السلام لتلبية مطالب أهل السودان

 


 

 


umsalsadig@gmail.com

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

التهنئة للشعب السوداني في كافة أرجاء المعمورة على السلام الذي تم توقيعه يوم الاثنين المنصرم 31 أغسطس 2020 بالأحرف الأولى، بالتوقيع على البرتوكولات الثمانية(الأمن، قضية الأرض والحواكير،العدالة الانتقالية، التعويضات وجبر الضرر، تنمية قطاع الرحل والرعاة، قسمة الثروة،تقاسم السلطة،قضية النازحين واللاجئين)، في جوبا عاصمة السودان الجنوبي بين حكومة السودان والجبهة الثورية تحت رعاية ووساطة دولة جنوب السودان بمساراتها الخمسة: اقليم دارفور،ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق،شرق السودان وشمال السودان ووسط السودان.

رافعين الأكف للمولى سبحانه وتعالى لاكمال العملية السلمية كيما يتحقق الأمن والاستقرار والتنمية لأهلنا في دارفور وفي المنطقتين في جنوب كردفان وفي النيل الأزرق وفي كافة أرجاء الوطن.
الأطراف الموقعة: تحالف الجبهة الثورية (حركة تحرير السودان بقيادة القائد مني أركو مناوي،العدل والمساواة بقيادة القائد جبريل ابراهيم ،تحرير السودان-المجلس الانتقالي بقيادة القائد الهادي ادريس يحي. ويضم التحالف أيضا: الحركة الشعبية بقيادة القائد مالك عقار(عن منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان)، حركة كوش النوبية –باسم شمال السودان،. تيارات تمثل شرق ووسط السودان.
وغاب عن اتفاق جوبا حركة تحرير السودان-شمال بقيادة عبد العزيز الحلو وحركة تحرير السودان بقيادة عبدالواحد نور.
حضر الاتفاق رئيس مجلس السيادة الفريق البرهان ورئيس مجلس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك ،اضافة لآخرين من أعضاء المجلس السيادي ومجلس الوزراء وقيادات من الحرية والتغيير ورئيس دولة جنوب السودان السيد سلفاكير ميارديت وحضور وطني ودولي أبرز الحضور دولة الامارات والسعودية ومصر وقطر وأثيوبيا ودول الايقاد وأصدقاء الايقاد .
أبرز بنود الاتفاق بخصوص المنطقتين و الذي تسنى لي الاطلاع عليه مثلما أعلن : وقف الحرب وجبرالضرر، احترام التعدد الديني والثقافي، والتمييز الايجابي لمناطق الحرب (دارفور ، النيل الأزرق، جنوب كردفان) لمدة 10 سنوات، تمديد الفترة الانتقالية 39 شهرا ابتداء من تاريخ التوقيع على الاتفاقية، المشاركة بثلاث مقاعد في مجلس السيادة (ليرتفع العدد ل14 عضوا) 5 مقاعد في مجلس الوزراء(25 حقيبة) 75 مقعدا في التشريعي من جملة 300 مقعد، تخصيص 40% من موارد كل منطقة لصالح سكانها ، ، 39 شهرا لعملية الدمج والتسريح مع تشكيل قوات مشتركة من الجيش السوداني والشرطة والدعم السريع لحفظ الأمن تمثل فيها قوات الحركات المسلحة بما يصل الى 30% ، النص على حكم ذاتي للمنطقتين.
وأتوقع أن تكون الاتفاقات الأخرى في المسارات الأخرى على ذات منوال الاتفاق بشأن المنطقتين.
برغم التحفظات التي أبداها حزب عارف كحزب الأمة وآخرين عن أن سلام جوبا لم يتم وفق منهج صحيح تحت رعاية مفوضية السلام وباشراف الحكومة المدنية لكنها برغم الهنات لا شك خطوة في الطريق الذي نأمل أن يؤدي بإذن الله لسلام شامل عادل غير منقوص.
وعلى حزب الأمة دراسة تلك الاتفاقيات تفصيلا لتجويد وإحكام صياغة بنودها
وابداء الرأي القانوني والسياسي بشأنها فسكان تلك المناطق غالبا من عضويته فمصالحهم تهمه
إضافة لكون أن حزب الأمة هو حزب الوطن الأول وأجندة الوطن هي أجندته.
ومع تأميننا على أن النهج الذي تمت به مخاطبة قضية السلام المحورية التي شكلت إحدى أركان شعار ثورة ديسمبر المجيدة- حرية ،سلام وعدالة‘ نهج مختل وشابه في بعض الأوجه وجوه شبه بنهج النظام المباد لكن لا شك أن اختلاف اللاعبين وحراسة الشعب الواعي كانت حضورا طاغيا اختلفت به النتائج :فالجدية التي أبداها الطرفان، والأجواء الدافعة لانجاز ملف السلام، وثورة ديسمبر المجيدة، التي أدت لتقليل فرص التعبئة للحرب، وأعلت من كعب الملف وحتّمت انجازه تحت نظر وسمع لجان المقاومة وأحزابنا الوطنية أنتجت اتفاقية مرضية عموما ويمكنها استيعاب حتى من غابوا عنها عندما يأتوا. اتفاقية تخاطب جذور المشاكل وتعمل على تحقيق مطالب أهل المناطق المتفاوض باسمها.
هناك ملاحظات يجب التنبيه لها مثل هل يمكننا الفصل في قضية كالحكم الذاتي من قبل حكومة انتقالية مع كامل المرونة اللازمة وتساؤل حول هل يصح مد الفترة الانتقالية وتحديد بدايتها كلما تم التوقيع مع أحد الحركات المسلحة؟ ثم تحفظ حول بند يضمن اتفاقية السلام للوثيقة الدستورية ويجعلها فوقها عند التناقض. في جميع الأحوال يجب التفكير خارج الصندوق والمرونة التي تمكن اتفاق السلام من أن يتنزل واقعا معاشا والانصراف ما أمكن عن الشكليات فلا شيء يعدل تحقيق السلام العادل الشامل.
يهمنا هنا التأكد من أن تكون تلك الاتفاقيات التي تم اعتمادها ورحب بها الناس في مصلحة شعوب تلك المناطق وتحقق لهم الأمن والاستقرار والتنمية فذلك وحده ضمان أن يستمر السودان موحدا محققا لذاته نافعا لغيره.
لابد من الانتباه لأن المفاوضات التي كان يقودها النظام المباد برغم تعددها وما توفر لها من رعاية من قبل المجتمع الدولي لم تكن تصل لشيء بسبب مراوغة نظام المؤتمر الوطني وفهمه للتفاوض بأن ينتهي بتدجين مفاوضيه وردفهم معه في سرجه وشراء ذممهم دون تحقيق لأي مصلحة لمن يتفاوضون باسمهم وأنه كان يقصد من المفاوضات اختراق جسم الحركات أو الأحزاب التي تفاوضه والعمل على تشظيها وتفتيتها شذر مذر.
أساليب النظام المباد في مخاطبة القضايا من زوايا أمنية واستخدامه العنف ولد عنفا مضادا مثلما هو متوقع، مما اضطر أهل السودان في مناطق عديدة لحمل السلاح للدفاع عن أنفسهم وعن أهلهم وحمل الناس السلاح كذلك عندما انسد الأفق السياسي من قبل النظام المباد الذي اعتمد سياسة فرق تسد وتعمد تسليح القبائل وتعميق النزاعات بينها. أدى هذا العنف وانسداد الأفق لنشوء الحركات المسلحة وأعطاها الشرعية بحسبها تنافح الظلم وقد تناسلت هذه الحركات المسلحة وتكاثرت بسببين: الأول تشظيها الناتج عن اختراقات النظام المباد لأجسامها،الثاني أن حمل السلاح صار هو الطريقة المعتمدة لدى النظام للانتباه للتظلمات.
فزوال النظام المباد يجب أن يصرف الناس عن الحرب كأسلوب لنول المطالب طالما أن اليوم على سدة الحكم حكومة انتقالية هي بنت الثورة التي جعلت السلام ركنا فرضا من أركان شعارها:حرية ،سلام وعدالة.
وبما أن هذه الحركات المسلحة قد كانت شريكا أصيلا في الثورة ولو بأضعف الايمان بكف البندقية أثناء الثورة مما حرم النظام المباد من إدعاء أن الثورة غير سلمية وبالتالي لم يتمكن من استخدام السلاح بشكل واسع يسقط أعدادا أكبر من الشهداء(مثلما كان ينوي ويخطط)، فهذه الاتفاقيات ليست بين أعداء بل بين شركاء في الهم الواحد من أجل سودان معافى، كل هذه النقاط تعني ببساطة ليس لمتخلف عن ركب السلام عذر.
عموما نجد أن التحول من العمل المسلح الى العمل السياسي يعد ظاهرة عالمية وبحسب ندوة عقدت في نوفمبر 2018 نظمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بعنوان :(من السلاح الى السلام: التحولات من العمل المسلح الى العمل السياسي السلمي)، تناولت من خلال دراسات نوعية عينة مؤلفة من 26 حالة في عشرين دولة تحولت فيها تنظيمات مسلحة الى أحزاب سياسية أو حركات اجتماعية سلمية تنتمي الحالات الى القارات الأربع وقد ناقشها خبراء أكادميون ومسؤلون حكوميون سابقون وقادة منظمات وشملت تنظيمات من أقصى اليمين لأقصى اليساربمعتقدات متباينة.
وقد أظهرت دراسة احصائية أن من بين 268 مجموعة مسلحة ما بين عامي: 1968 حتى 2006 أن 20 مجموعة مسلحة (7% ) فقط قد منيت بهزيمة كاملة وأن 114 مجموعة مسلحة أي( 43%) قد التحقت بالعمل السياسي، وأن ردود الفعل الشعبية قد أدت الى تفكيك 107 حالة (40)% أغلبيتها تنظيمات صغيرة أقل من 200 مسلح، بينما اتبعت المجموعات الأكبرعددا (أكثر من 1000 عضو) المسار الأكثر شيوعا والانضمام الى المسار السياسي.
و بحسب دراسة منشورة سابقة لمؤسسة راند أن كل الحركات المسلحة تنتهي الى طاولة المفاوضات مهما تطاول بها الزمن.
الاحصاءات السابقة تؤكد على صعوبة تحقيق النصر الحاسم في مثل تلك الحروب، كما تؤكد على أن معظم الحركات المسلحة تلجأ للتفاوض لتحقيق المطالب وتتحول الى العمل السياسي وتترك خيارات الحرب.
ذكرنا بعاليه أن أكبر دافع لتحقيق العملية السلمية في السودان ونجاحها قيام ثورة ديسمبر ويمكن اضافة أربعة متغيرات رئيسية لازمة تؤدي عموما لإطلاق عمليات التحول الاجتماعي ونجاحها وهي: القيادة الكارزمية، ضغط العمل المسلح أو ما وصفه السيد مبارك أردول (برهق الحرب)، التفاعلات مع الذات والتواصل مع الآخر مما يبرز امكانية التفاهم ، تقديم الدولة لمحفزات تهدف لوقف التصعيد وتعاون جهات اقليمية ودولية لتيسير العملية السلمية تؤدي كلها لاتمام عمليات التحول نحو السلمية بنجاح.
ثم تأتي المرحلة الأهم والأكثر حسما بحسب ما ناقشه هؤلاء الخبراء والتي تحسم ديمومة السلام مشيرين لأربعة متغيرات أخرى: مستوى الديمقراطية،مستوى اصلاحات القطاع الأمني وتوازنات العلاقات المدنية-العسكرية، مستوى عمليات العدالة الانتقالية، ومستوى الدعم الاقليمي والدولي لعمليات التحول.
علينا الدفع باتجاه رفع المستويات المذكورة لضمان ديمومة السلام ومما لا شك فيه أن بناء السلام والمحافظة عليه هي المراحل الأكثر صعوبة ، فلنكن يدا واحدة للوفاء بها والالتزام ببنودها لنخلص في خواتيم هذا المقال بضرورة استجابة كل الحركات المسلحة السودانية لنداء السلام بدون تردد أو شروط مسبقة.
وسلمتم

 

آراء