السودان.. ومصداقية تقرير منظمة العفو الدولية عن جبل مرة
i.imam@outlook.com
حققت منظومات العمل الخارجي السوداني بعض الاختراقات في علاقات السودان الخارجية، في كثير من المجالات، ولكن بشكل واضح في المجالين الأفريقي والعربي. ففي أفريقيا انداحت تطورات العلائق الثنائية مع دول كانت تظهر العداء السافر للسودان كيوغندا، وبدأت بعض الدول والمنظومات الأفريقية تتبنى مواقف السودان ضد المحكمة الجنائية الدولية في مقررات وتوصيات مؤتمراتها. وتكللت هذه الجهود بانسحاب بورندي وجنوب أفريقيا أخيراً، حتى المقاطعة الاقتصادية الأميركية ضد السودان بدأت تجد الادانة والشجب من الحكومات والمنظومات البرلمانية الأفريقية. أما في المجال العربي فحدثت تطورات إيجابية في سبيل تمتين العلائق، لا سيما مع دول الخليج العربي. ومن ثمار هذه العلائق المتطورة أنه تم اختيار أمين عام مساعد للجامعة العربية من السودان بالإجماع، في تاكيد من السودان أن توجهه إلى أفريقيا لا يعني انصرافه عن أمته العربية أو الانشغال عن قضاياها المصيرية، اضافة الى العلائق المتميزة مع روسيا والصين والهند وغيرها من دول العالم، حتى الولايات المتحدة الأميركية لم ييأس السودان من تحسين علاقته معها، من أجل رفع العقوبات الاقتصادية الأُحادية، والعمل على إزالة اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، حسب التصنيف الأميركي. فالمنظومات العاملة في مجالات العمل الخارجي، فرحة أيم فرح، بهذه الاختراقات والنجاحات. فأجاءتها منظمة العفو الدولية بتقرير عن استخدام القوات السوادنية للأسلحة الكيميائية، وذلك من خلال ادعاء بأنها شنت نحو 30 هجوماً بين يناير وسبتمبر الماضيين ضد بلدات في منطقة جبل مرة، في اطار حملة عسكرية أوسع نطاقا ضد المتمردين. ولكن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أوضحت أنها تحتاج مزيداً من المعلومات والأدلة من أجل فتح تحقيق رسمي في هذا الخصوص. ولم يجد هذا التقرير صدىً واسعاً، سوى أن فرنسا وبريطانيا شددت على ضرورة اجراء تحقيقٍ معمقٍ، غير أن فيتالي تشوركين السفير الروسي لدى الأمم المتحدة اعتبر أن تقرير منظمة العفو الدولية حول استخدام السودان لأسلحة كيميائية في جبل مرة بدارفور ليس مقنعاُ. وقال تشوركين للصحافيين "هذه الادعاءات غير جدية، هناك أسباب كثيرة للاعتقاد بأنها غير جدية".
لم يكن غائباً على الحكومة السودانية أن ادعاءات منظمة العفو الدولية باستخدام السودان للأسلحة الكيميائية في جبل مرة بدارفور تهدف إلى إصدار عقوبات أممية على السودان بسبب هذه المزاعم. وكأني بهم يريدون تكرار السيناريو العراقي الذي فضحته العديد من الكتب التي صدرت في هذا الشأن في السنوات الماضية، إضافة إلى اعترافات الخبراء الأوروبيين والأميركيين الذين أجمعوا على أن الهدف الأميركي والأوروبي من تلك المزاعم كان تدمير الجيش العراقي، ومن ثم يسهل عليهم تمزيق العراق بأسره، كما هو حادث الآن، وذلك من خلال الترويج الناشط لتلكم المزاعم، لخلق رأي عام دولي ضد السودان، ومن ثم العمل على إصدار عقوبات جديدة على السودان. لكن واجه هذا المخطط تحركات سودانية دبلوماسية وبرلمانية كثيفة لفضح هذه الإدعاءات الفطيرة من منظومة دولية ينبغي أن تعمل ألف حساب قبل إصدار مثل هذه المزاعم غير المسنودة بالوثائق والبراهين، من أجل الحفاظ على مصداقيتها.
في رأيي الخاص، أن تدشين منظمة شباب البرلمانيين، كمنظومة جديدة في المجلس الوطني (البرلمان) أمس (الأحد) بقضية تفنيد تقرير منظمة العفو الدولية بشأن إدعاءاتها المتعلقة باستخدام السودان للأسلحة الكيميائية في جبل مرة بدارفور الذي وجد كثير استهجانٍ من منظومات دولية وإقليمية. ونشطت منظومات محلية، تكاملا مع جهود الدولة لتفنيد مزاعم منظمة العفو الدولية في تقريرها الذي أفقدها مصداقيتها، وأحدث فيها شرخ بائن. وقد ذهب بعضهم إلى اعتبار أن توقيت إصدار هذا التقرير الفطير يهدف إلى إدانة السودان بُغية إحداث شيءٍ من الاضطراب في مواقيت إنفاذ مخرجات الحوار الوطني ومقرراته.
وجميل، من أستاذي البروفسور إبراهيم أحمد عمر رئيس المجلس الوطني أن يؤكد في ذاكم الاجتماع ضرورة عدم الصمت تجاه مثل هذه الإدعاءات، بل العمل على تفنيدها في الوسائط الصحافية والإعلامية وغيرها، مشيرا إلى أنه لا يجب السكوت على مثل هذه الإدعاءات الجائرة والمزاعم الظالمة، فسكوتنا من قبل كلفنا الكثير.
أخلص إلى أنه من المهم تفنيد الإدعاءات الواردة في تقرير منظمة العفو الدولية بشأن استخدام السودان للأسلحة الكيميائية في جبل مرة بدارفور، لذلك ثمن الكثير من قيادات العمل الصحافي والإعلامي في البلاد، المعلومات والوثائق التي قدمها جهاز الأمن والمخابرات الوطني في ذاكم اللقاء، بغرض تفنيد المزاعم والاتهامات التي أوردها تقرير منظمة العفو الدولية حول استخدام القوات المسلحة السودانية لأسلحة كيميائية في مناطق جبل مرة بدارفور.
وفي مداخلتي، في تدشين منظمة شباب البرلمانيين أمس، أكدت أنه من الضروري أن يكون لنا منهجاً علمياً في تفنيد هذه الإدعاءات، بعيداً عن الحماسة والعاطفة. وضرورة التركيز على أباطيل التقرير لخلق رأي عام محلي وإقليمي ودولي ضد هذا التقرير، ومن ثم إحداث شرخ بين في مصداقية منظمة العفو الدولية نفسها، من خلال كشف زيف الصور والخرائط الملفقة عبر الأقمار الصناعية، وصور ممنتجة و(مفبركة) تم التلاعب بها بواسطة (الفوتوشوب) لأشخاص وأماكن غير الأماكن الحقيقية.
وأحسب أنه من الضروري، تبيان وبأسلوب منهجي علمي أن التحليل العلمي الذي أُجري لهذه الصور أكد التلاعب فيها للإيحاء بأنها التقطت في عام 2016، وهي غير كذلك. وأشرت إلى ضرورة الاستفادة من الملحقيات الإعلامية في بعض سفاراتنا، للقيام بمهمة التفنيد بالحقائق والبراهين من خلال الوسائط الصحافية والإعلامية في الدول التي يعملون بِهَا. ومن المهم أيضا، أن يتجه نواب الشعب إلى دوائرهم على اختلاف أحزابهم وتباين مشاربهم الفكرية والسياسية، لإطلاعها بهذا التفنيد، ولإحداث حراكٍ محمودٍ للدبلوماسية الشعبية، والأمر بدءاً ومختتماً، أمر وطن.