السـاســة وانفصـامهم عـن واقـعـهم 

 


 

 

بــهــدوووء-

22.02.2022

يسعى الساسة سعياً حثيثاً للمناصب و في سبيل ذلك يكدحون كدحاً طويلا و بمجرد وصولهم و استقرارهم في المنصب و استتباب أسباب الغنى لهم  يغفلون أويتناسون واقعهم تماما لماذا جاؤوا إلى هذا المنصب و بماذا وعدوا أهاليهم الغلابة ليتحقق فهم إذا بلغوا نصيبهم من الدنيا يحسبون أن كل السودان قد بلغ معهم الجاه و السلطان و المال و الدعة و الراحة . لذلك يندهشون حينما تحكي لهم عن واقع هم منفصلون عنه تماما لا يدركونه فينعتونك بالجاحد و أنك عاطل و فاشل و لا تستحق ، في حين أنهم صعدوا بك و على حسابك و على أكتافك و أنت في غفلة حسن الظن بهم .. هذا هو السيناريو المتكرر في كل مكان السودان و غيره ولكن..!

هناك من الحكام من يقدم لبلده و تبلغ دولته عصرها الذهبي فهو يعطي و يأخذ بإستحقاق .. ماذا قدم البشير للسودان ؟ هل لدينا بنية تحتية ؟ كهرباء؟ ماء نقي؟ سلام و استقرار و تناغم اجتماعي ؟ علاقات دولية ناجحة؟ ذكاء و فطنة و حكمة و دراية و لباقة حديث؟ حسن نية تجاه الجوار؟ تخطيط سليم ؟ في ظل دولة تملك كل الإمكانيات لتوفير ذلك و لم ينجز شيء ! مجرد ظاهرة صوتية و براعة في الخداع و التمثيل ، و قد نجح في ذلك مستغلا بكورية الشخصية السودانية البسيطة التي حرص على ابقاءها هكذا دون تنوير او تعليم الا بما يخدم اجندته و حزبه ، فأفرغ التعليم من محتواه القويم و حوله إلى تعليم عسكري يهدف إلى تجنيد الشعب السوداني لجيش كبير يقاتل تحت لواءه و حزبه المتشيع الذي يدين بالولاء و البراء لإسرائيل الأخرى(إيران) و هذا فكر علي عثمان محمد طه الذي أزاح الترابي و أجلس نفسه كمفكر بديلا عنه بعد أن رأى في الترابي و زهده في السلطة عائقا أمام طموحاته التوسعية .. فأنصرف السودان من الإهتمام بقضاياه الداخلية و حاجاته الماسة لبناء شخصية سودانية قويمة قائمة على مسؤولياتها و بناء دولتها إلى دولة تتدخل في شؤون كل الدول من حولها و أبعد من ذلك ، و في ظل ثورة التعليم العالي (المزعومة) ظهر لنا جيل بمثابة فاقد تربوي بالكاد يكاد يكتب فتجده طبيبا و لا يملك من مهارة الإملاء الصحيح سوى بعض كلمات ! حكم حزب المؤتمر الوطني و كل من يسير على نهجه لا يمكن أن يوصف إلا بالسفه.

********************

عندما تكون القوات العسكرية متململة نتيجة لتأخر رواتبهم أو حوافزهم أو لاي سبب آخر فان هذا التململ يجب معالجته سريعاًو هنا المعالجة لا تتم إلا عن منهجين فقط .. المنهج الأول هو خروج القائد للقوة و اطلاعهم بأسباب المشكلة و هذا ما يسمى ب( التنوير ) .. اما المنهج الثاني فهو طريق ( إستخباراتي ) فتخرج ( إشاعة ) درامية تقول: أن القائد (الفلاني) قد هاجم مكتب القائد (العلاني) و أمره بحل المشكلة فوراً .. حينها ستسري الاشاعة بين القوة و قد تتم زيادة حبكتها لتصبح اكثر إثارة و تشويقاً ، فتقل نسبة التململ و يدب الحماس في القوات مجدداً بسبب أن هناك قائداً يسعى جاهداً لحل مشاكلهم .. بينما في حقيقة الامر أن القائدين (الفلان و العلاني) كانا يحتسيان قهوة الظهيرة و يتناقشان حول أداء الريال  أمام البارسا .. و لعبة الإشاعة هذه هي في الإساس لعبة إستخبارية قد يستخدمها حكامنا لأهداف محددة أو قد تستخدم ضدهم من قبل قوى خارجية لتحقيق أهداف لصالحها و في كلا الحالتين لا ينبغي لنا أن نهتم أو نروج لها.

و بذات الإسلوب اعلاه تتم معالجة بعض الامور السياسية عن طريق منهجين لا ثالث لهم .. إما بمؤتمر صحفي .. أو عن طريق إشاعة محبوكة بعناية .. و ليس بالضرورة أن تكون هذه المعالجات بسبب تململ في الشارع السياسي السوداني أو داخل القوات النظامية .. بل اغلبيتها قد يكون بسبب تململ خارجي لواحد من المحاور أو للمجتمع الدولي ككل .. فاللعبة التي تدار داخل السودان هي لعبة (موجهة للخارج أولا) ثم للبعض في الداخل ثانياً.

اللعبة عزيزي القارئ في عمومها تدار كما تدار رقعة الشطرنج تماماً و في رقعة الشطرنج لكي تقتل الملك يجب أن تضلل العدو بتحركات وهمية .. يجب أن تجعل العدو يظن بانك ستهاجم (الطابية) فينشغل بحمايتها بينما خطتك الحقيقية هي الإنقضاض (على الوزير) .. في كل الأحوال يجب أن تتوخى الحذر من تحركات ( الرخ ) و الرخ خارج رقعة الشطرنج هو قائد إستخبارات العدو

يجب أن لا نهتم وننشغل  للخلافات و الإستقالات هنا و هناك .. هذا لا يعنينا في شئ إن كان البرهان قد تصارع مع رئيس أركان الجيش أو  أن حميدتي قد طلق زوجته ! .. كل هذا وغيره لا يعنينا في شئ،بذات القدر لا يهمنا إن إتفقت القوى السياسية في القيادة  أو أنتحرت .. هذه ليست قضايانا و هذه ليست مطالبنا و كل من يروج لفعل لم يحدث فعلاً فهو جاهل أو أجير يطبق في أجندة خاصة.

نبضات أخيرة :-

شاهدت حلقة لبرنامج ( إعترافات ) للإعلامية رشان ( العقربة ) مع الدكتور ( الداهية ) نبيل أديب .. رشان العقرب لانها حقيقي متمكنة و مبدعة جدا و قادرة انها تنتزع الإعترافات باحترافية تجعلك انت المتلقي تقيم و تحكم بعقلك .. المهم حلقة نبيل أديب حلقة خطيرة جدا و فيها الكثير و المثير جدا والخفايا لمن يفهم .. لمن يفهم فقط .. اما الذين لا يفهمون يمكن  أن يستمتعوا بصراخ الخبراء الاستراتيجيين (بتاعين) الدليفري.

قليل جدا من السودانيين يعرفون  قصة (وادي حلفا )الحقيقية .. المأساة التاريخية التي كان يجب أن  يوثق ليها من خلال عمل درامي كبير يعكس للشعب السوداني قيمة التضحيات التي قدمت و مقدار الظلم و التشريد و المعاناة التي تعرضوا  لها اهلنا  الحلفاويين .. فيلم يروي للاجيال اكبر عملية نصب مخابراتية تمت ضد البلد و سرقت من خلالها اكبر و اهم الآثار التاريخية و معها مساحة ارض تعادل دولة كاملة!!.

اذا كانت القوى السياسية السودانية بيمينها و يسارها تعول على المجتمع الدولي أو على حدوث خلافات تؤدي الى  تشظي اللجنة الامنية فيبقى حقيقي هذه  قوى سياسية حالمة و غارقة في أحلامها .. و إن حدثت فعلا اي خلافات بين اعضاء اللجنة الأمنية فلن يكون خلاف حقيقي بل تكتيك أمني او إنتقال من مرحلة لأخرى ضمن خطتهم الأساسية.

أضربوا عمال ميناء بورتسودان فصرخت دولة (جنوب السودان ) بسبب عدم وجود منفذ لصادرات نفطها سوى ميناء بورتسودان .. أثيوبيا  الجارة دائمة الحديث في طاولات التفاوض عن حصتها في ميناء بورتسودان لانه المنفذ الوحيد لها .. عندما ينعدم الخبز و الوقود في كسلا تجوع دولة (اريتريا ) و عندما تشتعل النيران في دارفور ترتجف الانظمة الحاكمة في (ليبيا )و (تشاد ).. و عندما يلعب بعض الصيادين في البحر الأحمر تقلق المملكة العربية (السعودية) و يرتعد الصهاينة في (إسرائيل) و عندما تنتشر قواتنا في الصحراء الكبرى تبتهج القارة العجوز ( اوربا) و تضمن امنها و استقرارها .. مصر كذلك لا تضمن سلامة أمنها القومي في ظل وجود مياه اقليمية مشتركة و حدود برية وعرة و لا حتى سلامة أمنها المائي إلا برضى و تعاون السودان.. و ما لا نعلمه من كروت رابحة نملكها يفوق ما ذكرناه ، و بعد كل هذا يحاول قادتنا العملاء و قصيري النظر أن يقنعونا بأن حلول مشاكل السودان بيد المجتمع الدولي و الإقليمي ، أليست مشاكل المجتمع الدولي و الإقليمي بيد الخرطوم .. أليس أمن و إستقرار الشرق الأوسط كله في يد الخرطوم ؟!.

  الكتابة عند منتصف الليل وفي عز الألم تكون أكثر صدقاًو إنصافاً لأنها تكتبنا و تبكينا ونتصارع معً فنتمزق سوياً ليسقط الورق ارضاً و تصعد الروح بسلام .. و الكتابة عن الوطن في منتصف المعركة تكون أكثر ألماً و إرهاقاً ، لأن المعركة الآن في ظاهرها معركة مطلبية  ومعركة بقاء  .. نكون أو لا نكون و في الحقيقة هذه مؤامرة ضد هذا أبناء وبنات هذا الشعب الطيب .. هي معركة شرسة تسعى لتفكيك المجتمع و فصل الشعب عن جيشه و فصل الدولة عن محيطها  الأقليمي والعربيو فصل الأسرة عن راعيها .. هذه المعركة إن لم ينتصر فيها شعبنا فسيسقط جيشه و يسقط معه الوطن و حينها لن يجد الشعب ارضاً ينزح إليها.

رائحة الموت في كل مكان يا صديقي، الموت في فِنْجانِ قهوتنا، في مفتاح شُرفتنا، في أزهار حديقتنا، في أزقّة حارتنا، في أرصِفة مدينتُنا، في مائِدة عشاءنا، الموت فوق رؤوسنا، الموت بيننا، الموت الموت.





mido34067@gmail.com

 

آراء