السودان والأمارات والشفافية المفقودة 

 


 

 

يعتبر مصطلح الشفافية من أهم المصطلحات السياسية و الاقتصادية في النظم الديمقراطية، و الشفافية ليست مرتبطة فقط بالأمانة و الوضوح، بل هي التي تبين مدى أحترام القيادة السياسية لشعبها عندما تقدم له المعلومة كاملة غير منقوصة لتبرئة الزمة. و المصطلح نفسه يجد مساحة كبيرة في العلاقات بين الدول، لآن الشفافية في العلاقة تجعل الشعوب راضية عن العلاقة. و السودان خرج من عباءة نظام شمولي استمره ثلاثة عقود، و هي كفيلة أن تترك أثارها الثقافية في كل المجالات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية، و هذه الثقافة الشمولية أثرت تأثيرا كبيرا في العقل السياسي السوداني، حيث أصبح الغموض يغلف كل شيء، مما يدلل عدم أحترام الجماهير، و سوف تستمر هذه الثقافة إذا فشلت الأحزاب و المجتمع إنتاج ثقافة ديمقراطية تنداح علي مخلفات النظام الشمولي و تجعلها تتلاشى. لكن إذا فشلت النخبة السياسية أن تنتج الثقافة الديمقراطية، و التي تأتي عبر الممارسة اليومية المتراكمة، في كل ضروب الحياة المختلفة" سياسة – تعليم – دراسات و بحوث - خدمة مدنية – منظمات المجتمع المدني – توسيع المواعين الديمقراطية في الأحزاب و غيرها" تكون النخبة السياسية غير جديرة بقيادة المرحلة، لأنها نخبة متواضعة في قدراتها و فاقدت للمعطيات التي تجعلها تستطيع أن تحدث عملية تحول ديمقراطي بعيدا عن الشمولية، و بالتالي يجب أن تفسح المجال لنخبة جديدة تستطيع أن تحدث عملية التحول الديمقراطي و توسع من دائرة الشفافية، و حرية التعبير للصحافة و الإعلام، و إنشاء المؤسسات التي تقوم بدور الرقابة و المسألة، و أهمها أن يكون هناك نظاما قويا للعدالة. الشيء المفقود الآن هو نظام العدالة، مما يؤكد الفارق بين الشعار المنادي بالديمقراطية و الواقع الذي يفتقد أهم ركن في النظام الديمقراطي العدالة.

واحدة من الأشياء المؤرقة و التي تضع علامات استفهام كبيرة، هي السياسة التي تتبعها القوى التي تدير الدولة في الفترة الانتقالية، تنقصها الشفافية. خاصة في العلاقة مع دولة الأمارات العربية المتحدة. هناك أسئلة عديدة تحتاج إلي إجابة. قبل ذلك لابد أن نذكر أن دولة الأمارات و السعودية قامتا باختراق للمنظومة الأمنية في السودان قبل سقوط الإنقاذ، و استطاعتا أن تجندا مدير مكتب رئيس الجمهورية، الذي هيأ كل السبل لكي يرسل السودان قوات إلي اليمن نظير تقديم دعم مالي، ثم يفتح الطريق أيضا في أن تستخدم بعض الحركات في القتال الدائر في ليبيا، بعد الثورة أعلنت الدولتان تقديم مساعدات للسودان " ثلاثة مليارات دولار" و لكن قدمتا حوالي 30% من المبلغ ثم توقفتا عن الدفع. و لم تعلن سلطة الفترة الانتقالية لماذا توقفت الدولتان عن الدفع، إذا كانت هذه الأموال بالفعل دعما للشعب. ثم بدأت تظهر أقوال في الميديا أن دولة الأمارات تريد أن تضع يدها علي ميناء السودان. و أيضا التزمت سلطة الفترة الانتقالية الصمت عن ذلك تماما. أكد الحزب الشيوعي في تصريحات العديد من قياداته أن هناك نفوذا خارجيا يؤثر في مجريات السياسة في السودان من خلال عناصر لها نفوذ في السياسة و في مجال الاقتصاد. ثم ظهرت المبادرة الأمارتية لحل الخلاف الدائر بين السودان و اثيوبيا في قضيتي السد و الحدود خاصة " اراضي الفشقة بشقيها. و أيضا لا تريد قيادة لفترة الانتقالية أن تكشف عن أبعاد هذه المبادرة إذا كانت العسكرية أو المدنية لماذا؟ و أيضا رشح أن هناك قيادات مدنية لها علاقة مع دولة الأمارات و تعتبر منفذ للنفوذ الأماراتي في السياسية السودانية. كل تلك القضايا تضع علامات الإستفهام.

 قال وزير المالية السوداني الدكتور جبريل إبراهيم لجريدة "سودان تربيون" "أن دول الخليج أرجأت تعهدات واضحة في مؤتمر باريس، لكي تكون هناك نقاشات ثنائية معلقة بينها والسودان، مثل استثمارات إماراتية بـ8 مليارات دولار بأراضي الفشقة المستردة من إثيوبيا، و كان السودان يأمل في التزامات واضحة من الدول العربية بخصوص ديون السودان لكن كل دولة من هذه الدول ترغب في حسم نقاشات بينية مع السودان قبل الاعلان عن مواقف واضحة. و عن المبادرة الاماراتية؛ قال  إبراهيم هناك نقاش كبير مع دولة الإمارات حول استثمار 8 مليارات دولار لحل مشكلة الفشقة في السودان بمشروع زراعي كبير وخط سكة حديد. لكن الإماراتيون يريدون حسم النقاش حول الأمر قبل الإعلان عن أي التزام بمبادرة لحل أزمة الحدود حول أراضي الفشقة بين السودان وإثيوبيا لكن لم يتم الإعلان رسميا عن مكنون هذه المبادرة." قول الدكتور جبريل يحمل في أحشائيه العديد من علامات الاستفهام.

هنا تصبح الأسئلة واجبة: السؤال الأول إذا كان وزير المالية لا يعرف عن مكنون المبادرة الأماراتية من هي الجهة التي تعلم تفاصيل المبادرة الأماراتية في سلطة الفترة الانتقالية تحتفظ بها لنفسها دون الأخرين؟ السؤال الثاني الزيارات المتكررة إذا كانت لرئيس المجلس السيادي و نائبه لدولة الأمارات لماذا لم يفصح عن مكنونها؟ و الشفافية تتطلب أن يوضحا الهدف من الزيارة و ما تمخضت عنه. و أيضا الزيارة المتكررة لوزيرة الخارجية و أيضا لم تفصح عنها، إليست هي مدعاة للتساؤل؟  هنا تغيب الشفافية و يصبح الغموض هو سيد الموقف. أن المبادرة الأماراتية طفح عنها أنها تريد أن تقسم أراضي الفشقة الكبرى و الصغرى بين السودان و اُثيوبيا و دولة الأمارات. و السؤال ما هو دخل الأمارات بهذه الأرض؟ و السؤال أيضا ما هي ممسكات الأمارات علي بعض القيادات التي تجعلها تتشرط علي السودان؟  و أيضا السؤال لماذا لم توضح قيادة الفترة الانتقالية و خاصة الذين شاركوا في محادثات " سلام جوبا" أن يقولوا للشعب أن المحادثات تتم بدعم أماراتي؟  تطرح هذه الأسئلة و لا يغيب عن المرء ما يحدث في اليمن و ليبيا من تدخل خارجي و دولة الأمارات ليست بعيدة عنه. و وجود مقاتلين سودانيين كانوا في ليبيا و مايزالون في اليمن. إذا كان السودان يدفع كل هذه الضرائب من دم أبنائه لمساندة الأمارات ماذا تريد أن يقدم لها السودان خصما علي سيادته. أليس نحن في محنة حقيقية. فقط ما نطلبه الشفافية و معرفة تفاصيل المبادرة الأماراتية قبل أن يذهب جزءا عزيزا من السودان كما ذهب الجنوب.

و في زيارة الفريق أول شمس الدين الكباشي للقوات المرابطة في الحدود مع أثيوبيا قال بعد صلاة عيد الفطر " أن السودان يرحب بالمبادرة الإماراتية، و إننا ابدينا موقفنا ورؤيتنا الموحدة حول هذه المبادرة، بأن السودان يرحب بها في حال تكثيف العلامات الذي ترعاه الإمارات، وحول ما يثار من حديث عن الاستثمار في هذه الأراضي في مقابل ذلك، أكد أن السودان لن يقبل به وهو موقف متفق عليه، على كل مستوى أجهزة الحكم الانتقالي" أن الكباشي في هذا الحديث يؤكد أن ما جاء في وسائط الإعلام الاجتماعي عن المبادرة الأماراتية صحيح، بتقسيم الأرض. و في مقابل ذلك تستثمر الأمارات أموالها؟ و إذا كانت قيادة الفترة الانتقالية قد حسمت هذا الأمر علي حسب قول الكباشي، على أن لا يكون هناك مساس بالأرض السودانية أو مقايضة باستثمارات أمارتية، لماذا يثيرها وزير المالية مرة أخرى، بالقول أن الأمارات تريد أن يكون دعمها للسودان مشروطا بقبول مبادرتها. هناك بعض القيادات تسعى أن تقبل المبادرة الأماراتية بعيدا عن الأضواء. لابد أن يعرف الشعب السوداني تفاصيل المبادرة الأماراتية، و أي قبول لدعم أماراتي في اتفاق ثنائي غير معلن يعني ذلك أن هناك قيادات قد تصرفت في سيادة البلاد. لماذا لا تريد قيادة الفترة الانتقالية بمجلسيها الوزراء و السيادي أن تنشر المبادرة الأماراتية بكل تفاصيلها؟ و كل متحدث من المجلسين يحاول أن يقدم جزءا من المبادرة و يخفي الجزء الأكبر. و أيضا ما هي علاقة بعض الرموز الرأسمالية بالمبادرة الأماراتية الذين يظهرون في القاءات مع المسؤولين في دولة الأمارات العربية. لأول مرة في تاريخ السودان لم تظهر لإ بعد ثورة أكتوبر و لا بعد إبريل أن السودان كان مخترقا بالنفوذ الاستخباراتي للدول الأجنبية، و لم تكن النخبة السودانية تقع تحت تأثيرات هذا النفوذ. هل لهذه الأسباب رافضة قيادة الفترة الانتقالية تشكيل المجلس التشريعي من رموز الثورة حتى لا تتم مساءلتهم؟ و أيضا هل هم رافضين لإكتمال الأجهزة العدلية لذات السبب؟ و هل هم حريصين علي لجنة إزالة التمكين لكي تكون مخلب ضد أي معارض لسياستهم؟

و في ظل الصراع السياسي الدائر في السودان حول السلطة، و أختلاف الرؤى التي تتمحور حول فرض الشروط الحزبية على الآخرين، يصبح كل فريق يحاول أن يبحث عن تحالفات تقوى من عوده حتى إذا كان الحليف خارج السودان، باعتبار أن الصراع حول السلطة تتجاوز فيه العديد من القوى القيم الأخلاقية الوطنية و السياسية و يكون تركيزها علي السلطة فقط ، هي التي جعلت الثقافة الشمولية سائدة حتى الآن و سوف تستمر بسبب الفشل في عملية التحول الديمقراطي الذي قال عنها نائب رئيس المجلس السيادي في أفطار آهل دارفور في رمضان حيث قال أن القيادات السياسية ما عادت تتحدث عن عملية التحول الديمقراطي كل همها فقط المحاصصات. لذلك تغيب الشفافية و تقدم بعض الدول مبادراتها الغامضة و تناقش في الغرف المغلقة و لا تقدم إلي الشعب. و أي مبادرة من أي دولة لا تفصح عن تفاصيلها قيادة الفترة الانتقالية تعني أنها تريد أن تنقص من سيادة الوطن. نسأل الله حسن البصيرة.


zainsalih@hotmail.com

 

آراء