السودان … دولة الثنائيات المدمرة
يبدو واضحا وجليا أن طريقة تعاملنا مع الأزمات والمشكلات وعدم قيامنا بالتشخيص السليم لأسبابها، وانتهاجنا لطرق غير علمية لحلحلة تلك المشكلات هو الذي جعل هذه البلاد موطنا للمشكلات والرزايا وبؤرة صالحة لتوالد المشكلات من بعضها البعض على مدى سنوات طويلة، ومن ينجب المحن لا بد أن يهدهد صغارها كما يقول مثلنا السوداني البليغ..
ليس بالإمكان إخراج هذا الوطن من وهدته وتخليصه من الأزمات التي أحكمت قبضتها إلا بإجراء جراحات عميقة في جسد المجتمع والدولة..
واستطيع القول هنا أن من أسباب أزمتنا السودانية المتفاقمة أن البلاد ظلت ترزح تحت وطأة ما أنتجته الممارسة غير الرشيدة في كل المجالات والتي أفرزت ما يمكن أن أسميه:( متلازمة الثنائية السودانية) وهذه الثنائية هي السبب الرئيسي في إضعفاف هذا الوطن المتعدد والمتنوع الذي يجب أن يتأسس على هذا التعدد الثر والتنوع الواسع.
هذه الثنائية صنعت صراعا ثنائيا في كل المجالات وأدت لتشتيت شمل هذا الوطن وأراها الآن تتضخم وتتوحش وتوشك أن تدمر هذا الوطن تدميرا.
الثائيات السودانية تنتشر في كل مجال حيث تمدد مفعولها التدميري في طول البلاد وعرضها وتمددت في كل المراحل التاريخية وبسببها تحكًم وسيطر توجهان فقط في كل المجالات، كل في مجاله وتمددا على المشهد العام وأمسكا بكل الخيوط وأنقسم المجتمع حولهما أو أتفق ولكنهما في النهاية ظلا وترسخا في كل مجال وحرما غيرهما وحارباه مع اختلافهما وكأن بينهما اتفاق خفي وغير مكتوب.
من أوضح هذه الثنائيات في مجال الرياضة نجد الهلال والمريخ، ولو أردنا تعداد الفرق التي تتسمى بهذا الاسم في السودان وأردنا حصر هذه الثنائية لاحتجنا لسنوات.
وأنظر يا عزيزنا لرياضتنا فهي عملية مشوشة مشوهة مزيج من اللعب والضوضاء والغوغاء والنتيجة النهائية فلا الهلال والمريخ تطورا ولا تركا الرياضة تتطور وحتى الموردة التي كسرت هذه الثنائية في فترة من الفترات خرجت ولم تعد فقد دمرها هذا الثنائي المتشاكس ظاهريا والمتوافق في الخفاء.
ومن الثنائيات السياسية (ثنائي نيفاشا) -المؤتمر الوطني والحركة الشعبية- هذا الثنائي الذي قاد اتفاقهما بضاحية نيفاشا الى انفصال الوطن. هذا الثنائي المتشاكس ظاهريا تقاسم السلطة والثروة وأبعد الأطراف الأخرى لينفرد كل طرف منهما بحكم ما يليه من الوطن فأنفرد المؤتمر الوطني بحكم الشمال وانفردت الحركة الشعبية بحكم الجنوب وكانت النتيجة انفصال الوطن ذلك العمل غير الراشد الذي نتجرع الى اليوم نتيجته الكارثية والمرة.
ومن الثنائيات السياسية أيضا، ما ظللنا نردده جميعا منذ الاستقلال كثنائية (الحكومة والمعارضة) وثنائية (العسكر والمدنيين) وثنائية (التيار الاسلامي و اليساري) حيث يقوم كل منهما على وجود الآخر ويتمدد كليهما تحت دعاوى محاربة الآخر ولو ذهب أحدهما لأنتفى وجود صاحبه!!. وبكل تجرد يمكننا القول بأن ما فعلته هذه الثنائية على وجه التحديد يشيب من هوله الولدان.
ثقافيا فدونكم ثنائية (الغابة والصحراء) التي خرجت من ثنائية (العروبة والإفريقانية) أما فنيا فيكفيك ثنائية أغنية الحقيبة والأغنية الحديثة.
ولا تتعجب عزيزنا اذا قلنا: إن الإستعمار الذي وقع السودان تحت براثنه لم يكن كبقية دول العالم فقد كان استعمارا ثنائيا ولا زلنا ندرس في مدارسنا عن الإستعمار الثنائي وإنزال العلمين ورفع علم الإستقلال حتى من أنزل العلمين لم يكن شخص واحد بل هما الزعيمان اسماعيل الأزهري ومحمد أحمد المحجوب وهنا تقفز ثنائية أخرى فما اكثرها من ثنائيات...
هل حكومة الثورة التي تشكلت على خلفية اتفاق المجلس العسكري والحرية والتغيير هي ثنائية أخرى؟ وهل بإستطاعتنا كسر هذا الحاجز والتفكير والعمل بشكل جماعي بعيدا عن هذه الثنائيات؟؟..
abduosman13@gmail.com