السودانيون في مونديال جنوب افريقيا ..لم يظهر أحد … بقلم: طلحة جبريل

 


 

طلحة جبريل
16 July, 2010

 

 

talha@talhamusa.com

 

 

لم تحضر شخصية سودانية المباراة النهائية لمونديال جنوب افريقيا. وطبقاً لافادة مصدرين اتصلت بهما هناك لم يأت سوداني لمتابعة المباريات. هناك تخمينات ان حوالي خمسة سودانيين حضروا من السودان ومن بعض الدول الاخرى ، بدعوة من أقارب لهم يعيشون في بريتوريا وجوهانسبيرغ. في الافتتاح حضر كمال شداد رئيس اتحاد كرة القدم، ثم توارى.

صحف الخرطوم تقول إن هناك 60 سودانياً تكلفت شركة الاتصالات "إم تي إن" بدعوتهم في اوقات متفرقة لمشاهدة مباريات المونديال، بعضهم صحافيين. بلادنا لم يعد لها أي اشعاع في جميع الميادين. نحن غائبون، ونلقي في كل مرة اللوم على "قوى الاستكبار العالمي".

منذ الاستقلال ، لم يراودنا  حلم أن ترتفع راية الوطن في مثل هذه المناسبات. أو أن نقف تحية لنشيدنا الوطني في المونديال ، على الرغم من انني شخصياً اعتقد ان "علم السودان" الحالي ، والنشيد الوطني ، وحتى شعار الجمهورية، كلها تحتاج الى تغيير.

 حتى  في كأس افريقيا التي عدنا لها في نهائيات غانا في فبراير 2008 ، بعد غياب ازيد من 30 سنة كانت حصيلتنا فيها ثلاث هزائم مذلة. كان مباريات المنتخب الوطني تجعل اي سوداني يشعر بالاهانة، وفي اقل الحالات بالمرارة. المؤكد أن سمعة كرة القدم السودانية تعرّضت للتلطيخ في تلك النهائيات، ولم يعد لنا سوى التفاخر ببعض انجازات  الماضي ، كأن نقول نحن الذين ادخلنا كرة القدم الى افريقيا الى جانب كل من مصر واثيوبيا ، وكان يفترض ان تكون معنا جنوب افريقيا التي استبعدت ايامئذٍ بسبب سياستها العنصرية.

هذا هو حال الشعوب المهزومة لا تجد سوى الماضي لاجترار حكاياته. في كل شيء لاحظوا كيف نحتفي بالماضي ، اما الحاضر والمستقبل " فمن يجروء على الكلام ".

في غانا عام 2008 لم يتوقع أحد أداءً مبهراً لمنتخبنا الذي غاب ازيد من ثلا عقود لكن أيضاً لم يتوقع أحد ما حدث. ثلاث مباريات حصدنا في كل واحدة ثلاثة أهداف، وأحتل منتخبنا المرتبة الأخيرة في مجموعته ،حيث لم يستطع أن يحرز ولو هدفاً واحداً. كان ذلك في كأس افريقيا، اما في كأس العالم فلا اعتقد ان اجيالنا الحاضرة سيراودها حلم أن ترى السودان ضمن المتخبات الافريقية الخمسة المؤهلة لخوض النهائيات.

تأملوا المنتخبات الافريقية التي تصل الى نهائيات كاس العالم ، ستجدون ان هناك اربعة عناصر تلعب دوراً حاسماً في ذلك.

اولاً، احتراف بعض لاعبيها في الاندية الاوربية، ونحن لم نحلم بعد ان نرى لاعباً سودانياً في البطولة الاسبانية او الايطالية او الفرنسية أو الالمانية، او الدوري الانجليزي. حتى على مستوى الحلم، لا أظن انه يمكن التحليق باحلامنا الى هذا المستوى.

ثانياً ، وجود بنيات اساسية في الدول الافريقية التي اعتادت ان تتأهل، اي ملاعب ، ومراكز تدريب ، ومعاهد رياضية، وفضاءات خضراء يركض فيها الناس على مدار السنة.  ثم الاهم هناك عناية بالشباب. نحن شبابنا نبحث عنهم في زوايا الأمكنة العامة لضبطهم اجتماعياً وجرجتهم امام المحاكم وجلدهم " حتى نحول  بينهم وبين التفسخ".

 إذا لم نوفر مرافق رياضية وترفيهية، ماذا تتوقعون ، أن يغلق هؤلاء الشباب على أنفسهم في بيوتهم ويفكرون في نقد نظريات مالتوس وانشتاين وآدم سميث.

ثالثاً، يتولى الشؤون الرياضية في هذه الدول ، سواء على مستوى ادارات الاندية او الاتحاد ، مختصون واداريون مؤهلين. نحن من يركض وراء ادارت الاندية والاتحادات، هم اولئك الذين يبحثون عن الوجاهة الاجتماعية. هؤلاء  الذين يريدون ان يصبحوا كتاباً أو شعراء او موسيقيين، او رسامين، او مسرحيين ، المهم ان تسلط عليهم الأضواء. تنقصهم المخيلة والخيال، وليس لهم خبرات في اي مجال، وبالتالي ليست لهم او تصورات لتطوير اللعبة. شغلهم الشاغل التصريحات الجوفاء  والبحث المستمر عن الاضواء، كل ما يهم هو الوجاهة. وفي اتحادات الكرة ديناصورات تيبست افكارهم منذ عقود.

رابعاً، الدول التي دأبت منتخباتها على التأهل، تعرف استقراراً سياسياً. وافضل مثال غانا، التي كادت ان تفعلها هذه المرة وتصل الى المربع الذهبي، هي الآن أفضل دولة مستقرة في غرب افريقيا، وفيها تجربة ديمقراطية تترسخ باستمرار، وهي الدولة التي اختار ان يخاطب منها الرئيس الامريكي باراك اوباما الافارقة، تنويهاً بهذه الديمقراطية. صحيح ان الديمقراطية لا تقدم خبزاً للشعوب الجائعة، لكنها على الأقل تعملها كيف واين يمكن ان تجد هذا الخبز، وتمنح شعوبها فرصاً متساوية، في جميع الميادين.

ربما يقول قائل ، لكن ساحل العاج التي تعرف بعض الاضطرابات والقلاقل، وعلى الرغم من ذلك تقدم عروضاً جيدة وهي دائماً موجودة في نهائيات كاس افريقيا وتتأهل لكاس العالم، جوابي على ذلك ان ساحل العاج تحصد الآن سنوات الاستقرار السابقة ، وسبق ان زرتها عدة مرات وأقول باطمئنان إنها من أفضل دول غرب افريقيا. ثم انها صدرت عدداً لا يحصى من لاعبيها الى الاندية الاوربية.

في ظني ان هذه هي الاسباب التي جعلت الرياضة ، ورياضة كرة القدم على وجه التحديد، تزدهر في الدول التي اعتادت التأهل الى نهائيات كاس افريقيا المونديال.

كنت أقول دائماً إن كوارثنا الحقيقية بدأت في ظل نظام جعفر نميري، وبقيت أقول إن السياسات المدمرة لذلك الحاكم الطاغية، ستقعد بلادنا عقوداً طويلة. في الرياضة كما في السياسة والاقتصاد، كانت بداية الانهيار مع نميري ، عندما قرر حل الاندية في واحدة من مبادراته الحمقاء ، وأعلن ما أسماه " الرياضة الجماهيرية" التي جعلت لاعبي الدرجة الاولى يلعبون "كرة الشراب" في الحواري والأحياء. بربكم تأملوا هذه الفكرة الطائشة الرعناء .

كانت النتيجة ان عدداً كبيراًمن لاعبي الاندية الكبيرة هاجروا خارج البلاد، بعدهم حاول الاحتراف في بعض الاندية الخليجية ، لكنها كانت محاولت متعثرة، وعندما قرر نميري من جديد عودة الاندية، اي النظام القديم، كانت الامور تدهورت تدهوراً مريعاً ، ولم يعد ممكناً اعادتها حتى الى النقطة التي توقفت فيها، وكان ما كان الى يوم الناس هذا.

هذا الماضي والحاضر، لكن ماذا عن المستقبل.

قبل ان أخوض في التفاصيل ، وهي أفكار لا أزعم انها وليدة اللحظة، اود الاشارة الى ان فرصة نادرة اتاحت لي اللقاء مع ساندرو روسيل رئيس فريق برشلونة الاسباني الذي يعتبر الآن مستودع النجوم العالميين، اثناء زيارة له الى الدار البيضاء قبل أسابيع. سألت الرجل الذي يقود واحداً من أغنى الاندية في العالم : كيف وصل نادي برشلونة الى هذا المستوى؟ وأنقل لكم اجابته كما سمعتها منه "كنا نفعل ما تريده جماهير الفريق.استمثرنا كثيراً لان كرة القدم أصبحت استثماراً قبل كل شيء، لكن الاهم اننا اهتممنا بمدرستنا الكروية حيث نبدأ مع الموهبين الصغار وهم في سن السابعة ".

ثلاثة افكار كبيرة. نحن نحتاج الى شيء مماثل.

علينا ان تفكر في المستقبل. المستقبل هم أطفال اليوم، لذلك لابد من اعتبار مادة التربية البدنية، مادة أساسية في التعليم بل  لا بد أن تصبح التربية الرياضية مادة اجبارية، وقبل ذلك من الضروري توفير ملعب في اية مدرسة. في زمن مضى، حتى" المدارس الصغرى" كانت فيها ملاعب .

صار حتمياً ان تقدم الدولة اعانات دائمة ومستمر للاندية الكبرى لتحفيزها إنشاء مدارسها الكروية. وهذه الاندية أصبح واجباً أن تكون لديها مجمعات رياضية طبقاً للمواصفات الحديثة. وعلى المستوى التعليمي بات ضرورياً، إنشاء معاهد للتربية البدنية. الأمر يتطلب كذلك الاهتمام برياضة الأحياء والروابط ، باعتبارها القاعدة الأساسية لتفريخ لاعبي المستقبل.

وفي تشكيل الاتحاد العام لكرة القدم لا بد من الالتزام بقوانين الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) بحيث يتم تشكيل الاتحاد طبقاً للمعايير الديمقراطية عبر انتخابات نزيهة تسهم فيها الاندية. وفي ظني أن الصحافة الرياضية يجب  كذلك أن تلعب دوراً بناءً للنهوض بكرة القدم. وهو ما يقتضي أن تكون هناك بالفعل صحافة تصبح مصدراً للمعلومات وقادرة على أداء مهني احترافي. الصحف الحالية تركض وراء الاثارة،وهذه مدرسة في الصحافة الرياضية أو غيرها تندثر .

إن بلادنا تحتاج الى ارتياد المجالات التي تخلق زخماً واشعاعاً. الرياضة من بين أهم هذه المجالات. لا يعقل ان نرضى بالتفرج على الآخرين ، وهم يبدعون ، ونحن في بلادنا قاعدون ، ننتناقش حول ما إذا كانت عروض الازياء ستدمر قيمنا. نحن شعب مبدع وقادر، فقط نريد أجواء الحرية. الظلام والكبت والقهر، لا يخلق الا شباباً عاجزاً خانعاً ومستهتراً، وفي أحسن الاحوال  قابل للانسياق مع دعوات التطرف والتعصب والأنغلاق.

لا يعقل أن يعتقد الحاكمون، ان اختياراتهم في كل مجال هي الصواب. حتى لا اقول شيئاً آخر. أقول للحاكمين، لا تظنوا ابداً في يوم من الايام انكم تحبون الوطن أكثر منا، لا تكونا أوصياء علينا في كل شيء.

 

 

 

 

عن " الأحداث"

مقالات سابقة

جميع المقالات السابقة والمنشورة في موقع الجالية السودانية في منطقة واشنطن الكبرى  يمكن الاطلاع عليها عبر هذا الرابط

http://www.sacdo.com/web/forum/forum_topics_author.asp?fid=1&sacdoid=talha.gibriel&sacdoname=%D8%E1%CD%C9%20%CC%C8%D1%ED%E1

 

 

 

آراء