السيرة الخفية للسوداني جمال الفضل … بقلم: خالد موسي دفع الله
السيرة الخفية للسوداني جمال الفضل
أهم مصدر وشاهد في العالم ضد تنظيم القاعدة لدي السلطات الأمريكية
خالد موسي دفع الله
Kha_daf@yahoo.com
يرصد هذا المقال السيرة الخفية للمواطن السوداني جمال أحمد الفضل الذي تعتبره السلطات الأمريكية أهم مصدر للمعلومات عن تنظيم القاعدة وأفضل شاهد ساهم في تحرير عريضة الأتهام ضد زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن..إنضم الفضل الي تنظيم القاعدة في النصف الثاني من الثمانينات عندما ذهب الي افغانستان لمحاربة الغزو السوفيتي ومن ثم عاد الي السودان مرافقا لبن لادن حيث أشرف علي تسيير بعض شئونه المالية وكلف بنقل أموال وأجراء أتصالات مع فروع القاعدة في الخارج.
وفجأة قرر الفضل التخلي عن التنظيم بعد أن أكتشف بن لادن سرقته لمائة ألف دولار عجز عن سدادها.. فذهب الي أريتريا عام 1996 وسلم نفسه للسفارة الأمريكية في أسمرا التي نقلته الي القاعدة العسكرية في المانيا ومن ثم الي الولايات المتحدة.
علي غير عادة وكالات المخابرات الأمريكية في الكشف عن هويات عملائها،إستدعي المسئول عن المصادر السرية في وكالة التحقيقات الفيدرالية (أف بي أي) ، في مكتب نيويورك، أحد محرري صحيفة النيويوركر،وهي مجلة أسبوعية، تهتم بالتحقيقات السياسية الأستقصائية، وقد نجح الصحفي الشهير في المجلة سيمور هيرش في كشف العديد من أسرار الحرب علي الأرهاب والأهداف الحقيقية لغزو العراق.وأستطاعت المجلة في صيف عام 2006 أجراء مقابلة نادرة مع أحد المشرفين علي المواطن السوداني جمال أحمد الفضل الذي تعده واشنطون أهم مصدر للمعلومات عن تنظيم القاعدة وأسامة بن لادن، وبفضل شهادته كما تزعم وكالة التحقيقات الفيدرالية (أف بي أي) ، إستطاع المدعي العام الأمريكي تحرير أول عريضة إتهام ضد زعيم القاعدة .وستبقي علامة الأستفهام قائمة و هي لماذا أختارت الوكالات الأستخبارية الأمريكية المختصة هذا التوقيت بالذات للكشف عن بعض السيرة الخفية لجمال الفضل رغم إستمرار خضوعه لبرنامج حماية الشهود الذي يحرم كشف هوية العملاء والمتعاونيين مع مكتب التحقيقات الفيدرالية.
في كنف برنامج حماية الشهود الأمريكي:
يعيش السوداني جمال أحمد الفضل لما يقارب الأربعة عشر عاما في الولايات المتحدة تحت كنف البرنامج الامريكي لحماية الشهود بعد ان تم تغيير هويته وأسمه لأغراض حمايته بإعتباره أحد أهم المصادر الحية عن تنظيم القاعدة لدي السلطات الأمريكية. وكثمرة عملية لتعاون جمال الفضل مع السلطات الأمريكية، فقد تم تقديمه كشاهد إتهام رئيس في محاكمة أثنين من أعضاء القاعدة المحتجزين في سجن غوانتنامو في عام 2009. وصفته مجلة النيويوركر وهو يقف أمام بوابة السفارة الأمريكية بأسمرا عام 1996م بأنه نحيف البنية ، مجعد الشعر تكسوه ابتسامة باهتة ..حيث أعلن أمام أول مسئول قابله بأنه عضو في تنظيم القاعدة ويريد أن يدلي بأعترافات كاملة في هذا الشأن.... ومنذ ذلك التاريخ عاش جمال الفضل متنقلا بين أكثر من ست مدن أمريكية ، حيث تمت أستضافته حين وصوله لأول مرة في أحدي فنادق نيوجرسي بعد أن فرضت عليه حراسة مشددة من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي لمدة ثمانية عشر شهرا متصلة. ومن ثم الحقت به أسرته بعد أن تم التحفظ عليها في عدة مواقع غير معلومة . تعتبره السلطات الأمريكية أهم مصدر للمعلومات عن تنظيم القاعدة حيث قدم أفادات قيمة عن عمليات القاعدة وخططها المستقبيلة وأهدافها في جميع أنحاء العالم. وتعرف علي بعض المتهمين في سجن غوانتنامو . يقول عنه جاك كولونان أحد عملاء وكالة التحقيقات الفيدرالية FBI من الذين أشرفوا علي أستجوابه أن جمال الفضل يعرف في وسط محققي الوكالة بالأبن الصغير لنزعته الدائمة لخلق المشاكل. وقد ظهر الفضل للعلن مرة واحدة كشاهد في قضية الأرهاب أمام أحدي محاكم مانهاتن قبل ثمانية أشهر من أحداث 11 سبتمبر 2001.وقد كانت شهادته قوية وفاعلة في تبيان خطر القاعدة وإدانة المتهمين الضالعين في تفجير السفارتين الأمريكيتين في نيروبي ودار السلام.
شهادته أمام المحكمة:
قال الفضل عن نفسه امام المحكمة أنه قابل بن لادن في افغانستان عندما انضم للجهاد الافغاني وبالتالي يعتبر من أوائل الذين أنضموا للقاعدة، ومن ثم عاد معه للسودان حيث أشرف علي شراء عقارته وتأسيس شركاته. وقدم الفضل أمام المحكمة وصفا دقيقا للبنية التنظيمية للقاعدة ومعسكرات تدريبها والاسلحة المستخدمة والرؤية الايديلوجية المتشددة للتنظيم. وقال ان بن لادن يملؤه أصرار كبير لمهاجمة المصالح الأمريكية وتدميرها في العالم ، وأشار الي أنه أصدر فتوي عندما كان في الخرطوم توعد فيها بحرب الأمريكيين الذين وصفهم بسارقي أموال ونفط المسلمين. وأعترف الفضل أنه عمل في السعودية قبل إنضمامه للقاعدة وقد هرب الي السودان بعد ضبطه بتدخين الماريجوانا مع صديق له حكم عليه بالسجن لمدة سنتين. وقال عنه دان كولمان أحد عملاء الوكالة أن الفضل قدم لهم معلومات قيمة ساعدتهم في فهم عمل وتكتيكات القاعدة في الوقت الذي كانت تعاني فيه السلطات الأمريكية من جهل مطبق عن ماهية تنظيم القاعدة..وقالت عنه البروفيسور جاسيكا استين المختصة في شئون الارهاب بجامعة هارفارد ان الفضل قدم في شهادته التي ادلي بها في محكمة مانهاتن معلومات قيمة عن الارهاب اصبحت جزءا من السجل العام. وقالت لقد شرح لنا الفضل طبيعة العدو في الوقت الذي لم نكن نعلم عنه شيئا وشبه التنظيم بمؤسسة بيروقراطية يديرها بن لادن في موقع أشبه بالمدير التنفيذي للشركات و يقوم عليه مجلس شوري وهو يشبه مجلس الأمناء . ويقول عنه المحققون الذين أشرفوا عليه ، وهم الآن في المعاش أنه أشبه ما يكون في التاريخ الأمريكي بجوزيف فلاشي الذي أنسلخ عن المافيا وأعترف لأول مرة بنشاطاتها الأجرامية عام 1962 وقدم للشرطة معلومات حيوية أدت الي القضاء علي الشبكة الشهيرة التي أقلقت الحياة المدنية والسلام الأجتماعي في الولايات المتحدة.
عجز جمال الفضل عن تقديم أجابات منطقية علي أحداث 11 سبتمبر لأنه ترك القاعدة منذ سنوات خلت ، ولكن أستطاع التعرف علي أثنين من أعضاء القاعدة القدامي عندما عرضت عليه الوكالة صور أكثر من 60 معتقل في سجن غوانتنامو. وبالفعل فقد نجحت الوكالة من أنتزاع أعترافات كاملة من أحدهما الذي ينحدر من جذور مغربية. وكشفت مصادر أمريكية أن الفضل كان وراء التعرف علي مواطنه السوداني ابراهيم احمد محمود القوصي المعتقل بغوانتنامو والتي زارت محاميته شارون شيفر السودان مرتين حيث التقت بأسرته في عطبرة وأهله في الخرطوم ، كما التقت أيضا نقابة المحاميين لمساعدتها في الترافع عن قضيته. ويحمل القوصي ايضا اسم ابو خبيب السوداني ومحمد صالح احمد. أتهم القوصي بالتآمر مع القاعدة في الفترة من 1992-1995 حيث عمل محاسبا في القاعدة ومديرا ماليا لاحدي شركات بن لادن في السودان ، كما اتهم بالعمل سائقا و حارسا وطباخا لبن لادن وقد تم القاء القبض عليه بعد تهربيه اعضاء من القاعدة من قندهار بعد أحداث سبتمبر. كما كشفت الوثائق ايضا ان صهر جمال الفضل ويدعي محمد سليمان النافعي شارك أيضا بشهادته في توجيه التهم ضد القوصي..وتعود التفاصيل الي أن جمال الفضل قد أخبر السلطات الأمريكية بوجود صهره النافعي في نيروبي ناشطا في أحدي خلايا القاعدة ، وقد حاولت وكالة المخابرات المركزية أستدراجه وتجنيده للتعاون معها كعميل مزدوج لكشف شبكة القاعدة في نيروبي خاصة وهو من أكثر المقربين لنائب تنظيم القاعدة أيمن الظواهري وعندما أبدي مقاومة للعرض تم أعتقاله وترحيله الي أمريكا حيث تمت محاكمته لمدة عشر سنوات لتورطه في نشاطات أرهابية عام 2003. ويري المراقبون أن أهمية جمال الفضل تتجلي في تقديم شهادته المباشرة علي الأرهاب وفقا لأجراءات المحاكم الجنائية خاصة في ظل الجدل الدائر بين الكونقرس والبيت الأبيض حول دستورية محاكمة المتهمين بالأرهاب في محاكم عسكرية أم أمام محاكم مختصة حسب النظام القضائي الأمريكي.
من أسمرا الي مانهاتن:
لقد صرفت الحكومة الأمريكية أكثر من مليون دولار علي جمال الفضل خلال العشر سنوات الأولي، وهي سنوات التعاون وجني الثمار، متضمنة السكن والعلاج والخدمات. ويري خبراء في هذا المجال أن هذا المبلغ يكافئ ما قدمه من معلومات وخدمات وأنه مثال جيد للذين يمكن أن يتعاونوا مع السلطات في ذات المجال من منسوبي المنظمات الأرهابية. ويقول مايك أنتسيف أحد المشرفين علي جمال الفضل أنه يستحق هذا الصرف أزاء ما قدمه من خدمات..ولكنه أشتكي من التعامل مع جمال الذي وصفه بالمسبب للصداع و أنه Full time job .وقال أنه يعمل معه محققا وصديقا وطبيبا نفسيا ومستشارا عائليا له. ووصفه بأنه محب للمال والنساء. وأضاف أن الفضل قدم تفاصيل دقيقة عن حياة بن لادن وحتي مضحكه الشخصي أبو رضي السوري الذي قابله مسئولي الوكالة في الخرطوم. وقال أنه أشتكي لبن لادن من أن أعضاء التنظيم المصريين يتقاضون رواتب أكثر ويتحملون مسئوليات أرفع. إعترف المذكور امام المحكمة الامريكية انه كان جزءا من محاولة لشراء يورانيوم لتنظيم القاعدة ، واكد في شهادته تطلعات ورغبة القاعدة لامتلاك سلاح نووي مشيرا الي انها لن تتردد في استخدامه ضد الولايات المتحدة متي ما امتلكته. كما كشف عن الوسائل وأساليب التخفي والتنكر التي تستخدمها القاعدة في تغيير هويات منسوبيها الي الحد الذي يمكن أن يتشبهوا فيه بالغربيين.
حقق معه مخبرو وكالة المخابرات المركزية في أريتريا لمدة شهر ونصف بعد أن وضعوه في بيت آمن في العاصمة أسمرا ، ومن ثم تم نقله الي القاعدة العسكرية في المانيا . زعم في بداية الأمر أن هدفه من الأعتراف والتعاون هو أنه يعتزم تحرير كتاب عن قصته مع القاعدة أضافة الي حبه الي أمريكا التي عاش فيها سنتين في منتصف الثمانينات في نيويورك وأطلانتا حيث عمل في بقالات الشوام..وبعد عدة محاولات أعترف بالكذب وسط الدموع وقال أنه سرق أكثر من 100 ألف دولار من بن لادن الذي يعلم أنه لن يسامحه ، وبالفعل طلب منه تسويتها..وعندما عجز عن ذلك وخوفا من العواقب هرب وسلم نفسه الي السفارة الأمريكية في أسمرا..ولعل سبب بكائه وإحساسه بالخجل كما قال أحد العملاء هو ظنه أن السلطات سوف تقلل من شأنه لأنه سرق المال. وقال كولمان أنه قاد جمال الفضل للأعتراف عبر الأقناع والتحقيق المستمر المنتظم مشيرا الي أنه إبتعد عن إستخدام وسائل التهديد أو العنف..وأضاف بأنه أندهش لأنه لم يلحظ علي الفضل أي سلوك ديني حيث لم يره يصلي قط. وقال أن معظم أعضاء القاعدة ملتزمون بالأسلام و أن الجهاد بالنسبة لبعضهم هو تعلق روحي وأن بعض أعضاء القاعدة يشبهون المجرمين العاديين وعليه يمكن السيطرة عليهم وفق وسائل وكالات انفاذ القانون العادية. وأشار الي أن خرشوطو المغربي الذي تعرف عليه الفضل في غوانتنامو عمل طيارا لبن لادن مقابل المال ، وقد غضب عندما رفضت القاعدة دفع تكاليف العملية القيصرية لزوجته..
يجمع المراقبون أنه قبل وصول الفضل الي السلطات الأمريكية لم يكن يملك المدعي العام أي أدلة لأدانة بن لادن في عمليات أرهابية. ولكن بعد سنتين من وصول الفضل أستطاعت المدعية العامة في نيويورك من أكمال عريضة الأتهام ضد بن لادن وذلك بأدارة منظمة أرهابية ساهمت في قتل أمريكيين في الصومال وتفجيير السفارتين في شرق أفريقيا..وبالتالي أصبحت أعترافات وحياة الفضل هي المحور الذي يقوم عليه الأتهام ضد أعضاء القاعدة.
في المقابل تم أجراء إتفاق قانوني مع وزارة العدل حيث أتهم الفضل في التورط في عمليتين أرهابيتين ، ولكنه أصبح خارج الحبس بعد أعترافه وتحوله لشاهد ملك رغم أنه مهدد بالسجن لمدة 15 عام إلا أن تعاونه سيضعه علي الدوام خارج القضبان.
يصفه احد المشرفين عليه بانه مغامر ومقامر، حيث طلب اذنا ليقامر في اللوتري وقد اضطر مراقبوه لمصادرة مكسبه من المقامرة ، كما سبق وان طلب قرضا ماليا لافتتاح محل لبيع المأكولات الخفيفة إلا انه تعرض لخسارة مالية أضطرته لأغلاق المحل. ومن ثم ظل يلح علي منحه الأذن لكتابة مذكراته عن القاعدة وبالطبع رفضت كل طلباته المتكررة في هذا الصدد. ومؤخرا طلب الأذن للسفر الي السودان للحصول علي نصيبه من ورثة والده إلا أن طلبه قوبل بالرفض أيضا خوفا علي حياته.
وصول أسرته من السودان:
يقول مشرفوه السابقون أنهم حاولوا إبعاده من النساء خشية كشف هويته إلا أنه مثل الصاروخ الذي يتوجه بموجات الحرارة المنبعثة من الهدف ، يحب الحياة والخروج والتجول خاصة مع النساء ، وقد سبق وأن رفض له طلبا لتدريب فريق نسائي لكرة القدم في نيوجرسي. وقال أحد مشرفيه أن الفضل يحس دائما أنه سجين مما يستوجب رصد تغيرات مزاجه المستمرة حيث يعاني في بعض الأحيان من أضطراب في النوم ، كما سبق له وأن صرخ في منتصف الليل " أنا خائن ، أنا خائن".. وعندما شكا من الوحدة إستقدمت له الوكالة زوجته نادية وأطفاله الأربعة بعد العثور عليهم في الخرطوم..وقال كولمان المشرف عليه حينئذ أن اللقاء بينهم كان عاديا حيث تبادلا التحايا الباردة ولم نشهد عناقا أو أندفاعا وأحضانا للغياب. وأضاف أن المشاكل أزدادت بعد وصول زوجته التي تجأر بالشكوي وتفتعل المشاكل، وقد أتهمت أحد عملاء مكتب FBI بتسميمها بعد أن أهداها طعاما بحريا بمناسبة عيد الأستقلال..وقال انها كانت وحشية في طبخ الدجاج والطيور.. كما تم الضغط عليها لسبغ هيئتها علي النمط الامريكي منعا للشبهات..فأعتادت علي لبس الأحذية الرياضية وتصفيف شعرها رغم خلفيتها الأسلامية القوية. ولم تنته المتاعب عند هذا الحد بل طلبت نادية أستقدام جدتها وأمها وأختيها وأولادهما من السودان ليعيشوا جميعا تحت سقف واحد..وبالفعل أستقدمت الوكالة ثمانية من أفراد أسرتها الذين أصروا علي السكن معها في نفس المنزل..ولما عاقت لوائح البرنامج، الأستجابة لهذا الطلب تم أسكانهم بالقرب من أسرة جمال الفضل..وبعد فترة قصيرة عبر بعض أفراد الأسرة عن خيبة أملهم فيما يقوم به جمال مؤكدين أن تعاونه مع الحكومة الأمريكية يعتبر حراما بحكم الشرع..فتم أرجاعهم مرة أخري الي السودان..
يقوم جمال الفضل في بعض الأحيان بكشف هويته ، مثل أن يقول لأحدهم" أنني أعرف بن لادن" ، كما بدأ أبناؤه في التأقلم علي الثقافة والبيئة الجديدة،وصاروا يتحدثون بلكنة أمريكية. وفي ظل هذه الأوضاع هددت زوجته أكثر من مرة بالرجوع الي السودان..ولعل السبب في ذلك هو بحثه الدائم عن أمرأة أخري..وقد سبق وأن رفض طلب زواجه من أمرأة ثانية..إلا أن الفضل أحتج للضابط أنتيسف المشرف عليه قائلا أن إتفاقه المبرم مع الحكومة الأمريكية هو رعاية أسرته وزوجته ، وتعريف الزوجة حسب رأيه هي أي أمرأة يحبها متناسيا القانون الذي يمنع التعدد في الولايات المتحدة..
يري المراقبون أن قصة الفضل تعتبر نموذجا ناجحا في التعاون ورعاية المصالح المشتركة ، حيث يمكن أن يشجع هذا النموذج مثالا جاذبا لآخرين من تنظيمات أرهابية أخري للأعتراف والتعاون مع السلطات في أطار حربها المتطاولة ضد الأرهاب.
يعيش جمال الفضل الآن في ضاحية نيوجرسي، عذاب الضمير، وأرق الخيانة كما وصفها هو بنفسه، وقد حاول مرارا الحصول علي تأشيرة للعودة الي السودان، خاصة لتسوية تركة أسرته بعد وفاة والده، إلا أن السلطات الأمريكية كانت تتدخل، وترد جماحه العنيد بحجة الخوف علي حياته في السودان.ولكن إستطاعت زوجته بعد معانفات أن تعود الي أهلها في إجازات صغيرة،ولعل نقطة الضعف الأخلاقية التي تعتري جمال الفضل ليس وشايته ضد تنظيم القاعدة الذي عمل لحسابها وأختلس منها 100 ألف دولار، ولكن في شهادته وإيقاعه بعدد من السودانيين الذين يقبعون خلف قطبان سجن قوانتنامو، حيث تعرف عليهم بواسطة الصور الفتوغرافية التي عرضها عليه المحققون.ومن ضمن هؤلاء أحمد القوصي، كما تسبب في أعتقال صهره النافعي في نيروبي عندما رفض التعاون مع ألف بي أي كعميل مزدوج، فتم أعتقاله وترحيله لأمريكا، حيث حكم عليه بالسجن عشر سنوات.
ظل جمال أحمد الفضل يعيش لمدة أربعة عشر عاما علي هامش الحياة الأمريكية سجينا مؤرقا بعذاب الضمير،رغم المليون دولار التي أغدقت عليه،و حاولت السلطات الأمريكية الكشف عن بعض سيرته بعد أن إستنفد أغراضه، وفقد قيمته كمصدر وشاهد ملك علي تنظيم القاعدة ، وذلك بغرض الترويج لهذا النوع من التعاون المفيد للطرفين ، إلا أن مثل هذه السيرة ستظل منبوذة، لأنه أوقع كثير من الأبرياء في فخ الأعتقال.ويبدو أن الفضل قد أستنفد أغراضه لدي السلطات الأمريكية،فلم يعد مفيدا بعد أن قدم شهادته أمام محكمة مانهاتن بنيويورك ضد تنظيم القاعدة..ويبقي السؤال ما هو مستقبل جمال الفضل؟ هل يعيش في ظلال التخفي، مطاردا بعذاب المبادئ ، ووخزة الضمير وهو يرفل في تفاصيل حياة كئيبة،ترصد فيها حركته ومكالماته، ويمنعه قانون حماية الشهود الأمريكي أن يكشف عن هويته أو أن يمارس حياته الطبيعية بحرية، أو حتي أن يعود الي موطنه السودان.ولكن أقسي ما أكتشفه جمال الفضل في أمريكا أنه لا يستطيع أن يتزوج أكثر من أمرأة حسب القانون،كما منعته السلطات الأمريكية من الأختلاط بالعامة أو أن يتخذ صديقات وخليلات خوفا من كشف هويته. وحرم بالتالي من هوايته المفضلة وهي جمع المال والولع بالنساء.هذه سيرة جديرة بالتأمل والتمعن، وإستخلاص الدروس والعبر.
(نقلا عن السوداني)