السودان أمام مفترق للطرق واين المسير؟

 


 

 

أن ثورة ديسمبر 2018م لم تكن ثورة قد اسقطت الإنقاذ (نظام الحزب الواحد) فقط. بل جعلت العقل السياسي السوداني أمام تحديات كبيرة لم يشهدها في تاريخه المعاصر، فالشباب الذين قادوا الثورة و قدموا فيها تضحيات كبيرة، لم يرجعوا إلي مساكنهم لكي يجعلوا القوى السياسية وحدها هي التي تهندس الفترة الانتقالية، و تتصرف فيها كما تشاء، بل ظلوا في الشارع يراقبون الوضع السياسي، و يفرضون شروطا للعملية السياسية، هذا الفعل و اليقظة لم تكن موجودة في ثورة أكتوبر، و لا في إنتفاضة إبريل. مما يؤكد نضوج العقل السياسي الذي يريد أن يتجاوز الإرث الثقافي السياسي القديم، و هناك قوى سياسية و قيادات محافظة ترفع شعارات التغيير لكنها لا تملك رؤية للتغيير، هذه القيادات تحاول أن تزيف الوعي من خلال خلق تناقض واضح بين الشعارات التي ترفعها و بين ممارستها التي تؤكد أنها تدور حول مصالح حزبية و شخصية ضيقة، تؤكد بها أنها لم تستوعب عملية التغيير بالصورة التي يطالب بها الشارع.
إذا نظرنا إلي الجدل الدائر حول مصفوفة ( الاتفاق الإطاري) الذي أعلنها تحالف ( قوى الحرية و التغيير المركزي) المناط به إنجاز فكرة التسوية السياسية اللخروج من الأزمة لتي أطلق عليها تعريفا ( الاتفاق الإطاري) نجد أن الجدل لا يدور حول تطوير الفكرة، حيث أنها فكرة يترتب عليها مشروع سياسي يعبد الطريق لعملية التحول الديمقراطي، لكن الجدل يدور حول توسيع المشاركة بهدف الوصول للسلطة، و هذه هي مشكلة العقل السياسي، أنه عاجز أن يخرج من دائرة المصالح الضيقة، و لا ينظر للمشروع في إطاره الوطني. و هذه الإشكالية ليست قاصرة على الذين يعارضون (الاتفاق الإطاري) حتى بعض الذين يريدون أن يكون احتكارية لفئة بعينها، فالمصالح الضيقة تضيق عدسة الشوف و تضيق الخيال و تخل بملكات الإبداع عند الشخص، لذلك تسقط المشاريع الوطنية بسبب الرغبة لتحقيق مصالح ضيقة. و إذا انتقلنا لتأكيد هذه المقولة في خطاب القوى السياسية المتصارعة نجد بيناتها:-
عن إشكالية الصراع حول الإطاري، قال نائب رئيس حزب الأمة القومي الفريق صديق أسماعيل في خبر نشرته جريدة الجريدة الصادرة يوم الجمعة 24 مارس 2023م قال " أن الإطاري يعاني من هيمنة العزل و الإقصاء، و هذا ما شكل أكثر من 90% من اسباب التباعد بين الأطراف المعنية بإدارة الشأن الوطني" و أضاف قائلا " أن الاتفاق الإطاري أمام خياران لا ثالث لهما أما أن يعبر بالبلاد إلي بر الأمان أو العكس" أن الفريق صديق نائب رئيس حزب الأمة الذي يقود عملية ( الاتفاق الإطاري) يؤكد أن هناك هيمنة من قبل فئة و هي التي تريد أن تفرض شروط العملية السياسية. و إذا كان هناك اعتقاد أن الفريق صديق يمثل رؤية مخالفة لممثلي الحزب في تحالف ( الحرية المركزي) يعني ذلك أن الخلاف قد ضرب الحزب نفسه الذي يقود عملية ( الاتفاق الإطاري) و هذا الخلاف سوف يؤثر بالضرورة على سير العملية السياسية في المستقبل.
أن الفكرة التي تأسس على ضوئها "الاتفاق الإطاري" و التي كان الهدف منها أن تحدث أختراقا في جدار الإزمة السياسية، بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021م، و صدور الاءات الثلاث هي فكرة مناط بها خلق جدل سياسي بين القوى السياسية، و الجدل يقود لتقديم مبادرات تنقل الساحة السياسية لمربع متقدم، و بالفعل تطورت الفكرة من ( ورشة لتقييم الفترة السابقة قبل الانقلاب – إلي مسودة اللجنة التسيرية لنقابة المحامين ثم أخير الاتفاق الإطاري) كل هذه المراحل الهدف منها توسيع قاعدة المشاركة، لكن هناك بعض القيادات كانت ترفض هذه المشاركة لآن الفكرة تقزمت عندها بسبب تطلعات السلطة. و هناك قوى سياسية أخرى رافضة فكرة ( الاتفاق الإطاري) لأنها عجزت أن تنظر للفكرة باعتبارها رؤية تؤسس على الحوار المفتوح لاستقطاب كل القوى الداعمة لعملية التحول الديمقراطي، و هي لا تنظر للسياسة إلا من موقعها الذاتي في أي فكرة. و الناظر لرؤية القوى الجذرية يتأكد ما ذهبت إليه. يقول تحالف (قوى التغيير الجذري) في عرض قدمته جريدة ( القدس العربي) قال التحالف عن الإتفاق الإطاري " أن الاتفاق النهائي المقرر توقيعه مطلع الشهر المقبل ، اتفاق مكرر، و يعيد تجربة اتفاق الوثيقة الدستورية مع اللجنة الأمنية للنظام السابق " و أتهم التحالف القوى الموقعة على الاتفاق بالموالاة للخارج حيث قال " أن وكلاء الخارج و مندوبي السفارات و المخابرات و عملائها بالداخل يسعون لا ستمرار سياسات اقتصادية مجربة و مرفوضة وسط هياكل سلطة تعمل على قمع الرافضين لنهب ثروات البلاد و افقار الشعب" و في جانب أخر، و من ذات الرؤية السابقة؛ يقول الدكتور صدقي كبلو عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي لبرنامج ل ( حديث الناس) التي تبثه قناة النيل الأزرق قال " أغفل الاتفاق الإطاري و العملية السياسية الجارية الآن قضايا الشعب الأساسية و كل المتفاوضين يتحدثون عن السلطة و تشكيل الحكومة و لم يفتح الله عليهم بكلمة واحدة للحديث عن القتل المستمر في الشوارع و لا المعتقلين السياسيين الذين تلفق لهم التهم حول القرارات التي أعادت الفلول و ممتلكاتهم" الغريب في الأمر أن الحزب الشيوعي رغم طول تجربته السياسية لكنه عجز أن يقدم أي مبادرة تخلق حوار سياسيا في الساحة تحدث أختراقا في الأزمة، و صفوته الحزبية تعلمنا التجربة أن تقمص الشخصية الاستاذية التي يتعامل بها الحزب الشيوعي مع الآخرين لا تجعله يتقبل تصورات الأخرين، و لا مبادراتهم، و يعارضها فقط لأنها لم تخرج من مؤسستهم.
في الجانب الأخر للمشهد قالت كتلة التحالف ( الحرية الديمقراطية) أنها سوف تعارض تعارض الاتفاق الإطاري الساعي لتشكيل الحكومة في شهر إبريل القادم و قال عضو الهيئة القيادية العليا في تحالف الديمقراطي الدكتور عبد العزيز عشر " المصفوفة التي أعلن عنها عبارة عن صفقة خاسرة ستنتهي لتكوين حكومة أقليات ستقود البلاد إلي مزيد من الاختلال و الأزمات نحن لا نقبل بهذا، و هذه المجموعة الصغيرة المتحالفة مع العسكر يعملون على تكوين حكومة ستكون هي الأفشل في تاريخ السودان" أن حديث الدكتور عشر يعتبر ردة فعل لرفض الحرية المركزي قبول كل عضوية التحالف الديمقراطي، و تشترط قبول ( حركة مناوي و جبريل و الاتحادي الأصل ، جعفر الميرغني) و التبرير الذي تقدمه الحرية المركزي لا يستند على معيار منطقي مادام قبلوا انصار السنة الذين كانوا مشاركين في الإنقاذ حتى سقوطها و أيضا المؤتمر الشعبي و الاتحادي الأصل، أما صناع فكرة الانقلاب مناوي و جبريل و الذين نفذوا الانقلاب البرهان و حميدتي.
و الجانب المهم للقضية أحاديث الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة التي أكد فيها أنهم لا يسلمون السلطة لقوى مدنية منقسمة على نفسها، و لابد من توسيع قاعدة المشاركة، و البرهان الذي انقلب على الحرية المركزي لا يثق فيهم حتى يسلمهم السلطة، إلا إذا تم توسيع المشاركة أي دخول قوى أخرى ليس لها موقف منه، حتى لا يكون القرار مستقبلا عند الحرية المركزي.
القضية الآن ليس البحث عن حل أو مبادرة جديدة، فالاتفاق الإطاري مقبول عند قاعدة واسعة، و الخلاف هو ( كيف توسيع قاعدة المشاركة) و يفتح باب الحوار في الاتفاق، و الحوار حول دستور الفترة الانتقالية، و الاتفاق على المعايير التي يتم بها أختيار الذين يتسلمون حقائب المواقع الدستورية، و توسيع الفكرة من حصرها في المصالح الضيقة إلي المصلحة الوطنية. نسأل الله التوفيق.

zainsalih@hotmail.com
/////////////////////////

 

 

آراء