السياسة الأمريكية الجديدة تجاه السودان: توازن أمريكي أم توازن سوداني؟ .. إعداد إبراهيم علي إبراهيم
26 October, 2009
Ibrahim Ibrahim [ibrali7@hotmail.com]
بالنظر إلى إستراتيجية إدارة الرئيس أوباما الجديدة تجاه السودان، يتضح أنها تركز على ضرورة تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية وهي: وقف الإبادة التي تحدث في إقليم دارفور، وتنفيذ اتفاقية السلام الشامل بين الشمال والجنوب، وضمان ألا يصبح السودان ملاذاً آمناً للإرهابيين الدوليين.
وُصفت هذه السياسة بأنها شاملة ومتزنة تجمع بين الخشونة والمرونة، حيث وعدت السودان ببعض الحوافز التي لم يعلن عنها للمساعدة على إحراز تقدم في كافة القضايا الرئيسية، وفي الوقت نفسه تهدد بعقوبات أكثر صرامة إذا فشل في العمل على تحقيق سلام طويل الأمد. وقد أوضح أوباما أن السودان لن يتلقى أي حوافز خارجية إلا بعد أن يٌحرز تقدماً في كافة القضايا الرئيسية، كما أعلن إنه ينوي تجديد العقوبات القائمة ضد السودان.
بقراءة تحليلية يتضح أن الهدف الأساسي للسياسة الأمريكية الجديدة بشأن السودان هو إعادة تسليط الأضواء على الصراع بين الشمال والجنوب وتركيز الاهتمام بتنفيذ ما تبقى من اتفاقية السلام الشامل (نيفاشا). وهذا نتاج طبيعي للقلق الذي كان ولا زال يساور المسئولين الأمريكيين من أن أتفاق السلام الذي أنهى الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب عام 2005 يتعرض للإهمال، وبحاجة إلى إصلاح ومتابعة ومراقبة دقيقة لضمان تنفيذه إلى آخر بند وهو الانتخابات والاستفتاء، وان تركيز الأضواء على مشاكل السودان الأخرى خاصة دارفور قد يضر بهذا الانجاز الأمريكي، ويعرض البلاد مرة أخرى للحرب والفوضى.
هذه الأولوية التي حظي بها اتفاق السلام تؤكد أن إستراتيجية الإدارة الأمريكية تعمل على معالجة كل موضوع في وقته والانتهاء منه check list ، قبل الانتقال للآخر، وهذا يثير المخاوف التي ذكرتها سابقاً من أن هذه الإستراتيجية قد تؤدي إلى "تجميد" قضية دارفور لبعض الوقت لحين الانتهاء من حق تقرير المصير والاستفتاء.
كذلك يلاحظ أن الإستراتيجية الجديدة أعطت أولوية قصوى لموضوع الاستفتاء، حيث قالت أن الهدف يتلخص في قيام دولة موحدة سلمية، أو ينفصل السودان إلى دولتين تعيشان في سلام جنباً إلى جنب. والتزمت الولايات المتحدة بتقديم العون الفني والسياسي، وحثت الأطراف على الاتفاق على قانون الاستفتاء، وقبول نتيجته، والاتفاق على ترتيبات ما بعده لاقتسام الثروة بعد الانفصال إذا تم. كما طلبت من السودان إجراء إصلاحات قانونية لخلق مناخ ملائم للانتخابات النزيهة والاستفتاء.
فيما يتعلق بمجهودات السلام بدارفور دعت السياسة الجديدة لإيجاد حل متفاوض عليه للنزاع في دارفور، وذلك عبر الحوارات التي سيقوم بها المبعوث الخاص مع الحركات المسلحة والحكومة ودول الجوار. وأكدت على أن الولايات المتحدة ستدعم اتفاقية سلام تعالج جذور المشكلة بالبناء على مجهودات دولة قطر لمفاوضات السلام، وتقديم الدعم المباشر للوسيط المشترك لدارفور، وتشجيع المشاركة الواسعة، بواسطة كل ممثلي المجتمع المدني المتنوع والمتعدد في عملية السلام. كما أكدت على أنها ستعمل على تجديد التزام الأطراف بإعلان المبادئ الموقع سنة 2005 الذي يلزم جميع الأطراف والحركات الكبرى للبحث عن حل سلمي للنزاع في دارفور والالتزام باتفاقية وقف إطلاق النار لسنة 2004، وستبحث مع الشركاء على اتفاق لوقف العدائيات.
ومن النقاط المثيرة للاهتمام في طريقة المعالجة الأمريكية لقضية دارفور، هي دعوتها لإعادة تأسيس وتوسيع وتقوية التحالف الدولي الذي ساعد في الوصول إلى اتفاقية السلام الشامل(نيفاشا) للعمل على تحويل الاهتمام الدولي بدارفور إلى التزامات جماعية، للمساعدة في تحقيق السلام وتطوير الأمن والعدالة والتنمية.
وهذا في حد ذاته سيشكل نقلة نوعية جديدة في طريقة التفاوض وربما آلياته، حيث ترشح منظمة الايقاد والشركاء الدوليين للعب دور جديد في مفاوضات دارفور، مما يفرض على الجميع- الوساطة بقطر، والحكومة السودانية، والحركات المسلحة- إعادة وتوثيق الاتصال بشركاء الإيقاد ومجموعة الترويكا الدولية (أمريكا بريطانيا النرويج) وغيرهم من الشركاء الدوليين الذين ساهموا في صياغة نيفاشا وانجازها لتنسيق المواقف. كذلك يشكل هذا تحدياً واضحاً للتحالفات القائمة حالياً التي تدعم قضية دارفور داخل الولايات المتحدة، حيث يطلب منها صراحة أن تكون داعمة لعملية السلام وان تكون مساهمة فيها. وإذا صدق تنفيذ البند أعلاه، فهناك احتمال لأتباع نفس الأسلوب الذي اتبع في التفاوض بين الأطراف، وربما أتباع نفس الوصفة والتسوية الدستورية التي تمت في نيفاشا.
يتضح من هذا إن التوازن الذي قصدت أن تظهر به السياسة الجديدة، ليس توازناً في طريقة تناولها للقضايا السودانية وترتيبها من حيث الأهمية، وإنما توازناً لأطراف الصراع داخل الإدارة الأمريكية نفسها. فأخذت السياسة الجديدة أجزاء من إستراتيجية الجنرال غريشن مثل دعوته لتطبيع العلاقات مع الخرطوم؛ و دعوته إلى الاهتمام باتفاق السلام بين الشمال والجنوب، والتقارب مع الحكومة بدلاً من فرض العزلة عليها. ومن جهة أخرى عملت على إرضاء المتشددين في الإدارة ( هيلاري كلينتون وسوزان رايس) وفي الكونجرس (مجموعة كوكس السودان- فرانك وولف، دونالد بين، والسيناتور فاينغولد) ونشطاء تحالف إنقاذ دارفور وحلفائهم (جيري فولر وجون برندر غاست) حيث نصت على وجود "حرب إبادة" واحتوت على عقوبات لم يفصح عنها حتى الآن.
وأكدت السياسة الجديدة على أن الجنرال غريشن هو الشخص المسئول عن تنفيذها، وسيكون له الصوت الأعلى في متابعتها، رغم الاعتراضات التي ظهرت ضده مؤخرا. وهذا يؤكد أن النزاع بينه وبين وزارة الخارجية قد حسم لصالحه، وان مكتبه رغم وجوده في الوزارة إلا انه يتمتع باستقلال تام في إدارته واتخاذ القرارات الإستراتيجية الخاصة بتنفيذ هذه السياسة، مما يضع أهمية كبرى للتعامل معه من قبل كافة الأطراف، حتى تلك التي لا تحبه.
أعادت السياسة الجديدة إلى الأضواء مرة أخرى موضوع التعاون مع السودان في موضوع محاربة الإرهاب والاستخبارات المتعلقة به، وشددت على أنه موضوع ذو قيمة لها، ولكنها حذرت الخرطوم من استخدامه للمساومة. ولا يزال مكتب المخابرات السودانية مفتوحاً في فرجينيا ويشكل ارتباطاً بين أجهزة المخابرات بين الدولتين ويرأسه العقيد محمد سليمان. و يجب ألا ننسى أن الإدارة الأمريكية تبني وتشيد اكبر سفارة لها الآن في إفريقيا، كل هذا يرجح من احتمال رغبة الإدارة الأمريكية في الإسراع بالتعاون مع السودان إلى مراحل متقدمة إذا قدمت حكومة السودان تنازلات واضحة في المجالات التي ذكرتها الإستراتيجية.