السلام والإسلام مع ثورتي السودان والطالبان

 


 

 

كانت ثورة الطالبان مفاجئةً، مبكمةً، ومخيفةً للجميع.
والجميع هنا مقصود بها كل أنواع الجمع والجماعة، من جميع محاور الدول الكبرى ومن الجماعات المسلمة، كضحايا.
ومن الجماعات الإسلامية والجماعات الرافضة، والجماعات المناهضة للإسلام (الإسلاموفوبيا) والمجموعات العرقية (الناشونال)، كآفاتٍ
وسأتناول فعل تلك الثورات في كل تلك المجموعات، بعد شرح ما يربطها بعنوان هذه المقالة والمقصود بعباراتها: السلام، الإسلام، ثورة الطالبان وثورة السودان.
استعملتُ كلمة "ثورة" الطالبان لأن ما حدث في أفغانستان هو ثورة، من ظاهرة طبّت تحت المجهر العالمي ل “فيروس" الفكر/ الهوية/ الإرهاب: الأفغاني/ الطالباني، ولا يخفى أنه قيامٌ جماعيٌّ قوي لهدفٍ فكري موحّد.
والرابط بين أفغانستان والسودان، هو أن الثورة السودانية طبّت بعد فشل تجربة التسييس الديني لثلاثة عقودٍ مضت من فكر الإخوان المسلمين، ذي عدة الأسماء من الجبهة الإسلامية والحركة الإسلامية وجبهة الميثاق الإسلامية، والمؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي إلخ، وكلها تقف صفاً واحداً مع فكر الدولة الإسلامية (داعش)، وأنصار السنة المحمدية، وبوكوحرام، والشباب الصومالية، إلخ، وهي كلها أفكار تسييس ديني مبني على دراسات ومنقولات ونظريات وتفسيرات الفقه السني، تماماً كرصيفه من فكر ثورة الطالبان الحديثة.
وتبقى مقارنتها هل تطابق أم تختلف، ولأي درجة، من الطالبان القديمة، ولكن الفرق بينهما لا يقطع من أثرهما وحجر رحيِهما على عنق السلام والإسلام شيئاً.
وثورة الطالبان، هي انتصاب للفكر السنّي بتأسيس فقه المنقول، والذي لا ندري بعد، جديده من ناحية الفقه الشيعي المنقول، ولكن ندري تقاربه مع فكر الإخوان. ولكن ليس لأي مدى.
فأفغانستان دولة مضطربة منذ أكثر من ألف عام، وآخر قبيلة كانت لها السيطرة، هي البشتون، والتي أسست جماعة الطالبان السياسية، وذلك بعد أن هزم الخليفة عمر بن الخطاب الإمبراطورية الساسانية، بلاد الفرس، في عدة معارك، في القرن السابع.
وهي مضطربة بعد الإسلام منذ القرن السابع، بحكم أنها حبيسة بين ممالك قوية، ولثرواتها، ولكونها حبيسة هضاب وجبال وعرة صعبة الاختراق ما يجعلها مغريةً عسكرياً.
ولأنه بعد خلافة الخليفة عمر بن الخطاب، تعرّضت لتدفّق صراعات الشيعة والسنة إليها والتي أدت إلى الحويصلات الانقسامية في السياسيات الدينية العرقية، والتي افضت إلى كمياتٍ هائلة من علوم الفقه والتفسير وكتب السيرة والأحاديث النبوية، كما وإلى حرق كثيرٍ من المكتوبات والمنقول من الأحكام، وبذلك تعددت المذاهب الإسلامية سياسياً وكان من حصادها اضطراب تلك المنطقة.
ورغماً عن أن أفغانستان عاشت تلك الصراعات العرقية المذهبية منذ نشأة تلك الصراعات، إرثاً وهويةً، إلا ان الإخوان المسلمين في السودان خلَّقوا فكرهم من تلك المذهبيات بعيداً عن أساسهم الخيري الدعوي الذي كانوا ينتهجونه، بعد انحرافهم نحو فلسفةٍ سياسيّةٍ مخالفة لمكارم الأخلاق التي استطاع العالم في صراعاته معهم فضحها في النور بطبيعتها الجائرة لاستغلال الإنسان لأخيه الإنسان في حريته، في دياره، في ثروته وفي أمانه، وعميقاً داخل الفلسفات التي تدعم مثل تلك، كفلسفة الغاية تبرر الوسيلة، وغاية الكهنوت وصيّاً عن الآلهة، أو كدعم سلطة الأمير بالوسائل الجائرة.
والسودان، لأن السودان هو الدولة التي انبثقت ثورتها ضد الإسلام السياسي في نفس الفترة التي انبثقت فيها الثورة الأفغانية الطالبانية الحالية، المتعففة من سابقتها الحركة الطالبانية في تسعينات القرن الماضي، واللتان – الثورة الأفغانية والثورة السودانية – تقفان على حافة هاوية الصراع السياسي العرقي /الأزمة الاقتصادية /المخاطر البيئية، العالمية الحادة، اللائي يهددْنَ السلام العالمي.
لكنهم يجتمعون جميعاً في كيفية التسييس الديني. فالإسلام، الذي يتميز بكتابه الذي تعهده رب العزة بحفظه سليماً غير ناقصٍ ولا زائدٍ، لا محوّراً من كلماته التامات التي أنزلها بالوحي لدى رسوله الصادق الأمين، والذي أكّد عنه أنه من المحال عليه الإخلال بذلك، وبالرغم من التحذير من التأويل والآيات المثان عند فرزها عقلاً، ما سلمت رسالته التامة البليغة من تحويرها والإضافة والحذف فيها بالبشر بما أسموه السنة النبوية وأحلوها محل سنة الله وشريكه رسولِه معاذ الله، عكس معانيها المتفقّه بأنها سنة الله ورسالة الله تعالى التي لا شريك له فيها. ثم شرعوا بعدها في معارك الانشقاق إلى سنة وشيعة، بما صنعه البشر من رواياتٍ منقولة، مثلهم مثل ما قام به ناقلو أناجيل الحواريين بعد المسيح عليه السلام.
ويظل الإسلام لديها فاقداً أساسه الأقوى كآخر رسالة للبشر، بمعجزة خالدة لكل الأجيال، بغض النظر مما يصلها من المنقول بواسطة البشر. لهذا لا أسميه دين إسلامي، إنما دين إسلاموي.
ويكون التساؤل هنا: وأين هو الإسلام، ومن هم المسلمون الذين يؤمّونه؟
والإسلام هو ما جاء في القرآن الكريم وأن التعذّر بنقل تفسيره هو مدخلٌ للمنافقين لترويج تحوير القرآن أو الفرقة في تفسيره، في تحذيره الواضح لرسوله الكريم بالآية 9 من سورة التوبة:
" وممن حولكم من الاعراب منافقون ومن اهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون الى عذاب عظيم"،
نهياً عن المنقول.
فأين تجد الإسلام؟
تجده لدى المسلمين الذين هجروا ديار الإسلام بعد أن تعرّضوا لبطش من خالفهم في الإسلام
وتجده لدى الدارسين الإسلام، من الديانات الأخرى، وإسلامهم قناعةً بعيداً عن المنقول والسياسة.
وتجده حديثاً في الأفراد والشعوب الذين حظُوا بتجارب أنارت طريقهم إلى الهداية الإلهية، مثل الشعب السوداني بعد سحله وظلمه وسرقته بواسطة أولياء السوء من لابسي عباءة الإسلام السياسي، ومن عاشرهم وعايشهم التجربة، ومثل الشعب الأفغاني.
ومثل ولي العهد السعودي الذي بتثقفه وحداثة عمره، اكتسب قوةً ذهنية (دَمينا) كبرى نزعته ضد غريزة الأنانية ودخان التردد والشكوك، إلى الوصول إلى والإجهار بعزيمة الوقوف مع الحق والقبض على الجمر، بعد أن دخل عميقاً في عرائن الضباع التي تتطلب أكثر من شجاعة الهصور للفلت منها.
وفي الجمع الدولي، تجد هؤلاء المسلمين يعيشون بين من هم غير مسلمين، ومع من هم أعداء للإسلام، ومع من هم فاقدو الثقة بالإسلام بسبب إرهاب الإسلامويين. يدفعون ثمن ما شوّهه عنهم الإسلامويون، فيكون أمانهم في غربتهم منقوص مثل ما هو في أوطانهم معدوم.
وفي الدول الإسلامية، يكون هؤلاء رهائن آثار من حولهم من الإسلامويين أو المستسلمين ممن هجروا دينهم بهجرانهم دنياهم.
فبينما تجد الإسلامويين السابقين في السودان، وفلولهم المتبقية فيه، والطالبان القدامى، والطالبان الجدد، منظارهم لا يرى غير دار الحرب ودار السلام.
تجد الدول الإسلامية، منظارها ضباب لا يرى ديرة حربٍ ولا ديرة سلام
أما المسلمون المتغربون والثوار السودانيون، منظارهم لا يرى غير ديار الحرب
هذا أمرٌ خطير في العالم اليوم ... المسلمون عموماً في وضع أحلاه مرٌّ: لا وجيع لهم في الوسط الإسلامي العالمي، ولا ملاذ لهم من أعداء الإسلام ومروِّجي الإسلاموفوبيا، ولا وطن لهم في دول النزاع العرقي (الناشونال) الأبدي، الذي بطبيعة القطيع الذي تأججه الطبيعة الحيوانية، والسوم والاستغلال الذي تؤمه الطبيعة البشرية.
والمسلمون ليسوا فقط في عراكٍ مع الإرهابيين من الإسلامويين والحاقدين على الإسلام والأجانب فحسب، إنما هم كذلك في عزلةٍ من حرية الانتماء والعطاء، مثلهم مثل القوميات غير المجنّسة رسمياً (إستيتلِس).
والعالم اليوم، بين محاوره الكبرى، وتكتلاته السياسية والمالية، وبين هذه الصراعات، كبيرها وصغيرها، بعد إخفاق المعسكر الغربي القوي بقيادة أمريكا في بناء أمنها واستراتيجيتها لقرنين من الزمان، ومكسب المعسكر الشعبي الصاعد بقيادة الصين.
وكما قال الرئيس البريطاني توني بلير في يناير 2001 في مؤتمر حزب العمال ببرايتون، في أزمة تفجير عمارتي التجارة الدولية بنيويورك، وتحذيراً للطالبان بتسليم مجرمي القاعدة المنفذين للجريمة الإرهابية: "لقد هُزّ الكلايدوسكوب، والقطع انبعثت، وسيتم رسوخها قريباً، وقبل ذلك علينا أن نعدل الوضع العالمي الحالي".
إن قولته تلك يجب أن نرددها نحن الآن... إن الإخوان المسلمين ليجدون في عودة الطالبان عزاءاً لهم، ولكن المؤتمر الشعبي أعلنها فخراً، والحراك الإخواني انفتحت شهيته لا شك.
والذين ناصرونا من دول الغرب يعانون اليوم أزمة حادة في مصداقيتهم وفي وحدتهم، والأمم المتحدة في أزمةٍ حادة في تباعد محاورها.
في هذه الهزة العنيفة في مصير أمتنا في السودان، وفي رسالة شهداء السودان وضحايا الكفاح الطويل من شعبه وشعابه، لن نسمح بأي قدرٍ من الرجِّ أو الاهتزاز من جرّاء التساهلات والتقاعس في محاربة التسييس الديني والانتكاص الانتقالي.
يجب القيام بعملية تنقيح سجل الترشيحات السياسية بتحريم التسييس الديني والعرقي والطبقي بحزم، بحظر المجموعات والأحزاب التي تحتضن أياً منها.
يجب الموافقة على مطالبة الحركة الشعبية بقيادة الحلو بعلمانية الدولة والدستور
يجب تسليم مجرمي الحرب والإبادة للمحكمة الجنائية الدولية
يجب تطهير القضاء والنظام القانوني
يجب توحيد الجيش وتأمين قوميّته وتنقيته من النشاط السياسي.
يجب التأكد من تشديد استقلاليتنا في علاقات الجوار وبعداً عن المحاور

izcorpizcorp@yahoo.co.uk
///////////////////////

 

آراء