السيد الميرغنى و قفزة فى الظلام … بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن
22 June, 2010
ركزت الصحف السودانية على الزيارة التى قام بها السيد الميرغنى الى مدينة سنكات بولاية البحر الاحمر و التركيز جاء لان السيد الميرغنى نفسه اراد للزيارة ان تكون لها ابعادها السياسية و يرسل من خلالها الرسائل التى يريد توصيلها الى عددا من الجهات اولها المؤتمر الوطنى و الحركة الشعبية اى الشريكين فى الحكم بحكم نصوص اتفاقية السلام الشامل التى ماتزال تحكم نصوصها العمل السياسى و لم يتبق فيها الا اخطر النصوص فيها عملية استفتاء ابناء الجنوب بالبقاء فى سودان موحد ام الانفصال و بالفعل استطاع السيد الميرغنى ان يرسل رسائل الى المؤتمر الوطنى و الحركة الشعبية اكد فيها رفض الحزب المشاركة فى الحكومة ويشير ان هناك تحديات كبيرة تواجه السودان اكبر من تشكيل الحكومة و تتمثل فى عملية الاستفتاء القادمة و مشكلة دارفور و مشكلة المحكمة الجنائية و التحديات الخارجية المفروضة على السودان و تحميل السيد الامين العام للحركة الشعبية ذلك اضافة الى سطوة تيار الانفصال فى الحركة الشعبية الحليف السابق لللحزب الاتحادى فى عهد زعيمها الراحل الدكتور جون قرنق حيث كان خطاب الوحدة طاغى كما يعتقد السيد الميرغنى.
ان رسائل السيد الميرغنى فيها اشارات للداخلى و الخارجى و كل محور فيها يريد مقالا خاصا و لكن فى هذا المقال اريد فقط التركيز على محور الحزب فقط باعتبار ان الحزب الاتحادى الديمقراطى لا يستطيع ان يلعب دورا مهما و مؤثرا فى السياسة السودانية من خلال الدفع التالريخى انما يحتاج فعلا اصلاح و تحديثين كبيرين لكى يستطيع ان يتطلع بالدور المنوط به و يتجاوز واقع الهامش الذى يعيش فيه و هى كلها مشكلات السبب فيه السيد الميرغنى نفسه باعتبار ان السيد الميرغنى اراد ان يعطل القوة و المكنزمات داخل الحزب لكى يصبح هو الشخص الوحيد القادر على الحل و الربط فى الحزب و بذات الطريقة تعامل بها مع التجمع الوطنى الديمقراطى الامر الذى اضعفه و هربت القوة السياسية منه.
بعد ما بدات تظهر نتيجة الانتخابات و اكتشف السيد الميرغنى ان الحزب لم يحصل على دوائر حتى فى مناطق نفوذه المغلقة قال اين ذهبت تلك الجماهير الغفيرة التى خرجت فى استقبالى فى الشرق و قبل ان يقول السيد الميرغنى تلك المقولة كان عليه ان يفكر فى المظهر الضعيف و المرتبك الذى ظهر به الحزب الاتحادى فى الانتخابات حيث ان جماهير الحزب لم تكون متأكدة على الاجابة على هل الحزب مشارك ام قاطع الانتخابات؟ كان قبل ساعات من الانتخابات و فى لقاء مع قناة الجزيرة اكدت السيد حاتم السر مرشح الحزب الى منصب رئيس الجمهورية قد أكد انسحبه و انسحاب الحزب من الانتخابات و فجاة اكتشفت الجماهير ان الحزب مشارك و غير منسحب من المسؤول عن تلك الربكة اليست سيادتكم و تاكيدا على ذلك فال القيادى بالحزب على السيد فى تصريح صحفى نشرته جريدة الحقيقة و الاهرام حول مشاركة او عدم مشاركة الحزب فى التشكيل الوزارى " ان السيد الميرغنى هو الوحيد الذى يمكنه ان يتحدث عن الامر لانه هو الذى يتجاوز المؤسسات و يشكل لجانا و يحل اخرى و يشكل لجانا مضادة للجنة المعنية" و السيد على السيد هو احد المقربين للسيد الميرغنى و ليس من المناكفين له و من خلال هذا التصريح يؤكد معاناة القيادات الاتحادية من سياسة السيد الميرغنى الرافضة الى المؤسسية و تفضل العمل من خلال مجموعة مقربة له لا تعارضه الراى او تقدم له المشورة انما هى فقط تستجيب الى التعليمات التى تصدر منه.
يقول السيد الميرغنى " ان الهيئة القيادية للحزب هى المسؤولة عن البت فى امر المشاركة فى الحكومة او عدمها" هذا قول يجافى الحقيقة و دلالة على ذلك الرسالة التى كتبها السيد حاتم السر لجريدة الاخبار و يعاتب فيها السيد محمد لطيف لانه كان مصرا فى لقاء تلفزيوني ان الحزب الاتحادى سوف يشارك فى التشكيلة الحكومية و رغم ان السيد السر كان يعاتب السيد لطيف على اصراره و لكنه كان يؤكد من خلال الرسالة ليس هناك هيئة حزبية قيادية لها السلطة فى البت فى ذلك و عندما قال السيد محمد لطيف ان تاكيدات حاتم بعدم المشاركة لا يهتم بها و لديه مصادر اخرى كان يؤكد ان تاريخ المؤسسية مع السيد ميرغنى توضح ليس هناك شخصا يعلم غير الميرغنى نفسه و ان الهيئة القيادية هى ليست لها واقعا و اذا كانت فعلا هى موجودة كانت قد اصدرت بيانا قبل صدور التشكيل الوزارى تؤكد مشاركتها او عدم مشاركتها و لا تترك ذلك للاجتهادات الفردية و اننى اقسم ان السيد حاتم السر نفسه كان لايعلم مشاركة الحزب او عدم مشاركته الا بعد صدور التشكيل لان هذه هى فعلا سياسة السيد الميرغنى التى يتعامل بها فى الحزب و هى ذات السياسة التى كان يتعامل بها فى التجمع الامر الذى جعل الفشل ملازما للتجمع طوال قيادة الميرغنى له.
يقول السيد الميرغنى " انه وقع مع نائب رئيس الجمهورية السيد على عثمان محمد طه على مذكرة للمشاركة فى الحكومة باسم التجمع وفق اتفاق القاهرة و لم يتم الرد عليها حتى الان" و هذا يؤكد ان السيد كان ساعيا للمشاركة فى الحكومة تحت غطاء التجمع الوطنى رغم ان السيد الميرغنى و كل السياسيين فى السودان و كل اهل السودان يعرفون لم يعد هناك ما يسمى ب " التجمع الوطنى الديمقراطى" و ان القوى السياسية التى كانت منضوية تحت التجمع شكلت تحالفا اخرى معروف ب " القوى السياسية لتجمع جوبا" ولكن العب عل الحبال الدائب و الفزلكات السياسية التى كانت تستخدمها القوى السياسية القرن الماضى ما عادت مفيدة فى القرن الحادى و العشرين و الغريب فى الامر ان السيد الميرغنى عنده اصرارا عجيبا فى بيع الماء فى حارة السقايين.
و فى خطبته فى سنكات دعا السيد الميرغنى القوى السياسية كافة لضرورة المشاركة فى الوصول لوفاق وطنى من اجل تحقيق الاهداف الوطنية و يعلم السيد الميرغنى ان الوفاق الوطنى الذى يسعى اليه لن يتم اذا لم يحدث تغيير فى بنية الاحزاب جميعها و اولها الحزب الاتحادى الديمقراطى حتى يستطيع ان يكون فى مستوى الجماهير الذى يعبر عنها و يجب ان يعلم السيد الميرغنى ان الحزب الاتحادى يمر بحالة من الضعف و الاعياء تماما اثرت على حركته و نشاطاته كما ان القيادات التى تقود الحزب باعتبار انها جميعا جاءت بالتعيين او شبه التعيين فان ولاءها ليس للحزب انما للقيادات التى جاءت بها للقمة كما ليس كل من يملك المال او الشهرة فى مكان ما ينجح فى العمل السياسى الذى يتطلب مواصفات خاصة و قدرات و ثقافة سياسة تمكن الشخص من انجاز مهمته بنجاح اضافة الى معرفة بالعمل الجماهيرى و مخاطبتها و هى قدرات لا توجد الا فى الذين انخرطوا فى العمل السياسى منذ المهد و شاركوا فى النشاطات الطلابية و الشبابية و ليس اولئك الذين لا يملكون غير سيرة ابائهم دون عطاء يذكر او قدرات تؤهلهم لذلك.
ان السياسة التى يدير بها السيد الميرغنى الحزب لقد افقدت الحزب كل عناصر التقدم و التطور لانها سياسة قائمة على احتكار العمل و تركيز كل السلطات فى يده و لا تعطى مساحة للمؤسسية الا فى حدود يهدف السيد الميرغنى بها فقط المناورة و ليس صلاحيات يمكن ان تمارسها المؤسسة و هى سياسة تؤكد عدم ثقة السيد الميرغنى حتى فى اقرب القيادات اليه كما ان السيد الميرغنى يريد ان يفرض ابنائه كقيادات على الحزب بذات الطريقة التى فرض بها هو على الحزب و هى طريقة سوف تضر بالحزب و جماهيره و ابتعاد الكفاءات و النخب الفاعلة من الحزب و البحث عن تنظيمات سياسية بديلة تلبى طموحاتهم و رغباتهم و اذا اراد السيد الميرغنى ان يصبح ابنائه سياسيين عليهم الاختلاط مع جماهير الشعب السودانى و التعامل مع اقرانهم و المشاركات الفاعلة فى الندوات و الليالى السياسة التى تنظمها الاحزاب او منظمات المجتمع المدنى و يتعودوا بالظهور فى المنابر العامة لان عهد فرض القدسيات قد ولى و اندثر و ما عاد يفيد اصحابه فى شىء و ان الاجيال الحالية التى نالت قسط واسعا من التعليم و اصبحت لها القدرات الكبيرة فى التعامل مع و سائل الاتصال و تكنولوجية المعلومات لا تخضع لدعاة القداسة و لا تتعامل مع ثقافتها الا فى حدود احترام خصوصيات الاخرين و لكن فى المنهج العام لا تجد من يتعاطف معها و كان يجب على الحاشية التى حولك ان تقدم لكم النصح فى ذلك حتى لا يقبر تنظيما فى قامت الحزب الاتحادى الديمقراطى و البلاد فى امس الحاجة اليه.
ان عودة الحزب الاتحادى الديمقراطى للتاثير فى الساحة السياسية السودانية بقوة و فعالية مرهونة بعودة الوعى الى قياداته و رفض مبدأ الوصاية و احتكارية القرار و السلطة فى الحزب و فرض مبدأ الديمقراطية و توزيع السلطات لكى تعطى للمؤسسية الدور المنوط بها و ذلك لا يتم الا بوحدة الحزب الاتحادى و عدم التفريق بين الاتحادى و الختمى المبدا الذى يتعامل به الميرغنى الان و ان الانتخابات من القاعدة الى قمة الهرم هى الطريقة الوحيدة لصعود القيادات و يجب ان يكون لكل فرد داخل الحزب صوتا واحدا ليس هناك تمييزا بين اعضائه و ان المؤسسة فوق الجميع و رئيس الحزب لا يملك من السلطة و الصلاحيات الا ما هو منصوص عليه فى لائحة الحزب و ليس هناك صلاحية لقائد او قيادى فى تصعيد قيادات الا بالترشيح و الاختيار من القواعد تلك الاجراءات هى التى تعيد للحزب روحه و تجرى الدم فى شرايينه و عروقه و تجذب النخب التى غادرته بالعودة اليه و لكن السياسة القائمة الان و التى يدير بها السيد الميرغنى الحزب هى التى اضعفته و جعلته ينقسم الى مجموعات متعددة كل مجموعة بما لديها فرحة به الامر الذى اخرج الحزب الاتحادى من دائرة التاثير فى مجريات الاحداث فى السودان.
و القضية الملفتة الاخرى هى قضية التجمع الوطنى الديمقراطى و اتفاقية القاهرة التى وقعها السيد الميرغنى باسم التجمع الوطنى الديمقراطى مع السيد على عثمان محمد طه فى جدة اولا ان التجمع الوطنى الديمقراطى تحالف سياسى فى فترة المعارضة و بعد توقيع اتفاقية السلام و رجوع القوى السياسية للسودان و مشاركتها فى الحكومة و السلطة التشريعية باسم المؤتمر الوطنى و لكن فى ظل خلافات الشريكين و اعتقاد القوى السياسية الاخرى ان حزب المؤتمر الوطنى رافض للتحول الديمقراطى الكامل و يتلكأ فى تنفيذ بنود الاتفاقية بدات تجمع نفسها فى تحالف جديد دعت اليه الحركة الشعبية و ضم قوى سياسية كانت بعيدة عن التجمع الوطنى و اصبح " تحالف جوبا" هو التنظيم التحالفى الجديد للقوى السياسية و تتعامل من خلاله اما التجمع الوطنى الديمقراطى فقد انتهى كتحالف للمعارضة و ذهبت معه مبادئه و لكن السيد الميرغنى مصرا للتعامل بهذا الاسم الامر الذى يجعله عرضة للتهكم اذا كان من قبل المعارضة او من حزب المؤتمر الوطنى و القضية الاخرة اتفاقية جدة انها اتفاقية و قعها حزب المؤتمر الوطنى مع بقية اعضاء التمجع بهدف حفظ ماء الوجه بعد ما تركتهم الحركة الشعبية ووقعت اتفاقا مع حزب المؤتمر الوطنى تقاسما بموجبه السلطة و الثروة و اصبح التجمع خارج دائرة الاتفاق بعد ما عطيت له فتافيت المائدة لذلك قرر حزب المؤتمر الوطنى توقيع اتفاق مع بقية القوى السياسية فى التجمع الوطنى لحفظ ماء الوجه و ليس اتفاقية للمطالبة بحقوق و لكن يظل الميرغنى يتمسك بها و يعتبرها انجازا و كذلك اتفاقية كوكادام التى تجاوزتا الاحداث مازال السيد الميرغنى يتمسك بها رغم ان احداث التاريخ تجاوزتها تماما و هذا التمسك يؤكد ان التمسك باحداث التاريخ يعنى ان الحزب فقد القدرة على العطاء و استحداث المبادرات التى تؤهله للعودة بقوة الى الساحة السياسية.
ان قضية اصلاح و تحديث الحزب الاتحادى الديمقراطى تحتاج الى الوضوح و الصراحة و يجب استخدام المنهج النقدى فى تشرح مشلكة الحزب و اجتراح القضايا لمعرفة الاسباب التى ادت الى ضمور و ضعف الحزب الاتحادى و تراجع عضويته ليس فقط فى عهد الانقاذ انما بداية ذلك كانت منذ ان قبض السيد الميرغنى على مفاصل الحزب و الله الموفق.
zainsalih abdelrahman [zainsalih@hotmail.com]