تابعت باهتمام بعضا من الحوار الذى ابتدره نَفَر من مثقفين وأكاديميين ونشطاء عبر منابر اسفيرية مختلفة حول مالات الأوضاع السياسية وتوجهات الانتقالات المطلوبة وكيفية تحقيق التغيير المطلوب بالحاح الان اكثر من اى وقت مضى حتى نصل ببلادنا وأنفسنا الى بر الحرية والكرامه الانسانية . والاشارة هنا تقع على سلسلة مقالات الاستاذ السر سيد تحمد وحملت عنوان :
مراجعات في المشهد العام (5 حلقات ) وردود وتعليقات د. النور حمد عليه ومن بعد جاء مقال للاستاذ ياسر عرمان وحمل عنوان : الإنتقـال السلـس من الكـفاح المسلـح الى السلمى . وهى - مع غيرها من مشاركات لافتة لم يفوتني التنبيه اليها الا دواع الاختصار لا غير - مبذولة فى سودانيل لمن شاء الاستزادة .
وان ندير حوارا بهذا المستوى الرفيع من الجدية فهى بلا شك خطوة محمودة نحو الاتجاه الصحيح لحل مشاكل بلادنا وارماتها العالقة و التى تتناسل فى كل لحظة بل وصارت مثل الهواء الدى نتنفسه يدخل ضيقا حرجا ويخرج اكثر ضيقا وحرجا وكأن حالنا يحكى قول الله تعالى : ( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ) سورة الأنعام.
وغنى عن القول أننى اتفق مع معظم ماكتبه جل هؤلاء واؤلاءك . ورغم ان البعض يضيق صدره من غزارة ماكتب حول قضايا بلادنا والحبر الذى سال- غير الدماء التى تتزف حتى الموت - ونحن فى سبيل تشريح وتحليل أسباب علتنا ونكوصنا وانتكاستنا البادية الا اننا لا نزال فى اول الطريق وما يزال علينا ان نمضى فى محاولة ان نفهم ونعرف أنفسنا فمن لم يعرف نفسه لم يعرف غيره . فاول خطوة فى سبيل المعافاة من المرض هى الاعتراف به وحالنا يغنى عن السؤال .
وفى تقديرى ان كل او غالب تلك الكتابات عاب عنها السؤال الجوهرى : ماذا نفعل بالتغيير ؟ ما هى غايتنا منه؟ ما هو مقصدنا كشعب؟والمثال القريب جدا لوصف حالتنا من دون اجابة هذا السؤال المحورى هو اننا سنكون أشبه بجمل المعصرة او ثور الساقية : يتحرك فى دائرة متصلة لا تنقطع ولا يصعد بها الى اعلى ولا ينتقل بها الا حيث بدأ وحينئذ لا تغيير ولا انتقال. ووبما كنّا الان سقط متاع فى نظر أنفسنا اى غيرنا لكنها تجربة ستفضى بلا شك الى حكمة حال حالما يستقر فى الوجدان الجمعى للشعب غاية التغيير الدى ينشده وهو قادر على التغيير كما اثبتت تجربتى أكتوبر 1964 و ابريل 1985 فى تاريخنا القريب . الاثنتان كانتا ثورتان سلميتان اوقعهما الشعب لكنهما بسبب من غياب وجهة التغيير والغاية منه أجهضتا وجرى سرقتهما نهارا جهارا وتحولتا الى تسليم وتسلم بين حكومتين عسكري دكتاتورية مستبدةة تعود الى الثكنات ومدنية منفصمةعن شعبها عاجزة عن كل إصلاح .
السؤال عن الغاية من التغيير هو مستقبلى بامتياز وفى اعتقادى المتواضع اننا الى حد كبير غارقون فى الماضي وكاننا نقول فى قرارة أنفسنا : ان اوءلاءك الذين يمدون ابصارهم نحو المستقبل ينظرون الى الوجهة الخطأ ! وبالحقيقة فان كل ما نراه الان ليس سوى ركام من الماضي . كل هده القوى السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية مضت الى غير رجعة وما يتحرك الْيَوْمَ على خشبة مسرح حياتنا ليس سوى أشباحها وظلالها فكل ما لَيس له مد ا وسبب نحو المستقبل أنما هو محض وهم . أن المستقبل هو الأهم، وعلينا أن نتوجه إليه دائما. وحتى لو كان الأمر يتعلق بتراث أو ماض أو ذاكرة أو تاريخ. وسر أزمتنا أمس واليوم وغدا إنما يكمن فى غياب الأخلاق والسقوط القيمى فنحن اذا امام أزمة اخلاق فى المقام الاول والمقصود هنا ليس مظهر الأخلاق بل غيابها كقيمة فى حياة مجتمعنا افرادا وجماعة. فالقيمة بالمعنى المعرفى هنا هى الحرية والكرامة البشرية والعدالة والزمن والجمال والفن وقبول الاخر المختلف والمعاملة وحكم القانون و هى تلك التى تضبط حركة المجتمع فى السياسة والاقتصاد والعلم والسلوك الفردى الذى برفض الظلم ويناهضه حتى تتحقق أنسنة المجتمع.
وهناك عقبتان فى سبيل الانتقال الى فصل جديد فى حياتنا السياسية . الاولى تتعلق بوضع رئيس الجمهورية- الذى تؤرقه ملاحقة المحكمة الجنائية الدولية- فى مابعد اى مرحلة انتقالية . والثانية معالجة وضعية الحركة الاسلامية التى تقود الحكومة فى العلن او سرا عبر الأجهزة والمكاتب الخاصة وهى تواجه كوابيس وهواجس الاقصاء والمساءلة . وبغير تقديم اجابة مقبولة لجميع الأطراف فسنمضى جميعا فى مشوار اخر على طريق الألآم والارمات هذا.
ومنذ تحقق الاستقلال فى العام 1956 وقع فراغ كبير فى حياتنا الفكرية والسياسية والاقتصادية واجتماعية وتوثبت مختلف الأحزاب السياسية والقوى المجتمعية والفكرية لملئة ولكنها تقاصرت جميعا وربما قد حانت لحظة مواجهة الحقيقة وهى اننا كلنا مسؤولون افرادا وجماعة فى صناعة الأزمة ومن بعد - الان- فى البحث عن الحل.. وهو قريب وقد خبا تأثير النفوذ الحارجى الأمريكى والروسي على بلادنا والأخير كان أصلا ضعيفا .ونحن الْيَوْمَ فى مواجهة ذواتنا وقد بدت سواءتنا .
( فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآَنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114) وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى (116) فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122) قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآَيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127) أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (128) وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى (129) فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آَنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى )(130))سورة طه .
وليس من بعد قول الله قول.
husselto@yahoo.com