السينما عندما تتحدث: سهرة رمضانية مع فيلم في بيتنا رجل .. بقلم : بدرالدين حسن علي

 


 

 



بركات يربط بين الرومانسية والواقعية في فيلم وطني

هل تريدون قضاء سهرة رمضانية مع فيلم مصري ومن إنتاج الستينات  ؟ فيلم جميل ورائع وهاديء و " نضيف " مثل مادة " الكلوروكس " ، وفيه نخبة من كبار الممثلين أمثال : عمر الشريف – شكري سرحان – رشدي أباظه – زبيدة ثروت – حسين رياض – حسن يوسف
زهرة العلا  وغيرهم  ومخرج كبير وعظيم  ، وهو الفيلم الذي إعتدت على مشاهدته خاصة في شهر رمضان  ، وهو أيضا تذكير  من جانب السودانيين لإخوانهم المصريين بمناسبة شهر رمضان والظروف التي تمر بها مصر بعد 25 يناير و30 يونيو  .
ويظل فيلم " في بيتنا رجل " علامة بارزة في تاريخ السينما المصرية ومن أشهر أفلام المخرج الكبير بركات الذي أخرجه عام 1961 عن قصة الكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس .
هذا الفيلم يعجبني جدا خاصة عندما يقبل الشهر الفضيل لأن الكاتب والمخرج تناولا رمضان بكثير جدا من الإحترام والأماتة ، فكان الجو العام للفيلم في غاية الروعة  ، خلط واعي جدا ما بين شهر العبادة والفن .
وتتلخص أحداث الفيلم في قيام إبراهيم  " عمر الشريف " بإغتيال رئيس الوزراء فيقبض عليه ويودع في مستشفى السجن ثم يهرب ويلجأ للإختباء عند زميله محي زاهر " حسين رياض "  فهو بعيد عن شبهات الشرطة ، وأسرة زاهر من الطبقة المتوسطة ، فهو موظف ليست له أية إهتمامات سياسية ، ويحس رب الأسرة زاهر أن الشاب ليس مجرما إنما هو وطني فيوافق أبناء الأسرة على إيوائه  " حسن يوسف ، زبيدة ثروت وزهرة العلا " ، ويزورهم فجاة عبدالحميد " رشدي أباظه "  الذي يحب إبنة عمه ويريد أن يتزوجها ، فيكتشف وجود إبراهيم ، ثم يترك إبراهيم منزل زاهر حتى لا يورطه في المشاكل ، ويعد له زملاؤه خطة لمغادرة البلاد ، وفي آخر لحظة يعدل عن السفر ويعاود نشاطه الفدائي مع زملائه .
إنها قصة ذات مذاق خاص جدا من قصص إحسان عبدالقدوس بعيدا من الجنس والإثارة التي إعتاد أن يغلفها في أحداث رواياته ، وتعزف على الوتر الوطني برقة وتمكن ، وتضع أمامنا شخصيات من الطبقة الوسطى قريبة إلى الأجواء الشعبية وهي أجواء لم يحاول الكاتب الكبير أن يرسمها كثيرا في رواياته – نابضة بالحياة .
ومن خلال ثائر على الإحتلال الإنكليزي قام بعدة عمليات فدائية جعلت البوليس يطارده إلى بيت أسرة صديقة يطلب الإختفاء فيه ريثما يجد لنفسه ملجأ آخر ، وينسج الفيلم خيوطه الرقيقة ليقول أشياء كثيرة بكثير من الذكاء والتعاطف والفهم العميق للطبيعة المصرية والقلب البشري .
وبركات في هذا الفيلم الذي يعتبر من أجود أفلامه على الإطلاق يربط بين الرومانسية التي أشتهرت عنه وبرهن عليها بقوة من خلال أفلامه السابقة وبين الواقعية الصرفة التي تتحول لديه إلى شاعرية مليئة بالشجن والحنان ، إنه يربط بمهارة الجراح بين شريان الوطنية وشريان القلب ويجعل الدم يتدفق حارا نشوانا في عروقنا ، يجعلنا نعايش أيام وليالي هذه الأسرة وموقفها ولا ننسى لحظة واحدة خلال الشهر الفضيل وكرمه وقدسيته التي تهيمن على تصرفات الجميع وتعكسها بطريقة من الطرق .
إكتشاف الحب والوطن والمواجهة في قلب كل فرد من أفراد هذه الأسرة التي تفجرت بعد وصول الثائر إلى بيتهم الشرقي ذو المشربيات الخشبية .
وعمر الشريف في هذا الفيلم يقدم واحدا من أجمل أدواره ، بل ربما أجمل أدواره كلها التي مثلها للسينما المصرية ، يتألق إلى جانبه مجموعة فذة من الممثلين ، يظهر بينها رشدي أباظة ممثلا ذو حضور وشخصية طاغية يلعب بنا المخرج والسيناريو حول الهالة الغامضة التي تحيط بشخصية رسمت ببراعة كشخصية البطل الرئيسي وكبقية الشخصيات كلها التي جعلها بركات تنبض حياة وحنانا وشوقا وعذابا وكبرياء .
فيلم " في بيتنا رجل " مثال مدهش لفيلم سياسي يقول الكثير دون صراخ ويفجر أكثر من موضوع دون إفتعال أو تشنج ، فيلم يقول أن في شرايينا تجري دماء الوطن ودماء العشق ودماء المسؤولية ، وأن هذه الدماء إختلطت كلها ببعضها فلم نعد نميز بينها سوى أنها ظلت تلك الدماء التي تتفجر كبرياء وحزنا وضياء.
أليس هو فيلم جدير بالمشاهدة خاصة في الظروف الراهنة ؟
أرجو أن تذهبوا إلى النت أو الحصول على السي دي الخاص بالفيلم .


badreldin ali [badreldinali@hotmail.com]

 

آراء