الشيطان يعظنا: دكتور الأفندي!

 


 

 

 

{ سأظل أعيش كما أريد، سعيدا بأن أرى الدنيا كلها تتكالب ضدي وسأنتصر بقوانينها. وأربح وأخسر، وأكافح الموت من أجل حياة أفضل، لكني أقبل العدالة، أما خاتمة حياتي فلا أدري عنها شيئا، و لا يهمني أن أدري، ولن أندم مطلقا، فقد عشت الحياة التي خُلقت لها، والتي في دمائي حبها وإيثارها}

الفيلسوف الروماني: لوكيوس سينيكا

(2)
لم نتعود ملاحقة الإخوان المسلمين المهاجرين من ذوي الأصول السودانية، والذين يكتبون في الصحائف الورقية أو الإلكترونية إلا إذا اغترّوا وبدوءا يعظوننا. ولسنا في صدد مقال يراد به وصف المرائيين الإسلاميين الثعالب، الذين بدلّوا جلود الثعابين، ولبسوا لباس التقاة، وانبروا يقدمون العظات للناس !!
*
في مقال دكتور الأفندي الذي عنونه في صحيفة سودانايل ( في نعي الديمقراطية السودانية)، قدم الكاتب موعظة، بأن الوقت قد نفد، وأنه سيترك السودان وأهله لرعاية ربهم، بعد أن قطع الرجاء في الاصلاح الإنساني، وبأن عضو مجلس السيادة التوافقي ( حميدتي ) كان يستحق أن يكون رئيسا للوزراء!!

واشتمل مقاله على مرجعية اللغة الدينية التي تعوّدنا عليها من أبناء الحركة الإسلامية:
(ما هو معلوم من العقل بالضرورة) وهي صورة معدّلة لتناسب الحربائية الجديدة من ( ما هو معلوم من الدّين بالضرورة ) أو( أقاويل المتخرّصين) وهي من قاموس الذين يكتبون الخطابات لنميري: (تخرصات الشيوعيين). أو قصص دينية :(ففي قصة أصحاب القرية اليهودية التي كانت تعتدي في يوم السبت، أن العقوبة السماوية حينما نزلت بها لم ينج منها إلا من كان يقوم بواجب النهي عن الضلالات.)!، أو الرواية وفق الأحاديث الدينية التقليدية: ( حتى لا تكون الحكومة في مقام المرأة التي دخلت النار لأنها حرمت قطةً من كسب رزقها) أو موعظته الشيطانية: ( الحكم الآن لله العلي الخبير في السودان وأهله) وكأنه قد تعب وترك الحلول للخالق!. واختتم مقاله بختام يراه مسكاً!! : (إن أفضل كفاءة في المجلسين ما تزال هي الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، باعتراف الأعضاء قبل غيرهم. فلماذا إذن لا يتولى هو رئاسة الوزراء؟): والتصريح الأخير أوضح من التعليق.
*
أما قصة اختياره لمركز قطر العربي للأبحاث، وقد أورد نصها في صلب مقاله:
(ولا بد أن أذكر هنا أن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كان قد شرّفني بأن أوكل إليّ، مع طائفة من الزملاء والأصدقاء السودانيين في الدوحة وفي الوطن، ترتيب الملتقى السوداني الوحيد الذي جمع كل مكونات الطيف السياسي في البلاد خلال الثورة، للتفاكر في أقصر الطرق لإنجاز التغيير الثوري المطلوب في السودان، وذلك في منتصف فبراير/ شباط من عام 2019. ولو أن أهل الشأن استمعوا لتوصيات ذلك المؤتمر لكنا اليوم في وضع أفضل بكثير.)
فالجهة التي عيّنته والمكان والزمان أوضح من التعليق.
http://www.sudanile.com/index.php/منبر-الرأي/77-7-0-9-4-4-9-9/124611-في-نعي-الديمقراطية-السودانية-بقلم-د-عبد-الوهاب-الأفندي

(3)

نحن لم نتجنّ على الأفندي، فقد كان مسئولا إعلاميا بسفارة السودان بلندن (1990-1997)، تعيّن في وظيفة حكومية في وقت كانت الإنقاذ تحيل معظم مستخدمي الدولة غير الإسلاميين إلى المعاش بسلطة الصالح العام القهرية. وهو الذي قدّم الدعوة للجالية السودانية لاجتماع دكتور الترابي بهم في لندن - وكان حينها الترابي هو القائد الفعلي للسلطة في السودان - عندما سافر إلى هناك بعد خروجه من كذبة السجن. ونذكّر أن المحامي "عبد الباقي عبد الحفيظ الريّح"، في ذلك اللقاء اضطر لنزع قدمه الاصطناعية ( وهو من ضحايا تعذيب الإنقاذ، وانشلّت قدمه مما أدى لبترها) ليريّها دكتور الترابي وهي برهان مادي على التعذيب الذي مارسه عليه أزلام النظام، والذي ردّ عليه الترابي ببساطة: ( إنت عندك سُكري وإنت معارض ساكت)!!.
وصمت الأفندي صمت الشياطين! وهو يعلم علم اليقين حادثة المحامي وتفاصيلها، بل صمت بشأن آخرين من الذين تمّ تعذبيهم منهم: نقيب المهندسين "هاشم محمد أحمد" و" د. سيد محمد عبدالله" و"السر خضر" والشهيد" أمين بدوي" و"مرتضى الباشا "و"الدكتور عبد المنعم عثمان" و"حسن كنترول" و"أحمد طرمبة" و "محمد ميرغني" ...وغيرهم.
لم نجد في كل مقالات دكتور الأفندي ذكرا لمُعذبي بيوت الأشباح، التي عرفتهم كل صحافة العالم، وهم من ضحايا سلطة تنظيم الحركة الإسلامية في السودان، فكيف لا نقدّم مقالنا بأن الشيطان يعظنا!
*
وَرد أسلوب الشيطان ونهجه في كل ثقافات الأديان، وفي أدبيات رواية " السيد الرئيس " للكاتب استورياس، وشكسبير في مسرحيته " العاصفة"، وفيكتور هوجو في " نهاية الشيطان " وكتابات بروميثيوس، وفي أعمال جوته والعقاد وكتابات نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ..وغيرهم. وليس جديدا أن يظهر هو في حياتنا الحقيقية بلحمه ودمه، متوشحاً درجة دكتوراه من جامعة مرموقة في بريطانيا العظمى ليعظنا!!

(4)
كتب "عبدالباقي عبد الحفيظ الريح" في يناير2007 في مدوّنة سودانيات:
{ان الشرير الذي عذبني في برميل زهور به ثلج مدهوس في شتاء قارص من شهر ديسمبر89 ، لا يقل شرا وعدوانا من الذي ترصدني في ليل ضبابي واعتدى عليّ خلسة بكل قوته ثم ولى هاربا...
إن العنف والاعتداء والتعذيب لا مكانا جغرافيا يحدّه يا صديقي في هذا العالم المليء بالأشرار، ..إنه فعلا دفترٌ قديم محظور يتغاضى الطرف عنه الكثيرون: أحزاب ومؤسسات ونقابات وحتى منظمات المجتمع الطوعي، و المجموعة السودانية لضحايا التعذيب التي كان جوهر تأسيسها، تبني هذا الدفتر القديم. صمتت عن الحديث عنه ولكن توثيق الأشياء وطرق التعذيب وصور الضحايا ودراسات استمارة الحالة، وباختصار كل هذه الداتا والمعلومات الواضحة، ستكون جسرا منيعا لهذا الدفتر والذى سكت عنه الجميع دون خشية أو حياء...لذا طرحنا هنا شعار ( اعتراف واعتذار ومصالحة).
وأرى أن الظروف السياسية المعقّدة والتي تمر بها البلاد حاليا، والاستقطاب الحاد الجهوي والعنصري، وهروب الإنسان فيه الى حماية القبيلة والعشيرة، تستوجب فتح هذا الدفتر حتى يكون لنا وطن. إنه دفترٌ قديم سكت عنه الجميع، لم تتناوله اتفاقية نيفاشا ، سكتت عنه مفاوضات أبوجا، غُضّ الطرف عنه في محادثات القاهرة. إنه دفترٌ قديم .سأبحث عنه كل يوم .اجمعوا هنا يا صحاب هذا الدفتر}....

http://sudanyat.net/vb/showthread.php?t=4577&highlight=%C7%E1%C8%C7%DE%ED

عبدالله الشقليني

18 أبريل 2020


alshiglini@gmail.com

 

آراء