السودان بدون وردى!!
تاج السر حسين
20 February, 2012
20 February, 2012
royalprince33@yahoo.com
هى ناقصه ؟
رحمه الله (المعلم) محمد عثمان وردى .. وغفر له واسكنه فسيح جناته بقدرما أطربنا وأشجانا وشحذ هممنا وحرضنا على النضال والثوره والتغيير منذ زمن بعيد .. وبقدر عشقه لوطنه الذى غنى له (شعبك با بلادى أقوى وأكبر ما كان العدو يتصور) وبقدر ما عمل على توحيده بالرأى وبالأغنيات وبشتى الطرق .. لكن كانت ارادة الله غالبه ونافذه، ففقدنا (وردى) وفقدنا من قبله (الجنوب) الذى غنى فى غاباته.
وحينما نقل لى من كنت أجالسه مساء الأمس فى نبرة حزن نبأ رحيل (وردى) ، لم اصدقه فى البدايه وظننتها اشاعة مثل التى تردد كثيرا عن رحيل أحد الفنانين السودانيين وتنشر فى المواقع خاصة فى الآونة الأخيره وسرعان ما تنفى ويتضح انها مجرد أشاعه.
على الرغم من أن وردى ليس صغيرا وتخطى السبعين سنه ولا يوجد أنسان عزيز أو غال على خالقه، لكن (وردى) هرم من اهرامات السودان ولا يستطيع الأنسان السودانى أن يتخيل وطنه بدون وردى مثلما لا يمكن أن يتخيله بدون جريان (نهر النيل) الذى يهبه الحياة والشعور بالأطمئنان ، فوردى كذلك يهبه الأحساس بالجمال وبالأمل فى المستقبل وبأن (الوحده) لا زالت ممكنه فى زمن (الأنفصال)!
فى عام 1981 سافرت فى زياره الى السويد والدنمارك، وأعجبت بتلكما البلدين الجميلين ايما أعجاب وكان بأمكانى أن ابقى فى الدوله الآخيره، لكننى وبعد (جلسه) تفاكر مع النفس، منعتنى من البقاء، اسباب عديده، كانت بخلاف الروابط التقليديه التى تشد كل الناس الى أوطانهم مثل الأم والأب و(الحبيبه) التى لا زلت (افتش ليها فى التاريخ .. وأسأل عنها الأجداد)، كانت هنالك اسباب اضافيه أخرى منها أم درمان والهلال .. ومحمد وردى، وقلت فى نفسى أن تمسع وردى يغنى (أعز الناس) أو (أمير الحسن) أو (يا نسمه) .. أو (عصافير الخريف) .. أو .. فهذا بالدنيا كلها.
ووردى .. معلم سودانى (هام) بايجابيته الكثيره وصلابته والقضايا الفكريه والسياسيه التى يؤمن بها، ووردى (معلم) سودانى هام بأنسانيته ووقفاته الشخصيه والماديه الى جانب رفاقه والتى لم يسمع يوما يتحدث بها ولا يرضى أن يتحدث عنها من يعرفونها امامه ، وهى على عكس ما يشيع البعض عنه، وعلى الرغم أن وردى – كشئ طبيعى - لا يفكر فى دعوته للمشاركه فى أفراحه ومناسباته الخاص غير (المقتدرين) وميسورى الحال، لكنه ما كان يتأخر من (مجاملة) أحد البسطاء بدون مقابل بل تكون المبادرة منه جانبه فى بعض الأوقات.
ووردى (معلم) سودانى هام حتى فى اخطائه (كأنسان) و(غلطاته عندنا مغفوره) طالما هو الآن بين يدى ربه وهذا مما تعلمناه من ثقافتنا السودانيه التى ساهم فيها وردى وغيره من مفكرين ومثقفين وكتاب وفنانين ومبدعين.
ومن عجب أن وردى المعتز (بنوبيته) ولغته (النوبيه)، يلقب بفنان (افريقيا الأول) وهو يغنى (بالعربيه)، وأغنياته يؤديها فنانون من دول أخرى فيحصدون بها الجوائز فى المسابقات العالميه مثل الفنان المصرى ( محمد منير) فى باريس مع (فرحى خلق الله) أو (وسط الدائره).
ووردى .. هو أول مبدع وضع الفن السودانى فى مكانته وأنتزع للفنان الأحترام والتقدير الذى يستحقه، وجعل صفة (صعلوق) التى كان يوصف بها المغنى أو الشاعر السودانى تختفى تماما، على العكس من ذلك، فأغنيات وردى العاطفيه والوطنيه كانت قادرة على تحريك الشارع وعلى اشعال ثوره أو انتفاضه.
ووردى .. ظل دائما متابعا ومتأثرا ومنفعلا بالأحداث الوطنيه وله رصيد هائل من اغنيات الثوره خاصة بعد انتفاضة (ابريل) التى مهد لها بجولة فنيه فى عديد من الدول، وفى أثيوبيا ضاق ملعب كرة القدم بالجماهير الأثيوبيه والسودانيه التى تسابقت لمشاهدته والأستماع اليه يغنى (يا بلدى يا حبوب) مثلما ضاق ملعب (كرة اليد) فى نادى الشباب بدبى بالسودانيين وغيرهم من افارقه لكى يستمعوا له يغنى (للحنينه السكره)، وحينما بدأ يغنى فى (هرجيسيا) عاصمة ارض الصومال خلعت النساء (عقود) الذهب والغوائش ورمينا بهن له تعبيرا عن تقديرهن وتكريمهن له.
وحينما سمع (وردى) عن المشهد البطولى للأستاذ (محمود محمود طه) الذى أستشهد مبتسما على مقصلة الفداء، غنى له (يا شعبا تسامى يا هذا الهمام).
مرة أخرى رحم الله محمد وردى وغفر له وأسكنه فسيح جناته.