الشيخ الثمانيني الحبيس: نصرناك مظلوماً ، فتقبل نصرتنا لك ظالماً !!
شيخنا الحبيس :
ولفظ الشيخ لغةً يُطلق على من تقدم به العمر وبانت شيبته تكريماً ، أو الحافظ لكتاب الله تقديراً ، أومن فقه شأن الدين ومشى بالدعوة بين الناس هادياً ومرشدا ، أو ........ ، لذا : لك علينا الحق بمناداتك بهذا الأسم التقديري والتكريمي وإن تفرقت بنا مسارب الوفاق الفكري والسياسي ، ففي بلاد غير هذه البلاد التي تاهت فيها القيم وضلت الأخلاق سبيلها ، في بلاد الكفر التي تجرد فيها الناس والحكم عن الدين تماما نجدهم بحسهم الإنساني الرقيق الراقي يحترمون ( الإنسان ) ويرعون حقوقه المادية والأدبية ، فنجدهم يخاطبون ( مجرميهم ) بلفظ ( سيدي ) وهم يلقون عليه القبض بعد أن يتلون عليهم حقوقهم !!؟ لكنهم عندنا ، وإن تدثروا بالدين ، يرسلون لنا الرسل والرسائل توبيخاً وزجراً إن حفظنا لكم حقكم الأدبي و ناديناكم بلفظ ( شيخنا ) ، أو نصرناكم لأن ظلماً قد لحق بكم !!؟؟
هؤلاء هم بعض الحصاد المر لدعوتك التي عكفت عليها جل عمرك ، أفلا يكفينا هذا سبباً أن ننصرك اليوم ههنا ( ظالماً ) بعد أن نصرناك قبلاً حين حاق بكم ظلمهم !!
سأفتتح قولي هذا بإعتذارٍ لك بأسم الشعب السوداني الكريم الرحيم ، وبإسم الإنسانية جمعاء على ما تعانيه في حبسك وأنت بعدك ( شيخاً ) قاربت الثمانين ، وأنت فينا مثل غيرك ممن هم بعمرك بمقام الأب والعم والخال والأخ الأكبر ، نعتذر لأن حكومتنا ( ولو أنها من صنع يديك ) لم ترع فيك قول نبينا الكريم الروؤف الرحيم ( ليس منا من لم يوقر كبيرنا ) ، نعتذر عما أصابك من القوم أولي القوة والبأس ، فقد كان يكفيك شفاعة أنك من قد أفنيت زهرة عمرك الطويل في خدمة الدعوة والفكر والإرشاد ، وأنك أنت من جعلت منهم ما هم عليه اليوم ، ونعتذر مقدماً عما قد يصيبك مما سنقول ، لكننا نعرف ما في ( الحبس ) من براحات للتفكر والتدبر ،
وقبل أن أبدأ لأبين ما أحسب أنك كنتَ فيه ( ظالماً ) ، وأؤكد هنا أنني لا أجد فيما سيرد سبباً مقنعاً لنراك اليوم ( مظلوماً ، محبوساً ) ، برغم أن ما سأورده أدناه هو ما قادنا وقاد البلاد ثم قادك لما أنت ونحن عليه اليوم ، وسأظل أكرر صياحي حتى ينشرخ حلقومي مطالباً بإطلاق سراحك :
1. أخطأت شيخنا ، فظلمت حين : أستعجلت ثمرك فحرقت شجرك ،،
أستعجلت ثمار جهدك وجهد حركتك في تغيير أحوال السودان فأغراكم ما وصلت إليه حركتكم من قوة وتنظيم ، وما وصل إليه غيركم من ضعف وفقدان بوصلة ، فقفزتم بليل على ظهر دباباتكم على حكم ديموقراطي منتخب من الشعب عبر إنتخابات شاركتم فيها ، ونلتم ثقة الشعب بها ، وواثقتم الناس عليها فنقضتم ميثاقكم وأنقلبتم عليهم ، لو صبرتم على الديمقراطية تلك لقادتكم للتغيير الذي ترجون ولو بعد حين ، كما قادت أخوانكم في تركيا ، على سدة هادئة مستقرة يحكمها ويحميها القانون والحقوق والواجبات لا السلاح والقهر الأمني والإعتقالات !! ولإن أعترفت أنت بذلك بنفسك مرات ومرات ، إلا أن ذاك الإعتذار لن يعفيك عن مسئؤلية أخلاقية و تاريخية تكفي لتفقدك الأهلية السياسية ، دستورياً ، قانونياً وشعبياً ، وكانت وكادت ( خطئتك ) هذه التي أعترفت بها تكفي لتفقدك وحركتك الإسلامية الحق بالقانون والمنطق في ممارسة أي عمل سياسي لاحق ، وربما فعلت إن تغير هذا النظام بثورة شعبية كما تطالب ، وما التجمع الدستوري التونسي عنك ببعيد ، فالله قد يغفر لك ذلك ويتقبل إعتذارك لكن القانون لا يقبل . وهأنتذا تعاود الكرة فينا مرة أخرى لتجرب سبيلاً آخر لا يقل خطلاً عن سابقه للتغيير ، بطعن الوطن في خاصرته غرباً وشرقاً ، أو إحداث الفتنة والفوضى داخلياً في هذا التوقيت الحساس والخطير .
2. أخطأت شيخنا ، فظلمت حين : أهدرت الفرصة النادرة وتلاحق الفاترة ،،
أما وقد فعلتموها ودانت لكم البلاد ، فقد منحك الله بذلك الفرصة الذهبية الفريدة لإصلاح الحال وإقامة دولة الإسلام المثال بالسودان ، فما عرف التاريخ الحديث في العالم عن حركة إسلامية أن تمكنت من السلطة منفردة كما حدث لحركتك ، فترامت إليكم الأنظار والأسماع من صديق وعدو من كل الأصقاع لترى ما يستطيع الإسلام وحركاته السياسية أن تقدم للعالم في العصر الحديث ، ولتستيقن صحة ما ظللنا نردده من صلاحية الإسلام ونظامه السياسي والحضاري والإنساني لكل مكان وزمان ، ومن أسف لقد تسربت الفرصة النادرة من بين يدي تهاونكم كما يتسرب الماء من ثنايا الأصابع المشرعة ، فصار السودان في ظل حكم حركتكم وما زال مثال لفشل تجارب حركات الإسلام السياسي في السلطة ، وهل من فشل ، تتشاطرون ذنبه ومسئوليته مع تلامذتكم الحاكمين ، أعظم من العجز عن تنزيل قدرة الإسلام على تحقيق تعايش الأديان في وطن واحد ، فكان الإنفصال ؟ وهل من فشل أعظم من أنك وحزبك الشعبي ( حركة إسلامية ) ومن ناصرك من أخوانك بغرب السودان ( حركة إسلامية ) تُعدان العدو الأشرس لحكومة المؤتمر الوطني ( حركة إسلامية ) التي تحكم السودان ، وأنكم ثلاثتكم مجتمعين ( حركة إسلامية ) تُعدون السبب الأول الأكبر في ما يسود وما سيسود ما تبقى من السودان من عدم إستقرار وما يعانيه مواطنه من عنت وضيق نتيجة لعدم الإستقرار هذا ؟
3. أخطأت شيخنا ، فظلمت حين : أستبدلتم الإستخلاف ، بالتمكين والإستبداد ،،
فما أن مكَن الله لك ولحركتك في السودان ، وأستخلفكم في الأرض حكاماً ليرى ماذا أنتم فاعلون حتى طاشت سهام عقلكم ، وتاهت بكم بوصلة تخطيطكم ، وأستحوذت عليك شياطين طغيان القوة والسلطان ، فتناسيتم عدل ورحمة وحكمة الدين فأستبدلتموها بقهر وجبروت السلطان ، فعاث تلامذتك ، بعلمك وأمام ناظريك ، في الناس والأرض فساداً وظلماً ، بتشريد الناس وقطع أرزاقهم والتضييق عليهم في حرياتهم ، في مقابل بسط السلطة والقوة والرزق والتسهيلات لمن والاكم ، فصار الناس فيكم فئات ودرجات وتصنيفات ومسميات ( بدريون ، أنصار ، مهاجرون أوائل ، مجاهدون ، قاعدون ، طابور ، وغيرها ) فأصبح إلصاق المسمى بشخص يكفي لينال ما يقابل ذلك المسمى من خيرات أو ويلات ، وإن إستمر هذا السلوك إلى يومنا هذا فأنت يا شيخنا اكثر من يُسأل عنه وبه يحاسب ، فقد كان الناس من حولك ( دوائر ) تقرب منهم من تشاء وتبعد من تشاء بغير حق ، فإنداح ذلك منك على قادة الثورة إلى أدنى مستوياتهم فصار هو الديدن الذي نعايشه إلى يومنا هذا ، وما ينالك اليوم من تلاميذك من قمع وتتضييق وظلم ما هو سوى شظايا مما أصاب شعب البلاد وبقية قواه السياسية ، بل ومارسوا ما هو أقبح منه وأنت بينهم تمشي وتحكم ، وأنت فيهم المرشد والحاكم بأمره . لم ولن نرضى لك ولا لغيرك ولا لهم هم أنفسهم ان يشربوا من هذا الكأس ، إنما أقول ذلك لأثبت ما لكم من دور ونصيب من المسئولية الأخلاقية عن ذلك.
4. أخطأت شيخنا ، فظلمت حين : رفضت القمم وآثرت السفوح ،،
حين نصحك المخلصون وقد دانت لكم السلطة بالسودان ، أن تترفع عن الخوض في وحل السياسة ومكايداتها وأن تتولى مهام التوجيه المنهجي والإنتاج الفكري والتنظيرالتأصيلي بعيداً عن العمل التنفيذي المباشر، رفضت البقاء حيث يليق بك وقررت الهبوط إلى سفوح وأوحال السياسة ، وظللت تناطح وتنافح وتكايد تلاميذك ، حتى نابك منهم ما أصابك ، ولو أنك أستمعت النصح لأثريت ساحات الفكر بما يفيد ، ولصرفت عن السودان وعن نفسك من المصائب الكثير ، ولأستفاد من علمك في العالم الكثيرون .
5. أخطأت شيخنا ، فظلمت حين : إعتدت على التعالي ورفضت التواضع ،،
فظللت على شأنك القديم قبل تمكين الله لكم بالحكم ، وبعده ، ثم قبل إنشطار رمضان الشهير وبعده ، ومنذ أن عرفناك ( من بعيد لبعيد ) وعرفك الناس عامة والمقربين منك خاصة ، معتدأ بنفسك إعتداداً يخالطه ويشوبه الكثير من الغرور ، ومترفعاً بروحك ترفعاً مذموماً فارق بينك وبين أقرب الناس إليك ، وحال بينك وبين قلوب الكثيرين من داخل حركتك ومن عامة الناس ، فالتواضع وخفض الجناج واللين في القول والعمل كان شيمة الأنبياء والرسل وأصحاب الرسالات وقادة الأمم وأبطالها على مر التاريخ ، والقائد الناجح في السلم والحرب هو من يملك قلوب أفراد قوته قبل عقولهم ، ومن أشعرهم بأنه منهم وليس فوقهم ، ومن شاورهم بالأمر وإن عرف الرأي الصائب والحكيم ، ويحكي الناس ، ومنهم المقربين منك ، أنك ما كنت كذلك قط ، وأنك كنت بكاريزميتك المعروفة ولسانك ( اللاذع ) تدير رؤوس من يخالفوك الرأي فتجعلهم يوافقونك قهراً وقسراً أو يصمتون عن البوح خوفاً ، وأنك كنت تسلق ظهور من يخالفونك بلسان السخرية والإستخفاف بل والإغتيال المعنوي والإقصاء ، وأنك بما وجدت في قلوب البعض من محبة ورجاء وفي قلوب الآخرين من رهبة وخوف قد نصبت نفسك عليهم ( رباً ) ، لا أقصد ذاتاً إلهية ، وصيرت فيهم رأيك ( الحاكم بأمره ) ملزماً لا مجال فيه لشورى ، لا تتراجع عنه ولو قالت الأغلبية بغير ذلك ، ولعمري لقد جرت علينا هذه ( الخطئية ) السلوكية والفكرية والتنظيمية ( مذكرة العشرة ) و ( المؤامرات العشرة ) التي قادت لشق صف الحركة الإسلامية السودانية التي أبتلى الله بحمكها البلاد ، وبالتالي قادت البلاد أجمع إلى ما هي عليه اليوم من إحتقان ومشاكل وضيق وعنت ومشقة .
6. أخطأت شيخنا ، فظلمت حين : أخذتك عزتك بالأثم فرفضت التصالح ،،
حين إنشق الصف في رمضان الشهير ، كنت أنت الأجدر بالحكمة والمرونة والقدرة على تخطي الخلاف ، وكان عشم الحادبين أنك بذلك كفيل ، لكنك ( فشلت ) في الحفاظ على بنيانك فإنشرخ ن وأعجزك التوفيق بين أخوتك فإنقسموا ، بل وكنت أنت من يشعلها إن صارت إلى إخماد أو زوال ، وقد توافدت الجموع من الداخل ةالخارج لرأب الصدع فشهد معظمهم بأنك أنت من كنت تتعنت في التجاوب مع محاولات إصلاح البين ، فأنظر ، هداك الله وفك أسرك ، أين قادنا هذا الشقاق ن وماذا فعل بسوداننا وبأهلنا المساكين في دارفور وبك أنت ونحن ؟
7. أخطأت شيخنا ، فظلمت حين : إرتددت على المبادئ والقيم ، لا على مُدعيها ،،
حين وقع الشقاق ، كان العشم أن تتبع حكمة الشيخ حسن البنا ( أن نعمل سوياً على ما نتفق عليه ، ويعذر بعضنا البعض فيما نختلف فيه ) كان العشم أنك من ستظل على عهدك بما ظللت تنادي به لا تنكره ولو أتى به أعداءك ، وكان العشم وقوفك بصف كل عمل صائب حتى لو أتى به من خالفوك ، وإنكار كل عمل خائب يأتي به من ناصروك من أطياف المعارضة السياسية الأخرى ، لكنك وجدناك تعلن العداء المطلق والرفض لكل عمل يأتي به خصومك ولو شهدت الجميع بما فيه من خير ، وبل وطفقت تنكر حتى قيم الجهاد والإستشهاد التي كنت أنت من أعليتها وسرت بها بين الناس سنيناً عددا ، وحين إنشق صفك سمعناك تسبط الناس وتحبط الهمم عما ظللت تنادي به ، وطفقت كيداً لتلاميذك ، تنكر الخروج للجهاد ، بل وعددت من مات فداء وطنه من خيرة أبناء الوطن ( فطيس ) !! وبلغ بك الفجور في الخصومة أنك في حين ما زلت ترفض الجلوس لتلاميذك لرأب الصدع ، تسعى ركضاً للتحالف مع من بينك وبينهم بُعد المشرق والمغرب ، من طائفية مذمومة وعنصرية علمانية مبتوتة ونراك اليوم في سرب كل نطيحة ومتردية من بغاث طير الفكر والسياسة !!
شيخنا :
طال الحديث وقد أردناه مختصراً ، وما زال في الخاطر الكثير وما زال بالمداد بقية ، نمسك البقية ، ونكرر الرجاء لله العلي القدير ، مخلصين ، أن يتقبل منك جهاد عمرك الطويل الذي افنيت زهرته في خدمة الدعوة والفكر والتأصيل ، وأن يجزيكم بأجرٍ عما أجتهدتم فأخطأتم فيه بحسن نية ، وأن يغفر لكم ما أخطأتم فيه بسوء قصد أو نية ،
ونكرر الدعاء ، زمراً ، أن يفك الله أسرك وأن يحفظك بعافية وصحة وحرية ، فما زلت من عاليات القمم التي يرجى منها الكثير ، وما زلت من عظيم الشجر التي يرجى منها أطيب الثمار ، وما زال للعالم فيك من العشم الكثير .
دمت سالماً ، وكفى
ودمتم سالمين
With Love , Respect & Best Regards
Engr. Hilmi A. M. Faris
Hilmi Faris [hilmi.faris@hotmail.com]