السودانيون وراديو كندا الدولي

 


 

 


هناك أمر يحيرني كثيرا ، المذيعون السودانيون يتمتعون بأصوات رائعة جدا وثقافة عالية جدا ، وقد أستمعت لأصواتهم لسنوات طويلة ، في الواقع منذ كنت طفلا ، وما زلت منجذبا لأصوات : متولي ، أبوعاقلة ،
صالحين ، محمدطاهر ، عمر عثمان ، عمر الجزلي ، ذوالنون بشرى ، علم الدين حامد والقائمة
تطول !
واستمعت أيضا لأصوات أيوب صديق ، أسماعيل طه ومن قبلهم الراحلة المقيمة ليلى المغربي والمذبع اللامع أحمد قباني .
بعض هذه الأسماء أدمنت الأستماع لها من خلال أذاعة مثل البي بي سي
قيام العراق باجتياح الكويت في الثاني من آب – أغسطس عام 1990 وتشكيل تحالف دولي ضم أربعا وثلاثين دولة ، بينها كندا، لتحرير الكويت ، وإعلان حرب "عاصفة الصحراء" التي شنت حرب التحرير في السابع
عشر من كانون الثاني – يناير عام 1991، دفع بإدارة راديو كندا الدولي ، بإيعاز من الحكومة الكندية الليبيرالية ، وكانت الإذاعة يومها تابعة لوزارة الخارجية الكندية ، إلى إطلاق الخدمة العربية عبر الإذاعة الدولية في آب – أغسطس عام 1990. والمهمة الأساسية يومها كانت إطلاع المستمعين العرب على وجهة نظر كندا وموقفها من الأحداث وبخاصة احتلال الكويت ومن ثم بدء "عاصفة الصحراء".
وكانت إذاعة راديو كندا الدولي قد بدأت بإعداد الفريق المؤلف يومها من أربعة صحافيين تم اختيارهم في مباريات شارك فيها حوالي مئة إعلامي تمت تحت إشراف هيئة الإذاعة البريطانية بانتظار ساعة الصفر. وبدأ البث مع إعلان التحالف العزم على شن حرب التحرير، واقتصر في البداية على نشرتي أخبار مسائيتين بمدة عشر دقائق يعاد بثها أكثر من مرة في اليوم عبر الموجات القصيرة فقط، لتتحول بعد بضعة أسابيع إلى خمس عشرة دقيقة ومن ثم، وتحديدا في الثامن عشر من كانون الثاني – يناير 1991 إلى برنامج إخباري بطول نصف ساعة يتضمن نشرة إخبارية وريبورتاجات ومقابلات تحولت لاحقا إلى برنامج بمدة ساعة كاملة. وشملت المهمة ، إضافة إلى إبراز الموقف الكندي من قضايا الشرق الأوسط وتخومه، إلى إطلاع المستمعين العرب على مختلف جوانب الحياة الكندية ، السياسية منها والاقتصادية والثقافية والفنية والاجتماعية مع التركيز على الأنشطة التي تقوم بها مختلف الجاليات العربية في كندا. فتوسع الفريق ليضم عدة مراسلين في بعض المدن الكندية ، مونتريال، أوتاوا ، تورونتو، إدمنتون وفانكوفر وكذلك بعض العواصم العربية كبيروت والقاهرة ودبي والأراضي المحتلة.
ولم يعد البث يقتصر على الموجات القصيرة إنما أيضا عبر الأقمار الصناعية والإذاعات الدولية والمحلية ولاحقا عبر شبكة الإنترنيت ومختلف وسائل البث الإلكتروني . فتم التعاقد ، ابتداء من منتصف التسعينيات مع إذاعة مونتي كارلو في باريس، وصوت لبنان في بيروت، وإذاعة الشرق الأوسط في مونتريال لبث البرنامج العربي.
وقام صحافيو الإذاعة بتغطية عدد من المؤتمرات الدولية شخصيا، كمؤتمر مدريد ومؤتمرات لجنة اللاجئين التي أقر مؤتمر مدريد تكليف كندا بإدارتها، وزيارات كبار المسؤولين إلى كندا كياسر عرفات ورفيق الحريري وفاروق الشرع وإيهود باراك. كما شارك الصحافيون في وفود رسمية إلى الدول العربية كالجولة التي قام بها رئيس الحكومة جان كريتيان إلى الشرق الأوسط، وشملت القدس وتل أبيب وغزة والقاهرة وعمان وبيروت ودمشق وجدة وإلى قمة الدول الفرانكوفونية في بيروت وإعادة افتتاح السفارة الكندية في العاصمة اللبنانية بحضور وزير الخارجية يومها أندره واليت الذي انتقل من بيروت إلى الكويت في زيارة دعم وتأييد. كما تمت زيارة بيروت وعمان والأراضي المحتلة للتعرف ميدانيا على أوضاع اللاجئين الفلسطينيين فيها. كما شملت الزيارات الجزائر والأردن.
وفي سعيهم لتعريف العالم بجوانب الحياة في كندا والجاليات العربية المقيمة في مختلف أنحاء البلاد من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب والشمال القطبي، قام صحافيو الإذاعة بجولات ميدانية في أكثر من مدينة كندية تم بث البرنامج مباشرة منها من مثل تورونتو وأوتاوا وكالغاري وإدمنتون وفانكوفر وجزيرة الأمير إدوارد وهاليفكس ومونكتون وسانت جونز واليوكون وسواها
واجهت الإذاعة مرتين احتمال الإقفال عامي واحد وتسعين وثلاثة وتسعين وتمكنت من تخطي الأزمتين . لكن الاقتطاعات المالية الضخمة، التي بلغت نسبتها ثمانين بالمئة من موازنة الإذاعة عام 2013 إضطرتها إلى تقليص أنشطتها وتسريح معظم العاملين فيها والانتقال من البث الإذاعي إلى البث على شبكة الإنترنيت وسائر الوسائل الإلكتروتية وباتت تقتصر حاليا على ثلاثة صحافيين.
خمسة وعشرون عاما ، انتقلت فيها الإذاعة من إشراف وزارة الخارجية إلى وزارة التراث لتستقر حاليا تحت إشراف إدارة القسم الفرنسي في هيئة الإذاعة الكندية، والمشوار الإعلامي مستمر.
ولكن السؤال الذي يحيرني : أين السودان من كل
ذلك ؟
أين أولئك العباقرة الفطاحلة من الأذاعيين القدامى والجدد ؟ لماذا
ولماذا ؟
أنا لا أطرح الأمر باعتباري مقيما في كندا أو مواطن كندي ،فأنا في الأصل سوداني،أحب السودان ومعظم حياتي قضيتها في الحوش ّأذاعة وتلفزيون ومسرح "
نحن نسأل فهل من مجيب ؟
استمعوا

badrali861@gmail.com

 

آراء