الشراكة الصينية الأفريقية: أثيوبيا أهم شريك استراتيجي للصين فى القرن الأفريقي
G_ghanim@hotmail.com
الشراكة الصينية الأفريقية
فى إطار زيارته لأربعة دول أفريقية (أثيوبيا، أنجولا، نيجيريا وكينيا) استهل رئيس الوزراء الصينى لي كيجيانج زياراته الحالية لأفريقيا بدولة أثيوبيا حيث التقى بالرئيس الأثيوبي مولاتو تسهوم ورئيس الوزراء الأثيوبي هيلامريام ديسالجن. وفى كلمته الضافية التى ألقاها فى مقر الاتحاد الأفريقى بأديس أبابا – المكون من عشرين طابقا والذى شيدته الصين - أوضح رئيس الوزراء الصينى المعالم الرئيسية لبرامج التعاون الاقتصادي بين الصين وأفريقيا، وأكد التزام الصين بتعزيز وتطوير العلاقات الصينية الأفريقية والشراكة والتعاون الإقتصادي بين أفريقيا والصين، وأقترح على القائمين على الاتحاد الأفريقي التعاون فى مجال التنمية الصناعية والتمويل ومحاربة الفقر وحماية البيئة وتبادل الزيارات والتعاون فى مجال السلم والأمن لأجل تعزيز وتطوير كافة مجالات التعاون.
وفيما يتعلق بالتعاون فى مجال التنمية الصناعية، أشار رئيس الوزراء الصينى إلى النمو المطرد فى حجم التبادل التجارى بين أفريقيا والصين خلال السنوات الماضية، وناشد الطرفين للوصول بحجم التبادل التجارى بينهما إلى 400 بليون دولار أمريكي بحلول عام 2020م، وقد بلغ حجم التبادل التجاري 210,2 بليون دولار أمريكي كما فى عام 2013م. وأكد بأن الصين مستعدة لتعزيز التعاون مع أفريقيا فى مجال تشييد الطرق والسكك الحديدية والاتصالات وشبكات الكهرباء ومشاريع البنية التحتية الأخرى لأجل مساعدة القارة الأفريقية فى مجال الترابط الإقليمي، وأضاف بأن الصين تشجع المؤسسات والشركات الصينية لاقامة مشاريع تضامنية مع الشركات الأفريقية لتطوير صناعة النقل الجوى والطيران على المستوى الاقليمى فى أفريقيا. وأشار رئيس الوزراء الصينى إلى حلم ربط العواصم الأفريقية بشبكة سكك حديدية وقطارات سريعة بالقول بأن الصين ترغب فى استخدام رصيدها من التكنولوجيا المتطورة فى هذا الخصوص لتحقيق هذا الحلم ولأجل تحسين وتطوير وسائل الاتصالات والنقل والتنمية في الدول الأفريقية.
وفى مجال التمويل، أوضح رئيس الوزراء الصينى أن الصين قررت زيادة قروضها ومساعداتها المالية للدول الأفريقية بمبلغ 10 بلايين دولار أمريكي ليصل المبلغ الإجمالي للقروض إلى 30 بليون دولار أمريكي، كما قررت كذلك زيادة رأسمال الصندوق الصيني الأفريقي بمبلغ 2 بليون دولار أمريكي ليصل إجمالي رأسماله إلى 5 بلايين دولار أمريكي.
وفيما يتعلق بمحاربة الفقر، ستقوم الصين بتدريب 2,000 فنى زراعي واختصاصي إداري فى السنوات الخمس القادمة، وستوجه الصين مساعداتها لمجالات الرعاية الاجتماعية ومياه الشرب الصحية ومكافحة الأمراض المعدية. ولتعزيز حماية البيئة باعتبارها مسئولية إنسانية، أوضح رئيس الوزراء الصيني أن حكومة الصين ستقوم بتزويد أفريقيا بعشرة (10) ملايين دولار أمريكي من المساعدات المجانية للمحافظة على الحياة البرية وتطوير الأبحاث المشتركة لحماية التنوع البيئي ومحاربة التصحر وتعزيز أساليب وطرق الزراعة الحديثة.
وفيما يتصل بتبادل الزيارات، أوضح رئيس الوزراء الصينى بأن الصين ستواصل "برنامج المواهب الأفريقية" ليغطي جميع المجالات وستقدم للحكومات الأفريقية 18,000 منحة دراسية حكومية وستساعد فى تدريب 300,000 فرد من الاختصاصيين فى مختلف المجالات حسب ما هو مخطط.
وبالنظر إلى السلم والأمن، أوضح رئيس الوزراء الصينى أن الصين تساند أفريقيا لحل المشكلات الأفريقية بالطريقة الأفريقية وهى مستعدة لبناء القدرات فى المجالات المرتبطة بحفظ السلام والأمن ومكافحة الارهاب ومكافحة القرصنة. وأضاف بأن الصين ستقدم لدولة جنوب السودان مبلغ خمسين مليون يوان إضافية [حوالى ثمانية (8) ملايين دولار أمريكي] من المساعدات الانسانية للمساعدة فى معالجة الأزمة الانسانية فى ذلك البلد الأفريقي.
بالاضافة إلى المجالات الست المذكورة أعلاه، أوضح رئيس الوزراء الصينى أربعة مبادئ لتعزيز التعاون الصينى الأفريقي وخاصة معاملة كل طرف للآخر بالندية والمساواة وتعزيز التضامن والثقة المتبادلة وتعزيز الابتكار فى مجال التعاون العملي الثنائي.
وبوصف أفريقيا بأنها قطب فى السياسة العالمية والنمو الاقتصادى العالمي والحضارة الانسانية، أوضح رئيس الوزراء الصينى بأن الصين تولى اهتماماً كبيراً للشعوب الأفريقية ولديها قناعة راسخة بمستقبل القارة الباهر. وأكد على أن العلاقات الصينية الأفريقية علاقات حميمة وهى علاقات صداقة وثقة متبادلة ومساواة ومصلحة متبادلة كما لخصها الرئيس الصينى تشي جنبينغ فى زيارته لأفريقيا فى العام الماضي. وأضاف رئيس الوزراء الصينى بأن المصير المشترك والجهود المشتركة بين الصين وأفريقيا الضاربة فى عمق التاريخ تعتبر بمثابة كنز عظيم لبلاده وستستمر الصين فى رعاية العلاقات التنموية والعلاقات الثنائية.
ورحب كل من رئيس الوزراء الاثيوبي هيلامريام ديسالجن ورئيس الاتحاد الأفريقي نكوسانزا دلاماني زوما باطار التعاون المقترح بواسطة رئيس الوزراء الصينى. وقال دالاماني زوما بأن أفريقيا والصين مرتبطتان بمصير مشترك وبأن أفريقيا مستعدة للتعاون مع الصين ليس فقط فى مجال مكافحة الفقر بل فى مجال التحديث. وبالترحيب بزيارة رئيس الوزراء الصينى اتفق القادة الأفارقة بأن التعاون الصينى الأفريقي هو نموذج تقليدي لعلاقات المنفعة المتبادلة والمصلحة المشتركة، كما اتفقوا على ضرورة تعزيزالشراكة الاستراتيجية بين الطرفين.
ثمرات التعاون الاقتصادى الصينى الأثيوبي
وقع الوزراء ورجال الأعمال الصينيين المرافقين لرئيس الوزراء الصيني ستة عشر (16) اتفاقية مع نظرائهم الأثيوبيين وهذه الاتفاقيات شملت اتفاقيات تمويل وقروض ومساعدات اقتصادية لتشييد طرق ومناطق صناعية. وخلال زيارته لأثيوبيا قام رئيس الوزراء الصينى بالمشاركة في افتتاح أول طريق سريع بطول 80 كيلومتر يربط العاصمة أديس أبابا مع الطريق الذى يمر بجنوب البلاد ويمتد إلى ميناء جيبوتي وتم تشييده بقرض من بنك الصادرات والواردات الصينى. وتعمل الآن فى أثيوبيا أكثر من 500 شركة صينية باجمالي استثمارات تفوق 1,5 بليون دولار. تقوم شركة هاواي للتكنولوجيا الصينية، وهى ثاني أكبر شركة لتصنيع أجهزة الاتصالات فى العالم، بالتضامن مع "شركة زد تي اي" بالعمل على استحداث أسرع شبكة اتصالات من الجيل الرابع فى العاصمة الأثيوبية وخدمات اتصالات الجيل الثالث على نطاق أثيوبيا.
وأشاد رئيس الوزراء الصينى بالعلاقات الصينية الأثيوبية ووصفها بأنها متينة وتقليدية وحيوية وتتسم بنمو متناغم. وأضاف بأن هذه العلاقة المزدهرة تحتاج الى توطيد وتعزيز بزيارات من وفود عالية المستوى من الجانبين، كما أعرب عن رغبة الصين فى تطوير العلاقات مع أثيوبيا فى مختلف المجالات، وأشار بوجه خاص إلى رغبة الصين فى تطوير صناعة البوتاسيوم والتنقيب عن البترول والغاز وتطوير وإدارة مناطق تجارية حرة. وفيما يتعلق بتطوير الموارد البشرية أعلن عن رغبة الصين فى زيادة المنح الدراسية وابرام اتفاقيات فى المجال الأكاديمي.
تعتبر الصين الشريك التجاري الأول لأثيوبيا وتليها الهند وتركيا. وأشاد الرئيس الأثيوبي مولاتو تسهوم بالعلاقات الثنائية بين البلدين وذكر بأن: "أثيوبيا والصين أقامتا شراكتهما الاستراتيجية على المنافع والمصالح المتبادلة وهما تتمتعان بعلاقات متميزة قائمة على الثقة والتفاهم والاحترام المتبادل ولقد أثبتت الصين بأنها صديق لأثيوبيا يعتمد عليه فى محاربة المجاعات وتعتبر الصين الشريك الاستراتيجي لاثيوبيا فى مجال التنمية وبتعاونهما الاقتصادي سوف تعزز وتوطد اثيوبيا والصين العلاقات الثنائية من خلال تبادل الزيارات المرتبطة بالمجالات السياسية والاقتصادية والثقافية ومن خلال التعاون الفني كذلك".
الشراكة الصينية الافريقية من منظور اثيوبي
أشاد رئيس الوزراء الأثيوبي هيلامريام ديسالجن بالعلاقات الصينية الأفريقية وقال إن الصين تعتبر الشريك التجاري الأول لأفريقيا وأن دعمها لتنمية البنية التحتية فى أفريقيا من خلال القروض الميسرة والتفضيلية أحدثت تغييراً كبيراً، وأضاف قائلاً أن دعم الصين لأثيوبيا ضروري ومهم نظراً لأن أثيوبيا تسعى لتحقيق الأهداف المدرجة فى "الخطة الخمسية للنمو والتحول". وأعرب كذلك عن رغبة أثيوبيا فى الحصول على مزيد من الاستثمارات الصينية فى مجال التصنيع والتعدين والمشاريع الزراعية الكبرى. ووصف رئيس الوزارء الأثيوبي العلاقات الصينية الأفريقية بأنها استراتيجية ومهمة ويجب أن ترتكز على الزراعة، التصنيع الزراعي، تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، المناطق الاقتصادية الحرة، المشاريع الصناعية، التصنيع، التعدين، مشاريع الطاقة المتجددة، مشاريع توليد الكهرباء وتشييد السكك الحديدية. وأوضح رئيس الوزراء الأثيوبي بأنه يجرى حالياً وضع اللمسات النهائية للاتفاقية الإطارية التى تحدد الملامح الرئيسية فى مجال التعاون الصينى الأثيوبي لمدة عشرة أعوام قادمة بأنها وثبة مهمة فى مجال التعاون بين البلدين.
وأشار رئيس الوزراء الأثيوبي إلى أهمية الحاجة إلى تعزيز المشاورات السياسية بين الصين وأفريقيا فيما يتعلق بالمسائل الاقليمية والمسائل التى تخص القارة والمسائل الدولية، كما أشاد بدور الصين فى صيانة السلم والأمن فى أفريقيا كما هو مشاهد فى بعثات حفظ السلام فى دارفور وجمهورية الكنغو الديموقراطية وليبيريا ومالي.
التعاون الصينى الأفريقى هل هو هرولة امبريالية أم شراكة ذكية؟
علاقات الصين مع أفريقيا علاقات وطيدة وعريقة سبقت الفورة الاقتصادية الصينية الحالية. لقد قام القادة الشيوعيون الصينيون بدعم حركات التحرر الوطني الأفريقية والدول المستقلة حديثاً على نطاق القارة الأفريقية فى مرحلة التحرر والاستقلال. تأتى زيارة رئيس الوزراء الصينى لى كيجيانج لأفريقيا فى الذكرى الخمسين لزيارة رئيس الوزراء الصينى الأسبق زو إنال التى قام فيها بزيارة عشر دول افريقية فى الفترة من ديسمبر 1963م وحتى يناير 1964م. لقد تم اتهام الصين بأنها تعيق التنمية الاقتصادية فى القارة الأفريقية بتركيزها على استيراد المواد الخام بدلاً من خلق فرص وظيفية للأفارقة وتطوير أسواقهم المحلية. بحرصه على عدم اظهار الصين بأنها قوة استعمارية، قال رئيس الوزراء الصينى لي كيجيانج بأن الصين مستعدة للجلوس مع الدول الأفريقية لحل أية مسائل مترتبة وناتجة من المشاريع الاستثمارية الصينية. وأضاف قائلاً: "إننى أود أن أوكد لأصدقائنا الأفارقة بأن الصين لن تتبع أى مسار استعماري مثلما فعلت بعض الدول أو السماح بعودة الاستعمار الذى يرتبط بالماضى".