السودان ودولة الحركة الشعبية: متى تنتهي لعبة توم أند جيري؟!!
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا بلاغ للناس
قال تعالى: «هَذَا بَلاغٌ لِلْنَّاس وَلِيُنْذَرُوْا بِه وَلِيَعْلَمُوَا أَنَّمَا هُو إِلَهٌ وَاحِد وَلِيَذَّكَّر أُوْلُو الألْبَابْ» ..الآية
توطــئة:
لا أدري إلى متى يجب علينا الصبر على حكومة الجنوب وهي تمارس معنا لعبة " توم أند جيري" ، أي لعبة القط والفأر؟!، وإلى متى الصبر على الأذى المدبر مع سبق الاصرار ، والذي ما أن نستبشر بنهايته عقب كل إتفاق معهم ، نجد أننا نلدغ من ذات الجحر وكأننا لم نتعلم من التجارب مع حكومة لا تقم وزناً للإتفاقيات وحسن الجوار أو تبادل المنافع؟! ، ولا أدري هل يجب علينا أن نودع الاتفاقيات التي تبرم معها في أضابير الأمم المتحدة حتى نضمن تنفيذها؟!!، ام علينا أن ندير لهم في كل مرة الخد الأيمن بعد أن نصفع في الأيسر وهم يمارسون لعبة "توم و"جيري" كما في افلام الرسوم المتحركة? .
يبدو لي أن الإفراط في التفاؤل الذي يصاحب ويعقب توقيع كل إتفاق أصبح مدعاة للسخرية من قبلهم لأنها – أي حكومة الجنوب ـ التي ربما تعلم أنها تُسوِّف لشراء الوقت لتدبير الإعتداء تلو الإعتداء عقب توقيعها على أي إتفاق أو بعد كل زيارة تقوم بها نخبهم للخرطوم ، إعتداءآت لا يرقى شك ولو بنسبة واحد في المليون بأن من دبرها وأدارها وأشرف على تنفيذها من خلف الستارهي حكومة دولة الجنوب وأن دور الحركات السودانية المتمردة هو تلقى الدعم والتعليمات هو التنفيذ الميداني بالوكالة . فهل علينا أن نتلقى الصفعات التي يفترض أن تواجه بفعل أقوى مماثل مع إضافة الفوائد عند الرد فليس في علم السياسة مثاليات وإنما تعتمد على المعاملة بالمثل، حتى ولو عًرف عنا أننا لم نعتدي على أي جار لنا في يومٍ من الأيام. ولكن ما عسانا أن نفعل مع جار زميم إن أضمر السوء والحقد لنا؟ !!
المتــن:
الإجابة على سؤالي عن الصبر على لعبة " توم أند جيري" التي تمارسها حكومة الجنوب لأن الاجابة عن هذا السؤال لم تعد صعبة بعد ما شاهدناه في الأونة الاخيرة من إعتداء مستفز للمشاعر الوطنية, وبخاصة الإعتداءات على أم روابة وأبوكرشولا , وهي بالمناسبة ليست المرة الاولى التي تمارس فيها حكومة الحركة الشعبية هذه اللعبة ، فأصبحنا نتوقع الغدر من جهتهم بعد التوقيع على أي إتفاق سواء إتفاق للتعاون أو ما أعقبه مما أصطلح على تسميته " المصفوفة", واذا إحتسبنا الأمر كلعبة " توم أند جيري" فان النتيجة دائماً خسارة لنا, لأن "جيري" لا يريد أن يترك " توم " في حال سبيله ويريد أن يسيطر على السودان كله ويلعب فيه كيفما شاء تحت شعار " السودان الجديد". ويبدو لي أن المشهد أصبح أكثر هزلية منه إلى كونه قضية سياسية, واذا اما أمعنا النظر في التفاصيل لوجدنا الكثير مما يثير السخرية, وليس الضحك فقط, لان اللغة المستخدمة وردود الفعل فيها الكثير من الاستخفاف بعقول الناس.
يبدو لي أن في افلام "توم" و"جيري" منوالاً معيناً يتكرر ولكن بسيناريوهات متشابهة ومتقاربة , فإن "جيري" يقوم بامرٍ معين فنرى " توم " يتصدى له بحيلة ما، وبعدها يبدأ مسلسل تكسير الاثاثات وعدة البيت, الى أن تأتي المرأة العجوز بمكنستها الشهيرة وتطرد "توم" من المنزل, او تضربه على رأسه, وينتهي الفيلم عند هذا الحد, ليبدأ فيلم جديد بعدها على المنوال نفسه, وحكومة الحركة الشعبية تمارس معنا هذه اللعبة بما تعتقد أنه ذكاء منها
بل وتعتقد أننا نتسم بالغباء الكافي الذي يجعلنا لا نكتشف أو نكتشف ألاعيبهم وأحايلهم لأنهم يكررونها دون فعلٍ رادع ، مما جعلهم ينتظرون دوماً منا ردود أفعال وليس أفعالاً!!
الحاشية:
يبدو أنه تشابهت علينا عيون البقر ، فقد أصبح من الصعب علينا الإجابة عن سؤالي عن جدوى الاستمرار في لعبة توم أند جيري ، ولعل أفضل من يجيبنا على هذا السؤال هم أطفالنا الذين يشاهدون " مقالب" توم أند جيري، فهل وصل بنا الحال أن أصبحنا مثل كابتن " باباي" الذي ويحاول منع القرصان عن خطف زوجته ؟!!, ام اننا إستمرأنا مشاهدة لعبة "توم" و"جيري"؟!!. فالذي يستطيع أن يجيب على هذا التساؤل هم أطفالنا فقط، وهم الوحيدون الذين بمقدورهم إجابتنا عن هذا السؤال لان حصيلتهم الثقافية من هذه الافلام والمسلسلات تؤهلهم للحكم الصائب على ما نحن فيه!!
إن قرار الرئيس بإلغاء الاتفاقية رغم صوابه فإن حكومة الجنوب أعتبرته أنه أقصى ما يمكن أن نقوم به كرد فعل وليس فعل مكافيء لخروقات إتفاقية التعاون والمصفوفة على إعتداءات الجبهة على أم روابة وأبو كرشولا ، وقبلها الاعتداء على كادقلي وتلودي وبحيرة الأبيض ثم على الدمازين والكرمك وهجليج ، وكل هذه الاعتداءات حدثت عقب جولات من المفاوضات استبشرنا بها خيراً وهللنا لها!!
الشيء المحير حقاً هو أننا أصبحنا لا ندري حقيقةً اذا كان "توم" سيتغلب على "جيري" او أن "جيري" سيستطيع طرد "توم" من البيت أم سنستمرفي دوامة " المقالب" لندور في حلقة مفرغة , أم سينتصر أحدهما ويقيم حفلا صاخبا إبتهاجاً بنصر أحدهما على الآخر؟!! . بالضرورة أن ما أنتجته هذه اللعبة المفرغة، هو تدهوراً مريعاً في كل المجالات التي تمس حياة المواطن الغلبان نتيجة هذا الظرف الاستثنائي الذي أصبح يأخذ طابع الاستدامة ، وبالتالي علينا أن نطرح سؤالاً مهما وهو: هل حقاً ممنوع أيضاً علينا السؤال عن التدهور الحاصل في كل شيء عندنا, لان زمن "توم" و"جيري" و"باباي" لا يقبل البحث فيما قد يعنبر قضايا ثانوية, مثل التنمية والاقتصاد المتدهور والغلاء الطاحن؟!.
الهامش:
دون أدنى شك إننا نعيش كوميديا عبثية موغلة في السواد ، فقصة توم أند جيري قد بدأت قبل (114) عاماً ولا أدري إن كان علينا أن نصبر على الأذي (114) سنة؟!! ، فمن المعروف أن المقالب بينهما إستعملت فيها كل الأدوات المتاحة، كان كل شيء متاحا استخدامه من قبل (توم) في محاولة الانتقام من (جيري) الذي يمتاز بالذكاء والمكر حيث استخدمت المسدسات والقنابل والبارود والهروات والسموم في محاولة لتخلص كل طرف من الآخر ، فهل هذا هو السيناريو الذي إعتمدته حكومة الحركة الشعبية في التعامل معنا؟! .. هذا السؤال موجه لأولى الألباب لعل في الإجابة عليه تنويراً لمحدودي النظر والبصيرة من أمثالي!!
إذا إفترضنا أن توم أند جيري مسلسل صنع لتسلية الأطفال ولا ينطبق على الحال المتبادل بين دولة الجنوب وبيننا، إذن ما هو التوصيف الدقيق لهذه الحالة التي عطلتنا عن التنمية وكأنها مرهونة بدولة الجنوب والحركة الشعبية ومقالبها وعلى بترول الجنوب . إن مغامراتها ومقامراتها تعتمد وتتمثل لعبة " توم أند جيري" ـ كما نعلم جميعاً ـ وباختصار، تعتمد فنون الوثوب والهرب، الاختباء والظهور، المطاردة والفخاخ، ثم ّ الكر والفر، فإلى متى سنواصل المشاركة في هذه اللعبة السخيفة السمجة التي إستمراتها حكومة الحركة الشعبية حتى غدت استراتيجيتها الدائمة في التعامل معنا؟!!
قصاصة:
في لعبة القط والفأر ، يشاء البعض(حين يكون فارة) ان يلقي على القط موصوف الشر، ثم يلقي عليه (حين يصبح قطا) اجمل صفات الوداعة، وفي هذه اللعبة يتبادل القط والفأر موقعهما باستمرار، فمن كان قطا في اللعبة يصبح فارا في نفس اللعبة، ومن كان في موقع المتمكن والمترهّي، يوما، يصبح في الموقع الضعيف يوما آخر، ومن يَستضعف اليوم يستاسد غدا، هذا هو فن هذه اللعبة المسلية التي أصبحت وأمست وغدت سمجة ممجوجة لمواطن جمهوريتنا، لأن فيها من يحاصَر هنا، قد يحاصِر هناك، وتختلف المواقع باختلال القضايا المطروحة، وبحسب النوايا التي تخبئها حكومة الحركة التي تظهر الابتسام وتخفي الخنجر وراء ظهراها لتغرسه في قلوبنا في الوقت الذي يواتيها لذلك، وهي تتعامل معنا وفق الصفقات والتحالفات والاوزان التي تتم بينها وبين الصهيونية وأمراء الحرب، لكن المهم في كل ذلك ان القط يبقى بامس الحاجة الى الفار، وان الاخير لا يستغني عن صاحبه. فليس بمقدور دولة الجنوب أن تصبح دولة وليدة آمنة دون أن تطمح فتضمر الأذى للسودان وأهله!!
وعوافي...
Abubakr Yousif Ibrahim [zorayyab@gmail.com]