الشريكان..صراع الوحدة والانفصال
5 November, 2009
Alaa Addin mahmued [alaaddinadwa@hotmail.com]
اشتد الجدل بين شريكي نيفاشا الحركة الشعبية ، والمؤتمر الوطني، وهو الجدل الذي الهبته تصريحات قائد الحركة الشعبية الفريق سلفاكير ميارديت نائب رئيس الجمهورية التي وجه فيها شعب الجنوب للتصويت لصالح الانفصال في الاستفتاء القادم حول تقرير المصير ليغتنم المؤتمر الوطني الفرصة ليظهر بمظهر نصير الوحدة وهو الامر الذي برز في تصريحات متعددة لقيادات المؤتمر الوطني تعرض بقيادات الحركة الشعبية وتصريحاتهم المؤيدة للقائد سلفاكير على الرغم من تراجع سلفا عن تلك التصريحات عندما نفى رسميا في تصريحات صحفية تحريضه للجنوبيين بالتصويت للانفصال، مؤكدا موقف الحركة الشعبية الداعي للوحدة على اسس جديدة، وشن سلفاكير، لدى مخاطبته الطلاب بجامعة جوبا امس، هجوما على بعض اجهزة الاعلام التي قال انها تحرف المعلومات لخدمة اغراضها الخاصة مؤكدا حدوث تزييف للتصريحات التي اطلقها اخيرا في الكنيسة بشأن الاستفتاء، مشددا على ان موقفه يتسق مع موقف الحركة منذ نشأتها، والداعي لوحدة البلاد على اسس جديدة، مطالبا اجهزة الاعلام بتوخي الدقة في تناول الاحداث، لا سيما خلال الفترة الحالية والبلاد تستعد للانتخابات . غير ان هذا النفي فيما يبدو لم يجد اذانا صاغية لدي قيادات المؤتمر الوطني التي وجدت في مانقل عن سلفاكير من تصريحات محرضة على الانفصال ضالتها لتثبت انها ظلت داعية للوحدة بعكس الحركة الشعبية ، غير ان الذي ظل مطروحا في ادبيات الحركة الشعبية بشأن الوحدة هو الوحدة على اسس جديدة وقيم غير تلك التي ظلت سائدة وهو الامر الذي اشار اليه القيادي بالحركة الشعبية دينق الور في ندوة اليونميس عندما ذكر انهم في الحركة الشعبية قد طرحوا فكرة السودان الجديد التي كانت فكرة غريبة في الجنوب، لكن دكتور جون قرنق بشخصيته الكارزمية و بقدراته استطاع اقناع مقاتلي الحركة بالفكرة وهذا هو مشروع الحركة الشعبية لتحرير السودان، ويقول الور ان على الآخرين أن يفهموا انهم في الحركة عندما يتحدثون عن الوحدة لا يقصدون بها الوحدة التي كانت ماثلة في الماضي و التي ليس من الممكن القبول بها، وقال ان على الاخرين أن يغيروا الفكرة القديمة التي كان يدار بها السودان، مذكرا انهم عندما وقعوا اتفاق السلام الشامل كانوا يتوقعون أن يؤسسوا بتلك الخطوة بناء سودان جديد غير ان عقبات كثيرة واجهت الاتفاقية وحالت دون تنفيذ كل بنودها ، وبشكل حاسم يقول دينق الور ان سكان الجنوب لن يصوتوا لصالح الوحدة القديمة ، متسائلا : «لا أدري لماذا يندهش البعض عندما يقول أحدهم انه لن يصوت ليكون مواطنا من الدرجة الثانية في دولة اسلامية يسمى فيها غير المسلمين «بأهل الذمة»، علينا بدلا عن أن نندهش ونغضب أن نغير المفاهيم والافكار والسياسات القديمة وتنفيذ اتفاقية السلام الشامل و حينها فقط يمكن أن نقنع الجنوبيين بالوحدة وعلينا أن نعمل بشكل جاد خاصة واننا لم نكن كذلك طوال الفترة الماضية التي كانت كفيلة بحل هذه المشاكل».
وأكد ألور على أن حكومة الوحدة الوطنية لم تنجح في موضوع الوحدة، فالوحدة لا تأتي بالأماني الوهمية wishful thinking وإنما تأتي بالتسويات والتنازلات ولذا يجب أن نخاطب أنفسنا ونحسم مشاكلنا عبر التفاوض الجاد والصريح. فالوحدة لا يمكن أن تتحقق بالأماني بل بالتنازلات .
وتصريحات دينق الور هنا قريبة من حديث ادلى به القائد باقان اموم الامين العام للحركة الشعبية في حوار صحافي عندما ذكر ان قضية الانفصال ادرجت في اتفاقية السلام الشامل باتفاق كل القوى السياسية السودانية التي ذكرت قياداتها مسبقا، على أن يتم إعطاء الجنوب حق تقرير مصيره كآلية لوقف الحرب الأهلية بين المركز والجنوب. ولا أقول الشمال وإنما بين السلطة والجنوب. بموجب تلك الآلية سيصوت الشعب بالجنوب بين خيارين؛ الوحدة أو الانفصال. إن تلك القوى كافة تعترف أن الوحدة بشكلها منذ الاستقلال كانت ظالمة للجنوبيين الذين تضرروا واشتكوا منها لكونها قد بنيت على مصالح المجموعات الحاكمة في المركز على حساب مصلحة الجنوبيين. لقد اتفق الساسة جميعهم أن الجنوب لن يختار الوحدة إلا إذا تم تغيير جذري كامل في كل البنيات لتصبح الوحدة جاذبة . اذا تعتمد الحركة الشعبية في تناولها لمسألة الوحدة وتغليبها عند مرحلة تقرير المصير على مفهوم وضعه الراحل د. جون قرنق حول الوحدة وهو مفهوم الوحدة في التنوع والوحدة على اسس جديدة والتي طرحها د. جون قرنف في مؤلف شهير ذكر فيه : « نحن ننظر الى السودان كبلد سيظل موحدا وترتكز هويته على هذين النوعين من التنوع التاريخي و المعاصر . وهكذا فانه منذ العام 1983 ، عندما اسسنا الحركة قمنا بهذه التحليلات وطرحنا هذه القناعة ، ثم انطلقنا بعيدا عن النضال التقليدي في الجنوب من اجل الاستقلال . فهذا ما كان عليه الحال دوما منذ عام 1955 حين بدأت حرب حركة الانيانيا والتي جاهرت بان هدفها هو استقلال جنوب السودان .. تعريف المشكلة وكأنها مشكلة الجنوب فقط هي محاولة لتهميش البعض . وقد وقع الجنوبيون بدورهم في هذا الفخ واصبحوا يرددون لنا « مشكلة الجنوب « ومن هنا يبدأ البحث عن حلول وعما يقدم لهم حتى يصمتوا . انطلقنا بعيدا عن هذا الطرح وقلنا ان السودان ملكنا كلنا بالتساوي واننا جميعا يجب ان نشترك في تقرير مصيره . ان دعوتنا لوحدة البلاد قامت على هذا الاساس . وكانت هذه مفاجأة للكثيرين في الجنوب وفي الشمال على حد سواء»، وبالمقابل فان المؤتمر الوطني الذي هو امتداد للجبهة الاسلامية لم تضع تصورا واضحا حول وحدة السودان بل ان مؤلفات وكتابات لاعلام في الحركة الاسلامية كانوا يرون حل مشكلة الجنوب يتم عبر عملية الجهاد والاسلمة في سياق المشروع الحضاري، وفي هذا الاتجاه يقول د. حسن عبدالله الترابي في كتابه الشهير» الحركة الاسلامية في السودان ، التطور ، الكسب ، النهج» : وهكذا كانت الحركة على كونها ظاهرة تجديد مأسورة بحدود التعامل بمجتمعها التقليدي الشمالي ومحاصرة بعضويتها في إطار عرقي وثقافي شبه عربي وقاصرة بعملها على منطقة جغرافية مخصوصة في السودان. ولربما كان يراود البعض فيها- إذا تذكروا معضلة الجنوب مع الاسلام أن يتمنوا انفصاله ليخلص الأمر لتقويم المجتمع المسلم دون خلاف في أصل الملة» ، ويرى الاستاذ محمد أحمد عبد الحي ان قيادات المؤتمر الوطني في صراعها مع قيادات الحركة في سياق اثبات وحدويتهم مقابل انفصالية الحركة الشعبية انما يتعاملون بمنطق رمتني بداءها وانسلت . ومن هنا يمكن قراءة تصريحات سلفاكير المتماهية مع الشعارات التي ظلت ترفعها الحركة والمنادية بوحدة على اساس جديد.