منصة حرة
إعلان المبادئ الموقع بين الدكتور عبدالله حمدوك والقائد عبدالعزيز الحلو في أديس أبابا، تناول عدد من القضايا المهمة بشجاعة نادرة قل ما وجدناها في النخب السياسية السودانية التي أدمنت الفشل، وظلت تتحدث في الصالونات المغلقة برؤية منمقة جميلة ومقبولة، وعلى طاولة المفاوضات يطرحون قضايا وآراء لا يقبلها الواقع، لذلك تعثرت كل الاتفاقيات السابقة منذ بداية الاستقلال إلى آخر اتفاق وقع خلال العهد البائد، وبسبب هذه الازدواجية في المعايير الشخصية للنخب خسرنا جنوب السودان إلى الأبد.
اتفاق (حمدوك – الحلو)، وجد قبولاً كبيراً في الشارع السوداني، ونتمنى أن لا نتراجع عن هذه الوثيقة في مقبل الأيام، لأنها تحتوي على مبادئ رئيسة ستشكل ملامح الدستور الدائم لبلد متعدد مثل السودان، لأنها أكدت أن السودان بلد متعدد الإثنيات والأعراق والأديان والثقافات، يجب الاعتراف الكامل بهذه الاختلافات واستيعابها، والمساواة السياسية والاجتماعية الكاملة لجميع شعوب السودان يجب أن تحمى بالقانون، ويجب إقامة دولة ديمقراطية في السودان، ولكي يصبح السودان بلداً ديمقراطياً يجب أن يقوم الدستور على مبدأ "فصل الدين عن الدولة" وفي غياب هذا المبدأ يجب احترام حق تقرير المصير، كما لا يجوز للدولة تعيين دين رسمي، ولا يجوز التمييز بين المواطنين على أساس دينهم، ويحتفظ سكان جبال النوبة والنيل الأزرق "المنطقتان" بوضعهم الذي يتضمن الحماية الذاتية حتى يتم الاتفاق على الترتيبات الأمنية من قبل أطراف النزاع، وإلي حين تحقيق "الفصل بين الدين والدولة"، وقف الأعمال العدائية طوال عملية السلام وحتى يتم الاتفاق على اتفاق الترتيبات الأمنية، ومبدأ التقاسم المناسب والعادل للسلطة والثروة بين السودانيين باختلافاتهم "يجب أن يتحقق من خلال الدستور"
.
كل بنود الاتفاق مقبولة وظللنا ننادي بها، ولكن أتحفظ على مسألة ربط مبدأ "تقرير المصير" بمبدأ "فصل الدين عن الدولة"، لأن هذا الربط سيولد مشكلة جديدة في مناطق كثيرة في السودان تتمتع بالتعدد الديني والعرقي والثقافي، والانفصال ليس حلاً لقضايا جبال النوبة والنيل الأزرق، وستظل الكنائس موجودة في الخرطوم جنباً إلى جنب مع المساجد حتى لو حدث انفصال، وهذا الربط في تقديري غير موضوعي، وقد لا نحتاج في الأساس إلى طرح مبدأ تقرير المصير مستقبلاً طالما هناك دستور يعبر عن جميع اختلافاتنا الدينية والعرقية والإثنية والثقافية، وينظم حياتنا اليومية وفقاً لمبدأ المواطنة التي تساوي بين الجميع، وعلينا أن لا ننسى هناك تعدد ديني في الخرطوم وفي معظم ولايات السودان بما فيها "الشمال البعيد" كما كان يطلق عليه الشهيد الدكتور جون قرنق دي مابيور، وليس من الموضوعية الحديث عن تقرير المصير بسبب التعدد الديني في منطقة واحدة وتجاهل بقية المناطق.. حباً ووداً..
الجريدة
نورالدين عثمان
manasathuraa@gmail.com