السياسة المعادية للفكر والبحث

 


 

 

 

 

أثار موضوع الباحث والناشط السياسية قدرا كبيرا من النقاش ورغم انني لا أفضل تحويل الكتابة الى ما يشبه تنس الطاولة (بنج بونج) أو الى سجال طويل لا ينتهي الا ان بعض كتابات الزملاء تحتاج لمزيد من التوضيح والاستمرار في بلورة افكار هامة.

أبدأ بالرد على تعقيب الصديق دكتور عطا البطحاني فهو ينطلق من نقد شكلاني حين يطلب مني تحديد المصالح الشخصية لمواقف الامام السياسية هذه المصالح يجب الا تغيب عليه كأستاذ علوم سياسية حين يصر السيد الصادق على انتخابات مبكرة قبل تصفية نظام الاخوان المسلمين ومحاسبتهم واسترداد اموال الشعب السوداني وذلك لأنه كان صاحب الأغلبية في انتخابات عام 1986م، ولأن التاريخ سيعيد نفسه وسوف يحصد الأمام 33 دائرة في دارفور مكملا اغلبية 101 مقعدا ليكون حكومات ائتلافية يغير فيها الشركاء كما يريد.
ويكرر الصديق عطا نقده الشكلاني يطلب مني أن أفند العقد الاجتماعي نقطة نقطة ولكنني اسأله بصفته استاذا للعلوم السياسية ماهي المكونات الفكرية المحددة لهذا العقد الاجتماعي الجديد وعناصره المفاهيمية والافكار الجديدة التي ذكرها الامام لهذا العقد الفريد، وما هو الفرق بين العقد الاجتماعي القديم والجديد؟ وما هي الحلول العملية التي احتواها العقد الاجتماعي الجديد لحل مشكلات السودان المعلومة؟ أرجو أن يزودني بهذه العناصر الفكرية للعقد الاجتماعي ثم يطلب مني نقدها نقطة نقطة، وأخشى أن يروج الاستاذ الرصين لشعار فارغ المحتوى ولأفكار أشبه بحلاوة قطن باعتبارها فكرة جديدة أو نظرية جديدة تضاف لإنجازات المفكر الاسلامي المجدد صاحب المئة كتاب والقدرات الخارقة، وأخشى أن يكون دكتور عطا من الذين يتجنبون نقد السيد الامام تجنبا لهجوم كتائب المواقع الاسفيرية والحواريين الذين يرون في الامام شخصا مقدسا ومعصوما وبالمناسبة لحزب الأمة سجل حافل في الارهاب الفكري والاعتداء على المثقفين والباحثين فقد تحولت المهدية من حركة وطنية دينية مجاهدة ضد الاستعمار الى طائفة سياسية يسندها الاقطاع والادارة الاهلية وأخذت اسم حزب الأمة وتحولت طاقات الجهاد ضد الاستعمار الى عنف وارهاب ضد المثقفين. وتاريخيا فقد تم الاستاذ مكي شبيكة في شارع الجامعة نهارا بسبب كتاباته الموضوعية والعلمية عن المهدية. أما الصحفي عبدالله رجب فقد اعتدت عليه مجموعة من الانصار بمكتبه بالخرطوم غرب وقامت بكسر يده اليمنى التي يكتب ضد السيد (كما المعتدون) أما السيد أحمد المهدي فقد ضرب الاستاذ كمال عباس المحامي بالعصا على رأسه داخل حرم البرلمان بسبب خلاف في الرأي. ومن الظواهر الاجتماعية في ستينيات القرن الماضي كان حشد الانصار بالعاصمة وجلبهم لتخويف المعارضين وتداول الناس في تلك الفترة طرفة سؤال الانصار عن حلة الشيوعيين.
إن شخصا يجلس على هذا التراث الفكري والسياسي يصر الصديق دكتور عطا على اطلاق صفة مفكر اسلامي مجدد عليه وأطلب منه مرة اخرى كأستاذ علوم سياسية أن يذكر لنا مفكرا اسلاميا مجددا واحدا نصب نفسه اماما على طائفة دينية هل فعل ذلك الشيخ محمد عبده مثلا او الافغاني او محمد رشيد رضا او المودودي أو الندوي أو محمد اقبال أو قطب او الطاهر عاشور وحتى الشيح شلتوت أو دكتور احمد الطيب وذلك لأن المفكر عادة يطلب من الناس اعمال العقل أما امام الطائفة فيكتفي بالإشارة للجموع واعتقد ان السيد الصادق لا يستطيع ان يطلب من انصاره في الجزيرة ابا او دارفور قراءة كتابه (يسألونك عن المهدية).
أعود لمقالة موت الباحث وصحوة الناشط السياسي للأستاذ حسن أحمد الحسن فهل يعلم أن كل الاحزاب الحديثة الاوربية لديها مراكز دراسات وبحوث خاصة بالحزب يعتد عليها في وضع البرنامج وتحديد الرؤى الفكرية ولكن يبدو انه يريد أو يفضل احزاب وسياسة تقاوم الفكر والبحث والعقل عموما.
وأخيرا اعرج على مساهمة الدكتور عمر عبدالجبار وليطمئن الاستاذ الجليل انني لا اتبرأ من السياسة بل من الحزبية لأنها تقوم على عقلية القطيع وحتى ما يسمى بالأحزاب العقائدية / الأخوان والشيوعيين لن يربوا عضويتهم على التفكير والحوار ويكفي أن ممارساتهم في أعلي مؤسسة اكاديمية علمية (جامعة الخرطوم) اشتهروا بالمناقشة بالسيخ والعكاكيز وتتحول ندواتهم عادة الى غزوات ومعارك قبلية.
لهذا رفضت طوال عمري الانضمام لأحزاب القطيع حى حين يدعي مثقفون قيادتها.
أخيرا سؤال العلمانية لم يحاول السيد الامام نقد العلمانية فلسفيا أو اجتماعيا بل يكتفي بالهجاء والسب. وحين رفضت طرح الحلو السياسي للعلمانية كنت ارى ان العلمانية حتمية تاريخية في عصر العولمة ولا تحتاج أن تضمن في مفاوضات سلام أو دستور.
وألاحظ كمهتم بعلم الاجتماع أن العلمانية طالت حتى أعتى الاسلاميين. هل يعلم القارئ الكريم أن الأمين العام لهيئة علماء السودان دكتور محمد عثمان محمد صالح قد نال درجة الدكتوراة من الاستاذ الكنسي حسب قولهم بروفيسور مونتقمري واط (WATT) بجامعة ادنبرا ويعود هذا التصرف لإعجاب علماء الاسلام ببريطانيا ولم يتجه الدكتور محمد عثمان للدراسة بالأزهر او المدينة المنورة أو الزيتونة. هل تريدون أبلغ من هذا السلوك دليلا على تغلغل العلمانية في صدور الاسلاميين المعارضين لفظيا فقد للعلمانية.

hayder.ibrahim.ali@gmail.com

 

آراء