السودان والنفايات الإلكترونية … بقلم: د. تيسير محي الدين عثمان
13 November, 2009
tayseer marawe [tmarawe@gmail.com]
يزداد حجم الالكترونيات القديمة أو النفايات الإلكترونية مثل الحواسيب والهواتف وأجهزة التلفاز علي نحو كبير في كل عام وفي كثير من البلدان. حيث أصبحت معدلات النفايات الإلكترونية الأسرع والأكثر نموا حيث أن الأسعار الرخيصة لتلك المنتجات جعلت المستهلكين أمام واقع مفاده أن استبدال الإلكترونيات بات أفضل من تصليحها وفي المقابل فان انخفاض أسعار تلك الإلكترونيات يعني بالضرورة انخفاض مستوي الجودة وبالتالي انحسار مدة صلاحيتها وفي حين دخلت المنتجات الإلكترونية في لعبة التخلص من القديم عبر الرمي في النفايات في الكثير من البلدان المتقدمة و كميات تلك النفايات الإلكترونية ازدادت بمعدلات هائلة في حين مازالت الحلول بعيدة عن حجم وواقع المشكلة.
في بلدان الإتحاد الأوربي فان 75% من نفاياته تبقي مجهولة المصير في التعامل معها ومعالجتها وفي الولايات المتحدة الأمريكية يعاد تدوير وتشغيل حوالي 20% من تلك النفايات المجمعة فيها ويتم تصديرها للخارج والتشريعات المختصة بالنفايات الإلكترونية قليلة جداً في أمريكا وهذه التشريعات ما زالت تضفي شرعية قانونية علي عمليات تصدير النفايات الإلكترونية إلي كل إفريقيا وأسيا , حيث أن لهذه البلدان النامية يتم تصدير الحواسيب والهواتف القديمة ليتم تدويرها وإعادة استخدامها والجزء الأكبر من هذه النفايات يتم تدويره بطريقة غير سليمة في ساحات الخردة مما يؤدي إلي حدوث تلوث علي نطاق واسع وإضرار بالبيئة والإنسان من جراء ما تحتويه هذه النفايات من مواد كيميائية سامة ومسرطنة.
تعتبر الهند والصين من البلدان والتي تمثل وجهة رئيسية للطمر بالنفايات الإلكترونية القادمة من الولايات المتحدة عبر بعض التجار الذين ينظرون إلي العوائد المالية لهذه التجارة بغض النظر عن مخاطرها وأضرارها للإنسان ومن المعلوم أن هذه الدول من الأسواق التي يتعامل معها كثير من تجار السودان ولذا من الوارد أن نكون من ضحايا تلك البضائع والمخلفات المعاد تصنيعها وتدويرها وبيعها وتصديرها.
تناقلت وسائل إعلامية تصريح لأحد أعضاء البرلمان وهو عضو بلجنة الطاقة بالمجلس الوطني والذي أتهم فيه جهات حكومية ومن بينها دستوريين بإدخال أعداد كبيرة من الكمبيوترات تحمل مواد مسرطنة من دول أوربية و حيث أشار إلي أنها ليست المرة الأولي التي يتم فيها استجلاب مثل هذه الأجهزة , وأورد أن هناك عدد 6 حاويات تم احتجازها بنقطة سوبا الجمركية بينما أن هناك عشرات الحاويات بميناء بورتسودان في انتظار الدخول وأوضح أن كثير من هذه الأجهزة تم توزيعها علي المدارس وبعض المؤسسات الحكومية .
مدير عام هيئة الجمارك أقر بدخول حاويات محملة بنفايات إلكترونية مخالفة للمواصفات ونفي أن تكون مسرطنة وأشار بأن جهات تعمل في مكافحة النفايات وحماية المستهلك نبهت إدارته للأمر وأكد بأن هذه النفايات سيتم إعادتها إلي البلدان المستوردة منها وأيضاً أشار إلي أن إدارته وبالاتفاق مع هيئة المواصفات والمقاييس تشدد الإجراءات والفحص علي الأجهزة الالكترونية و قامت بتعميم منشور لكل المنافذ الجمركية للتدقيق في ذلك الأمر .
ما أشبه اليوم بالبارحة حيث تعيدنا هذه المعلومة و هذه الحادثة إلي أوائل الثمانينات من القرن الماضي وذلك في زمن الرئيس جعفر النميري حيث تم عقد صفقة قبيحة واعتبرت جريمة تاريخية وغير أخلاقية تم فيها دفن بعض النفايات بصحراء الولاية الشمالية.... هذا الأمر الذي جعل أهلنا بتلك المناطق يدفعون الثمن من صحتهم وحياتهم حيث انتشر مرض السرطان بشكل مروع ومخيف و انتشرت كثير من الأمراض الغريبة و لحقت الأضرار بالبيئة.
بما أن هذا الأمر قد ورد علي لسان عضو برلماني وأكدته سلطات رسمية ممثلة في الجمارك فيجب أن لا يمر مرور الكرام وإذا كان وراءه جهات حكومية فيجب أن يتم التحقيق في هذا الأمر ومحاسبة تلك الجهات وإذا كان وراء هذا الأمر بعض الدستوريين و أصحاب النفوذ كما ورد, فيجب سحب الحصانة عنهم وتجريدهم من دستوريتهم ومواقعهم لأن هذا الأمر يعتبر في المقام الأول جريمة أخلاقية ومنافية لمواصفات شخص يتولي الأمر العام وفي دول كثيرة مثل هذه الأمور لا تمر كخبر وواقعة للسماع والمعرفة بل تسقط حكومات وتقيل وزراء وحكام وتحل برلمانات.
نتمنى أن يتم التحقيق في كل شبهة ترتبط بنفايات الكترونية وتشييد أبراج مشعة وضارة بالمواطن أيا كان نوعها ولمن تتبع وكذلك في كل الوارد للبلاد من البضائع والأغذية وغيرها وكذلك نأمل في البرلمان أن لا يكون اهتمام أعضاءه فقط بالمخصصات والامتيازات والحظوظ و أن لا يضيع زمنه في التشاكس والانسحابات بل يجب عليه الالتفات لقضايا الوطن والمواطن الحقيقية وليكن مثل برلمانات تلك الدول الشقيقة في ممارستها الديمقراطية والرقابية والتشريعية والتي تصغرنا في عدد سكانها ومساحة أرضها وفي قلة فساد مسئوليها ودستوريها.