الشيطان عندما اعتنق الإسلام !!
salimahmed1821@yahoo.fr
------------------------------------------------
كنا نسمع أن الشيطان يقف دائما في جانب الغواية ..
الشيطان هذه المرة اعتنق الإسلام ويمارس الفتوى والهداية!
سالم أحمد سالم
------------------------------------------------
الحلقة الأولى من هذا الحديث جاءت تحت عنوان: "الذين سعوا إلى رمي الرسول الكريم بالغش والتزوير" وفي المبتدأ اعتذر عن تأخر نشر هذا الجزء الثاني، فهو تأخير قد فرضته نفس الظروف التي تدفعني للكتابة! .. نعم هي نفس الظروف التي تتمدد بثقلها الخانق على طول المجتمعات السودانية وعرضها تهرشها بمهارش من حديد وتهرس عظامها .. ظروف تتجسد في خصوصيات السواد الغالب من الشعب السوداني في داخل البلاد وخارجها، وأنا منهم. هي ذات الظروف بكل تداعياتها قائمها وحصيدها، تبشر علاماتها بما هو أشد وخامة وفداحة إن كان هنالك أفدح و"أوخم" مما هو كائن! هي هذه الظروف والمنقلبات الحاكمة المستحكمة التي نواجه ونواجهها نحن بدورنا بما أوتينا من قوة البيان.
فنحن لا نقاتل الحكومة الراهنة على عقال بعير، بل نعمل على عتق وطن من بين براثنها وأنيابها، وطن أدنى من قاب قوسين أن لا يكون .. نقاتلها على حق امتزج فيه العام بالخاص .. أفلا نترك للتاريخ ولو أثارة من حروف مقاتلة؟ بلى وربي. حروفنا جميعنا، متى ما صدقت، هي بذور وطن ينمو من جديد .. ينهض من جديد من تحت رماد الحرائق كأروع ما تكون الغابات بثمارها وشقشقة عصافيرها ونسورها وكواسرها .. ونحن .. فالأوطان والشعوب تقهر إلى حين، لكنها لا تنهزم ولا تموت إلى أن يرث الله الأرض ..
ونسبة للترابط بين هذا الجزء الثاني والجزء الأول وما يستتبع من أجزاء، وإن اختلفت العناوين، ألتمس قراءة الجزء الأول حتى يتساوق السياق. على أية حال، فقد ختمت الجزء الأول بالفقرة التالية:
(عام 93 .. أقذر عملية نصب واحتيال .. !: ملايين ملفات الظلم، لكننا نمسك بأول ملف صغير يقابلنا، هو ملف ما جري في انتخابات اتحاد طلاب جامعة الخرطوم عام 1993. البعض يسمون ما حدث آنذاك تزويرا، لكن الواقع أنه كان جريمة نصب واحتيال وسرقة منظمة ينبغي أن يحاكم من ارتكبوها وحرضوا عليها تحت طائلة القوانين الجنائية. سوف نأتي على التفاصيل الكاملة لهذا الملف بشهادة الشهود ومن بينهم من كان ينتمي إلى هذه الحكومة وشارك في تلك العملية. في هذا الملف لم تتورع جماعة الحكومة عن المضي إلى أقصى درجات الفسق عندما حاولوا وصم الرسول الكريم محمد بن عبد الله بالسرقة والنصب والاحتيال فقط من أجل تبرير جريمتهم. سوف أترك الشهود يدلون بشهاداتهم دون تدخل في نص شهاداتهم ..) انتهت الفقرة.
شهود الإثبات:
نعم سوف اترك الشهود يتحدثون عما جرى في انتخابات اتحاد جامعة الخرطوم عام 1993 في سابقة، أو بالأحرى في واحدة من أغرب الجرائم المزدوجة التي جمعت بين الجريمة المنظمة وجرائم اغتصاب الحقوق المدنية وانتهاك الأخلاق داخل مؤسسة تربوية. الشهود هم الطلاب الذين عاصروا تلك الانتخابات وشاركوا فيها. ستتعرفون من خلال شهادات الطلاب، آنذاك، والتي نشروها في موقع "سوادنيزاونلاين" كيف أن الحكومة الراهنة خططت للجريمة قبل شهور وبنت جدارا مموها وممرات وأبواب سرّية وانتحلت شخصية وملابس الشرطة وقامت بسرقة وباستبدال صناديق الانتخابات .. بينما عشرات الطلاب يحرسون مدخل الغرفة من الخارج! .. وليت الأمر توقف عند حدود جرائم السرقة والتزوير والاحتيال، بل زعم أئمة الحكومة أن الرسول الكريم قد أمر بذلك .. !!
أترككم مع شهادات الشهود، وأنسحب ثم أعود لاحقا.
الأمين محمد علي:
كان التزوير في تلك الانتخابات شيئاً شيطانياً لا يمكن لعقل أن يتصوره ولن يبلغه أي خيال مهما شطح خبثه. ومازالت مرارة هذا الأمر طازجة في فمي. كانت الدهشة اكبر عند المؤيدين الذين لا يدرون ما حدث .. كان لي منهم أصدقاء. لمحت في أعين بعض صادقيهم إحساساً بالذنب، وبعضهم اعترف بما حدث بعد سنوات وكانت كثير من الأشياء قد تبدلت .. صديق خبيث قال لي: يا أخي ديل المسيخ الدجال وآخر قال سيستمر هذا الوضع عموماً حتى نتحول لشياطين مثلهم! .." وعندما رفض الطلاب التزوير، تم اعتقال حوالي 50% من طلبة وطالبات الجامعة، وحدثت ممارسات أثناء تلك الاعتقالات من أفراد جهاز الأمن يندى لها الجبين .. ومن الكيفية التي تم بها التزوير وصولا لآلية التبرير، وهي الفتوى طبعا، تكتشف أن التزوير ربما يصل عندهم حد العبادة. والسؤال: من الذي يتخذ قراراً مثل قرار التزوير داخل هذا التنظيم؟ وهل تحدث من الداخل احتجاجات ويثور العقل في وجه فتاوى فقه الضرورة؟ ..
الصادق الزين:
الذي جرى في عام 92-93 من تزوير حالة تصلح أن تكون ضمن مقررات كلية القانون حتى يتعرف القانونيون على نموذج من الأساليب الفاسدة التي تنتهك حقوق الناس .. التزوير بدأ يومها من تكوين لجنة حافظ الشيخ الزاكي عميد كلية القانون وقتها. تلك اللجنة أصرت وتعنتت رغم رفض أعضاء لجنة الطلاب المكونة آنذاك من مختلف القوى السياسية بالإضافة للطلاب المحايدين. فقد أصر الزاكى ولجنته أن تجرى الانتخابات في يومين بدل يوم واحد وهو الشيء المتعارف عليه في كل انتخابات اتحاد طلاب جامعة الخرطوم السابقة. رفضت اللجنة والتي من بين أعضائها د. عوض السيد الكرسني رئيس شعبة العلوم السياسية آنذاك. ولكن رغم شعورنا بان ذلك قد يقود إلى تزوير، لكننا كنا أكثر إصرارا على هزيمة الكيزان لأننا كنا نعرف عضويتهم على أصابع اليد في مقابل 12000 طالب تمثل مجموع طلاب الجامعة في تلك الفترة. ولذلك كنا واثقين من كنسهم من الاتحاد إلى الأبد، وقد تعاهدنا وتواثقنا على ذلك ونزلنا نحن الطلاب الوطنيين في قائمه واحده داعمين قائمة الطلاب المحايدين. المشكلة كانت حول استمرار التصويت إلى اليوم الثاني. فقد قررت لجنة الزاكى ترحيل الصناديق بعد انتهاء اليوم الأول إلى دار الاتحاد تحت حراسة الطلاب! قبلنا على مضض هذا الاقتراح ووجهنا كل القوى الوطنية للذهاب إلى دار اتحاد الطلاب لحراسة الصناديق. والله العظيم نحن لمدة 48 ساعة لم ننم قط بل ظللنا جيئة وذهابا من مراكز التصويت إلى دار الاتحاد. كانت الصناديق داخل غرفه مغلقه. وفى الصبح سيّرنا الصناديق من جديد إلى مراكز التصويت في هتافات مدوية معبره عن النصر الساحق الذي سنحققه على صبية الإنقاذ. ويعلم الله كانت كل الدنيا تنتظر وبفارغ الصبر ما تتمخض عنه انتخابات جامعة الخرطوم! بعد انتهاء التصويت في اليوم الثاني جرى الفرز الذي استمر إلى صباح اليوم الثالث ليعلن حافظ الشيخ الزاكي فوز قائمة الجبهة الإسلامية القومية وهو اسمها آنذاك وسط ذهول واندهاش الجميع. رفضنا النتيجة وقد قام النظام كما اليوم بإحضار أجهزته الأمنية وكيزان الجامعات الأخرى وفى مقدمتهم كيزان جامعة القران الكريم ... وركب فينا الخازوق وخوازيق البلد زادت فما أشبه الليلة بالبارحة!
هبة عثمان عبده:
أنا واحدة من الذين شهدوا تلك الأيام. واذكر كيف أننا توقعنا التزوير قبل أن يحدث، وتدربنا كثيرا حتى نضيق عليهم الخناق! ولكن خطتهم الشيطانية فاقت كل التصورات والتوقعات. بدأ اليوم الأول للاقتراع وكنت أنا مراقبة في مدرسة العلوم الرياضية عن حركة الطلاب المحايدين. وكنت احمل سجلا أدون عليه الملاحظات والأسماء، فلا مجال للنسيان! ونسبة لان كليتنا كان بها عدد محدود من الطلاب، فقد كانت القراءة الأولية لسجل الناخبين واضحة شديد بالنسبة لنا. لاحظت عدم دخول الكيزان للتصويت نهائيا خلال اليوم الأول، وكانت هذه هي أهم ملاحظاتي. وفي نهاية اليوم الأول للاقتراع، جاءت اللحظة التي سوف يحمل فيها الصندوق لمكاتب دار الاتحاد ليمضي ليلته هناك! كان المشهد مؤثرا جدا، وكلما تذكرته باغتتني دموعي .. خرج الصندوق من غرفة الاقتراع بالكلية يحمله العشرات من مختلف التنظيمات السياسية .. كان الصندوق محاطا بأذرع الطلاب وصدورهم، وكان العسكري المسؤول عن مراقبة وحماية الصندوق مندهشا من هذا المشهد .. وكان ممثلو الكيزان خلف هذا الموكب ... برود عجيب! وصلنا دار الاتحاد وسط جموع كبيرة من الطلاب الذين تواجدوا هناك لذات الغرض. فقد تم تسليم كل صناديق الاقتراع ليتم وضعها في غرفة خاصة حتى الصباح يحرسها العسكر والطلاب! وتم تسليم الصندوق ليدخل الغرفة المعدة (خصيصا) لذلك .. ! عدنا نحن الطالبات الداخلية فقد كان الوقت قد اقترب من الساعة 11 مساء وتركنا خلفنا صناديق الاقتراع داخل الغرفة محروسة من الخارج بعدد كبير من الطلاب. وفي الصباح، عادت الصناديق مرة أخرى لمراكز الاقتراع لتكملة الانتخابات في يومها الثاني والأخير. وفي هذا اليوم الثاني، ذكر لي بعض الزملاء انه أثناء الحراسة بدار الاتحاد وفي حوالي الساعة الثانية صباحاً قام الكيزان بالتهليل والتكبير ... بدون أي مقدمات لذلك ... واستمر ذلك لبعض الوقت .. وسرعان ما صمت المكان! وأظنها كانت اللحظة التي أعقبت عملية التزوير! لأننا وبعد أن استلمنا مواقعنا من جديد في مراقبة المركز في اليوم الثاني والنهائي للاقتراع، كانت أول ملاحظاتي حضور الكيزان للتصويت من الصباح بدري! هاتان الملاحظتان جاءتا في ملاحظات كل مراقبي التنظيمات السياسية !
محمد الأمين:
أحداث كانت تبدو عادية جداً .. منع الطلاب من دخول دار الاتحاد قبل الانتخابات بفترة بحجج غريبة تشبه حجة طباعة البطاقات التي لا تقنع عاقلاً .. أعمال غريبة في سينما النيل الأزرق .. الطلاب الذين جاءوا الساعة الثانية والنصف صباحا وهم يكبرون ويهللون لمدة لم تزد عن ربع ساعة ثم غفلوا راجعين .. كان كل شيء معدا بحيث لا تستوعبه عقلية إنسان عادي إلا إذا كان شيطاناً ..
عمار ياسين النور:
كنت شاهدا على تلك الانتخابات بحكم أنني كنت اعمل أستاذا في ذلك الوقت بالجامعة. لقد كانت كل المؤشرات والمسيرات الخطابية وإصرار الطلاب يبشر بهزيمة كبيرة للكيزان. هناك حادثة مهمة جدا. فقد قامت إدارة الجامعة متمثلة في عمادة الطلاب بعمل صيانة لدار الإتحاد قبل الانتخابات بحوالي أقل من شهرين. فعلا كان امرأ غريبا أن تقوم الإدارة بتلك الصيانة بالرغم من أن الإتحاد كان معطلا لمدة عامين ولم يكن هنالك أي نشاط ولا جهة طلابية تضغط على الإدارة لعمل هذه الصيانة! وأذكر جيدا انه خلال تلك الصيانة قامت الإدارة بمنع الطلاب من الدخول إلى دار الإتحاد نهائيا ومنعوا من المرور من خلال دار الإتحاد بالرغم من انه كان من الممكن أن يمر الطلاب حول المبنى اختصارا للزمن للوصول إلى شارع النيل .. خلال تلك الصيانة المريبة تم عمل الحجرة الصغيرة ذات الأبواب السرية التي استخدموها في التزوير.
محجوب حسن حماد:
لقد كنتُ شاهد أول على عملية التزوير في تلك الانتخابات وبكل مراحلها. فقد كنت عضوا في لجنة تعديل الدستور (لجنة عبد الرحمن الخليفة) وهو نفسه النقيب الحالي لنقابة المحاميين السودانيين .. بعدها كنت عضوا في لجنة الاستفتاء. وبعد إجازة الدستور كان من مفترض تتحول اللجنة إلى لجنة عليا للإشراف على الانتخابات حسب قرار مدير الجامعة مأمون حميدة. لكن عميد الطلاب د. أبو بكر الجوخ كان له رأي آخر، فأصدر قرارا يخالف دستور الاتحاد بتشكيله لجنة عليا أخرى للانتخابات برئاسة شخص يسمى زيدان عبده زيدان (تم تعينه بعمادة الطلاب قبل شهر من القرار وتم إعفاؤه بعد ذلك) وهذا الشخص كادر من مكتب الأمن والمعلومات الخاص بالاتجاه الإسلامي. كما استعان أبو بكر الجوخ وزيدان عبده زيدان ببعض كوادر الاتجاه الإسلامي غير المعروفين ورفضوا تمثيل القوى السياسية باللجنة بحجة الحياد، وبدأ التجهيز لمعركة التزوير مبكراً .. ولكن سيناريو نقل صناديق الاقتراع وعملية الفرز المركزي داخل دار الاتحاد (وهي تحدث لأول مرة في تاريخ الانتخابات بالجامعة) كان هو السيناريو المعد لعملية التزوير التي نفذها المزوران زيدان عبده زيدان وأبو بكر الجوخ ...
أسماء الأمين:
تلك الفترة لا تنسى .. لازلت اذكرها بدء من مقاطعة الامتحانات وما تبعها من أحداث ثم الاستفتاء والانتخابات والنكسة التي حدثت. انتظرنا نتيجة الانتخابات حتى الساعات الأولى من الصباح وكلنا ثقة في أن النتيجة لن تكون لصالحهم بأي حال من الأحوال. ورغم ذلك حدث ما أثار الدهشة والغبينة في دواخل الكثيرين.
طارق الكوتش: أشهد بعمليات التزوير الشيطانية في تلك الانتخابات وعلى كل ما ورد من معلومات لأنني كنت احد المرابطين بدار الاتحاد طيلة أيام الانتخابات ..
على عجب:
هنالك نقطة مهمة يجب ذكرها لعلاقتها الوثيقة بالتمهيد للتزوير. فقد اجري استفتاء بين التمثيل النسبي، الذي كانت ترفضه القوى الوطنية، وبين نظام القائمة، واذكر أن الفارق في نتيجة ذلك الاستفتاء أكد سقوط الكيزان بنسبة 70%. فقد كان ذلك الاستفتاء بمثابة قراءة حقيقة للواقع استفاد منها الكيزان في قراءة الواقع وحجم التزوير المطلوب إضافة إلي خطورة وضعهم داخل الجامعة. لذلك كانت انتخابات مصيرية تتطلب التزوير بأي طريقة .. مثلها مثل الانتخابات الحالية.
مواهب السيد محمد احمد:
كنت ضمن قائمة المرشحين في انتخابات اتحاد التزوير الشهير ضمن قائمة التجمع الديموقراطي والذي انسحب ودعم قائمة المحايدين. ورغم مرور هذه السنوات الطويلة، ظلت الجبهة الإسلامية على حالها تمارس التضليل والخداع. ما اذكره عن تلك الانتخابات وقتها أن التزوير تم بخدعة شيطانية .. أما الآن، على عينك يا تاجر وأمام أعين المراقبين الدوليين والمحليين وحتى ضباط الاقتراع يصوتون مع العجزة ويرشدونهم إلى رمز الشجرة! واللجان الشعبية واستخراج إثبات الشخصية والحبر المضروب. على الأقل تزوير انتخابات الجامعة تم إلى حد كبير بنوع من الحيلة والدهاء .. واذكر أن دار الاتحاد كانت مغلقة قبل الاقتراع بفترة أمام الطلاب بحجة الصيانة. وبعد الفرز قال الكيزان آنذاك أن الملائكة نزلت من السماء وصوتت لهم ضد قوى البغي والكفران! .. لكن من المفارقات أذكر أن احد مرشحي قائمة الإخوان المسلمين لم يحصل على أي عدد من الأصوات! وعلق المرشح بقوله انه صوت لنفسه فأين ذهب صوته؟ وقد استنكر مرشح الأخوان أن تكون الملائكة خطفت صوته وهو ليس من قوى البغي والكفر كما تدعى الجبهة !! واذكر جيدا نتيجة الانتخابات، فقد حصلت أنا على 11 صوتا ودكتور عمار إبراهيم من حزب الأمة حصل على أربعة أصوات فقط .. بعد فترة طويلة من تخرجنا من الجامعة قابلت رئيس اتحاد التزوير خالد محمد عثمان ولم أنس أن اذكره بأنه رئيس اتحاد اشهر عملية تزوير في التاريخ فرد ضاحكا "الحرب خدعة" وهو الآن موجود في الأمم المتحدة بعثة السودان.
فتح الرحمن خلف الله:
إن مرارة ما جرى لم تمسحها 17 سنة. اعتقد زي ما تفضلتم جميعاً في تحليل وربط الأحداث من الصيانة الجات فجأة لدار الاتحاد، إلى الهتافات الليلية لموتوري "حاو" اختصارا لاسم حركة الإسلاميين الوطنيين" كتغيير جلد مع بدايات انقلابهم المشؤوم، ثم إصرار لجنة الانتخابات على "الفرز المركزي" بدار الاتحاد كبدعة جديدة على انتخابات اتحاد الطلاب. كان الهمس المتصاعد يدور حول وجود فاصل "بارتشن" في الغرفة التي تم فيها الفرز، أو وجود غرفة سرية وليها باب سري! هناك ممارسات تمت قبل الاقتراع. في الداخليات تم رصد اكتر من حالة فقدان بطاقة جامعية، ولم تكن حالات فردية منعزلة، بل كانت ظاهرة مقصود منها حرمان الطلاب من حقهم في التصويت لأن البطاقة الجامعية كانت شرط صحة ووجوب في التصويت .
سيف اليزل المكي: شهدت تلك الفترة ولكن لليوم أحاول أن أفهم كيف تم التزوير فلم أستوعب شيء .. ظللت في توهان من تلك الفترة حتى كتابة هذه السطور
أسامه إدريس:
كنت ممثل الطلاب المحايدين وكنت متواجدا في الغرفة التي وضعت فيها جميع الصناديق في دار الاتحاد ( قبل التزوير) مع بقية ممثلي التنظيمات السياسية الأخرى لأننا كنا متيقنين انه سيتم التزوير بعد إجماع طلاب الجامعة على قائمة المحايدين بقيادة إسماعيل والي. واذكر أنني عند وضع الصناديق في الغرفة بجانب الحائط وهي مشمعة كنت اعلّمها بالقلم مع الحائط حتى اعرف هل تحركت من مكانها أم لا .. وعندما جئنا عند فتح الغرفة وكنا مصرين أن نتواجد فيها للصباح تم الرفض من قبل لجنة الانتخابات، ولكن كنا متواجدين بجانب الغرفة مع طلاب الجامعة في دار الاتحاد حتى الصباح. وعندما لاحظت أن الصناديق (الأكياس تحديدا) تحركت من مكانها عرفت أن التزوير قد تم.
عمار محمد ادم
(ملحوظة: شهادة عمار محمد آدم تكتسب أهمية مفصلية لأنه كان ضمن كوادر الجبهة الإسلامية. ففي إفادته هذه يكشف عمار حقيقة التزوير، والأهم أن عمار كشف "الفتوى" التي استباحت بها الحكومة علمية السرقة والتزوير) يقول عمار في إفادته: عدت لمواصلة دراستي بكلية الآداب جامعة الخرطوم وامتحنت السمستر الأول ولم يكن لي نشاط سياسي بسبب فارق السن بيني وبين الطلاب، وكنت اجلس دائما بعيدا منفردا استرجع وحدي شريط الذكريات في حقبة الثمانينات. وجاءت تلكم اللحظة الفاصلة في حياتي حينما كنت اجلس في العلوم (الأندر لآب ) وجاءني من الإسلاميين طالب بالجامعة وروى لي كل ما جرى من تزوير وكان ذلك في يوم إعلان النتيجة 1993. كانت الأجواء في الجامعة متوترة للغاية إلا أن الجميع ليس لديهم أي دليل على التزوير سوى أن صندوق الآداب قد نقصت بطاقاته من 450 إلى 300 بطاقة. إذن كانت هنالك 150 بطاقة مفقودة! .. كان لابد لي من أن أتبين الحقيقة حتى لا أصيبهم بجهالة فأصبح نادما. ذهبت إلى الإسلاميين في مسجد الجامعة استفسر عن حقيقة الأمر فأكدوا لي التزوير .. وقالوا أنهم قد وصلتهم فتوى بجواز التزوير وذلك حينما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لنعيم بن مسعود "خذّل عنا القوم" !!!! أدركت أن المعلومة التي وصلتني صحيحة. اتصلت بالسيد مدير الجامعة مأمون حميدة بواسطة احد الأساتذة ولكن مأمون حميدة رفض مقابلتي .. كانت الجامعة تغلي في تلك اللحظات والجميع حيرى كيف تم التزوير وهم قد صحبوا الصناديق وباتوا معها .. وحدي كنت اعلم تفاصيل عملية التزوير وما ينبغي لي أن اسكت. عدت من مكتب المدير ووقفت في مدخل قسم الجغرافيا مابين الآداب والاقتصاد وناديت الطلاب بأعلى صوتي أنى اعلم حقيقة ما جرى من تزوير .. وبدأت اروي لهم ما حدث وتكاثرت جموعهم حولي .. واجبرني الطلاب على الصعود إلى أعلى عربة اللاندروفر الواقفة أمام الجغرافيا، فصعدت وبدأت اروي والطلاب يستمعون في صمت رهيب وقد حبسوا أنفاسهم ... هل تذكرون بان إدارة الجامعة متمثلة في عمادة الطلاب قد قامت بعمل صيانة لدار الإتحاد قبل الانتخابات بشهرين أو اقل؟
مرتضى جعفر:
أذكر أيضا أن عمار محمد آدم، قد أعتقل بسبب كشفه لجريمة تزوير انتخابات إتحاد طلاب جامعة الخرطوم دورة 1992-1993 والتي كان يرأس لجنة تلك الانتخابات المزور زيدان عبده زيدان ذلك الكوز الذي أتوا به من خارج الجامعة لأن الإتحاد السابق الذي ألحق الهزيمة بتنظيم الجبهة القومية الطلابي قد تم حله وجمد نشاط الإتحاد لدورة، بالتالي لم يكن بالإمكان أن يشرف الإتحاد المنصرف على إجراء الانتخابات الجديدة. المهم لمن جينا المعتقل لقينا عمار موجود قبلنا وعندما دفع بنا إلى الداخل رأيته يتوضأ وكانت بيني وبينه معرفة فقام ليحييني، دار بخلدي أن الركن الذي نظمه صباح ذلك اليوم والذي كشف من خلاله التزوير بالرسومات، كان مجرد مسرحية، و أنه الآن في مقر عمله الحقيقي "جهاز الأمن" لكن قناعتي تلك تبددت عندما رأيت عمار وقد عذب تعذيبا شديدا في الأيام التالية، حيث حبس انفراديا وعذب بالكهرباء، حتى أنه صرخ في ليلة من الليالي قائلا أن في زنزانته جن غير مسلم يقوم بضربه ويحاول الاعتداء عليه، أذكر أيضا أن الأستاذ سيد أحمد الحسين قام بتهدئته وطلب منه قراءة المعوذتين وآية الكرسي.
بخاري عثمان الأمين: كنت أحد أعضاء لجنة الفرز النهائي الذي تم بدار الاتحاد ممثلا للجبهة الديمقراطية. عمار محمد ادم امتلك معلومة مهمة وهي كيف تم التزوير .. عموما عملنا قبلها بكثير على توقع كل سيناريوهات التزوير. ولكن مهما أسأت بهم الظن ستجدهم أسوأ مما ظننت.
بابكر عثمان مكي: نعم لم نندهش ولن نندهش لأي شيء. وعند اعتصامنا في مكتب مدير الجامعة تم اعتقالنا واقتيادنا لبيوت الأمن بالقيادة العامة، وتم إطلاق سراحنا الساعة الثالثة صباحا فعدنا نجرجر أرجلنا جوعا وبطشا.
محمد خليفه:
كنت بالسنة الأولى بكلية الطب حينها ولا تزال الذاكرة محتفظة بجزء كبير من تفاصيل تلك الأحداث المريرة. الشيء الذي يصعب استيعابه هو كيف يمكن لطلبة أن يقدموا علي ارتكاب جريمة زي دي دون أن يرف لهم جفن؟ ما حصل كان نتاج طبيعي للازمة داخل الحركة الإسلامية. فالتربية التنظيمية عندهم خلت من أي جانب تربوي ولم تحكمها أي معايير أخلاقية .. جاءت انتخابات اتحاد طلاب جامعة الخرطوم 1993 بعد مضي أكثر من عامين من أحداث المقاطعة وتجميد الاتحاد. خاض الطلاب خلال تلك الفترة معركة مع العمادة لاستعادة المنبر النقابي الطلابي تتوجت بانتصار ساحق للقوى الوطنية في استفتاء تعديل الدستور. وقد تضمن الاستفتاء أربعة مواد, من ضمنها كان التصويت على قيام الانتخابات عن طريق القوائم (التمثيل الحر المباشر) مقابل التمثيل عبر الكليات والذي يعد واحد من أشكال التمثيل النسبي. وصوت مؤيدو كل التنظيمات بما فيهم الكيزان لصالح الحر المباشر. الإجماع حول خيار الحر المباشر اقتضته ضرورة مرحلية حيث كان من المستحيل التقاء القوى الوطنية مع حركة الإسلاميين (حاو) تحت سقف واحد في ذلك الجو المحتقن وكل تلك الدماء الطلابية التي سالت منذ مجيء الإنقاذ. أما المادة التي فصلت بين أصوات داعمي القوي الوطنية والإسلاميين فكانت حول قيام مجلس أربعيني مقابل مجلس ستيني حيث صوت الكيزان للخيار الثاني. أهمية تلك المادة أنها أعطت إشارة واضحة على تفوق القوى الوطنية علي الكيزان. الاتجاه الإسلامي استفاد من ذلك الاستفتاء, ففارق الأصوات في الاستفتاء والذي تجاوز الألفين صوت كان كبيرا بدرجة تصعب معها محاولات التزوير التقليدية مثل استنفار كل من هب ودب من أشياعهم خارج الجامعة للتصويت ببطاقات مزورة. فتفتقت عبقريتهم الإجرامية عن تلك الفكرة الشيطانية بتغيير الصناديق في عضمها! تلك الجريمة كانت اكبر من قدرات التنظيم الطلابي للجبهة، لذا ساهمت السلطة الحاكمة بكل عدها وعتادها فيها ابتداء من علي عثمان محمد طه الذي أعطى الضوء الأخضر من داخل مسجد الجامعة ومرورا بتواطؤ الشرطة التي تم تغيير الصناديق داخل مبنى الاتحاد تحت مرأى ومسمع منها وانتهاء بدور العمادة و زيدان عبده زيدان رئيس لجنة الانتخابات حينها في التستر ومباركة النتيجة المزورة.
كل الشواهد كانت تشير إلي عزم الكيزان علي التزوير. أولا: فترة التصويت امتدت ليومين علي غير العادة في انتخابات اتحاد الطلاب. ثانيا: معظم الكيزان غابوا عن مراكز الاقتراع في اليوم الأول للانتخابات. ثالثا: ترحيل صناديق اليوم الأول إلي دار الاتحاد بدلا من إبقائها تحت الحراسة في مراكزها. بعد انتهاء العملية الانتخابية وبدء العد ظهرت الفروق في عدد البطاقات في أكثر من مركز وليس في كلية الآداب فقط. أذكر جيدا احتجاج المراقبين بمركز علوم حيث بلغ الفرق بين عدد البطاقات النهائي والعدد الفعلي أكثر من 20 بطاقة. والمضحك المبكي أن جماعة الإخوان المسلمين جناح صادق عبد الله عبد الماجد لم يحرزوا أي أصوات بمركز الآداب بالرغم من أن أربعة من مرشحيهم للمجلس الأربعيني يدرسون بنفس الكلية! كل القرائن كانت تشير إلي أن عملية التبديل حدثت داخل دار الاتحاد بعد ترحيل صناديق اليوم الأول. التقيت بعد عشرة أعوام من الأحداث بأحد الذين شاركوا في التزوير من طلاب كلية الطب وكان يدرس بالسنة الثالثة حينها. وقد أكد لي ذلك الكوز بالمعاش بان التزوير تم عن طريق تبديل الصناديق عبر فتحات التكييف من الجهة الخلفية من مباني الدار. بالطبع ما حدث من تزييف لإرادة الطلاب لا يحتاج لمثل تلك الروايات للتأكيد على وقوعها، ولكنها تساهم في تفسير كيف تمكن الكيزان من التزوير بالرغم من المراقبة الطلابية اللصيقة.
محمد اشرف:
(نقل إفادته عمار محمد آدم) بمجيء حكومة الجبهة الإسلامية إلى سدة الحكم في السودان بانقلابها في 1989م، دخل العمل السياسي بجامعة الخرطوم إلى حيز جديد لم تشهده من قبل من تدمير لمؤسسات الجامعة ومصادرة لحق الطلاب في العمل النقابي والسكن والإعاشة. ولكن حادثة التزوير التي جرت في انتخابات الجامعة عام 1993 تظل العلامة البارزة في تاريخ هذه الجامعة والجامعات الأخرى لأنها مثلت كمال العجز السياسي للجبهة الإسلامية و تنظيمها المسمى آنذاك حركة الإسلاميين الوطنيين. حين فشلت كل سياسات ومخططات تنظيم الكيزان في الوصول إلى منبر الاتحاد، لجأوا إلى التزوير كوسيلة دخيلة على الإرث السياسي طوال تاريخ الصراع حول الاتحاد. فتحول شرف التخاصم و التنافس الشريف إلى لعبة قذرة في يد هؤلاء المجرمين. اتحدت كل التنظيمات السياسية قبيل الانتخابات بالاصطفاف خلف قائمة موحدة ضد الكيزان وتنازلت لصالح تنظيم الطلاب المحايدين وقائمتهم بعد أن فشلت كل المحاولات لتشكيل قائمة موحدة من كل الفصائل السياسية وأصر الطلاب المحايدين على قائمتهم فلم يكن من خيار آخر غير ذلك. فآثرت تنظيمات الجبهة الديمقراطية-رابطة الطلاب الاتحاديين الديمقراطيين- حزب الأمة و الطلاب الأنصار – مؤتمر الطلاب المستقلين – الجبهة الوطنية الأفريقية (ANF) – جبهة كفاح الطلبة و منظمة حزب البعث قبل الانتخابات بيوم التنازل والتصويت لقائمة تضم أربعين طالبا من الطلاب المحايدين. فكانت هناك ثلاث قوائم: المحايدون، حركة الإسلاميين الوطنيين(الكيزان) وقائمة الإصلاح. وكسابقة جديدة في تاريخ الانتخابات بهذه الجامعة أصرت لجنة الانتخابات التي يرأسها الدكتور مأمون حميدة مدير الجامعة على أن تجرى الانتخابات على مدى يومين بحجة إعطاء الفرصة لكل الطلاب في التصويت والمشاركة. احتجت التنظيمات السياسية على هذا الإجراء ولكنها عادت ووافقت خوفا من إلغاء الانتخابات ومصادرة الدستور كما حدث في سبتمبر 1991م. كان الطلاب على يقين من أن هناك شيء يدبر في الخفاء على الرغم من عدم قدرتهم على تحديده ولوحظ لظهور عدد من قيادات الكيزان داخل الجامعة أمثال التيجانى المشرف وحسين خوجلي، كما لوحظت حركة دائبة بمسجد الجامعة الذي يعرف ب (جامع القزاز) وكانت حصيلة التصويت ترفع إليهم هناك على راس كل ساعة من المراكز المختلفة. بنهاية التصويت لليوم الأول كان الاختلاف حول المكان الذي يجب أن تحفظ فيه صناديق الاقتراع. في الواقع لم تكن صناديق بل أكياس من الدمورية. كانت إدارة الانتخابات مصرة على نقل وحراسة الأكياس بدار الاتحاد بشارع النيل بينما أصر ممثلو الطلاب على أن تظل بمراكز الكليات وتتم حراستها هناك. وكان إصرار الكيزان مبعثا للشك والغرابة. فكيف تنقل الأكياس من مجمعات طب والتربية وشمبات إلى دار الاتحاد ثم تعاد في الصباح الباكر إلى هذه المجمعات مرة أخرى؟ وهنا زادت المخاوف وارتفعت الأصوات التي تحذر من التزوير. في مساء ذلك لم يذهب الطلاب للنوم في داخلياتهم وبيوتهم بل سهروا على حراسة أكياس التصويت أمام حجرة المجلس الأربعيني بدار الاتحاد والأغلبية كانت داخل الجامعة على استعداد لحالات الطوارئ. وحوالي الساعة الثالثة صباحا من ذلك اليوم وفيما كان ممثلو الطلاب يحرسون أكياس الاقتراع سمعت أصوات تكبير وتهليل خارج دار الاتحاد بجوار سينما النيل الأزرق، فظن الطلاب أنها محاولة من الكيزان للهجوم على الأكياس وإحباط العملية الانتخابية لان كل المؤشرات كانت تدل على فوز قائمة الطلاب. هرع الطلاب إلى خارج الدار ودخلوا في مناوشات هتافية مضادة للكيزان استمرت لعشر دقائق تقريبا، ثم عاد الكيزان أدراجهم إلى جامع القزاز ورجع الطلاب إلى حراستهم. في صباح اليوم الثاني حملت الأكياس إلى مراكز الاقتراع تحت حراسة مشددة! ولوحظ في هذا اليوم أن الكيزان قاموا بالإدلاء بأصواتهم، واتضح أنهم لم يصوتوا في اليوم الأول فكان اليوم الأول خالصا لقائمة الطلاب واليوم الثاني للكيزان. في مساء هذا اليوم الثاني وصباح اليوم الثالث جرى فرز الأصوات وكانت النتيجة فوز كاسح لقائمة الكيزان مع ذهول وشك الطلاب وغضبهم. هنا أدرك الطلاب أن التزوير قد تم .. كيف تم التزوير إذن؟ قام طالب من كلية الآداب يدعى عمار محمد ادم ذكر انه كان يعمل كحارس شخصي لحسن الترابي وصحفي في نفس الوقت بكشف وقائع التزوير موضحا انه في اليوم الذي تمت فيه حراسة الأصوات وجاء فيه الكيزان وناوشوا الطلاب بالتهليل والتكبير، في ذاك الوقت جاء عدد من الكيزان والامنجية في زى رجال الشرطة ودخلوا الغرفة وقاموا بتبديل الأكياس المملوءة بأصوات الطلاب بأكياس جاهزة أخرى مملوءة بأصوات كيزان مزورة. هذه الغرفة اتضح أنها خضعت لصيانة قبل أسبوع فقط من الانتخابات، حيث تم عمل فتحة من الخشب (partition) في الجدار الفاصل بين الغرفتين تسللوا منها إلى غرفة المجلس الأربعيني ...! .. كانت نتيجة الانتخابات عبارة عن مفارقات و طرائف مخزية للكيزان: 1/ فوز كاسح لقائمة الكيزان في عدة كليات لا يتجاوز عددهم فيها الأصابع. 2/ اختفاء أصوات قائمة الإصلاح ( أنصار السنة والأخوان المسلمين جناح صادق عبد الماجد) في بعض مراكز الكليات مع العلم بوجود طلاب مرشحين في القائمة. أي أنهم لم يصوتوا حتى لأنفسهم! 3/ لم ينته الفرز في كليتي الآداب والعلوم لوقت متأخر لإصرار ممثلي التنظيمات داخل اللجنة على عدم التوقيع على نتيجة الفرز حيث وجدوا أن عدد الأوراق بلجنة آداب تفوق عدد الطلاب الذين صوتوا. وفى كلية العلوم حدث العكس أي أن عدد الأوراق اقل من عدد الطلاب الذين صوتوا بكشف الأسماء. وعندما تمت محاصرة الكيزان من أين لهم بآلاف الأصوات التي فوزتهم كان ردهم أن الملائكة جاءت ليلا و صوتت لهم. سارع مدير الجامعة مأمون حميدة إلى قبول نتيجة الانتخابات مما أدى إلى اعتصام شهير أمام مكتب مدير الجامعة ورفعت دعوى قضائية بعدم شرعية الاتحاد ودعت التنظيمات الوطنية إلى مقاطعة شاملة لكل أنشطة الاتحاد ما عدا الأنشطة الخدمية المباشرة للطلاب . وقد عرف ذلك الاتحاد باتحاد التزوير ..
محمد إبراهيم الشيخ:
الذين امتدت أياديهم وسلبوا الشعب ماله ومقدراته وانتهكوا أعراضه و سفكوا دماء الشرفاء وعذبوا وجلدوا وضربوا واغتصبوا لن يعجزهم أن يزوروا إرادة الناس .. فمن وجد الفتوى جاهزة تحلل عمل الكبائر والمنكرات لا يعجزه أن ينتهك الصغائر. أعود إلى تلك الأيام حيث كانت كل المؤشرات تؤكد أن المحايدين سيحققون فوزاً كاسحاً في الانتخابات على قائمة (حاو) خاصة عقب نتيجة الاستفتاء بعد أن جاءت النتيجة صادمة لهم. وهي التزوير. الترابي هو عراب النظام حينها وهو من أفتى بهذه الفتوى وأباح لهم التزوير .. كنت مراقباً عن مؤتمر الطلاب المستقلين في مركز مدرسة العلوم الإدارية وكانت المدرسة معروفة بأنها بؤرة نشطة لتنظيم (حاو) وبالرغم من ذلك لم يفوزوا فيها حيث كان عدد المقترعين يتجاوز المائتين بقليل فما بالك بالكليات الأخرى مثل الهندسة والعلوم والآداب والطب والزراعة؟ بالتأكيد سيكون فوز المحايدين أكثر من مضمون. كانت نسبة فوز جيدة للمحايدين بالمدرسة. وقد في حكم المؤكد أن ينال الشرفاء في كلية القانون المجاورة لنا ذات شرف تقطيع أوصال الكيزان في مقر حمى القانون .. وكنا من أوائل من فرغوا من الفرز وعد الأصوات وخرجنا فرحين بما غنمنا. لكننا فوجئنا عند أول إشراقات الصباح الباكر بالأخبار المتواترة من كلية الآداب والعلوم والهندسة بأن (حاو) تتقدم .. يا لها من صدمة .. كيف حدث ذلك؟ ساعات مرت ونحن نسمع أصوات التكبير والتهليل صاخبة في أرجاء الجامعة هكذا دون حياء ونحن الذين كنا نهيئ أنفسنا لنهتف في وجوههم سقطت سقطت يا كيزان ... يا خرطوم اشتعلي اشتعلي وخلي عصابة الجبهة تولي ... هكذا أنقلب الحال فجأة إلى النقيض ... حتى بدأت خيوط المؤامرة تتكشف شيئاً فشيئاً فعلمنا بعدد بطاقات الآداب المفقودة والزائدة والتي بلغت المئات، وكذلك في مراكز الهندسة والعلوم والاقتصاد. حينها أرتاح القلب قليلاً على ضفة المبررات المقنعة. إذن هي وسيلة العاجزين، التزوير وسرقة إرادة الطلاب. ثم استمعنا بإنصات لمخاطبة عمار محمد آدم فأزالت كثيراً من الرهق الذي حاق بالنفوس لحظتها. يجب أن أذكر أن دستور الإتحاد كان ينص على أن أي زيادة أو نقصان بعدد خمس بطاقات تستوجب إعادة الاقتراع في المركز، علماً أن الزيادات كانت بالمئات وليس خمس. أي والله هكذا كانت مواد الدستور تنص ولكن لجنة (تزوير) الانتخابات رفضت كل الطعون واعتمدت النتيجة المخزية وتم تثبيت وصمة عار أخرى في جبين النظام والكيزان بعد عديد المخازي مثل إعدام مجدي وضباط حركة 28 رمضان واغتيال بشير والتاية وسليم وطارق محمد إبراهيم وتعذيب الدكتور علي فضل حتى قضى نحبه داخل معتقلات نافع على نافع وتعذيب دكتور حمودة فتح الرحمن حتى تم بتر قدمه وغيرهم كثيرون. بعد ذلك توالت الاحتجاجات في الجامعة حتى تم اقتحامها بواسطة أمن الحكومة والاحتياطي المركزي بعد أن أمطروها بوابل من الرصاص والغاز الحارق للعيون وكنت من بين الذين اعتقلوا من داخل مكتب مدير الجامعة، ثم ضربنا بالهراوات الغليظة بقسوة مبالغ فيها وأصبت في الرأس وفقدت الوعي وسقطت على أعتاب الدرج المؤدي إلى الحوش الصغير الفاصل بين مكتب المدير وبوابة الجامعة الخلفية.
جوك بيونغ: واحد كوز صغير جلس وتحدث معي في كافتريا القانون قال لي لمين تصوت؟ قلت له للشيطان !!..
حاتم الفاضل: أنها لعبة شيطانية لم نتوقعها ولم يتوقعها أحد. كل ما نعرفه إنها عملية تزوير متقنة تم الترتيب لها بدقة تفوق عقليتنا الطلابية آنذاك.
(انتهت الإفادات)
إعداد مسرح الجريمة:
برغم طول بعض الإفادات، فقد رأيت أن أفرد لها معظم مساحة هذا الجزء لأنها أولا شهادات إثبات في قضية هامة، وهي مستند القرائن ووسيلة استحضار تفاصيل الواقعة، أو إن شئت الجريمة. وبرغم الطول، لكن السرد القصصي والانفعالات الصادقة تغريان بالقراءة. كذلك كان من الضروري الأخذ بالشهادات لأنها تكاد تتفق على أدق التفاصيل برغم اختلاف المشارب السياسية للشهود وغياب أي تنسيق بين الشهود وبقاء الحدث وتفاصليه محفورة بعمق في ذاكرتهم برغم مضي السنوات. ثم جاءت شهادات الطلاب أتباع الجبهة السياسية الإسلامية مؤكدة لشهادات الشهود. ومن مجمل الإفادات، سوف أعمل على ترسيم مشاهد الواقعة الجريمة في الفقرات التالية:
1 قامت حكومة الجبهة السياسية الإسلامية بتركيب جدار خشبي مموه عليه باب سري يفصل بين الغرفة التي وضعوا فيها صناديق (أكياس) الأصوات وبين الغرفة المصطنعة المجاورة. هذا ما يسمى بإعداد المسرح، وقد تم ذلك تحت مزاعم صيانة دار الاتحاد، حيث تم منع الطلاب من دخول دار الاتحاد أو عبورها طيلة فترة العملية السرّية. عملية الصيانة التمويهية جرت قبل شهور من الانتخابات، الأمر الذي يثبت نية التزوير. وبذلك تكون الصيانة نفسها ضمن أدوات التمويه.
2 إصرار إدارة الجامعة ولجنتها الحكومية على الاقتراع خلال يومين بدلا عن يوم واحد. وهو إصرار مؤكد لنية التزوير وجزء متتم لعملية التزوير والسرقة نسبة لعدم وجود دوافع موضوعية لإضافة يوم ثان،
3 إصرار إدارة الجامعة ولجنتها الحكومية على نقل الصناديق من مراكز الاقتراع إلى دار الاتحاد، وهو إجراء يتنافى مع كل أسس الانتخابات في العالم والتي تقضي بعدم تحريك أو نقل صندوق الاقتراع مع حراسته في مكانه حتى تنتهي عمليات الاقتراع، ثم يجري الفرز في نفس مركز الاقتراع تفاديا لأي احتمال للشك المبرر في حال تحريك الصندوق ولو لبضعة أمتار. وعليه فإن قرار نقل الصناديق "الأكياس" هو جزء من خطة السرقة والتزوير،
4 قرار قيادة الجبهة السياسية الإسلامية بمنع أتباعها من الطلاب من المشاركة في عمليات الاقتراع طيلة اليوم الأول من الانتخابات، والتصويت فقط في اليوم الثاني. وإذا قرأنا هذا القرار على الوجهة الصحيحة في ضوء المعطيات، نجد أن قرار إرجاء الاقتراع إلى اليوم الثاني كان يستهدف أولا وأخيرا أصوات الطلاب من غير أعضاء حزب الجبهة السياسية الإسلامية بنّية سرقة واستبعاد هذه الأصوات واستبدالها تزويرا. فقد أثبتت الوقائع أن قرار منع طلاب الجبهة السياسية الإسلامية عن الاقتراع في اليوم الأول كان عملية "استدراج" لأصوات الأفرقاء السياسيين وجمعها في مكان واحد، تمهيدا لسرقتها واستبدالها بأصوات مزورة على الوجهة التي تمت. (تدبير جنائي + سرقة + تزوير)
تنفيذ الجريمة:
5 بعد منتصف الليل دخلت مجموعة من عناصر الجبهة السياسية الإسلامية منتحلة شخصيات الشرطة وبأزياء شرطية مزورة، وعبرت المجموعة، المزورة هي أيضا، من الباب السري وقاموا بسرقة صناديق "أكياس" الانتخابات التي كانت معبأة بكامل أصوات الطلاب من غير التابعين لحزب الجبهة السياسية الإسلامية،
6 قامت المجموعة المنتحلة باستبدال صناديق "أكياس" الانتخابات المسروقة بأخرى معبأة بأصوات انتخابية مزورة. بعملية حسابية بسيطة تعرفت قيادات حزب الجبهة الإسلامية على عدد البطاقات المزورة التي تم وضعها داخل كل كيس مستبدل، وذلك بطرح عدد الطلاب أتباعهم من العدد الكلي للطلاب في كل مركز انتخابي. لكن هامش الخطأ فاق تقديراتهم في بعض المراكز كما لاحظنا.
7 حسب تعليمات قيادة الجبهة السياسية الإسلامية، قام أتباعها الطلاب بالاقتراع في اليوم الثاني. اقتراع الطلاب أتباع الجبهة السياسية الإسلامية لا يعدو كونه جزء من عملية التمويه لإخفاء السرقة والتزوير، ومن ثم استكمال عملية التزوير ببطاقات حقيقية. طبعا كان في مقدور قيادة الجبهة السياسية الإسلامية حشو الأكياس ببطاقات مزورة تعادل أصوات جميع الطلاب. إلا أن ذلك كان يتطلب عدم إدلاء أتباعها الطلاب بأصواتهم، الأمر الذي كان من شأنه أن يفضح عمليات التزوير والسرقة مهما قيل عن الملائكة التي أدلت بأصواتها!
فعلا كانت خطة إجرامية شيطانية لا تخطر إلا على عقل شياطين مردوا على المكر السيئ. وليس من باب الصدفة أن يرد اسم "الشيطان" في معظم شهادات الشهود "فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ" سورة الأعراف. وسوف نكتفي هنا بهذه الآية الكريمة هاديا إلى أن نعود ونبحث في أمر الشيطان لاحقا! لكن الثابت حتى الآن أن قيادة الجبهة السياسية الإسلامية هي العقل الشيطاني "الظاهر" الذي دبّر وأعد مسرح الجريمة وقام بعمليات التنفيذ وأصدر التعليمات لأتباعه من الطلاب الذين أذعنوا للأوامر ونفذوها بدقة وعن أيمان!
وحتى لو حملنا ما ورد في الفقرتين (2) و (3) محمل الجهل بالإجراءات الانتخابية، فإن ما ورد في الفقرة (1) أي بناء الجدار الخشبي المموه والباب السري قبل فترة طويلة من الانتخابات، يكفي وحده لإثبات التدبير والنية المسبقة لارتكاب جريمة السرقة والتزوير عن إصرار مبيت، وتحديدا منذ أن خسر حزب الجبة السياسية الإسلامية الاتحاد في الدورة السابقة، ثم تأكد ذلك بموجب الاستفتاء الذي جزم بسقوط أتباع الحكومة. وقد اكتملت أركان الجرم ووقع ثبوته قطعيا عشية التنفيذ الذي تم. ولهذه المعطيات من تدبير مسبق وإعداد للمسرح وتنفيذ كامل لعمل يخالف القوانين الجنائية، فإن الواقعة تصنف حسب القوانين الجنائية كافة في داخل السودان وفي خارجه كونها: جريمة جنائية مكتملة الأركان ثابتة على مرتكبيها مشفوعة بشهادة الشهود وأدلة مادية غير قابلة للنقض منها الفروق في عدد البطاقات والجدار المموه والباب السري، ثم الاعتراف الصريح (حيث عمار محمد آدم للطلاب) الذي فك شفرة التزوير التي حيرت الطلاب، علاوة على اعترافات الطلاب أتباع الجبهة السياسية الإسلامية. ومن الواضح جدا أن خطة حزب الجبهة السياسية الإسلامية كانت تتضمن التنصل التام عن الجرم برمته وإلقاء اللوم والتقصير على لجنة الانتخابات وإدارة الجامعة، إلا أن اعتراف الطالب آنذاك عمار قطع الطريق أمام زعامات الجبهة السياسية الإسلامية. كذلك كان للاعتراف أهميته في تعرية الفتوى التي زورت الدين واستغلته في تضليل الطلاب الأتباع وتخديرهم وسوقهم كالأنعام أو أضل سبيلا لارتكاب جملة من الجرائم والمعاصي التي يحرم ارتكابها الدين الإسلامي وكل الأديان وتجرمها القوانين الوضعية. لذلك عذبوا عمار عذابا نكرا وانتقموا منه شر انتقام!
كل فعل يخالف القوانين الجنائية كافة، هو فعل يخالف الأخلاق العامة والعدل والحقوق. ولما كانت الأديان كافة قد نزلت من أجل القيم والعدالة والحقوق، ثم من حيث أن القوانين الجنائية الوضعية السائدة في عالم اليوم بلا استثناء تستبطن في متونها وفقهها أثر الرسالات السماوية والأعراف والأخلاق العامة، فإن كل عمل أو فعل يخالف القوانين الجنائية الوضعية هو بالضرورة عمل مخالف للرسالات السماوية كافة والأخلاق. ولن نجد عملا أو فعلا تدينه القوانين الجنائية تقبله الرسالات السماوية. ومن نافل القول أن جرائم السرقة والتزوير وأكل حقوق الناس بالباطل كلها جرائم في نظر القوانين الوضعية الجنائية مثلما هي جرائم في نظر الرسالات السماوية كافة. وضمن هذا التجريم المتفق عليه، تدخل جريمة الاستيلاء على الحكم بالقوة بحكم أن الحكم حق كفله الله للشعب كافة بلا وصاية من فئة، فالله هو الديموقراطي الأعظم. وعليه نقول أن الانقلابات العسكرية التي تصادر حقوق المجتمعات حرام ورد تحريمها في محكم التنزيل (راجع مقالي تحت عنوان: إنك لا تهدي من أحببت) وعليه فإن كل عمل يترتب عن الانقلابات العسكرية الفئوية يقع في باب المحرمات. وغني عن القول أن جريمة مصادرة الحريات الإنسانية عمل حرام يرفضه الدين الإسلامي والرسالات كافة باعتبار أن الحرية هي الهبة الإلهية التي ميز بها الله الإنسان دون سائر المخلوقات المسخّرة جميعها. وعليه فإن ما ارتكبته الحكومة وما ترتكبه من تزوير وسرقة هي جرائم تعاقب عليها القوانين الجزائية الوضعية وتدينها الأديان كافة حيث أمر الله بمعاقبة مرتكبيها في الدنيا وفي الآخرة لهم عذاب أليم. ولعلني في هذا المفصل أدعو كل من اتبع هذه الجماعة الحاكمة أن يتحسس إيمانه وعقيدته وأخلاقه وأن يفتي نفسه ويحتكم إلى الأعراف والأخلاق الاجتماعية، وسوف يجد ساعتها أن عليه أن ينجو بنفسه وأهله من عذاب يوم لا خلّة فيه ولا صديق حميم " وَاتَّقُواْ يَوْمًا لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ" " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ"
سوف أتناول في الجزء الثالث المحاور التالية:
أولا: الجريمة مستمرة: قد يظن البعض أن قضية سرقة وتزوير انتخابات الطلاب هي قضية في الماضي، أو أنها قضية فرعية بالنظر إلى الكبائر من الجرائم والفظائع والمعاصي وأنواع الظلم المقيم التي ارتكبتها الجماعة الحاكمة على مدى أكثر من عقدين. لكن الواقع أن هذه القضية لا تزال في الفعل المضارع كمنهاج ووسيلة، وهي من أخطر المعاول التي استخدمتها الجماعة الحاكمة في تدمير التراث الاجتماعي وتستخدمها إلى اليوم في تجريف المستقبل.
ثانيا: أكبر من مجرد انتخابات طلابية: في تلك الانتخابات الطلابية فتحت قيادات الجبهة السياسية الإسلامية "غرفة عمليات" مكونة من أعلى قياداتها. فما الذي يدفع على عثمان طه وحسين خوجلي ونافع وغيرهم للمرابطة في مسجد الجامعة يتلقون التقارير لحظة بلحظة ويصدرون التوجيهات؟ لماذا يخوض هؤلاء معارك كبرى من أجل اتحادات الطلاب والبلد كلها تحت قبضتهم العسكرية؟ هنا أيضا قد يظن البعض الحبل السرّي لهذه الجماعة لم ينقطع عن اتحادات الطلاب، أو أن تفكيرهم لم يخرج عن رحم إدارة البلاد على نسق إدارة اتحادات الطلاب. لكن الواقع أن تواجدهم المكثف آنذاك وإلى اليوم واهتمامهم الكبير بالاتحادات الطلابية وارتكابهم الجرائم والمعاصي وفتاوى تزوير الدين ترجع إلى ما هو أشد خطرا من مجرد الفوز باتحاد طلاب ..
ثالثا: وكلاء شبكة الإسلام السياسي العالمية: لماذا أقدم حسن الترابي وهو في صومعته البعيدة إلى "تنزيل" الفتاوى التي تجيز السرقة والتزوير باسم الله؟ هل ارتكب "الشيخ" حسن الترابي هذه المعصية المخالفة ضحى للإسلام وغيرها لمجرد أن يفوز حزبه باتحاد طلاب؟ وما علاقة الفتوى الكذوب بشبكة الإسلام السياسي العالمي؟ حتى أعود إلى تفصيل هذه النقطة، ألتمس الرجوع إلى مقالي: (الترابي مازال يحكم السودان ! .. أو الحلم الذي دمّر وطنا .. )
رابعا: نعيم بن مسعود وروايات التخذيل الضعيفة: استندت الجبهة السياسية الإسلامية على رواية من عديد الروايات المتداولة عن قصة الصحابي نعيم بن مسعود إبان حصار كفار قريش للمدينة المنورة "الخندق" الذي قال أو قيل عنه أن الرسول صبى الله عليه وسلم قد قال له: "ما استطعت أن تخذل الناس فخذل .." أي أن يخرج نعيم إلى جحافل قريش وزعاماتها ويخذّلهم أي يبعدهم ويفك الحصار عن يثرب. وكما هو معروف فإن قصة نعيم بن مسعود وردت في عديد الروايات أشهرها ثلاث روايات، الأولى مروية على لسان نعيم نفسه والتي تضعه في مقام بطل خارق أوقع الفتنة وهزم الأحزاب وحده، والثانية رواية معمر عن الزهري والتي وصف نعيم يقوله: " وكان نعيم رجلا لا يكتم الحديث" وفي هذه الراوية يعترض الفاروق عمر بن الخطاب، فيقوم الرسول الكريم باستدعاء نعيم ويأمره بعدم نقل العبارة التي سمعها. وتمضي الرواية أن نعيم أفشى ما أمره الرسول الكريم كتمانه! أما الرواية الثالثة فتقول أن الرجل الذي ابتعثه الرسول الكريم هو حذيفة بن اليمان وليس نعيم بن مسعود! سوف أعرض في السياق القادم بمشيئة الله للروايات الثلاثة، لكن تظل الثابتة أن رواية "التخذيل" تظل مجموعة روايات الضعيفة المتناقضة مع بعضها ومع ما ورد في القرآن الكريم حول "الأحزاب" كان من المفترض أن يدرك ضعفها زعامات جماعة تزعم أنها جاءت لتحكم باسم الله في الأرض. فإما أن تكون زعامات الجبهة السياسية الإسلامية جاهلة بأبجديات الدين، وهو جهل لا يرفع عنها المساءلة ولا يجوّز لها افتراء الكذب على الله ورسوله، أو تكون الجبهة السياسية الإسلامية تعرف مثل هذه البديهيات، وتتحرى الكذب والتلفيق على الله ورسوله وتضل عباده وترتكب الجرائم باسم الله وتضلل الشباب باسم الله وتقودهم كما النعاج .. ولها الخيار بين الأمرين.
ونواصل
سالم أحمد سالم
باريس
أكتوبر 2010