الشريكان … وعودة الداء القديم … بقلم: علاءالدين محمود

 


 

 

alaaddinadwa@hotmail.com

 يبدو ان التصريحات التي ادلى بها دينق الور وزيرالخارجية والقيادي بالحركة الشعبية والتي طالب فيها باستمرار المحكمة الجنائية الدولية في اجراءاتها بحق توقيف عمر حسن احمد البشير رئيس الجمهورية  ، يبدو ان تلك التصريحات في طريقها الى ان تصبح مدخلا الى عودة التشاكس الذي طبع العلاقة بين شريكي نيفاشا ، المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان ويبدو ذلك واضحا من خلال ردة الفعل القوية والمستنكرة من طرف المؤتمر الوطني الشريك الاكبر في حكومة الوحدة الوطنية عندما طالبت شخصيات حكومية تابعة للمؤتمر الوطني بأخضاع وزير الخارجية دينق ألور، للمساءلة من قبل رئاسة الجمهورية فور وصوله من واشنطن التي يزورها حالياً بينما اتهم اخرون في المؤتمر الوطني الحركة الشعبية باتباع أسلوب المداهنة السياسية ولعل هولاء يشيرون الى موقف الحركة الشعبية المتضامن مع الرئيس في اعقاب مزكرة التوقيف الشهيرة عندما اعلنت الحركة الشعبية على لسان اكثر من قيادي داخلها في مقدمتهم سلفاكيرميارديت رئيس الحركة تضامنهم مع الرئيس ويبدو هنا ان تصريحات دينق الور لم تزل بردا وسلاما على بعض منسوبي المؤتمر الوطني داخل الحكومة من الذين ثارت ثائرتهم وطالبوا بالتحقيق ليتخطى الاتهام من قبل المؤتمرالوطني دينق الور قائل التصريح الى كل الحركة الشعبية لتحرير السودان بالمداهنة السياسية . غير ان هذا الرشاش اللفظي بين الفريقين ليس هو الاول فمنذ لحظة توقيع اتفاق تيفاشا للمصالحة الوطنية بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية اتسمت العلاقة بين الشريكين بمثل هذه الاتهامات والسباب المتبادل اضافة الى سلوكهما في تنفيذ اتفاق المصالحة الوطنية (نيفاشا) والذي غلب عليه طابع الابتزاز المتبادل والمساومات والمشاكسات حتى صار مهددا للاتفاق ومنزرا بالعودة الى مربع ماقبل الاتفاق وهو مربع الحرب وتبرز هنا مقولة الراحل الشهيد د جون قرنق   ( تنفيذ الاتفاقية أقل تكلفة من الحرب )  ولكنها المقولة التي لم يفهمها اي من الشريكين ويبدو جليا ان محصلة السير في هذا الطريق من قبل الشريكين الوطني والشعبية هو القضاء المبرم على اتفاق رأى فيه السودانيون ـ رغم قصوره جهة نظره للمشكل السوداني كصراع بين شمال وجنوب دون النظر الى الازمة السودانية في شمولها بحيث تشمل مطالب المجموعات المتعددة ـ أكبر محاولة للخروج من الأزمة السودانية وبالتالي رحبت به القوى السياسية رغم اختلالاته تلك باعتبار انه وكما يقول محمد علي جادين القيادي بالبعث السوداني اعلن نهاية الحرب الاهلية في السودان وفتح الطريق لتحقيق السلام والاستقرار ومواجهة الازمة السودانية المستعصية بكافة جوانبها مما يشير الى نهاية مرحلة تاريخية كاملة ودخول مرحلة جديدة في تطور السودان السياسي في تاريخه الحديث باعتبار ان الاتفاق يعمل على اسس محددة تختلف كليا عن الاسس التي ظلت سائدة طوال القرن الماضي، ولكن القراءة المتأنية لمسيرة الشراكة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية تبرز حجم التناقضات والمشاحنات التي عصفت بالوعود التي ظل يبذلها الشريكان من ان تعمل الفترة الانتقالية على تهيئة المسرح لنظام جديد يتجاوزها وتقوم على اسس اكثر صلابة  بالسند الشعبي وتوافق اطرافه على برنامج اكثر واقعية. وهذه المشاحنات اضعفت كثيرا من اداء الحركة الشعبية في الفترة الانتقالية اضافة الى عوامل عدة يقف على رأسها هيمنة المؤتمر الوطني وهذا ما يشير اليه مال الحال بالاتفاق ولا يزال حزب المؤتمر الوطني يرغب في الشراكة على ان تعمل على تحييد الحركة الشعبية محض شريك صغير!! ويبدو ان هيمنة ومحاول الهيمنة من  قبل المؤتمر الوطني بدأت منذ الدخول في مرحلة الشراكة فقد حشد المؤتمر الوطني كل امكانياته وخبرته السياسية لجعل الحركة شريكا صغيرا في الحكم عبر لعبة المناورات، ومحاولات الابتلاع حتى انتهى به الحال الى محاولة جر الحركة الى تبني مواقفه ونتائج ممارساته السياسية كاملة ولعل هذا هو الذي خلق الموقف الاخير من تصريحات دينق الور  . ويبدو ان المطلوب والملح حاليا هو  ابتعاد الشريكان عن هذه اللعبة الخطيرة ـ الابتزاز‘ السباب ، المناورات ـ المهددة للاتفاقية والاتجاه صوب الانحياز جهة التنفيذ الخلاق لبنود الاتفاق بندا بندا بحسب تعبير الرئيس البشير عندما أكد من قبل مثل هذا الالتزام ولكن يبدو واضحا وجليا ان الاختلاف في شكل وتكوين الشريكين وتباعد الثقة بينهما وعدم توفر الصدقية اللازمة يلجيء الشريكين الى تغليب منطق المناورات والمساومات والابتزاز والاتهمات بدلا عن الاتجاه نحو تنفيذ الاتفاق متجاهلين انهما على مشارف نهاية فترة انتقالية ومقبليين على مرحلة الانتخابات وبالتالي التحول الديمقراطي والتي له مستحقاته أوكما يقول الواثق كمير القيادي بالحركة فان  التحدي الأكبر إمام قيام انتخابات حرة ونزيهة هو أن اتفاقية السلام الشامل جمعت في الحكم بين حزبين يملكان رؤى مختلفة جذرياً لتطور البلاد. ويتسال كمير: هل استطاع الشريكان في الحكم بناء شراكة صادقة و فعالة أم أنهم سيواصلان تصفية خلافاتهما عبر وسائل أخرى؟ ودون ان يجيب يمضي مؤكدا إن تجربة الثلاث سنوات الماضية أظهرت أن الصراع ظل محتدما بين طرفي الاتفاقية وأن كل منهما قد ظل متمسكا بموقفه الأيديولوجي مما جعل مسار تنفيذ الاتفاقية متأثرا سلباً باستمرار هذه الخلافات وما أفرزته من مشاكسات بين الشريكين. طفت هذه الخلافات على السطح أكثر من مرة وتمثلت في الشكاوي الخطيرة من قبل قيادات الحركة الشعبية حول سير عملية إنفاذ بعض بنود الاتفاقية، لعل أبرزها قضايا مثل برتوكول ابيي، الترتيبات الأمنية، عوائد البترول، وترسيم الحدود. اتهمت الحركة الشعبية أيضا شريكها المؤتمر الوطني بتحويل مفوضية المتابعة والتقويم المستقلة والمنشأة بموجب الاتفاقية إلى مطية لتمرير قراراته، بينما ظل المؤتمر الوطني مدافعا عن موقفه وبتطبيقه النزيه للاتفاقية. ليس هذا وحسب، بل قامت الحركة الشعبية بتعليق مشاركة وزرائها الفيدراليين والولائيين عقب الأزمة التي أفرزها تقدير الحركة الشعبية لمسار تطبيق الاتفاقية والإحساس بانتهاك الشريك في الحكم لبنود رئيسية في الاتفاق. ويخلص كمير الى سؤال : هل سيتمكن الشريكان من تجاوز خلافاتهما العميقة وتهيئة المناخ لانتخابات حرة ونزيهة، تقود بدورها لإجراء الاستفتاء على تقرير المصير في جو سلمي؟     . ويبدو ان مثل هذه التساؤلات التي دفع بها كمير لن تجد اجابة لها الا من خلال المسار الصحيح لتنفيذ الاتفاق والانحياز من قبل الشريكين جهة التنفيذ بالابتعاد عن مثل تلك الممارسات الي طبعت علاقتهما   

 

آراء