السودان: المنارة أم الجسر ؟ الحلقة الثالثة … بقلم : يحيى العوض

 


 

يحي العوض
29 October, 2009

 

YAHYA ADAM [yahyaalawad@hotmail.com]

كان الأستاذ يسن عمر الإمام محقا، عندما سألني مندهشا ... كيف أصبحت مديرا للإعلام والعلاقات العامة في بنك فيصل الإسلامي، وأنت القادم من ادارة وكالة أنباء تاس السوفيتية..؟ وبرحابة صدر أجبته لأني أعرفه : ...قلبه في لسانه !

مادار بيننا سأنقله للقراء لاحقا، يحكي تجربتي في "البحث عن أمن اليقين"!! والأسئلة وأجوبتها، مثل الدين وسداده، لابد من الإلتزام برده عاجلا أم آجلا !

ولكن ..عندما وصفني الأستاذ حسين خوجلي بالإلحاد والكفر ومعاداة الإسلام، لا أجد نفسي متسرعا، اذا قلت أنه لم ينم ليلته تلك قرير العين، ولا أحسبه قد أقنع نفسه وبرر ذلك بإلتزامات فقه الضرورة!!  وبالتأكيد فهو من قراء الإمام الشافعي ورقائقه :

ومامن كاتب إلا سيفني

ويبقى الدهر ماكتبت يداه

فلا تكتب بكفك غير شئ

يسرك في القيامة أن تراه

 

الرجل يعرفني، أكثر من غيره، حق المعرفة. !!

كان من المهتمين والمتابعين والمشيدين بمجلة "القوم" التي تشرفت بإمتيازها  ورئاسة تحريرها... وعندما نشرت بحثي عن السادة أشراف،"الشرفة" ، إحتفى به مؤكدا انها الدراسة الوحيدة التي وثقت تاريخهم بإستفاضة وشرحت مواقف جدهم الشريف أحمد ود طه ووقفته البطولية مع الإمام المهدي ...ثم عاتبني برقة لأنني لم أذكر إسمه ضمن الأسرة الكريمة، وإعتزرت له،لسهوي .. فالرجل ينتمي لهم، وزاده شرفا وتيها،مصاهرته لخليفة السجادة ! فلماذا ... إذن هذا الإفتراء ! ؟

وحتى لا أنهي عن فعل وآتي مثله ... بعثت برسالة إلى الدكتور حسن الترابي تتضمن مسوغات منتقديه بفتح النيران عليه وسألته الرد عليها، للتوثيق وللتاريخ، وسلمتها أخلص تلاميذه وأنجبهم فقد وقف معه ليس في السراء،كما فعل غيره بل والضراء  أيضا ومازال في مقدمة صفوفه، الأستاذ النابه المحبوب عبدالسلام والذي تكرم بزيارتي في مكتبي بالدوحة للمشاركة في ندوة أقمناها عن دارفور في سبتمبر 2008م ...وتتضمن الرسالة معلومات متداولة،فلم يعد في العالم إلا أقل القليل  يندرج في أضابير الأسرار، والبراعة لم تعد في الحصول على المعلومة بل في تحليلها وإستقراء نتائجها  ... وتكاد تجمع مراكز الدراسات الدولية، Think  Tanks على قدرات الدكتور حسن الترابي ومهاراته في التخطيط الإستراتيجي، بغض النظر عن نتائجه سلبا أو إيجابا ... وأيضا تحمله مسؤوليات عظام تتصاعد من دأبه لصرف السودان عن دوره المحكوم بالتاريخ والجغرافيا كجسر ناقل للحضارتين العربية والإفريقية في الإتجاهين، وليس منارة لفرض توجه حضاري مهما كانت مسمياته .. والإتهام الأخطر والذي وجهه إثنان من ألمع رجال الفكر والدبلوماسية العربية، السفير غازي القصيبي سفير المملكة العربية السعودية السابق في المملكة المتحدة والدكتور أسامة الباز المستشار السياسي للرئيس المصري حسني مبارك وخطورة الإتهام تكشف أنه كان المحرض لغزو الكويت ولوقوف التيارات الإسلامية مع الرئيس العراقي صدام حسين، وبدهاء ومكر، حتى يتم القضاء على التيار العروبي القومي ولترثه التيارات الإسلامية وفي مايلي نص  الرسالة وعنوانها :

 

ظاهرة د. الترابي سياسيا وفقهيا

الإيجابيات والسلبيات  والمستقبل ؟

 

 

تشكل ظاهرة الدكتور حسن الترابي ، تفرداً في خارطة السياسة السودانية منذ بزوغ نجمه عام 1964 فهو عامل فعال في مجرى التاريخ السوداني إيجابا وسلباً و يتجدد دوماً في إطار تكويناته الفكرية مهما كانت النتائج ضداً أو نفعاً لشعبه ، هكذا بدأ في حركة الأخوان المسلمين و انشق عنها وتطور خلف عدة مسميات وآخرها المؤتمر الشعبي.. وهو مؤسس المؤتمر الوطني الحاكم وهو أيضاً المبشر بالخلاص منه.. بمعنى أنه رقم فعال أيضاً إذا حدث التغيير بل ويعتبره مناصروه أمل الخلاص... و على الصعيد الفقهي فهو يحمل جينات أول من ادعى المهدوية في السودان و أعلنها في مكة المكرمة ، الشيخ حمد النحلان و هو الآن الحفيد ، من منظري التجديد و بلا تحفظ في الفقه بل وفي " المسلمات " مثل عذاب القبر و بعض أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم... واجتهد الدكتور الترابي في التأصيل الإسلامي السياسي فدعا إلى فقه الضرورة وقال في حديث مع جريدة " القدس العربي":   نحن لا نعرف شيئاً اسمه فقه الضعف نحن نعرف فقه الضرورة . والضرورة طبعاً تقضي بها الابتلاءات.. و التحديات التي أمامك منسوبة إلى قوتك... و المؤمن لا يحسب بحسابه الدنيا ويقول حسبنا الله ونعم الوكيل ويتوكل على الله .. لقد حدثنا القرآن الكريم أن المؤمن يمكن أن يقاتل عشرة إذا كان قوياً وإذ كان ضعيفاً فالواحد يقاتل اثنين ، أما أضعف من ذلك فليس بضعف الإيمان ، هو ضعف تحت الإيمان".

و أسس الدكتور الترابي عام 1991 المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي الذي ضم أيضاً أحزاب و منظمات علمانيه ثم تحول إلى المؤتمر الشعبي الإسلامي عام 1992 إلى أن تم تجميده وقد تصدت بعض الشخصيات العربية المؤثرة لأطروحات د. الترابي خاصة بعد الغزو العراقي للكويت ... ونقل د. غازي القصيبي سفير المملكة العربية السعودية في حديث مع صحيفة الشرق الأوسط اللندنية في فبراير 1991عن الدكتور الترابي قوله : إننا نريد أن تطول الحرب و أن يتعرض العراق لضربات مدمرة ، حتى يؤدي ذلك إلى رد فعل عنيف لدى الشعوب العربية ، و تحدث حالة من عدم الاستقرار الأمر الذي يعطي التيار الإسلامي قوة ودوراً على الساحة في مواجهة الأنظمة"..  ونقل التلفزيون المصري ندوة بتاريخ 7-فبراير-1991 شارك فيها الدكتور أسامة الباز مستشار الرئيس المصري للشؤون السياسية قال فيها أن الدكتور الترابي تحدث مع شخصية أوروبية و أوضح لها أنهم -أي الإسلاميين- ، ضد الرئيس صدام حسين ويأثمونه على اعتدائه على الكويت ، لكنهم وجدوا في الأمر فرصة لخلخلة النظام العربي و يرون أن تطول الحرب و يحدث عدم استقرار في العالم العربي و أن يتحطم صدام حسين العلماني لدوره في إضعاف إيران و أنه بعد ذلك سيكون الأمر لصالح التيار الإسلامي ، الخارج عن السلطة الآن.

 

- القضية المطروحة للحوار: كيف نقيم دور الدكتور الترابي في التاريخ السوداني المعاصر كسياسي و فقيه ؟وما هي العوامل التي ساعدت في صعوده و ماهي المكاسب أو الخسائر من تجربته السياسية وانعكاساتها على الحركة الإسلامية و مستقبل السودان و هل سيتواصل دوره في المرحلة القادمة ؟

 

... إنتهت الرسالة ....

 

وبالطبع ..كنت موقنا بأنني لن أتلقى ردا عليها !!

والمعروف عنه قدرته الفائقة للخروج من المآزق الحرجة .. ويروي الدكتور منصور خالد أن شيخنا الأستاذ الطيب صالح،سأل الدكتور الترابي في منتدى للحوار بالأردن:

- من الذي أعطاكم الصلاحية، لأن تحملوا أهل السودان على مايكرهون ؟

- قال الدكتور الترابي :

"ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم من الوارثين "(القصص).

ويجيب الطيب صالح هذه لغة الآلهة ... لا البشر !

وعذرا ولعلها جينات المهدوية التي أول من بشر بها جده كما أسلفنا وأين في الحجاز وفي موسم الحج وبالطبع لم يكن الشيخ عبدالعزيز بن باز مولودا !!

كما تتجلى عبقريته في مقولته الرائعة عندما رشحه صديقه الأعز الشيخ ابراهيم السنوسي الذي يكاد يطابقه سمتا وأسلوبا ليكون رئيسا للجمهورية ... فأجابه بهدوء ...

ياشيخ ابراهيم، من يتذكر اسم الخليفة العباسي الذي كان يملك تلك الإمبراطورية المتسعة، أيام الشيخ عبدالقادر الجيلاني؟

صدق الرجل !

وكان بعيد النظر في المفاصلة مع تلاميذه، رغم أن الكثيرين منا حسبوها إعادة لتوزيع الأدوار ويروي الأستاذ أحمد عبدالرحمن محمد أن الدكتور كان قادرا ليصبح رئيسا للجمهورية لو أراد ذلك، لكنه كان مهموما بطغيان البزة العسكرية في جسد الإنقاذ وكان يحسب أن مرحلة جديدة قد تشكلت ولا مهرب من العودة إلى الديمقراطية وأعلن بعد ذلك في ندوة طلابية " أن عهد الإنقلابات العسكرية في السودان قد إنتهى لأنها لم تعد وسيلة مناسبة لقيادة التغيير وعزا ذلك إلى تمدد الإسلام في البلاد بصورة تصعب من مقاومته وفرض خيار آخر غير البرنامج الإسلامي وقال أن الشعوب تتجه ألان نحو الحريات والتواضع على طرق أخرى لتداول السلطة وقال أن إنقلاب الإنقاذ كان مرحلة إضطرارية وإنتهت مسبباتها بقيام الإنقاذ"الحياة 26 يناير 2001م

وقد يكون الرجل محقا في قناعاته ولكننا أيضا من حقنا أن نستعصم بالحكمة القائلة : "لا نصدق من خدعنا ولو مرة واحدة"!!

****

وكثيرا، ما نتسامر مع الأصدقاء حول إضافات الدكتور حسن الترابي لفقه الضرورة، بتغيير المصطلح شكلا ومضمونا وبسرعة تفوق ماسحات المطر في السيارة !! والأمثلة كثر من عرس الشهيد إلى دحض مضمونه !!! ورغم قدرات  الشيخ  على كظم غيظه إلا أنه لم يغضب بألم ممض كما يروي إلا عندما قرأ التصريح المنسوب للأستاذ مهدي ابراهيم، والذي قال أن الشيخ فقد حافظته من القرآن بالكامل بعد حادث كندا !!! وعرف الأستاذ مهدي ببلاغته وأيضا بطرائفه فعندما كان مرشحا للجبهة الإسلامية القومية بمدينة بحري منافسا للأستاذ محمد عبدالجواد بعث بمندوبيه إلى ديوم بحري  وهي مشهورة بصناعة الخمور البلدية ليبلغهم أن مرشحه المنافس علماني  وسوف يعمل على فتح البارات أما هو من دعاة الشريعة وسوف يبقى على إغلاقها !! وبالفعل فاز بالدائرة !!... ولا يخشى عبقري الحركة الإسلامية والدينمو المحرك للأحداث من وراء الستار ومنظم المسيرات المليونية والذي أجبر حزبه على المضي قدما في مشروع حل الحزب الشيوعي مستغلا حادثا صغيرا في معهد المعلمين وإستصغره في البداية الدكتور حسن الترابي بشهادة عبدالرحيم حمدي، وخرج بالمظاهرات دون أن يستأذن  حتى أجبر قيادته للمضي معه إلى أن تم حل الحزب الشيوعي.. هذا الرجل،علي عبدالله يعقوب،دائما بعيدا عن الأضواء، ولم يعرف عنه تولى منصب سيادي، بل ويتردد إسمه نادرا في إعلام الجبهة بكل مراحلها ولا يعلم أحد أين موقعه !؟ وكما أسلفت لا يخشى شيئا إلا اذا كان متحدثا بعد الأستاذ مهدي ابراهيم المعروف بحنجرته الرحبة التي تتفوق على عزيزنا الأستاذ محمد الكبير الكتبي..!! والمعروف أن الأستاذ علي عبدالله بعقوب، عييى اللسان، ماهرا في التخطيط والكتمان.. وهو المخطط الأول لفكرة بنك فيصل الإسلامي، وكان يعمل في موقع متقدم مع الأمير محمد الفيصل.. وبعد عام واحد من تأسيسه تم إختطاف البنك من بين أيدينا في وضح النهار !!. وتلك قصة أخرى نفصلها في الحلقة المقبلة!

 

آراء