابين المملكة العربية السعودية والدول الخليجية فى جانب وإيران فى الجانب الاخر تعود ليس للسياسة وحدها بل وايضاً الى الدين باعتبار الحالة السنية والشيعية .

    ومع انتصار الثورة الإيرانية فى ١٩٧٩م وتحول ايران من الحكم الملكى تحت الشاه محمد رضا بهلوى الى جمهورية إسلامية ناصبت الولايات المتحدة الامريكية وإسرائيل العداء تعمدت المصالح الاستراتيجية بين الولايات المتحدة الامريكية والمملكة العربية السعودية وشهدت ذروتها مع تصاعد حمى الحرب الباردة والتى اقتربت من نهايتها أواخر الثمانينات وبداية التسعينات. وبوصول الرئيس الأمريكي رونالد ريغان -من الحزب الجمهورى -  إلى السلطة ضاعفت الولايات المتحدة ضغوطها السياسية والعسكرية والاقتصادية على الاتحاد السوفيتي. في النصف الثاني من الثمانينات، قدم القائد الجديد للاتحاد السوفيتي ميخائيل جورباتشوف مبادرتي بيريستوريكا - إصلاحات اقتصادية – وغلاسنوت – مبادرة اتباع سياسات أكثر شفافية وصراحة.  وكما هو معلوم انهار الاتحاد السوفيتي عام ١٩٩١م  لتتسنم الولايات المتحدة الامريكية قيادة العالم باعتبارها القوة العظمى الوحيدة في عالم أحادي القطب.والجزئية المهمة فى تفاصيل بداية حالة الانهيار كانت فى الحرب الافغانية وتخلخل  آلة الجيش السوفيتي الى حد الانهيار ونذكر دور المملكة العربية السعودية فى دعم الجهاد الافغانى وتحقيق ذلك الانتصار  وهو ما أدى لتعزيز وتكريس زعامة المملك العربية السعودية فى العالم الإسلامى.

    غير ان الحرب الافغانية كما نعرف  أدت  الى بزوغ  الاسلام السلفى الجهادي ومن ثم احداث ١١ سبتمبر التى رسخت من مخاوف الغرب والولايات المتحدة الامريكية من-  لنقل- النسخة الوهابية والى حد ما الاسلام السنى - بالتمويل المالى الضخم  والأفكار - فى مواجهة الغرب والولايات المتحدة الامريكية فى حالة أشبه باستعادة الذاكرة التاريخية للحروب الصليبية خاصة وانه فى وقت ما كان للولايات المتحدة الامريكية حوالى ربع مليون جندى داخل أراضى المملكة العربية السعودية إبان حرب الخليج واستعادة الكويت . وكانت  احداث ١١ سبتمبر  بمثابة القشة التى قصمت ظهر بعير العلاقات مع الولايات المتحدة الامريكية ودفعتها الى نقطة الا عودة. ولكن  بداية الحريق  فى  ثوب العلاقات  اشتعلت شرارتها الاولى مع  الحظر النفطى  اثناء حرب ١٩٧٣م   -وحينها احست أمريكا بالمهانة و الذلة وهى تقف عارية وعاجزة  من دون  النفط  وهو بمثابة  الهواء الذى تتنفسه . ولعل البعض يذكر صفوف سيارات الأمريكيين الطويلة امام محطات الوقود والشتاء الذى زادت برودته مع نقص زيت التدفئة وهو ما قرع جرس إنذار لا يمكن تجاهله فى الولايات المتحدة الامريكية من هشاشة اعتمادها على نفط المنطقة وبالذات من المملكة العربية السعودية التى تحولت  تدريجيا من حليف الى  مجرد صديق يمكن التخلى عنه  وهو مايحدث الان  ولعله  يفسر بدرجة ما حالة الارتباك السعودية التى لم تستوعب الانتقال الذى يبدو مفاجئا لكن الولايات المتحدة الامريكية كانت مستعدة له تماما ومنذ ذلك الوقت   فقد آمنت  مصادر نفطها المستقلة بشكل كامل ومهدت لإيران لملء فراغ قيادة العالم الإسلامى .وحسب مصادر أمريكية تحدثت اليها وناقشتها فى مراكز قريبة من صنع القرار فى واشنطون فان  السهم الأخير فى جعبة المملكة العربية السعودية او الأمل الوحيد  والذى عبر عنه المسؤولين السعوديين الذين التقوا بهم هو ان تكون التغييرات  الحاسمة فى العلاقات بين البلدين هى مجرد أزمة مع إدارة الرئيس الامريكى الحالى باراك اوباما -من الملاحظ ان المملكة العربية السعودية كانت تحظى بعلاقات ممتازة مع الإدارات الامريكية فى عهود الجمهوريين والعكس عندما يدير البيت الأبيض رئيس من الديمقراطيين  الا فى استثناء نادر - وليست مع الولايات المتحدة الامريكية كبلد) انتهى

    وقد عمدت المملكة العربية السعودية  فى خضم الياس والحيرة فى استيعاب  تحولات علاقتها مع الولايات المتحدة الامريكية الى نقل مواجهتها مع ايران الى حالة الخيار الصفرى : اما نحن او ايران وجهدت فى توسيع معسكر الاصطفاف معها ليضم اكبر عدد ممكن من الدول العربية والإسلامية . ويصف مقال براهما شيلانى -بروفسور متخصص فى الدراسات الاستراتيجية بمركز أبحاث السياسات فى نيو دلهى بالهند - ونشر فى برجين سيندكيت بتاريخ ٢١ سبتمبر من العام الماضي تحت عنوان ( حرب السعودية الزائفة على الاٍرهاب ) بدقة وإحاطة موقف الغرب من المملكة العربية السعودية ويشير الى ان

    :(إحتواء كارثة الإرهاب الإسلامي سوف يكون مستحيلا بدون إحتواء الإيدولوجية التي تحركها وهي الوهابية . إن الوهابية هي أحد أشكال الأصولية السنية المتحمسة والتي تمجد الجهاد علما أن المشيخات الغنية بالنفط في الخليج وخاصة السعودية هي التي تمول توسعها على مستوى العالم ولهذا السبب فإن التحالف المعادي للإرهاب والذي أعلنته السعودية مؤخرا أي التحالف العسكري الإسلامي لمحاربة الأرهاب يجب أن ينظر اليه بشك عميق .إن الوهابية تروج لإشياء من بينها إخضاع النساء وموت "الكفار " وهي وكما قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما في وصف دوافع زوجين من أصول باكستانية لإرتكاب إطلاق نار جماعي مؤخرا في سان بيرناردينو ، كالفورنيا " تفسير منحرف للإسلام" وأم الإرهاب الجهادي أيدولوجيا. إن ذريتها تشمل القاعدة وطالبان وبوكوحرام والشباب والدولة الإسلامية وجميعها تمزج بين العداء ضد من هم من غير السنة والرومانسية المعادية للحداثة لتجعلها تصب في حالة من الغضب العدمي.لقد كانت السعودية تمول الإرهاب الإسلامي منذ إزدهار أسعار النفط في السبعينات من القرن الماضي والتي عززت بشكل دراماتيكي من ثروة البلاد وطبقا لتقرير البرلمان الأوروبي لسنة ٢٠١٣م  فإن جزءا من العشرة مليارات دولار أمريكي والتي إستثمرتها السعودية في " إجندتها الوهابية" في جنوب وجنوب شرق آسيا تم "تحويلها" إلى مجموعات إرهابية مثل عسكر  طيبه والتي نفذت هجمات مومباي الإرهابية سنة ٢٠٠٨م.لقد أقر القادة الغربيون بالدور السعودي منذ سنوات عديده ففي برقية دبلوماسية سنة ٢٠٠٩م من وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك هيلاري كلينتون أشارت إلى السعودية على إنها " أهم مصدر لتمويل المجموعات السنية الإرهابية حول العالم "ولكن بسبب إهتمام الغرب في الغالب بالنفط السعودي لم تواجه المملكة أية عقوبات دولية .والآن ومع نمو الحركات الإرهابية مثل تنظيم الدولة الإسلامية فإن الأولويات تختلف وكما قال نائب المستشارة الألمانية سيجمار جابريل في مقابلة مؤخرا " يتوجب علينا أن نوضح للسعوديين بإن زمن تجاهل الموضوع قد إنتهى ".لقد دفع هذا التحول المملكة للإعلان عن حملة تستهدف المجموعات والأفراد الذين يمولون الإرهاب ولكن طبقا لتقرير من وزارة الخارجية الإمريكية فإن بعض الجمعيات الخيرية والمتبرعين من الإفراد من السعودية يستمرون في دعم المتمردين السنة.من هذا المنظور فإن إعلان السعودية المفاجىء عن تحالف لمكافحة الإرهاب يتكون من ٣٤  دولة مع مركز عمليات مشترك مقره السعودية هو خطوة منطقية تستهدف الحد من الإنتقادات الغربية المتزايدة وفي الوقت نفسه تعزز من النفوذ السني في الشرق الأوسط ولكن بالطبع عندما نتمعن في عضوية هذا التحالف سنجد أنه تحالف زائف.إن من الأمور التي يمكن ملاحظتها هو أن التحالف يضم جميع الجهات الرئيسية الراعية للإرهاب والمجموعات الإرهابية من قطر إلى الباكستان وكأن كارتل مخدرات يدعي بإنه يقود حملة لمكافحة المخدرات. إن من بين الدول المذكورة كأعضاء في التحالف كذلك جميع الدول التي تعتبر معقلا للجهاديين بخلاف إفغانستان وبما في ذلك ليبيا واليمن واللتين تمزقهما الحرب والتي لا تحكمها حاليا سلطة موحدة.وبالإضافة إلى ذلك وعلى الرغم من وصف التحالف على إنه تحالف "إسلامي" ينتمي اعضاءه إلى جميع أرجاء العالم الإسلامي فإن المجموعة تضم دولا فيها غالبية مسيحية مثل أوغندا والغابون ولكن بدون عمان "مشيخة خليجية " والجزائر " أكبر دولة في إفريقيا" وأندونيسيا (أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان ).إن فشل ضم أندونيسيا والتي يصل عدد المسلمين فيها إلى ضعف عدد المسلمين في الشرق الأوسط مثير للإهتمام ليس فقط بسبب حجمها فبينما تحكم معظم البلدان في التحالف من قبل طغاة أو حكام مطلقين فإن إندونيسيا هي ديمقراطية قوية . إن الحكم المطلق في البلدان الإسلامية عادة ما يعزز من القوى الجهادية ولكن عندما تترسخ الديمقراطية مثل إندونيسيا المتسامحة والعلمانية فإن الصراع بين المعتدلين والمتطرفين يمكن إدارته بشكل أفضل.تتضح مقاربة السعودية الفاشلة في حقيقة أن بعض أعضاء التحالف بما في ذلك الباكستان وماليزيا ولبنان والسلطة الفلسطينية أعلنت على الفور أنها لم تنضم فعليا حيث يبدو أن المملكة إعتقدت إن بإمكانها إتخاذ ذلك القرار نيابة عن المتلقين الرئيسيين لمساعداتها.لو أضفنا إلى ذلك الإستبعاد غير المفاجىء لإيران والعراق والتي يحكمها الشيعة بالإضافة الى سوريا التي يحكمها العلويون سيتضح لنا أن السعودية قد قامت بتشكيل مجموعة أخرى يهمين عليها السنة من أجل تعزيز أهدافها الطائفية والإستراتيجية  . إن هذا يتوافق مع المقاربة الأكثر تشددا والتي ترسخت منذ أن تولى الملك سلمان مقاليد الحكم في يناير ٢٠١٥م ) انتهى
    داخليا تواجه السعودية أزمة اقتصادية متصاعدة بسبب  تراجع  أسعار النفط العالمية وسجلت الموازنة  لعام ٢٠١٦م عجزا قدره ٣٢٦  مليار ريال (٨٧  مليار دولار امريكى ) وسياسيا ليس هناك معارضة يعتد بها او ذات وزن معتبر من الممكن ان تنتزع الحكم من ال سعود الا فى إطار ترتيبات داخلية فى الاسرة نفسها. غير ان فتح باب الحرب يعنى دخول شبح التقسيم من  الشباك اذ ان مابين ١٠٪‏ -١٥ ٪‏ من سكان السعودية والذين يبلغ عددهم ،٣٠،٧٠٠،٠٠٠ هم من الشيعة الجعفرية .  وكما نعرف فان الخريطة  الجغرافية لمنطقة العالم العربى منذ سايكس بيكو ١٩١٦م قد تغيرت الى الأبد فى حرب الخليج الثانية وغزو العراق للكويت.
     شهية الغرب مفتوحة على ايران التى تمثل سوقا مهولة بعدد سكانها الذين اقترب تعدادهم من ٨٠ مليون نسمة  سنة ٢٠١٣م - وهو ما يتيح لها استيعاب صدمة اى ضحايا بشرية فى حالة  مواجهة عسكرية محتملة  - وهى البلد ال ١٨ من حيث المساحة فى العالم وتحتل  مركزا هاما في أمن الطاقة الدولية والاقتصاد العالمي بسبب أحتياطاتها الكبيرة من النفط  والغاز الطبيعي . حيث يوجد في إيران ثاني أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي  في العالم ورابع أكبر احتياطي مؤكد من النفط .
    هذا من حيث الأرقام الباردة لكن من حيث الواقع الساخن  فان نزاعا مسلحا  بين البلدين يعنى المزيد من سفك الدم المسلم فى حرب متوهمة تعيدنا بسرعة الضوء الى فترة الجاهلية وماقبل الاسلام .

    حسين التهامى
    كويكرتاون ، الولايات المتحدة الامريكية

 

آراء