الشعوب السودانية بين التغييب والغياب والتضليل والتطبيل

 


 

فيصل بسمة
22 January, 2024

 

بسم الله الرحمن الرحيم و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

ساقت الأقدار و الحظ العاثر صاحبنا إلى مشاهدة مقابلة أجرتها قناة إسكاي نيوز عربية تُسَوِّقُ فيها الجهة الممولة للقناة قآئد مليشيات الجَنجَوِيد (الدعم السريع) محمد حمدان دَقَلُو (حِمِيدِتِي) كرجل الدولة السودانية القادمة التي يجري تكوين أجنتها في مختبرات تقع فيما ورآء بحر المالح!!! ، و قد أحدثت تلك المقابلة ، التي جرى تمثيلها و إخراجها مسبقاً و بصورة رديئة ، في صاحبنا الكثير من القلق و الإكتئاب ، و سببت له حالة غثيان و تقيؤ إستمرت لفترة من الوقت ، و ذلك بسبب ما إحتوت عليه الحلقة من نفاق و أكاذيب و تضليل للرأي العام...
و لقد إِبتُلِيت بلاد السودان بالعديد من الطغاة و القادة أصحاب العاهات النفسية و بعقود طويلة من الحكم العسكري المستبد و الأنظمة الدكتاتورية ، و مما ساهم و ساعد على إطالة أمد الطغاة و الأنظمة الشمولية: القمع و ترويج فكرة القآئد الطاغية و تلميعه مع التضليل/التطبيل الإعلامي المكثف المصحوب بعمليات مسح/غسل/برمجة أدمغة الجماهير و تسويق و ترويج ”الفكر“ الأحادي و كذلك الإرتهان للأجنبي بدعاوى شتى ، و هذه الألاعيب هو عين ما مارسته و لا زالت تمارسه الأجهزة الأمنية و الإعلامية للجنة الأمنية العليا لنظام الجماعة الإنقاذية المتأسلمة (الكيزان) و مليشيات الجَنجَوِيد (الدعم السريع) المتمردة...
إن من أسباب الأزمة السودانية الحالية/المزمنة و إستدامتها غياب أصحاب المصلحة الحقيقية من الشعوب السودانية عن المشهد السياسي ، و شح إسهاماتهم في الأمر العام ، و إحجام غالبيتهم عن إبدآء الرأي فيما يخصُّ حياتهم و شؤونهم ، و تقاعسهم عن الفعل و العمل ، و ضعف إيمانهم في إمكانية إحداث التغيير...
و يتراوحُ الغيابُ بين:
- التغييب القهري/القسري:
و هو ما مارسته و فرضته الطغم العسكرية الدكتاتورية التي توالت على الحكم و السلطة منذ رحيل المستعمر (المحتل) البريطاني ، و قد ساعدتهم في مسعاهم المدمر ذاك أتباعهم من جماعات ”النخب المستنيرة“ التي تم تدجينها و تأليفها بالمناصب و الألقاب و الإمتيازات...
و يتم التغييب عن طريق إستخدام إستراتيجيات و وسآئل و أساليب متعددة منها: ممارسة القمع و البطش و الإرهاب المفرط ضد المعارضين و إستغلال الدين و خلط المفاهيم و إرباكها و تكثيف نشر الأفكار المضللة و تشجيع النزعات الفردية و القبلية و الجهوية و تسهيل التعليم السطحي و منح الدرجات العلمية من غير إستحقاق مما يُفَعِّلُ الجهل المعرفي و المهني و كذلك الإرتهان للنظام ، هذا بالإضافة إلى تشجيع النشاط الإقتصادي الطفيلي و ثقافة الإستهلاك و تزيين الفساد و الإنتهازية و المصلحة الذاتية...
- الغياب الطوعي:
و من مظاهره اللامبالاة و الخنوع و العجز و القصور و التقاعس عن القيام بالواجب و أدآء إستحقاقاته التي ربما تضمن التضحيات الأجسام ، و مما يساعد على الغياب الطوعي إنتشار ثقافة الخنوع التي ينشط في تسويقها أتباع و أجهزة النظام القمعية ، هذا إلى جانب ترسيخ مفاهيم حتمية الرضا و القنوع بالأمر الواقع و عدم الخروج عن طاعة ولي الأمر و ترويج فرضية أنه لا يوجد بديل ، و أن البديل هو الفراغ و الفوضى و الطوفان...
و رغم هذه الضبابية إلا أن الشعوب السودانية حاولت مراراً الفكاك من دوآئر التغييب القسري و الغياب الطوعي و التضليل الفكري و التطبيل الإعلامي ، و تشهد على ذلك عدة ثورات/إنتفاضات لم تُجنَىَٰ ثمارها بسبب التحالف التاريخي اللعين بين العسكر و بعضاً من النخب الإنتهازية من جهة و التدخلات الأجنبية من جهة و التقاعس/الإحجام/العجز من قبل القادرين من الشعوب السودانية من جهة أخرى...
الخلاصة:
المشهد السياسي السوداني الحالي يبين أن: الحرب و الفوضى و المعاناة العظيمة و عقود ممتدة من القمع و التغييب و الفكر الضآل و تغبيش الحقآئق بواسطة المكآئن الإعلامية المضللة/المطبلة للجماعة (الكيزان) و مليشيات الجَنجَوِيد قد قادت إلى ضبابية في التفكير لدى الكثير من أفراد الشعوب السودانية ، و ساقت طوآئف منهم إلى الإصطفاف خلف قَاتِلَين/سَفَّاحِين كلاهما من إنتاج مصانع الجماعة (الكيزان) الشيطانية ، التي تسعى إلى إخماد جذوة الثورة السودانية بكل الوسآئل و بشتى الدعاوى...
و المؤكد هو أنه لا مجال للقتلة و السفاحين و حلفآءهم في السودان الجديد ، و أن لا فكاك من هذه الدوآئر الشيطانية إلا بالعودة إلى مربع الثورة الأول و مواصلة النضال/الكفاح و تنقيحه و تجويده من أجل تحقيق شعارات الثورة الخالدة التي هزت ثم دكت أركان نظام الكيزان/الشيطان:
أي كوز ندوسو دوس...
حرية ، سلام و عدالة...
مدنية خيار الشعب...
العسكر للثكنات...
و الجنجويد ينحل...
و الحمدلله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

فيصل بسمة

fbasama@gmail.com

 

آراء